CHAPTER 3
❁
❁
اِهتزّ بذعر من كابوس اِنفلت من عتمته ليعثر على جسده بفراش لا ينتمي إليه، مبتل بالعرق وجمجمته تفاقم الألم بها بينما حاول اِستيعاب مكانه.
ضيق جفنيه ووضع كفه على جبينه ثم همس بنبرة منخفضة.
«إلـهي.»
حرر أنفاسه بحذر ثم تشبث بإطار السرير الخشبي ليستقيم؛ فهوى حينما تلاشت قواه بسبب الاِرهاق والحمى.
كانت عند البوابة تحدق صوبه ببرود، تجمدت بموطن قدميها عندما أبصرت اِستيقاظه في حين خططت جيدًا لما ستقدم عليه؛ فخطيئته ليست ببسيطة حتى تتوارى باِعتذار منه. تذكرت حادثة مرضه العام الماضي بعدما أغرقته بالعمل، لقد جاء إلى مكتبه منهكًا ومحترقا من الوجع. اِنتهى به الأمر بعد ذلك فاقدًا لوعيه. لقد ظلّ وفيا للعقد وتجنب الغياب؛ فمن شروط العمل تحت إمرتها أنّ عطلته رهينة بما ستحدده له، قد تحتاج خدماته طوال أيام الأسبوع، ناهيك عن رحلاتها المفاجئة أيضا؛ فشركات عائلتها تدير مشاريع ضخمة عبر العالم.
لطالما اِضطر لمرافقتها إلى كل مكان كالقرين، مسؤولية مراقبة التفاصيل كانت على عاتقه وإنه البئر الذي سيزودها بالمعلومات التي ستلزمها. ليست بمقعد الاِنكار الآن، بيكهيون موظف طموح واِستحق راتبه بجدارة. لقد كان يطبق ما تملي عليه بدقة، وميزة إتقانه لليابانية والصينية والاِنجليزية كانت حافزًا كي تقبل به كسكرتير خاص بها.
خلدها أخذ يلف عقد مشكلتهما لتجد حلّا، إنها تدرك أن بفعلته تلك قد اِقتحم جحيم الشهرة ولا مجال لِانتشاله منها. ستنهشه الصحافة لتقتلع منه دليلا على علاقتهما المستحيلة، كموظف لعين كما يلقبه والدها وإنها إحدى أميرات الملياردير هـان كانغهو.
عندما اِسترجعت وعيها كان ينظر إليها بعيون مثقلة بالتعب، لقد اِكتشف وجوده بشقتها السرية؛ فالأثاث لثم منه الألفة، واِستوعبت أنفاسه التمزق برؤيتها ونظراتها الحادة. ما يتذكره، ليلة بحانة وضيعة وتشانيول الذي كان ينتحب بعدما اِنفصل عن حبيبته سورَا التي قررت الهجرة إلى أمريكا لتعيش مع أختها وتبدأ مستقبلا جديدًا بدونه.
اِستمع إلى حديثه الباكي وهو يحتسي الجعة الرخيصة من فوهتها دفعة واحدة، ظنّ بذلك قد يخفف من صداع رأسه، لم يكن مزاجه عند عتبة الراحة أيضا، الاِنزعاج اِشتد به حالما دشنت عقابه وإنه لا يرى نفسه مذنبًا بخوفه على صحتها، أليس من الطبيعي أن يفعل؟ إنه يشتغل برفقتها منذ سبع سنوات!
«حتما إنك تتساءل الآن..، كيف آل بك الأمر إلينا.»
تقدمت قائلة بخطوات ثابتة؛ فرفرف برموشه باِحتراس كي لا يعتصر مخاض رأسه.
«سيـدتي.»
همس بتقطع بينما وقفت أمامه، لثوان معدودة كان يجهل مقصدها حتى اِنبثقت رائحة عطرها لتشعل نيران ذاكرته. اِندثر ما تبقى من لون بشرته وقد أدركت أنه صار جاهزًا لما ستلقيه. اِرتجفت شفتاه رغم أنّ مقلتاه اِرتكزتا عند وجهها وكأنّ لا حياة بهما.
«هـل اِبتلعـت لسـانك؟»
إنه بورطة قد قضت على مستقبله بالشركة، لم يكن آنذاك بوعيه حتى يتجنب الفضيحة. لا يعلم كيف قد تجرأت يداه على لمسها، وليس من عادته أن ينصاغ لمشاعره. إنه كان جاهلًا بقضيتها واِعتقد أنّ حالته ما هي إلا وهم؛ فقد اِعتاد قربها وأيامه الماضية اِقتصرت عليها فحسب.
