(43)
بقلم نهال عبد الواحد
- نورتيني يا أحلى أمنية!
أهدر بها مروان بابتسامة عريضة، فتلاشت ابتسامتها تمامًا وتقلّصت ملامحها ساحبة يديها بقوة وصاحت: يا إيه... ؟!
فوجم قليلًا ثم مسح على شعره بهدوء وابتسم ابتسامة متوترة قائلًا: أنا قصدي إنك أحلى أمنية اتمنتها!
فوضعت يديها على خصرها وتابعت بتهكم: لا والله!
- كبري مخك بأه، هتمسكي في الكلمة يعني! وبعدين إنهاردة أول يوم في حياتنا مع بعض ومش عايزين زعل، ماشي يا أمنيـ....
وسكت فجأة قبل أن يكمل آخر حرف، لكن لسوء حظه أن الاسم واضح ولا يمكن له اختلاق أي حجة حتى ولو بالكذب.
صدمتها كلمته للمرة الثانية في نفس اللحظة وشعرت بقهر شديد، تلاحقت أنفاسها وقبضت يديها بقوة وابتلعت ريقها لألا تبكي أمامه، لكن في لحظة قد حسمت أمرها فحملت فستانها وأسرعت نحو حجرة نومهما، دخلت، أغلقت الباب خلفها وأحكمت غلقه بالمفتاح قبل أن يلحق بها.
وقف أمام الباب يطرق عدة طرقات وينادي عليها: يا كارما، كارما، بجد أنا آسف، يا كارما من فضلك إسـ...
فصاحت فيه من الداخل: لا عايزة أتكلم ولا أسمع وأحسنلك تمشي من هنا، روح نام عل كنبة ولا ف أي حتة!
وقف قليلًا متأففًا ثم ضرب الحائط المجاور له بقبضة يده بغضبٍ وغيظ وهو يتمتم: غبي!
ثم تحرك نحو الخارج وجلس على الأريكة الخاصة بركن المعيشة.
انحنى للأمام ووضع رأسه بين يديه يزفر بقوة وبعد فترة رفع رأسه تمتم: ما شوفتش غباء كده! يعني فِلِت من أول واحدة تقوم تتنيها، إلبس بأه!
أما عن كارما فبعد أن صاحت فيه وسمعت ضربته على الحائط بالخارج وبعدها كأنه ابتعد بالفعل عن الحجرة، تركت لدموعها العنان، بكت بقهرٍ شديد وارتفعت شهقاتها؛ لقد قتل فرحتها وأفسد ليلتها.
ركلت حذائها بغيظ وهي تخلعه من قدميها والتفتت حولها تنظر لكل ركن في الحجرة وكيف كانت تتخيل ليلتهما، سارت قليلًا فاتجهت إلى حجرة الملابس ففتحتها ونظرت إلى ملابسها المعلقة، ووضعت يدها على أول طاقمين رشحتهما لها سمر ولمياء لترتدي أيهما هذه الليلة، ثم رفعت يدها وحملت فستانها وخرجت من حجرة الملابس.
وقفت في وسط الحجرة مرة أخرى وتمرر عينيها على مستخضراتها الخاصة التي وضعتها بعناية أمام المرآة، ثم التفتت إلى تختهما المغطي بغطاء أبيض ومزدان بهيئة تشبه فستان العروس، ومنثور عليه الورد المجفف الأحمر على هيئة قلب، وبالورد المجفف الأخضر على هيئة اسميهما، فانفجرت منتحبة مجددًا تتلاقط أنفاسها بالكاد، فجلست أرضًا وافترشت فستانها حولها، ثم ضمت ركبتيها إليها وأكملت نحيبها بشدة.
أما مروان فظل جالسًا مكانه في غيظٍ شديد يسب وينعت نفسه بالحماقة الشديدة، نهض وسار نحو الحجرة يتصنت على بابها فلم يسمع أي صوت فمد يده ينوي الطرق لكنه تراجع، حاول فتح الباب لكنه لا زال موصدًا.
فعاد إلى أريكته يحمل خيبته وتمتم هامسًا: كتك خيبة! مكتوب عليك نومة الكنبة كل مرة! إتنيل بأه إحضن المخدة!
فخلع حذائه وكنزة حلته وجمع وسائد تلك الأريكة جانبًا واستلقى عليها بغيظ يحملق في السقف...
