(17)
بقلم :نهال عبد الواحد
ظلت زينب وهند جالستان في قلقٍ شديد حتى انتشر ضوء النهار، تفاجئتا بطرقاتٍ على الباب فأسرعتا تفتحان، وجدتا زينة أمامهما، تعانقتا معها بشدة وقد كاد القلق يهلكهما.
صاحت زينب بسعادة: زينة حبيبتي، وحشتيني أووي!
أجابت زينة بملامح غير مفهومة: وانتو أكتر والله! بس كأنكم قعدين مستنيني!
أومأت هند وأردفت: أيوة،أدهم جه بليل يسأل عليكِ، قال إيه عايز يعتذرلك، فقلقنا من ساعتها، هو حصل إيه؟!
اتسعت عينا زينة متفاجئة قائلة: يعتذرلي!
ربتت زينب عليها وقالت: روحي خدي شاور دافي وأنا هجهزلك أحلى فطار.
نهضت زينة تصنعت التثاؤب قائلة: معلش يا مامي، أنا مرهقة جدًا ونفسي أنام، ماليش نفس.
قالتها وهي تدلك رأسها، تحركت نحو حجرتها، أخذت حمامًا دافئًا، استلقت في فراشها، ماكانت لحظات حتى غرقت في غيابات النوم، مرت أيام عديدة تكاد زينة لا تخرج من حجرتها، معظم الوقت نائمة، متحججة بإرهاقها من الأيام السابقة.
كانت مشتتة وغاضبة من نفسها كثيرًا؛ فقد أفسدت كل شيء، تسببت في هرب عزيز واللورد، كان شعور الفشل والإحباط مسيطرًا عليها لأقصى درجة، تحاول التفكير في كيفية إستعادة الخيوط في يديها مرة أخرى ليتم القبض عليهما والإنتقام منهما.
بينما أدهم كلما اتصل بها وجد هاتفها مغلقًا، لم تفتحه بعد، إذا سأل عنها أمها أو أختها أخبرته أنها نائمة فلم يدري إن كانت غاضبة منه أم أمرًا آخر!
أما وجدان ويحيي فقد ذهبا مع أمجد ورانيا لشقتهما، مكثا عدة أيام ثم ستسافر وجدان للإقامة مع يحيى.
ذات يوم قررت زينة الذهاب إلى أدهم للتحدث معه، بالفعل إستعدت، أبدلت ملابسها وقبل أن تهم بالخروج وجدت وجدان، رانيا، يحيي وفيفي قد جاءوا جميعًا للزيارة، سلمت عليهم، رحّبت بهم وجلست على إستحياء مما حدث، من تلك الخدعة التي خدعتهم بها خدعة الخادمة.
ثم جاءت هند من الخارج، تفاجئت بوجودهم، سلمت عليهم، جلست بجوار أختها وأمها، وبعد الترحاب والسلامات.
قالت رانيا: كنا قلقانين عليكِ من اليوم اياه ده يا زينة.
قالتها وقد طل الحزن من عينيها، تنهدت زينة ثم قالت: مش عارفة أقولك إيه بس...
قاطعها يحيى: في إيه يا زينة؟! دي مش غلطتك أصلًا، وبعدين مالك منعزلة كده عن الجميع؟!
تنهدت زينة بضيق مردفة: بوظت كل حاجة بغبائي يا يحيى، مش قادرة أواجه أي شخص خصوصًا أدهم.
قالت فيفي: هو قلقان عليكِ من يومها يا حبيبتي، حاول كتير يتصل بيكِ لكن تليفونك مقفول، بلا ش تزعلي.
أجابت زينة: أدهم مش غلطان يا طنط للدرجة دي، هو مجرد إنسان محب ومخلص لعمله، يغضب ويثور لإنجاز مهمته كما ينبغي بشكل أكتر عملية من غير ما يلتفت لبعض الأمور، والموقف كان خطير جدًا وكنت هعمل مصيبة لا كارثة، يمكن اتعودنا نعاند بعض واللي كان بيشجعني نجاحي كل مرة، تقدري تقولي وهمت نفسي بقدرات وبحجم أكبر من حجمي الحقيقي، أنا متعبة ومرهقة ومحبطة جدًا من فشلي المرة دي.
تابع يحيي: لكنك مش فاشلة إطلاقًا، أدهم لما اعترض عليكِ في البداية فده لخوفه عليكِ أوي من المهمة خصوصًا وإن مهمتك كانت وسط ناس على صلة وعلاقة مسبقة بيكِ، يعني ممكن إكتشاف هويتك بسهولة وده خطر على حياتك أولًا قبل المهمة، لكن الموضوع اكتمل بشكل جيد حتى لو استجدت أمور تانية.
نظرت زينب بينهم بعدم فهم قائلة: أنا مش فاهمة حاجة، زينة من ساعة ما جت وهي تقريبًا ما بتتكلمش إلا كلام الدنيا العادي جدًا وغالبًا نايمة أو لوحدها.
التفتت زينة ناظرة إلى يحيى واستطردت: إنت اللي نجحت بحق يا يحيى، موقفك نبيل وعظيم جدًا وفاق كل توقعاتنا، ده أنت كمان اللي عجّلت بنزول الستارة رغم الحزن اللي باين في عينيك.
تأففت وجدان قائلة بصرامة: وانا شايفة إنكم تفضوها سيرة في الموضوع ده.
قال يحيى: حاضر يا ماما زي ماتحبي.