وهب وقته كاملًا لأوامرها، إلى أن سقط بمنحدر تشبث عند حافته بغصن قد أوشك على الاِنكسار. كان كعادته، اِلتزم الصمت منتظرًا ردود أفعالها الجافة تلك. إنّ رئيسته ليست كباقي النساء، لا تعتبره إنسانًا حتى وإنه مقر بذلك؛ فلم يسبق لها أن نادته باِسمه أو حتى بلقبه.
«ألـن تبـرر مجددًا؟»
«الاِعتذار سيزيد غضـبك.»
فاه بأسف؛ فهمهمت ثم عقدت ذراعيها فوق صدرها مردفة بطنز.
«من المبهر أنك تعلم ذلك..، الآن كيف سأصلح هذه المشكلة؟..، هل أقوم بمقاضاتك بتهمة التحرش؟»
حاول تخمين عذر وكل ما بجعبته اِتجه إلى ما حدث مع تشانيول؛ فحمحم وتجنب عدستيها ثم قال بنغمة خافتة.
«اِنفصلت عن..، حبيبتي.»
رفعت حاجبًا باِستغراب، إنّ حسب ما تعلمه عنه أن لا أنثى بحياته، مادام أنّ عمله لا يترك له مجالًا ليجد وقتًا للمواعدة.
«كنت محطم القلب..، وفقدت صوابي من الشرب..»
قضم شفته السفلى بينّ أسنانه الأمامية ثم حرر عذره الوحيد وكأنه يقذف منه السيانيد.
«اِختلط ذلك..، وظننت..، أنكِ..، هـي.»
ذلك لم تزردمه، وأصيب بالذعر من نظرة الشر التي اِرتسمت على وجهها، إنها لم تتقبل ما قاله، واِستنكرت تخيل وجه محبوبته بها؟
«تدرك أنك أمام نهايتك؟»
هزّ رأسه باِذعان بينما أكملت جملتها بحدة.
«من شروط العقد..، عليك أن تدفع لي مائة ألف دولار إن أخللت به.»
هدأ وحرك رأسه بالإيجاب.
«مستعد لذلك.»
لأول مرة جعدت شفتيها باِبتسامة شاحبة مستهزئة.
«كنت تستعد لهذا اليوم؟»
تعابير التعجب صبغت ملامحه، ونفى ما جاءت به ثم أجاب بعفوية.
«كلا! كنت أستجمع القليل من سنوات عملي..، لأشتري بيتًا خاصًا بي.»
تنفس الألم وإن أضلاعه لم تعد تتحمل ذلك، لكنّه تلى صلواته إلى الخالق حتى تسرب ما تريده ليغادر إلى منزله.
«كيف سأزيح هذا الآن؟»
سخطت بلظى اِنفعالها الذي تأجج، وأشارت سبابتها إلى هاتفه فوق الخزانة، اِمتثل لأمرها وتفحص تلك المقالات أيضا، إن معضلتها مميتة وأعقد مما قد اِعتقد حتى، لم تكبل بسيرته فحسب، إن أوه سيهون زوج أختها في الحلبة كذلك.
«سأخسر مجلسي بسببكما!..، لا أظن أنّ مائة ألف دولار التي لا تكفي لتغطية تكاليف تنظيف حذائي قد تحلها!»
«سـأستقيـل.»
نبس بثبات وبتر كلماتها بحلقها، أخرجت قهقهة متهكمة.
«أتظن أن ذلك راجع لك؟»
اِستهزائها به طوال تلك السنين كان بحاجة لرشفة فقط من سمها حتى ينفذ ذلك.
«حسب العقد..، عليّ أن أودع المائة ألف دولار ثمنًا لخرقه باِستقالتي في ظل هذه الظروف..، سأحادث هايون لتضخه إلى حساب الشركة.»
تمتم بنبرة مرهقة ثم تشبث بالإطار مجددًا ونهض. تكبد مشقة أن ينحذر برقبته لتحيتها.
«ممتـن..، لـعملي تحت إمرتك..، سيـدتي.»
الصدمة كانت صفعة على فمها؛ فلم تحده عن المضي، وإنه قد أدبر دون أن يلتفت وراءه. غاص بالمصعد وأخذ يستسلم لألمه، شعر بالاِنهيار الذي اِحتاجه منذ الليلة الأولى التي لم ينمها من شدة ثقل المهام التي كانت عليه رغبة في خروج من معاناته.
إزاء البوابة الخارجية كان تشانيول واقفًا ودراجته النارية، أثار التعب على وجهه أيضا، لكنه تغاضى عن ذلك حينما أتت أخت بيكهيون آه يونغ باحثة عنه، إنّ لهما تطبيقًا يربط هواتفهما وعن طريقه وجد مكانه.
اِلتقط تشانيول كتفيه قائلًا بقلق.