وفي اليوم التالي فتحت كارما عينيها فشعرت بحرقان فيهما وانتبهت لنومتها أرضًا وبفستان زفافها، فأيقنت أن كل ما حدث لم يكن حلمًا.
حاولت أن تجلس وهي تحرك ظهرها ورقبتها بألم من أثر نومتها الخاطئة، فزفرت ثم نهضت واقفة.
اقتربت من المرآة وبدأت تخلع طرحتها باحتراس، ثم بدأت تمسح بقايا مستحضرات التجميل.
كانت عيناها منتفختان من أثر البكاء أو من النوم بمستحضرات التجميل أو الاثنين معًا.
بدأت في معاناة محاولة فتح سحاب فستانها، وبصعوبة بالغة استطاعت أخيرًا فتحه وإنزال كتفيه وإخراج كميها ثم تركته يسقط أرضًا.
حملته ووعدلته لتضعه في الحافظ الخاص به، وكان متسخًا ببقع من مستحضرات التجميل من أثر النوم به.
وبعد أن وضعت الفستان أخذت ملابس لها ودلفت إلى الحمام الملحق بالحجرة، خلعت ملابسها التحتية وضبطت حرارة الماء وجلست في مغطس الحمام لتهدأ وتسترخي عضلات جسدها المتيبسة.
وبعد فترة أنهت حمامها، جففت جسدها ودلكته بزيتٍ عطري وارتدت منامة شتوية باللون الرمادي ومشطت شعرها وجمعته إلى الخلف.
ارتدت إسدال صلاتها وأدت صلواتها الفائتة قضاءً، ثم اقتربت من باب الحجرة تتسمع فلم تسمع أي صوت، فارتدت نعال شتوي على هيئة أرنب رمادي اللون أيضًا.
فتحت الباب وتسللت بهدوء خارج الحجرة بدأت تبحث عنه حتى وجدته نائمًا على الأريكة، فتمتمت هامسة: أحسن تستاهل.
فلاحظت إنكماش جسده الدال على شعوره بالبرد، فهمست: إيه يعني ما أنا اتكومت ف الأرض برضو من غير غطا!
فسارت بضع خطوات ثم أعادت النظر إليه، فتنهدت بتأفف ثم اتجهت لحجرة النوم فأحضرت بطانية وقامت بتغطيته وهي تتمتم: خليني أحسن منك، لوجه الله بس! لكن إنت ما تستاهلش.
ثم التفتت نحوه مرة أخرى تتفحص ملامحه وهو نائم بهيام، فتنهدت ووضعت يدها على ذلك النابض بقوة وهمست: زي القمر، وبرضو بحبك، شوفت خيبة أكتر من كده!
لكن سرعان ما اعتدلت ثم سارت متجهة نحو المطبخ، دلفت إليه وتلفتت تنظر إليه بإعجاب وأخذت تفتح وتنظر في كل خزانة بسعادة، ثم همست: وقال كان نفسي مسدودة إمبارح عشان متوترة، طب والله لآكل وأبسط نفسي وطُز فيه...
فرفعت صوتها قليلًا وأهدرت: طُز فيك!
فتحت الثلاجة وأخرجت أصناف الطعام، ثم أخذت مقلاة جديدة من الجرانيت، وهمست: مطبخي بتاعي، وتلاجتي وهاكل براحتي، وهستعمل طاستي الجديدة كمان!
فبدأت تقطع بعض الطماطم والفلفل والزيتون مع الجبن ورشة من الزعتر لتصنع طبق من الأومليت.
وبعد تمام نضجه وضعته في طبق وجلست على منضدة بداخل المطبخ، وصاحت بسعادة: أيوة بأه! هآكل ولا يهمني، هفطر وأملى بطني، هاكل في طبقي الجديد لوحدي...
ثم التفتت نحو مدخل المطبخ وصاحت بصوت مسموع: خليك إنت نايم مش هصحيك، وإبقى احضن المخدة كويس! طب طُز فيك تاني.
وبدأت تتناول الأومليت برواق شديد كأنه لم يحدث أي شيء، ولما انتهت غسلت الأواني ثم صنعت كوبًا من النسكافيه واتجهت إلى حجرة جانبية.
