(4)
بقلم : نهال عبد الواحد
عادت داليا منهكة، لم تسلم من توبيخ فتحية لها بسبب تأخرها، بسبب تلك المشتروات التي تكسر بعضها من أثر سقوطها، تصادف ذلك مع مجيء رانيا من الخارج، طلبت منها رانيا أن تدعها وشأنها، قصت داليا على رانيا و وجدان ظاهرة تألمها: وأنا ماشية في الشارع اتكعبلت و وقعت على ركبتي، فاتعورت، لاقيت صيدلية فدخلت أطهر الجرح... آااااااااااااه بتوجعني أوي!
قالت الأخيرة بمبالغة تتألم، تابعت رانيا مشفقة: معلش سلامتك.
أكملت داليا تزيد بكاءها المصطنع: وبعدين تيجي بسلامتها وتكمل عليّ وتبهدلني!
قالت وجدان بنبرة حانية: ما تزعليش.
فجأة وجدت فتحية تحمل في يدها كوب من العصير، قدمته لداليا وهي تقول: معلش يا حبيبتي حقك على راسي، ما كنتش أعرف اللي حصلك.
نظرت داليا إليها بوجوم وعدم تصديق: إده! مالك! إنتِ تعبانة ولا حاجة؟!
إقتربت منها داليا تحسست جبهتها وهي تقول: بحسبك سخنتي ولا حاجة!
أردفت فتحية ترسم إبتسامة على شفتيها تنافي ما بداخلها: اشربي العصير يا ختي.
ظلت داليا على وجومها مردفة: عصير!
قوست فتحية شفتيها واستطردت: جرى إيه! إنتِ فاهمة إني قاسية ومفترية ولا إيه؟!
أهدرت داليا بتهكم: لا، لا سمح الله! هو إنتِ عندك قلب زينا؟! أقصد شكرًا.
تابعت فتحية: اشربي طيب.
أومأت داليا بريبة: حاضر هشرب...
نظرت إليها، كانت لاتزال واقفة، فتسآلت والريبة تنمو بداخلها: مالك واقفالي كده ليه؟! أنا عارفة سكة المطبخ، هخلص وأدخل الكوباية.
إضطرت فتحية للإنصراف لكن تضخم ذلك الشك في صدر داليا (هي هكذا تكون زينة).
تأففت رانيا وتابعت: أووووووووف! إمتى نرتاح منها؟!
قالت وجدان بتنهيدة :طب أنتِ وهتسيبي البيت، إحنا بأه نعمل إيه ؟!
بينما داليا تتابع حديثها معهما إذ لمحت بطرف عينيها فتحية تقف عن بعد، فتأكدت أن هناك شيئًا ما دسته لها بداخل كوب العصير، أمسكت بالكوب بنفس وضعيتها، هيئتها، تصنّعت أنها تشرب لكنها قربته من شفتيها فقط، لاحظت وقتها إنصراف فتحية.
وضعت داليا كوب العصير الذي لم تمسه على حافة المنضدة كأنها لا تقصد، فجأة سقط الكوب أرضًا، انتفضت داليا كأنها قد فُزعت مما فعلته، أخذت شالًا كانت تلف به رقبتها وجففت به مكان العصير.
تصنعت التوتر والفزعٍ مردفة: آسفة والله يا فندم، صدقيني مااقصدش!
أجابت وجدان: حصل خير، بس إنتِ بتمسحي بالشال بتاعك!
أومأت داليا قائلة: ما يهمش، أبقى أغسله بعدين.
بدأت رانيا تحكي عن قياسها لفستان زفافها، كيفية شكله، جماله، أخبرتهن بقرارها أن تذهب إلى حمام نسائي فقط للقيام بأعمالٍ خاصة تخص العروس من حماماتٍ، قناعات تجميلية وخلافه...
وطلبت من داليا أن تتولى هي أمر زينتها يوم عرسها، بالطبع قد رحبت داليا بذلك.
بعد قليل إستأذنت داليا تنصرف من بينهما، توجهت إلى غرفتها، أغلقت الباب خلفها بإحكام، وضعت ذلك الشال المبلل بالعصير بداخل كيسٍ بلاستيكي، خبّأته في مكانٍ أمين، بدّلت ملابسها، تأكدت من هيئتها وقناعها، خرجت تكمل يومها، أعمالها كخادمة، لازلت تحاول فك شفرات فتحية وعزيز.
ذات يوم نادت رانيا على داليا لتعاونها على تعبئة حقيبة ملابس كبيرة، كانتا تتسامران أثناء تعبئة الحقيبة.
