CHAPTER 2
❁
❁
اِلتففنا حول الطاولة الدائرية القصيرة بعدما اِتخذنا السجادة مجلسا. تبسمت لي والدته كما اِعتادت الترحيب بي؛ فحاولت صياغة اِبتسامة قصيرة كرد. كان يحادث والده عن مباراة فريقهما المفضل لكرة اليد، بينما قصت أخته قطع اللحم فوق المشواة ثم وزعتها بيننا بالتساوي.
دحرجت الملعقة بحساء الخضر والدجاج كي أتذوقه، أدرك لذته، وإنها تحرص دائما على إعداده لأجلي كلما أقدم لزيارتهم. ناولني كوب الشاي وهو يثرثر بصخب وشقيقه الأوسط مين يونغ الذي صرخ حتى يصمتا بعدما اِشتكى من صداع رأسه. حينما حظيت به اِنشغل مساعدي بخنق رقبة أخيه بذراعه مازحًا، ثم حرره وتحنن على ظهره.
علاقتهم مختلفة عمّ أراه خلف هذه الجدران، إنه من الأساس يعيش الاِستقرار؛ فلماذا سيحتاج بناء آخر مادام يحيا باِتزان بينهم؟
تعلقت طفلة أخته برقبته من الخلف وحاولت الصعود على كتفيه، لكنه سحب ذراعيها برقة وأجلسها بقربه في حين كان يكمل ثرثرته ووالده. ربت على وجنتها بلطف بعد ذلك ثم أخذ ملعقة صغيرة من حسائه ووجهها صوب شفتيها.
أنهت نصف صحنه قبل أن تتود إلى حضن جدها؛ فأجلسها فوق ساقه كي تتذوق حصته من الأرز والسمك. تساءلت قبلا عن سبب عدم وضع مكان لها حتى تطعم نفسها عوض عن إزعاجهم هكذا، لكنه برر بأنها معتادة على ذلك من والدها الذي هجرها ليتزوج عشيقته.
حضرت تلك المأساة برفقتهم قبل ثلاث سنوات، كانت مرتي الأولى والأخيرة التي أبصر فيها دموعه، لقد تأثر لاِنهيار شقيقته كثيرًا وهو يعانقها بين أحضانه.
اِنتظرت إلى أن ينهي طعامه ثم فرقعت بأصابعي؛ فسرقت اِنتباهه وقلت.
«مواعيد اليوم.»
نهض من بقعته إلى غرفته وعاد بمذكرته قائلًا.
«اِجتماع مع مدير شركة أي ڤين للاِنشاءات..، ثم حفلة السيد جون..، لقد قبلتِ دعوته.»
لم يكن من ضمنها ما قد أتمكن من إلغاءه، لذا اِستقمت بينما عاد إلى حجرته ليتجهز للرحيل. ذلك الوغد المتسلق تلاشى؛ فلا أثر لسيارته وحتى سائقه ليس بين الحراس المجتمعين عند البوابة الخارجية كعادته.
توجهت إلى غرفتي حتى أستتر بطقم أحمر بدون قميص داخلي، رفعت خصلاتي كذيل حصان وأسدلت غرتي على جبيني فور ما أنهيت حلتي بأحمر شفاه دموي.
غرست قدماي بحذائي الأسود ذو الكعب وعانقت أصابعي حقيبتي الصغيرة الدهماء.
اِنبلج المتسلق خلفي ورأيت اِنعاكسه بالمرآة. اِستدرت بهدوء وإنّ قنينة عطري المفضل كانت بكفه. رشّ محتواه على رسغه ثم اِستنشقه بطريقة مقرفة.
سددت مقلتاي صوبه ببرود؛ فلوى ثغره وكان بنيته التقدم إليّ، لكنني دفعت جسده بحقيبتي.
«ماذا تريد؟»
هسهست بحدة وتجرأت كفه الفاسدة على قذف قنينتي خلفه، تهشمت في حين عقد ذراعيه عند صدره.
«أنـتِ.»
لا أعتقد أن ملامحي أفصحت عن الاشمئزاز الذي أشعر به، لست بمزاج للتورط بسبب غبائه. تلك المغفلة التي حشرته بيننا، لم تضع حسابا لأفعاله الفاسقة.