دلفت إليها وكان بها مكتب وعدد من الصناديق، من الواضح أنها تحتوي على الأشياء الزائدة، وكانت على جانبين تركت أحدهما واتجهت إلى الآخر بعد أن وضعت كوبها على المكتب.
فتحت الصناديق تبحث بينها على شيءٍ ما حتى أخرجت عدد من الكتب ودفتر و وضعت أدواتها على المكتب وجلست وهي تفتح ذراعيها وتهمس: حبايبي!
ثم نظرت ناحية مدخل الباب وصاحت بصوت مسموع: خليك نايم ولا تهمني أصلًا، مليت بطني ونسكافيهي في إيدي وكتبي في حضني، وعلى فكرة لو جوعت هتغدى لوحدي ومش هستناك...
ثم قالت وهي تتغنج برأسها متهكمة: إحضن بأه المخدة كويس!
مر الوقت وبدأ مروان يتململ في نومته وفجأة! سقط أرضًا من فوق الأريكة فتأوه وأمسك بظهره وهو يحاول الجلوس، ثم انتبه لنومته وهيئته، فتذكر أن الأمس كانت ليلة عرسه كما تذكر ما ارتكبه!
فرك وجهه وحك فروة رأسه قليلًا وانتبه لتلك البطانية التي كان متدثر بها فتحسسها وابتسم قليلًا؛ كيف رق قلبها إليه وغطته!
نحّى الغطاء جانبًا ونهض بتأوه يعدّل ظهره ورقبته، أخذ كنزته واتجه نحو حجرة نومهما، فوجد الباب مفتوحًا قليلًا فطرقه بخفة فلم يجد إجابة فدفع الباب ودلف، بحث عنها بعينيه فلم يجدها والأعجب أن فراش التخت كما هو والورد المجفف في مكانه المرصوص كما هو!
إذن فأين نامت؟!
تنهد قليلًا خاصةً واتجه نحو الحمام ليأخذ حمام هو الآخر ويفكر في طريقة يصلح بها ما أفسده بالأمس.
كانت كارما منهمكة في مذاكرتها وليس لديها أي فكرة عن كم يكون الوقت أو كم من الوقت هي جالسة هكذا! لكنها شعرت بالإنجاز في كم المذاكرة، خاصةً وهي لم تذاكر منذ زمنٍ طويل.
أعادت ظهرها للخلف تمدد ذراعيها بتكاسل، ثم زفرت بملل وضيق وقالت لنفسها بصوتٍ مسموع: الواحد زهق ونفسه يطلّع زهقه في حاجة تانية، مش لو الراجل اللي برة ده بيشرب سجاير كنت سرقت منه واحدة نفخت فيها وطلعت فيها همي...
وفجأة ومن حيث لا تدري قاطعها صوته: سجاير يا كارما!
فانتفضت بفزع، فصاحت بضيق: في حد يكبس كده؟! خضتني!
و وضعت يدها على صدرها تتلاقط أنفاسها، فاقترب نحوها حتى وصل إلى المكتب وأسند بساعديه عليه وأهدر بلطف: آسف، والله آسف!
أطالت النظر في وجهه أو بالأحرى في عينيه التي بمجرد تلاقيها تشعر بهما يعانقاها، لكنها أشاحت بعينيها بعيدًا عنه ولم تعقّب.
فتنحنح وهو يمسح على شعره ثم تساءل: هو إنتِ نمتِ فين إمبارح؟
فابتسمت بتهكم وقالت: خبطت عل جيران ونمت عندهم!
فعكر حاجبيه وقال: أفندم!
فتابعت بلامبالاة: حاجة ما تهمكش!
- أصلي لاقيت مفرش السرير زي ماهو والورد كمان بنفس رصته، بس أنا لميت الورد وحطيته في الفاز الفاضية.
فأومأت برأسها ثم أعادت النظر داخل الكتاب، فأكمل: إنتِ نمتِ عل أرض!
فرفعت عينيها إليه بعتاب ولم تعقب ثم أعادت نظرها داخل الكتاب، فقال: متشكر إنك غطتيني.
فأومأت ببرود ثم نهضت واقفة وأمسكت بكوبها الفارغ وقالت له: هعملك نسكافيه وكمان شوية أبقى أجهز الغدا.
وهمّت بالخروج فقال مبتسمًا: شكرًا.