«مـاذا فعلت بكَ تلك المتكبـرة الشمطـاء؟»
زفر بيكهيون ثقل صدره ثم نبس بمشقة.
«لنذهب.»
اِمتطى خلفه وغفى مرات عدة بينما اِنتفض هلوعا بكل لحظة يتخيل فيها سقوطه، قاد صديقه دراجته بحذر خشية أذيته، ثم أقرها إزاء مجمعه السكني. ليس بمصلحتهما التوجه إلى بيته؛ فالصحافيون قد اِستعمروا حيه وإن عليه أن يختبئ إلى أن تتكلف صاحبة العنوان بكبح ما ينشرونه.
دلف الحمام واِغتسل بالمياه الدافئة محاولا تجديد نشاطه، ناوله تشانيول أحد أقمصته السوداء وسروالًا رياضيا باللون الرمادي قد نسيه عند مبيته معه السبت الماضي.
أخذ بيكهيون يجفف خصلاته بالمنشفة في حين جاء رفيقه بكوب ماء وحبة خافض للحرارة. جلس برفقته على الأريكة ليشاهدا نتائج الأخبار التي صدحت كالإعصار. خرج أوه سيهون بمؤتمر صحفي وأكد علاقتهما، معلنًا شروعه في إنهاء زواجه من هـان إيرين بشكل رسمي. بدا الأمر وكأنه بتلك السهولة فلم يأبه بمدى دعسه لمركز والده وأسهم شركته.
«إنه مجنون.»
تأتأ تشانيول بذهول وهو يستمع لطعنه في شائعات السكرتير، حينئذ ثار سيهون وزمجر مستنكرًا ربط ميني بموظفها اللعين.
«هل أنتم حمقى؟..، كيف ستنظر إمرأة كميني إلى فأر وضيع؟»
«أيها الوغد.»
هسهس تشانيول واِمتلأ صدره بوغر، لكنّ صديقه ظلّ منغمسًا في هدوءه. لم يكن بأعماقه سوى شعورا الاِحباط والغيرة.
«سأريه.»
همس وهو يحملق بحسابه على أنستاغرام، تفاجأ كلاهما بوصول عدد متابعيه إلى المليون بعدما كان يحتفظ بخمس مائة جلهم من العائلة وأصدقاء له من الثانوية والجامعة.
ذلك أشعل الحماس بتشانيول أيضا بينما ضغط صديقه زرّ المباشر. اِندهش بيكهيون من اِرتفاع عدد المشاهدين إلى عشرة آلاف في دقيقة واحدة، تعليقات تمدح وسامته من الإناث وأخرى ساخرة بينما تنعثه بسندريلا النسخة الرجالية.
حمحم ثم نظر إلى تشانيول الذي صنع قبضة بكفه ليدعمه.
«أرحب بكم..، أدعى بيون بيكهيون..، بعد ما حدث..، اِرتأيت أن أوضح الحقيقة بنفسي.»
اِسترسل ثم صنع تنهيدة وأكمل حديثه بنبرة حازمة!
«اِشتغلت طوال السنوات الماضية بجوار الآنسة هان كسكرتير..، أكن لها كل الاِحترام..، لقد تعلمت الكثير بجوارها..، إنها سيدة أعمال رائعة..، ولم تنزاح عن هذه المرتبة أبدًا..، لقد كنت متعبًا..، وأوشكت أن أسقط..، فحاولت مساعدتي..، إنني لا أبتغي التسبب بأذية لاِسمها..، لذا قدمت اِستقالتي..، فلا تنشروا فضيحة خيالية لا يتقبلها عاقل!»
أخرج ضحكة ساخرة ثم تلفظ:
«كل ما جاء بأخباركم الماضية قصص من نسج الخيال..، وأشمل ذلك أوه سيهون أيضا..»
صمت للحظة قبل أن ينطق مخاطبا إياه بتهكم:
«من المضحك أن باِعتقادك قد تتمكن من توريطها بهذه اللعبة الخبيثة..، مازالت تجهل معدني جيدًا..، لقد لهوت في الملعب الخاطئ.»
أغلق المباشر بسبب التبليغات التي داهمته، شريط بثه المباشر فصل لكنه اِنتشر بلهيبه، لم يكتفي مما أباح به؛ فنشر بجواره شريطًا آخرًا للقطات من ذلك الحفل حينما لحق بها سيهون فور توجهها إلى المرحاض لتعيد ترتيب زينتها، تتبع بيكهيون خطواتها وأشعل هاتفه ليقوم بتصوير ما يحدث تحسبًا لأي طارئ.
عندما أبصره يتسلل إلى ذلك الرواق ثم هتف باِسمها، اِختبأ وراء المزهرية! اِلتفتت بشكل تلقائي بينما دنا سيهون إليها ليقبلها، حتى يحظى المصور بزاوية ممتازة تظهرهما بصدد صنع قبلة، لكن ذلك اِنتهى بدحرها له وزمجرت بحدة.