زفرت أنفاسي وأشارت إلى البوابة بكفي ثم قلت.
«سأتناسى ما حدث..، حبذا أن تتفضل.»
تجرأت يداه على اِلتقاط ذراعاي واِعتصرهما بعدما دفعني لألتصق بصدره. فحّ عند وجهي بنبرة أصابتني بالاُستفراغ وأزحته عنه بمشقة.
«لما تعاملينني وكأنني موبوء؟»
لم يكن بمقدرتي سوى ركله، اِنكمش حول خصره متألما واِستغليت فرصتي للفرار. تتبع خطواتي مترنحا بينما نقر حذائي عتبات الدرج، أسرعت حتى أغادر هذه المهزلة لكنه جذب معصمي بخشونة ودحرني إلى الخلف حتى أسقطني بين أحضانه. عندما وجدت أنني أضحيت فرجة أمام الخدم، لففت ذراعه واِضطررت إلى لكم فكه الوغد بكل ما بقوتي؛ فاِرتمى جسده بعد ذلك على الأرض.
لم أخمد لأرى نتائج ذلك، أكملت ركضي واِقتحمت سيارتي حيث ظلّ الرجل الذي يبحث عن الاِستقرار باِنتظاري. القلق اِكتسح تعابيره، وإنه قد اِستشعر أن شيء ما قد حدث.
حررت زفرتي المثقلة ولم أمنحه تبريرًا؛ فلا حق بحوزته لذلك.
اِلتزم الصمت واِنطلق في حين وضعت قبضتي المرتعشة تحت حقيبتي لأخفي جراحًا قد سببتها أسنان ذلك الكلب، أستطيع رؤية نظراته من المرأة الأمامية، إنه كعادته يتصرف كمساعد مجد، ولا يكبح اِهتمامه بسيدته.
«هل أنتِ بخير..، سيدتي؟»
دحرجت بؤبؤاي ثم نبست ببرود.
«سيـدتـك بخيـر.»
قطب ما بين حاجبيه معلنا أنه لم يقتنع بذلك، لقد بتر كلمتي لأول مرة وركنّ سيارته إزاء الصيدلية.
«إلـى أيـن؟»
زمجرت بحنق، لكنه تجاهل أوامري ثم عاد وبيده كيس أبيض. لقد أغرقني بجوف الصدمة بينما جاء ليجلس بجواري. أخرج قنينة المعقم وعلبة من القطن، ثم أخذ يسحب حقيبتي بحذر، لكنني تمسكت بها!
«فقدت صوابك؟»
حينما لم ينظر إلى عيناي، اِستأثرت ذقنه بكفي الأيسر ووجهته إليّ حتى أنظر بمقلتيه.
«ماذا تظن نفسك؟ هـا؟»
زمّ ثغره ولم يزحهما عني مجددًا، سكن منتظرًا العقاب. إنه حتما يتوقع بأعماقه طرده، أسأفعـل؟
«أعـتذر.»
همس بنبرة هادئة ثم اِنتشل ذاته من مجلسه ليرجع إلى مقعد السائق، دفعت ما اِشترته ليهوي إلى الأسفل ثم حركت وجهي إلى النافذة رغبة في اِستنشاق بعض الهواء. فتح زجاجها لي ثم أتمم مسلكه إلى الشركة، ظلّ هادئا كما توقعت، وتوجه إلى مكتبه في حين أغرت مرحاض مكتبي. غسلت كفي باِحتراس ثم أخرجت منديلا به معقم من حقيبتي لأجففها.
رتبت غرتي وعدلت أحمر شفاهي، ظننت أنني بذلك قد أهدئ بعضًا من نيران أعصابي. لكن أهوالي لم تنطفئ، مازال جسدي يرتجف من الغضب.
ليس من مصلحتي السكون هنا؛ فإزائي اِجتماع قد يفتتح طريق نجاح آخر. تغاضيت عمّ بداخلي ثم قابلت المدير هايجين بمفردي، وأنهيته بتوقيع الاِتفاق الذي أريده.
شاركتنا ستقود إلى ختم مشروع المنتجع كما أخطط له، وسأحصل بفضله على تلك الأرض.