ثم تسآلت داليا: هو إنتِ إزاي اتعرفتي على خطيبك؟
أعادت رانيا ظهرها للخلف، شردت، زين ثغرها إبتسامة عاشقة واستطردت: في يوم كنت في النادي بجري في التراك، وبعدين اتخبطت في واحد، وكان هو، طبعًا إتخانقنا، مش تفتح! طب فتحي إنتِ! وكلام زي ده...
وبعدها جاتلي الزايدة واتفاجئت إن هو الدكتور اللي عمللي العملية، واتعرفنا على بعض من أول وجديد، لاقيته شخصية لطيفة، قربنا من بعض أكتر، ماانكرش إننا في البداية كنا مختلفين، وماانكرش إن أمجد غير فيّ حاجات كتير، عيوب وسلبيات في شخصيتي، كان بابي زرعها فيّ، والحمد لله قدر يعالجني منها وإستئصلها مني بلا رجعة، بدأنا نحس بإنجذاب ومشاعرٍ معينة إتجاه بعض، وفي يوم إتقابلنا واعترفلي بحبه، كان يوم ما حصلش، كان إحساسه طالل من بصة عينيه وفي نبرة صوته، حسيت بإحساس غريب ومختلف، كان شعور رائع مزيج بين السعادة والخجل والإضطراب، فضل يعيدها كتير، لحد ما قولتله وأنا كمان، بعدها اتقدم و خطبني واكتشفنا بالصدفة أن مامي صديقة مامته، بس أنا سعيدة جدًا، فرحنا قرّب، إحنا اتفقنا نجاري بابي في البداية ونعيش هنا، وبعد كده نروح شقتنا اللي جهزناها.
أومأت داليا، كأنها شردت قليلًا، أجمعت شتات نفسها مردفة بسعادة: ربنا يسعدك ويفرح قلبك!
ثم تسآلت: كأن باباكي مش قريب منك!
تنهدت رانيا بضيق: في الحقيقة هو لا قريب مني ولا من أخويا ولا حتي مامي، مش عارفة ليه اتجوزوا مادام مفيش أي حب ولا ود، ولا حتى أقل قدر من المودة والرحمة، أكيد إحساس صعب...
قالتها بألم، ثم أكملت مبتسمة: الحمد لله إني هتجوز وأعيش مع اللي اختاره قلبي....
لاحظت شرود داليا الواضح مجددًا، نادتها بلهجة ماكرة: داليا، روحتي فين؟!
انتفضت داليا مستفيقة من شرودها قائلة: هه! بتقولي إيه؟!
- كأني فكرتك بحاجة معينة، أو حد معين!
سكتت داليا قليلًا، كأنها تفكر فيما ستقوله، تبحث عن مخرج لها من هذه الورطة ثم قالت متقمسة الموقف: فعلًا فكرتيني، اتربينا وكبرنا مع بعض وكبر معنا حبنا، اتقدم وخطبني، كنت أسعد مخلوقة على وجه الأرض ساعتها، وبعدين...
سكتت هنيهة، ابتلعت ريقها بمرارة قد أتقنتها، وأكملت: وبعدين بابا اتوفى وماما إتجوزت بعد العدة بالظبط، ونسيت بابا ونسيتني ونسيت كل حاجة، ورغم إني كنت مخطوبة، لكنها جابتلي عريس غني على هواها هي وجوزها، صممت على موقفي واتفقت معاه وجهزنا كل حاجة، لاقيتها سكتت هي وجوزها، وكان الهدوء اللي بيسبق العاصفة، شميت ريحة الغدر وكدبت نفسي...
إبتسمت بحالمية مردفة: وجه يوم زفافنا، لبست الفستان الأبيض، قعدنا في الفرح وفرحنا ورقصنا ورميت أي هاجس بيخوفني، عايزة بس أستمتت باليوم ده، حسيت وكأني كنت طايرة وبرفرف بجناحاتي وأحلق لفوق ولفوف وفجأة اتكسر جناحي ووقعت على جدور رقبتي، واتحوّل حالي من حلم جميل إلى كابوس مفزع، جت رصاصة الغدر في قلب حبيبي، وقع أدامي غارقان في دمه، عينه حضنت عيني، وفارق الحياة وسابني.... تصوري في الآخر القضية ضد مجهول.