ثم سكت الجميع بعد الوقت إلا من بعد النظرات المتبادلة بين هند ويحيى التقطتها زينة، ثم قالت بمزاح: إيه! هنقول مبروك قريب؟!
نظر لها الجميع خاصةً هند التي كانت أكثرهم حدة في نظرتها لأختها، عادت زينة بظهرها للخلف ثم حكت رأسها قليلًا، تنحنحت، قالت بحرج : واضح إن غبائي بيبوظ كل حاجة.
ابتسم يحيى وقال: ما حصلش حاجة، واضح إن الوقت جه.
ثم نظر إليه زينب التي تبدو عليها ملامح عدم الفهم من البداية وأكمل: طنط زينب، يسعدني ويشرفني إن حضرتك توافقي عليّ زوج لبنتك هند.
اتسعت إبتسامة زينب وأهدرت: ويسعدني طبعًا يابني لكن.....
قاطعتها وجدان: ما لكنش! أنا موافقة ومرحبة جدًا، وكنت بتمناه بجد، أما عزيز فهنرتاح منه قريب.
قالت زينب: على أي حال أنا ارتاحت كتير ليك يابني من لقاءاتي القليلة معاك، ومن كلام زينة عنك أحيانًا، لكن يا ترى إيه رأي العروسة؟!
أحابت زينة: العروسة موافقة بكل تأكيد.
صاحت هند بحرج وقد تخضبت وجنتيها: زينة!
أجابت زينة مشاكسة: مالها زينة؟! مش قضية يا أختي، ده سؤال له إجابتين آه أو لا، هه! موافقة ولا اروح أدور له على عروسة غيرك.
قالت زينب بقلة حيلة: كفاية يا زينة، ورجعنا لوجع القلب من تاني.
تابعت زينة: هتسكت زينة خالص.
قالتها ووضعت يدها على فمها.
فقالت وجدان: العروسة ساكتة وخجولة، والسكوت زي مااحنا عارفين علامة الرضا، مش كده يا هند؟!
ابتسمت هند، اكتفت بإيماءة رأسها فضحك الجميع بسعادة، قالت زينة تمازح أختها: الفيلم ده شوفته قبل كده!
ضحك الجميع مجددًا، قاطعهم صوت رنين الهاتف، ذهبت زينة تجيب عليه قبل أن تفتك بها هند أو أمها.
أجابت زينة: آلو... أيوة أنا... أهلًا... لا والله!
ثم صاحت بصوت مدوي: أقسم لك إني مش هسيبك يا جبان!
صفقت سماعة الهاتف بقوة، وقفت قليلًا تتطلع أمامها بغضبٍ شديد زاد من قتامة عينيها، كأنها قد تحولت من تلك التي كانت تمزح منذ قليل إلى النقيد تمامًا.
أخذت مفتاح السيارة، انطلقت للخارج دون أن تنطق بأي كلمة فانطلق يحيى خلفها.
كانت زينة تود الذهاب إلى أدهم لكن تسرعها قد أنساها رخصة القيادة الخاصة بها أو أي شيء يثبت هويتها، أخذت تسير في شوارع جانبية، تبعد عن الطرق الرئيسية لكن قد استوقفها شرطيّ فجأة يقود دراجته البخارية، إرتابت منه وشكّت في أمره؛ هذه الشوارع الجانبية ليس بها أي شرطيّ بالإضافة لهيئته المريبة.
وقف الشرطيّ بجانب نافذة سيارتها، طلب منها رخصة القيادة، أخبرها أنها مخالفة ففتحت الباب فجأة بقوة لتصدمه به، ترجلت من السيارة تزيده ضربًا لكن فجأة جاءتها ضربة على رأسها أفقدتها الوعي.
وصل يحيى في اللحظة الأخيرة، اتجه مسرعًا ليخلّصها من بين أيديهم فضربوه على رأسه أفقدوه الوعي، تركوه هكذا وغادروا المكان بسرعة.
بعد فترة بدأ يحيى يستعيد وعيه، وجد نفسه ملقي به على الأرض شاعرًا بألم في رأسه، بعض الدوار، اعتدل بثقل، أمسك بهاتفه متصلًا بأدهم، أخبره بما حدث ثم أرسل له رسالة بموقعه.
بعد قليل جاء أدهم ومعه بعض القوات، انتشروا في المكان بدأ يحكي يحيى كل شيءٍ بالتفصيل مع وصف للسيارة التي اختطفت زينة وتلك الدراجة البخارية.
ظل أدهم يفكر تتزاحم الأفكار بداخل رأسه، لا يدري من أين يبدأ! خاصةً وأن كل لحظة تمر عليه يزداد فيها تعرّض زينة للخطر على حياتها.
من الواضح أنها كانت مكيدة من عزيز، يبدو أنه قد عرف هويتها الحقيقية، توقع أنها ستُهرول بهده الصورة بمكالمة هاتفية.
فجأة تذكر أدهم السلسلة التي كان قد أعطاها لزينة ذات يومٍ من فترة تلك التي تصور كل شيء صوت وصورة وتحمل جهازًا صغيرًا للتعقب، يتمنى أن تكون لا تزال ترتديها، هذا بالطبع لا يعلم عزيز عنه شيء ولم يضع له حسبان.
بدأ أدهم بإتصالاته ليحدد مكانها بالضبط والتي لحسن الحظ لم تكن قد خلعت تلك السلسلة ولا تزال تعمل..........................
NoonaAbdElWahed
Bạn đang đọc truyện trên: Truyen247.Pro