كنت بمقعدي أراجع نمودج تصميمه، عندما طرق البوابة، اِنتظر إذني لكنني خطت ثغري وتعاميت عن ذلك. تركته هناك وتكهنت عودته إلى مكتبه؛ فضغطت زرّ الإتصال ثم سمعت صدى خطواته بالرواق قبل أن يلتقط هاتفه.
نغمة أنفاسه المخنوقة أخرستني، لقد سعيت إلى التحدث لكنني لم أجد ما أقوله.
«سيدتي.»
رمشت ببطء ثم تلفظت.
«أمامك خمس دقائق..، اِجلب المجموعة الصيفية إلى مكتبي.»
أقفلت الخط ثم أرحت ظهري على الكرسي وأخذت أراقب الساعة الجدارية قبالتي. لقد جاء بهنّ ولم يستأذن بالدخول، قاد علاقة الملابس المتحركة إلى البقعة الفارغة من المكتب ثم اِنحدر بجذعه وكأنه يستعد للاِنسحاب.
«يمكنك الاِنصراف مبكرًا.»
أومأ بينما قد اِستوعب أنني ألغيت ذهابه برفقتي إلى الحفلة. اِخترت لها فستانًا من الحرير رمادي اللون بلا ياقة أو أكمام، حدوده تفترش الأرض وتزينت بتوق في حين تكلفت فرقة التزين الخاصة بي، للاِعتناء بمظهري وتسريحة شعري.
صعدت إلى سيارة ليموزين وسائقي الذي أستغني عن خدماته أحيانا. شق دربه إلى العنوان الذي أشرت إليه، ثم اِنغمست بقراءة الاِصدار الجديدة للمجلة التي ندعمها. قاطع تركيزي إشعارات اِنهالت على هاتفي فجأة، ضغطت على إحداها واِنبثقت لعنة أوقعته من يدي.
-أصغر رئيسة تنفيذية بكوريا الجنوبية هـان ميـني على علاقةٍ عاطفيةٍ وزوجِ أختها، إبن وزير السياحة أوه سيهون..
«أوقف السيارة!»
هدرت؛ فرمقني باِستغراب! عندئذ صحت بغليان واِمتثل بينما اِحتكت عجلاتها، وصفّ السيارة بطرف الشارع الرئيسي.
أخذت أتفحص كل تلك المقالات التافهة! من أين أتوا بهذه الصورة؟ إنه الفستان الأحمر من تجمع الشركات الأسبوع الماضي! ذلك الوغد حاول تقبيلي ويبدو أنه أعد لذلك حتى يلتقط هذه اللعنة!
«سحقا.»
الاِتصالات اِكتسحت هاتفي، لكنني بترت رنينها واِتصلت بأول صحيفة قد تجرأت على هدم سمعتي. أجاب رئيس تحريرها دون أن يدرك أنه رقمي الخاص، لكنّ صوتي الغاضب قطع حبال حلقه.
«ستدفعون الثمن غاليا..، إنني سأحرص على دفنكم جيدًا.»
تأتأ وكان بصدد قول شيء ما لكنني أقفلت في وجهه، الاِتصال التالي كان من أبي! أجبته بالرغم من تيقني إلى أي صف قد ينتمي.
«ما هذا!»
أبعدت الجهاز عن أذني ثم خمدت إلى أن أنهى صراخه ثم تلفظت ببرود.
«الخبر كاذب..، وسأتكلف بمعاقبة الفاعلين.»
«ذلك النذل أكده!»
صات وتصلبت عروقي بينما حنق باِنفعال!
«لقد أعلن جنونه ورفع دعوة الطلاق!..، أختك لا تجيب على اِتصالاتي!..، إن أصابها مكروه..، لا تجعلني ألمح ظلكِ حتى!»
اِعتصرت جهازي بقبضتي وكنت أوشك على قذفه، حررته إلى داخل حقيبتي ثم أرسيت كفي المتقفقفة على جبهتي. أشعر أنني سأستنزف وعيي إن بقيت بداخل السيارة، فتحت البوابة وترجلت بساقين لا تقويان على حملي.
