(5)
بقلم :نهال عبد الواحد
خرجت داليا من حجرتها تفكر فيما تفعله تلك الملعونة، السر وراء الدفع بيحيي ورانيا إلى هاوية الإدمان، لكنها بمجرد مرورها عبر الصالة الخارجية سمعت الحوار الذي بين فتحية و عزيز من خلال صوتهما القادم من غرفة مكتبه، لكن لم تكن وحدها من يسمع فقد كان يحيي أيضًا واقفًا مستمعًا.
أهدرت فتحية: أخيرًا اتلايمت عليك يا سي عزيز.
رفع عينيه، زفر قائلًا بملل: إنتِ عارفة كويس أد إيه إني مشغول!
- مشغول! قول لي لإمتى هتحمل الهم والذل ده؟! مش كفاية عيشتي معاك كخدامة للهانم مراتك وعيالك، رغم إن كوني السبب في كل الخير اللي إنتو عايشين فيه.
- وبعدين!
-عايزة حقي، وتنفذ كل اللي وعدتني به، أنا فاض بي الكيل يا عزيز! وما بآتش طايقة حد منهم.
- وبعدين!
-حقي وحق إبني يا عزيز، ومش كل حاجة تكون لوجدان وأولادها.
- إنتِ ما بتمليش من الاسطوانة الخربانة دي؟!
- يا ريته بفايدة!
صاح عزيز بتكبر: عدّلي أسلوب كلامك معايا!
صاحت فتحية بإبتذال: أسلوبي! كأنك أول مرة تعرفه! ولا كأنك صدقت نفسك إنك رجل أعمال بجد ونسيت أصلك.
زفر عزيز بقوة، تمالك نفسه، رقق لهجته فجأة قائلًا: طب إهدي يا حبيبتي، ما كل ده لمين في الآخر غير ليكِ ولإبنك، اصبري بس لحد ماانهي الصفقة دي ونسيب البلد ونعيش برة، وهعوضك عن كل اللي عشيتيه.
فتنهدت قائلة: هعمل إيه غير إني أصدقك! لكن حسك عينك تقوللي مراتي وولادي، لكن في حاجة... أنا مش ضمناك.
-يعني عايزة إيه؟
- إنت عارف كويس اللي عايزاه.
-لكن...
- ما لكنش يا عينيا، نفذ اللي عليك زي ما بنفذ اللي عليّ.
- عايزك تطمنيني الأول، سبع ولا ضبع؟!
- مالكش حق تسألني سؤال زي ده، إنت عارف كويس، لكن خليك فاكر زي ما بنفذ إنت كمان لازم تنفذ، وإلا...
- وإلا إيه؟!
-لا يا حبيبي! هجرب بالحسنى الأول.
تركته لتنصرف، خلال لحظات كانت قد اختفت داليا من مكانها ويحيي أيضًا.
عادت داليا إلى غرفتها تفكر في كل كلمة قد سمعتها، تمنت لو سجلت ما سمعته فهذا الكلام دليل لأشياء كثيرة.
أما يحيي فصدمته في أبيه أكثر من ذي قبل بكثير، عندما عمل معه في شركته لفترة إكتشف أخطاء فادحة، بعض التزويرات، فترك العمل في شركة أبيه، أخذ أموالًا من أمه، فتح عمل خاص له وحده في مكانٍ بعيد عاش فيه وحده فهو مهندس إلكترونيات وحاسبات، بعدها بدأ يتوسع عمله ويكبر إسمه بكده وتعبه.
منذ ذلك اليوم صارت علاقته بأبيه تكاد تكون منعدمة، فصدمة الإبن في أبيه قد حُفرت بداخله خاصةً ولم يهتم ذلك المسمي بالأب أن يقوم بدوره في يومٍ من الأيام بل اكتفى بجمع الأموال من كل حدبٍ وصوب.
لا أحد يختار أبواه أو أحدًا من أهله، إنما القدر هو المسئول عن ذلك، قد قُدّر أن يكون هذا هو والده.
بينما داليا جالسة وشاردة إذ دخلت عليها فتحية فجأة فوجدتها شاردة هكذا، أهدرت فتحية بتهكم: يا ترى الهانم ما تؤمرش بحاجة كده ولا كده!
إنتبهت لوجودها داليا، انتفضت قائلة: هه!
وضعت فتحية يديها على خصرها بغنج وصاحت: كنتِ فين طول اليوم يا حلوة؟!
تذكرت داليا شيئًا ما ثم أجابت بإعياء: مش عارفة مالي، من ساعة ما صحيت من النوم وانا حاسة بصداع ووجع في جسمي كله، ما لاقيش معاكِ مسكن ولا أبعت حد يجيبلي من برة؟!
كادت فتحية تبتسم لكنها تمالكتها متسآلة: وده من إمتى؟
- مش فاكرة، متهيآلي من كام يوم.
- إنتِ بتلعبي رياضة ولا حاجة؟
- وده علاقته إيه بوجعي؟!
- شايفة جسمك رشيق وحلو.
صاحت داليا بغضب: وبعدين! لو كنتِ راجل كنت ضربتك وعدمتك العافية.
- إزاي؟ بتلعبي ألعاب ضرب ودفاع عن النفس؟!
- مالك يا ولية؟ أسئلتك عجيبة إنهاردة يعني! هي كام حركة كنت بقلدهم من التلفزيون، لكن ممكن أضرب أي حد يغيظني وأطبق في زمارة رقبته.
