الاجتماع الأول لأعضاء البرلمان الامبراطوريّ هذا العام، يشمل مجموعة من صَفْو أسياد البلد يجتمعون ثلاث مرات خلال السنة لدى جلالة الامبراطور، ويُقدِمون لرفع معايير الوطن وفقًا للثقافة المعاصرة.
ممن يضمّ المجلس الرائدة عُود، البروفيسور العجوز، إضافة إلى النبيل إرَم بن عازف بصفته أصغر فردٍ فيه. وكالعادة كان المكان المخصص لجلالته يَشغَل زوجته بدلًا منه.

أوجزَ تقرير الاجتماع نقطتين رئيسيتين:
١- الإعلام الحديث
٣- ولي العهد

أبدى معظم أعضاء البرلمان انزعاجهم من اهتمام الشعب الحالي ببعض وسائل النشر، أولها الصحيفة النجمية التي حازت على انتباه العديد من المراهقين، حيث مؤلفتها تستخدم اسمًا مستعارًا وتبوح في كثير من الأحيان بأسرار تخص الدولة ينبغي أن أحدًا لا يعرفها غير أكابر من الشخصيات، وعلى الأرجح ساهمَ منصب تلك المؤرخة في الاستعانة بدارٍ تنشر صحفها دون الكشف لا عن هويتها ولا الدار.
فأما وسيلة الإعلام الثانية هي كتاب «النهضة» الذي يدور موضوعه الأساسي حول تاريخ القرن الواحد والعشرين، فكما يبدو أصبح الناس مهتمين أكثر بالتطور الفائق آنَذاك وأحسّوا باحتياجهم إليه، فهدّدَ هذا المعيار البيئي للدولة، فلَئن عرف أعداؤهم أن شعبهم مَيّالٌ للعودة إلى العصر المتسبب في التنقية، سيخفض هذا امتياز الإمبراطورية على مستوى العالم.

أجمعَ صنفٌ من الأعضاء منع تداول الكتاب نهائيًا، وأدلى صنفٌ آخر بموافقته لبدء الخطوة الأولى نحو التطور التقني من جديد، فهم يرون أنه وإن انخفض تقييم البلد الآن فسوف يرتفع على المدى البعيد، وسيصبح الجانب السياحي أكثر تنوعًا.

لو لا مخالفة بعض العلماء من المجلس المُدَّعين بأن التنقية الطبيعية الثانية ستتجدّد أسرع من سابقتها؛ ففي العصر القديم تطور العلم بالتدريج مما كَيّف الكوكب لبعض الوقت، أما الآن فالعلم موجود ولا ينقصه سوى أن يُطَبَّق ويبدل التكييف البيئي، وَلو لم يُنقّى الكوكب لَيُباد الإنسان بسبب الأمراض الجديدة الناتجة.

ختمت جلالتها النقطة الأولى بعدما رأت فيها اكتفاءً، وافتتحت التالي: بناءً على تصويتكم اخترنا موضوع ولي العهد ليكون أحد مسائلنا، مع أنني أجد الأمر مبكرًا جدًا.

أجاب أحدهم: بل هو أولويتنا حاضرًا، تعلمين يا مولاتي أن سموّه غائب على الدوام. ولا أوجّه إساءة لكن اكتساب المزيد من الأسرار للحكومة ليس في صالحنا، ولا بد من أن ينتهي سرّ تولي زوجته منصبه في الخفاء.

-صحيح، سيُكشف هذا عاجلًا أم آجلًا.
وافقه البروفيسور.

-هل ترشحون أحدًا إذًا؟
سألت تتحدى، فلا أحد مؤهّلٌ حقًا لتولّيه غيرها حاليًا.

-أدرك أن النبيل لم يبلغ السن المناسب بعد ولكنه يحرز تقدمًا ممتازًا في عضويته في المجلس، ولا مانع من تأهيله إلى تولّي العهد كمُعجزته الثانية التي نبهر بها الدول الأخرى.
-لسنا مهووسين بإبهار الآخرين، كل ما يهمنا هو الأرقام وما تتحدث عنه لن يضيف إلينا رقمًا.
-لكنه سيلفت الأنظار إلينا وبالتالي يعرفون المزيد من فضائلنا.
-والمزيد من مناقصنا كذلك.

ردها الأخير فصلَ الحوار ومع أن الأعضاء امتلكوا ما يحتجّون به فضّلوا تأجيله، نظرًا لصدّ سموّها للأمر قطعًا.

-

لقاءَ مغادرة الرائدة للقاعة بعد اختتام الاجتماع استقبلها ساعدها الأيمن خارجًا، فركبت معه سيارة الشرطة وأخذها إلى حيث لا يراهما أحد للّهو بالسيارة قليلًا، فمهما كان رجال الأمن مُرخصين لاستخدام المركبات، ما يزال استخدامها خارج إطار العمل محظورًا.

عند وصولهما إلى تلّة خضراء خالية، رمى إليها حزمةً احتوت ما طلبته منه سابقًا، بيانات مختصرة حول عمالة القصر.
التقطتها وعلقت: بهذه السرعة؟ النبلاء أكثر فراغة مما يبدون عليه.

أخرج قائمة أسماء المساهمين في متاجرة الممنوعات من جيبه، التي اهترأت لكثرة ما طُويَت ونُقِّلَت، وقال: رُتِّبت الحزمة من الأحدث إلى الأقدم. ركزي على الأحدث، أغلبهم شباب.

طبّقت نصيحته، تخطّت الإناث منهم وألقت سيَر الذكور إليه ليبحث عن اسمٍ من القائمة قد يكون موجودًا.

-مهلًا!
استوقفها فتعيره الانتباه، ليقرّب القائمة من نظرها وبكفّه الثاني كانت سيرة واحد من العمالة الجدد، وبالفعل كان الاسم الكامل متطابقًا.

نظرَ كل واحد منهما إلى الآخر بطرف عينٍ وطرف ابتسامة، فبينما بَرقَ بصرُ عبدِ الله كانت عُود تهتف ضاحكةً: يا للدرب المُمَهَّد!