فالتفتت إليه وتابعت: العفو يا جوزي.
فرفع أحد حاجبيه بدهشة وقال: جوزك!
فرفعت إبهامها وقالت بتهكم: آه، لحقت تنسى! دي حتى البصمة لسة معلمة.
واتجهت نحو المطبخ دون أن تنتظر إجابته، لكنه تبعها بعينيه خاصةً بهيئة منامتها الضيقة نوعًا ما بشكل يوضح قوامها الممشوق أمامه لأول مرة، وشعرها المنسدل لآخر ظهرها على هيئة ذيل حصان.
فتنهد ومسح على وجهه ثم تبعها.
دلفت كارما إلى المطبخ وهي تحدث نفسها قائلة: طبعًا ده مطبخي ودي حاجتي وهشرب نسكافيه تاني ، عادي جدًا حد هيقولي حاجة يعني!
فتفاجأت بمروان يحدثها فجأة من خلفها: مالك! إنتِ بتكلمي نفسك على طول كده!
ثم اتسعت ابتسامته فوضعت يديها على خصرها وتغنجت بجسدها قليلًا بغيظ ثم استدارت مرة أخرى لتصنع النسكافيه، بينما هيئتها وحركاتها تلك قد أوقدت لهيب أشواقه.
وقفت كارما تصنع النسكافيه وتشعر بعينيه تخترقاها لكنها حاولت ألا تكترث لذلك وتكمل ما تفعله، حتى صبته وبدأت تقلب التقليبة الأخيرة حتى شعرت به خلفها يحاصرها بينه وبين ذراعيه لكن شعرت به أقرب لظهرها واشتمت رائحة عطره فأغمضت عينيها مع نفس عميق بهيام لكنها استعادت نفسها بسرعة.
لما حاصرها هكذا شعر برائحة عطرها فأخذ يتنفسها بعمق لكنها فجأة تحركت وأفسدت الموقف وأشارت إلى كوبه قائلة: إتفضل.
ثم سارت بضع خطوات تمسك بكوبها فأمسك بكوبه ورشف رشفة بإحتراس ثم قال بإعجاب: تسلم إيديكِ، أحلى نسكافيه.
فالتفتت إليه قائلة: ميرسيه.
فناداها قبل أن تخرج: طب يا كارما، إنتِ ذنبك إيه تقعدي من غير أكل؟!
فنظرت إليه وقد اتسعت ابتسامتها وتابعت: أنا! أنا قمت من نومي جعانة وكلت طبعًا.
ولم تعطيه فرصة الرد وتركت المطبخ واتجهت نحو الحجرة التي كانت تذاكر فيها، وبعد قليل تبعها ووقف عند مدخل الباب يراقبها ويراقب كل حركة وتفصيلة فيها بإعجابٍ شديد.
وفجأة رفعت عينيها وقالت: هو ممكن تديلي تليفوني، أصله معاك من إمبارح.
فأومأ برأسه ثم تركها وبعد قليل عاد واضعًا الهاتف أمامها، فأخذته بسرعة وفتحته، وبعد قليل سمعت صوت تتابع الرسائل، كانت جميعها رسائل مباركة حتى وصلت إلى رسالة أمها، ففتحتها:
«أول ما تصحي وتفتحي كلميني، طمنيني عليكِ»
فترقرقت عيناها بالدمع فابتلعت ريقها وتمالكت نفسها، ثم اتصلت بأمها وانتظرت قليلًا حتى جاءها الرد فصاحت بحماس:
- ماما وحشتيني! أنا بخير يا حبيبتي... هه!
ثم سكتت لتسمع ما تقوله أمها بينما توردت وجنتيها خجلًا فأجابت بخفوت وتوتر واضح: تمام يا ماما!
وبعد قليل قالت: ماشي يا ماما، إطمني إحنا صاحيين ومستنياكِ، يلا يا حبيبتي كلميني أول ما تلبسي أطلبلك عربية وأسجلها العنوان، ماشي يا حبيبتي مع السلامة!
ثم أغلقت الخط و وضعت الهاتف جانبًا، فتساءل مروان: هي مامتك جاية؟!
فأومأت برأسها أن نعم، ففرك فروة رأسه بتوتر وتابع شرب كوب النسكافيه...
Noonazad 💕❤💕
Bạn đang đọc truyện trên: Truyen247.Pro