قالت الأخيرة بلهجة أكثر حدة متحفزة، فتابعت فتحية: كأنك تهدديني!
- بقولك تعبانة، وانتِ شغالة تلكي وتعيدي وتزيدي في كلام مالوش فايدة.
أخرجت فتحية علبة صغيرة من جيبها، أخذت منها قرصًا ما، أعطته لها قائلة: خدي ده وانتِ هترتاحي وتبقي بخير، يلا اشربيه وآدي المية كمان عشان تعرفي إني بت أصول.
أعطتها القرص، أخذته داليا، وضعته تحت لسانها باحتراس دون أن تلاحظها فتحية، شربت الماء، ألقت بنفسها في فراشها، ادعت أنها تريد النوم، خرجت فتحية وأغلقت الباب خلفها.
بعد تأكدها من إنصراف فتحية، أخرجت القرص من تحت لسانها، أخفته مع تلك الأشياء السابقة، ذهبت إلى المرحاض، وضعت إصبعها في حلقها لتتقيأ خوفًا أن يكون قد تسرب أي شيء من ذلك القرص، بعدها تسللت إلى المطبخ، شربت كوبًا من اللبن البارد ربما قد شعرت بعده بليةٍ في معدتها لكن مؤكد ستهدأ بعد حين.
في اليوم التالي على مائدة الغداء جلس عزيز مع وجدان، يحيي ورانيا في صمتٍ تام قطعه عزيز: كأن ما عندك أب تسأل عنه طول الفترة دي، حتى لما وصلت هنا ما سألتش عني!
أجاب يحيي بجفاء: لسه واصل إمبارح بس.
سأله عزيز: ويا ترى أخبارك إيه؟ أتمنى تكون فلحت لما بآيت لوحدك!
أجاب يحيي على مضد: الحمد لله، فلحت و وقفت على رجلي وبدأت أتوسع وبدأ إسمي يكبر.
إبتسمت وجدان مردفة: ربنا يحميك يا حبيبي وتحقق كل ما تتمنى!
زفر عزيز قائلًا بحدة: ما جاوبتش عن سؤالي! ممكن أعرف سبتني ليه وقاطعتني؟ ولا انت اتبريت مني خلاص؟!
أغمض يحيي عينيه بألم، ثم أجاب محاولًا الحفاظ على ثباته الإنفعالي: أنا كنت مشغول وبس، أنا جيت عشان أحضر فرح رانيا وبس، ومفيش داعي نتكلم في أي شيء.
ثم نهض يحيي واقفًا قد أنهى طعامه أو كما إدعي.
صاح عزيز بغضب: شايفة إبنك يا مدام وأخلاقه! دي أخرة دلعك فيه! وأول ما طلب فلوس جريتي وإدتيه من غير حتى ما تسأليني!
تنهدت وجدان قائلة: من فضلك يا عزيز أنا ربيت إبني علي القيم والمباديء، اتعلم إنه ما يسكتش عن أي غلط يشوفه مهما كان، وهو ما ارتكبش جرم لما طلب إنه يشتغل لوحده بعيد عنك، يكفي إنه في مجال تخصصه وقدر ينجح فيه ما شاء الله.
تأفف عزيز ونبس من بين أسنانه: طيب، أخلص اللي في إيدي الأول وهفضالك يا سي يحيى، وهشوف إزاي بتتحداني!
سقطت الشوكة من يد وجدان، وصاحت بخوف: إيه؟! إنت عايز تؤذي إبنك؟!
ضرب عزيز المائدة بقبضة يده وصاح بغضب: مااتخلقش لسه اللي يقدر يتحدى عزيز البنداري ويعاديه! مهما كان، شبعت... أوووووووف!
أهدر بها ونهض تاركًا المائدة، وبعد إنصرافه استطردت رانيا بشفقة وحزن: ما تخافيش يا مامي على يحيى.
تنهدت وجدان وقالت بصوت يخالطه البكاء: إزاي مااخافش وأنا شامة ريحة إنتقام وغدر في كلامه؟!
- ما تخافيش، يحيى ما غلطش، وأصلًا بابي بيخلص من صفقة بيدخل في غيرها وهينسى كل ده...
ثم أكملت: صحيح يا مامي! أنا مش جاية معاكِ عند طنط فيفي، هخرج مع أمجد.
أومأت وجدان موافقة قائلة: ماشي يا حبيبتي، ربنا يسعدك ويكتبلك الخير كله إنتِ وأخوكِ!
قبلت رانيا رأس أمها، تركتها متجهة إلى غرفتها، شعرت بتعب لكنها أخفته خشية تأجيل موعد الزفاف.
في المساء أبدلت وجدان ملابسها، خرجت لتذهب عند صديقتها فيفي، بعدها خرج يحيى بصحبة رانيا ثم خرج عزيز مع فتحية.
انتهزت داليا فرصة خروج الجميع من البيت، أبدلت ملابسها ببنطال مع كنزة من الجينز، أعطتهما لها رانيا قد زادا عن حاجتها، على اعتبار كونها خادمة بسيطة ثم أخفت ما معها من تلك الأشياء التي جمعتها ثم خرجت من البيت.....
ترى لأين هي ذاهبة؟!
.......................................
NoonaAbdElWahed
Bạn đang đọc truyện trên: Truyen247.Pro