لم أكترث لنداءات السائق، أشرت لسيارة أجرة واِمتطيت مقاعدها الخلفية وحقيبتي، ثم تحرك بعدما أخبرته بوجهتي. إنها مرتي الأولى التي سأقتحم فيها هذا الحي وحيدة، اِتصلت به لكن هاتفه خارج الخدمة ولم يجب على رسائلي أيضا.
تراجعت عن المضي وبقيت عند مدخله. كانت أنظار الفتيان اللذين توقفوا عن اللهو بالكرة بالملعب بعد رؤيتي مريبة، شقيقه جي يونغ بزغ من بينهم ثم لوح بيده لي وأزال المسافة بيننا قائلًا.
«لا أحد بالمنزل..، أخي غادر ليتسكع مع تشانيول..، أخبرني بأنه سيتأخر.»
عاد إليهم وأعدت الاِتصال بشقيقه، لكنني حظيت بالعلبة الصوتية فقط.
«أين أنت بحق السماء..»
غمغمت بقهر، ولم أكد أتمم جملتي حتى أبصرته أتيا بخطوات متعثرة. بصيرته على الأرض ومرّ بقربي؛ فهتفت بحزم.
«من شروط عملك..، ألا تقفل هاتفك.»
اِلتفت لي وحدق صوبي بمقلتين غمرتا بحمرة وكأنه قد اِنتهى من بكائه..هل أفرط في الشرب؟
شق فمه ثم تحولت نظراته إلى أخرى أشعرتني بالاِنزعاج.
«أتلحقين بي؟»
نطق؛ فتيقنت من ثمالته!
«كيف تخاطب رئيستك بهذه الوقاحة؟»
اِستنكرت بنبرة جافة، لكنه لم يرد! اِقترب وأضحى أقرب مما اِعتقدت حتى أنه قد بسط جبينه على جبهتي. اِنكفأت برعونة لكنه قيد خصري بين ذراعيه!
لن أقدم أعذارًا لأنه ليس بوعيه، إنني بقمة شحنائي ولا أبتغي أن أفرغها به!
مددت حقيبتي لدفعه؛ فإذا به دنَا بشفتيه إليّ وكأنه يتجهز لتقبيلي!
تمسكت يدي اليسرى بكتفه؛ فقد أوشكت أن أسقط عندما مال جسده علي وتعتعت.
«إيـاك.»
كبلت بسلاسل من الصدمة في حين أرقد ثغره فوق خذي وشددّ من عناقه لي!
سيارات تجمهرت حولنا واِنتفضت حينما أحطتُ بجيش من الصحافيين. تدافعوا فيما بينهم واِنكمشت بحضنه للحظات قبل أن أهزّ جسده عسى أن يستجيب!
نظر إليّ بعيون مثقلة بالنوم؛ فاِستعمرت رسغه وركضت به إلى داخل حيه الضيق.
تدفقوا خلفنا بينما أشار شقيقه جي يونغ بكفه لنمر من زقاق قادنا إلى الشارع الآخر. ما إن بلغت قارعة طريقه لوحت لسيارة أجرة، أدخلته قبلي ثم اِندسست بجانبه.
بعد ذلك أسند وجنته إلى زجاج النافذة، أخرجت هاتفي وبالفعل اِنتشرت الفضيحة أخرى!
-هـان مينـي وعلاقاتها المتعددة..
رمقته بحدة، لكنه ضمّ النعاس بصدر رحب. اِتصلات والدي تجاوزت السبعين، خشيت الرد، وإنني مرغمة على حلّ المشكلتين الآن عوض عن واحدة.
«السكرتير؟»
هزأ بي وأجبته بتهكم.
«أليس أفضل من زوج اِبنتك العزيزة؟»
«هل تبتغين الموت؟»
زأر بي؛ فأزحت الهاتف عن أذني ثم قلت بحنق.
«لست بعلاقة من الأساس!»
«ألا ترين حجم هذه الكارثة؟..، زوج أختك ثم ذلك الموظف الحقير!..، هل هناك من مزيد؟»
«أبـي..»
نحر كلمتي بسخط.
«إن لم تجدي ما تنفين به ترهاتك..، سأعزلك..، ليس من المنصب فحسب..، بل من حياتي أيضا!»
❁
❁
❁
Bạn đang đọc truyện trên: Truyen247.Pro