«أيها الملعون.»
نوى بيكهيون التدخل، لكنه تذكر تعليماتها، أن لا يتصرف ضد هذا الرجل مهما كانت شناعة ذنوبه. لوى ذلك السافل رسغها؛ فتأوهت بينما بحثت بعدستيها عمّ إذا كان هناك مشاهد بالخفاء، حاول التقرب منها مجددًا لكنها تصدت له بكفها الآخر قائلة ببرود.
«دعني.»
«لماذا تتجنبينني؟..، تعلمين أنني أريدكِ!»
رمقته بإزدراء وتخبطت لتنتشل ذاتها؛ فاِستنكر ذلك!
«لماذا هو وليس أنا؟»
سكنت؛ فلم تستوعب قوله إلا أن أضاف بحنق.
«ذلك السكرتير التافه!»
تجمد بيكهيون من الذهول بينما دحرجت بؤبؤيها ونزعت قدمها اليمنى من حذائها ذا الكعب وركلته! تراجع بخطوات مترنحة، وأعادت قدمها إلى مكانها ثم نبست بهدوء.
«لن أسمح بإهانة أختي وتصرفاتك الحمقاء..، من السخف أن تعتقد أنني قد أنظر لأمثالك..، وإن كنت حرًا..، من المحال أن تكون أحد اِختياراتي..، فكف عن ملاحقتي وإلا سأحول طيشك إلى دعوة قضائية.»
«إذا..، تقرين أنك على علاقة بذلك السافل؟»
تسللت قهقهة ثم هدرت بنبرة غاضبة.
«كما يبدو أنك من تملأ رأس والدي بالترهات.»
جعد ثغره ثم صرّ من بين أسنانه.
«لا تنكري ذلك!»
«لا شـأن لكَ بـحياتـي.»
تجاوزت جسده ببرود وختم الشريط بعودة بيكهيون إلى الحفلة. بذلك الحين، لم تبالي سوى لبث بيكهيون والتعليقات عنه. لقد اِتصلت بها هايون لتعلمها أنّ مساعدها نقل إلى حساب الشركة المائة ألف دولار.
بعد ذلك رنّ هاتفها الخاص مجددًا باِتصال من والدها؛ فأرقدته على أذنها منتظرة توبيخا آخر.
«اِفتحِي الباب.»
تأففت ثم مضت إلى بوابة المخرج، اِستغربت عودته بتلك السرعة، لكنّ هيئته المزينة بطقمه الأسود جعلها تدرك أنه كان بسيؤول ليلة أمس.
«ماذا تريد الآن؟»
أغار إلى غرفة المعيشة قائلا بسخرية.
«لم يعد بحوزتك سكرتير ليحدد موعد مقابلاتنا يا حلوتي.»
اِرتمى فوق أريكتها المخملية وبسط ذراعيه بها، صنعت زفرة ثم جلست أمامه برحيب الأخرى الدهماء. ببرود حدقت به لكنه شق فكه ثم سخر.
«تصرف حكيم.»
«هل وجدت اِبنتك؟»
سألته بتبرم؛ فهمهم ثم تشدق:
«كيف أقنعته بتلك التمثيلية؟»
قطبت جبينها في حين أتمم حديثه.
«البث المباشر.»
أجابت بنبرة صلبة وأحدثت التعجب بتعابيره.
«لم أفعل..، اِستقال بإرادته..، ودفع ضريبة خرق العقد أيضا.»
طنز والدها قائلا:
«أهذه لعبة جديدة؟»
نفت ذلك ببرود.
«لا مجال لعودته..، فلا أريد موظفًا يخون عهده.»
نقر الأريكة بأصابعه ثم أثوى جذعه إليها وتهكم.
«أراهن بكبدي..، إنه أكثر من موظف لعين بالنسبة لكِ.»
تمدد فمها باِبتسامة مستهزئة.
«أصابك الجنون؟»
أعاد ظهره إلى الأريكة وهتف:
«لقد أنهى المشكلتين بضربة واحدة..، لكنه حفر حقل ألغام عائلة أوه..، ولن يمرر سيهون ذلك.»
تيبس الدم بعروقها وإنّ عدستيها هدأت عند شفتيه في حين قال بنبرة باردة.
«سيحاول التخلص منه.»
اِستشعر اِرتعاش أطرافها، ولم تستطع أن تحرر أنفاسها لكنه تمتم بملل.
«أمنت له بعض الحماية..، لأجلكِ.»
❁❁❁❁
❁❁❁❁
Bạn đang đọc truyện trên: Truyen247.Pro