قصت داليا، أتقنت تقمس الموقف، تصنعت البكاء، شاركتها رانيا حفل البكاء، بينما هما على هذا الوضع إذ دخل شابٌ وسيم، نظر إليهما بعينيه الداكنتين، شعره داكن، يصل لمحاذاة أسفل شحمتي أذنه، طويل القامة، عريض البنيان قليلًا وله لحية خفيفة.
نظر نحوهما بتعجبٍ شديد، دقق النظر نحو داليا، ضيق بنظره نحوها، انتبهت إليه رانيا، كفكفت دمعها بسرعة، إتجهت نحوه بسعادة بالغة متعلقة في رقبته، صاحت بسعادة: يحيي.
بادلها العناق، قبل رأسها قائلًا: وحشتيني أوووي!
رفعت رأسها نحوه مجيبة: وانت أكتر، كنت فين طول الفترة دي؟! انقطعت أخبارك وما عرفناش نتواصل معاك، اتجننا من القلق عليك!
تابع يحيي بمشاكسة: لا لا، إنتِ مش محتاجة، مجنونة طبيعي.
-والله! طب احترمني شوية ده حتى أختك الكبيرة.
- عارف إني قلقتكم؛ لكني بجد انشغلت كتير...
حملق فيها وتسآل بتعجب: بس كنتِ بتعيطي ليه؟!
- لا ما تحطش في بالك، دي كانت بتحكيلي حكايتها.
- وهي مين أصلًا؟!
استوقف داليا سؤاله بعد أن كانت تتسلل خارجة من الغرفة بعد مجيء يحيي، ثبتت مكانها مستمعة لإجابة رانيا: دي داليا، بتشتغل هنا.
أطال يحيي النظر فيها وأهدر بشك: أهلًا!
أجابته داليا بإرتباك: فرصة سعيدة يا فندم، تؤمروني بأي شيء!
أجابتها رانيا ممتنة: لا شكرًا...
ثم صرخت رانيا تمسك برأسها: آااااااااااااه!
صاح يحيي وداليا معًا بقلق: مالك!
أجابت بألم: راسي هتنفجر من الصداع! آااااااااااااه!
قالت داليا بقلق: دي مش أول مرة.
أردفت رانيا: يمكن عشان ده ميعاد النسكافيه بتاعي! معلش يا داليا، زمان فتحية عملته، روحي هاتيه.
صاح يحيي وداليا معًا مجددًا: فتحية!
هذا التوارد الفكري جعل يحيي زاد من حملقته أكثر نحو داليا كأنه قد شك بأمرها، شعرت بنظراته المصوبة نحوها، ابتلعت ريقها بصعوبة ظهرت في حركة حنجرتها.
تابعت بتوتر وإرتباك: هروح أجيبه فورًا...
إلتفتت إلى يحيي قائلة: الأفضل إن دكتور أمجد يشوفها.
تحدثت رانيا بتوجع: مش للدرجة دي، ده مجرد صداع بيجي ويروح...
أكملت ساخرة: كأني بآيت مدمنة نسكافيه!
قالت داليا: طب إرتاحي وهعملك أحلى نسكافيه هخليكِ ما تشربيهوش غير من صنع يدي.
خرجت مسرعة تحت أنظار يحيي المتابعة لها، شكت داليا في كون رانيا تعاني من الإدمان بطربقة غير مباشرة مثلما حدث مع يحيي، أملت في نفسها أن يكون مجرد هاجس.
إتجهت نحو المطبخ، لمحت فتحية تضع شيئًا ما في كوب النسكافيه الخاص برانيا، تراجعت مسرعة، تأكدت أنها الفاعلة، دخلت المطبخ من جديد بخطوات متباطئة، أعطتها فتحية ذلك الكوب لتقدمه لرانيا .
أخذته داليا بالفعل، تحركت من أمامها كأنها متجهة إلى غرفة داليا، لكنها تسللت نحو غرفتها، أغلقت عليها الباب، فرّغت من الكوب في زجاجة صغيرة ثم سكبت باقية الكوب في الحوض، أخفت الزجاجة مع ذلك الشال الذي بللته بالعصير، خرجت مسرعة، إتجهت نحو المطبخ لتصنع غيره بسرعه خاصةً وأن فتحية غير موجودة الآن.
لكن ما شغل تفكيرها سبب ما تفعله تلك المرأة اللعينة وما دافع ذلك؟
لماذا تسببت في إدمان أولاد من تعمل لديهم؟!
وما سر تلك العداوة التي تراها تتقاذف من عينيها تجاه وجدان ورانيا؟!
كم يبدو الأمر معقدً!
.................................
NoonaAbdElWahed
Bạn đang đọc truyện trên: Truyen247.Pro