(21)
بقلم نهال عبد الواحد
خرجت كارما من مكتب المدير وهي تسير بغيظٍ شديد، لا تدري سر ذلك الغيظ كما لا تدري لماذا لم ترفع عينيها نحو مروان أو تبديه أي اهتمام! لكنها تمتمت: أحسن، يمكن يتلم ويزهق...
هكذا تقنع نفسها بأفعالها، لكن فجأة ظهر أمامها من اللاشيء لدرجة أنها كادت تصطدم به فتوقفت فجأة ومن سرعة خطواتها كادت تسقط أرضًا لكنها تماسكت حالها في آخر لحظة!
كانت تلتقط أنفاسها المتلاحقة من أثر فجأتها بتواجده أمامها، ثم صاحت بغضب: في حد يقف كده فجأة في السكة!
فجز على أسنانه غيظًا ثم تابعها يحاول امتصاص غضبه: فين تليفونك؟!
فقوست شفتيها بعدم رضا قائلة: نعم!
فقال وهو يمد يده: تليفونك.
خطفه من يدها ثم تأفف قائلًا وهو يمد يده بالهاتف: إتفضلي إفتحيه.
- إنت فاكر نفسك إيه!
فصاح بغضب: ما تطلعيش عفاريتي! إفتحيه بقول!
كان يصيح بأنفاسٍ لاهثة وعيناه تشتعل غضبًا فتوترت من هيئته قليلًا، فلمست الهاتف ففُتح ببصمة إصبعها، فأمسك به قائلًا: شوفي كام(missed call)، كام رسالة؟! ما تشوفي!
قال الأخيرة بصياح، فخطفت من يده هاتفها وأغلقته ودسته في جيبها، ثم أخذت نفسًا عميقًا وهمّت بالانصراف، فاعترض طريقها مجددًا وهو يصيح: ما بترديش عليّ ليه كل ده؟!
فأجابت بلا مبالاة: مش عايزة.
فقبض يده بقوة ثم قام بعضِّها بشدة يفرغ غضبه ثم قال: يعني إيه مش عايزة! إنتِ اللي نكشتِ تعرفي الحقيقة، يبقى ليه كشيتِ وهربتِ؟ إيه اللي زعلك وخلاكِ تقاطعيني كده!
- عرفت اللي كنت عايزة أعرفه وخلاص.
- يعني إيه خلاص! هو بمزاجك!
- بالظبط! إسمحلي بأه لأني ورايّ شغل.
- مش بمزاجك على فكرة، مش بمزاجك تدخلي حياتي وبعد كده عايزة تنسحبي بمنتهى السهولة!
- أفندم! وده إسمه إيه إن شاء الله!
- سمّيه زي ما يعجبك، بس فيه كلام لسه ما خلصش...
- لا! خلص كل الكلام يا فندم، وأصلاً مفيش كلام عشان نكمله...
- كدابة!
فجحظت عيناها وهمّت أن تصيح فيه لكن تحجّر الكلام وتجمد حلقها، فلم تعقّب، فتابع: الكلام ما خلصش، ده ابتدى وما تحاوليش تهربي منى تاني، وعلى فكرة سفرية يوم السبت رجلي على رجلك...
أطالت النظر نحوه ولم تعقب، بينما هو انصرف من أمامها تاركًا إياها تتطلع لطيفه، شعرت بأنفاسها تختنق فأمسكت بأعلى فتحة ثوبها حول جيدها تحركها لتدخل بعض الهواء، وبعدها بفترة انصرفت متجهة لصفها.
دلفت لداخل الصف بوجه غير الذي خرجت به، كانت شديدة الغضب لدرجة لم تتجرأ إحداهما على سؤالها ماذا بكِ أو ما الخطب!
كانتا تراقبانها وهي تتحرك ذهابًا وإيابًا بغضب وهي تتمتم: بأه أنا يخطف من إيدي التليفون! أنا يزعألي ويتنرفز عليّ! هو فاكر نفسه إيه! بأه أنا كدابة!
ثم توقفت قليلًا وهي تكرر: كدابة!
ثم تابعت: طب أقولهالك إزاي؟! إذا كنت مش عارفة! يقطع الخبرة على فكرة العرض على الاقتراح اللي خلاني أروحلك برجلي!
ثم جلست فجأة وهي تلتقط أنفاسها: طب أعمل إيه!
التفتت سمر نحو التلاميذ فوجدتهم يتابعون كارما بفجأة وأفواهٍ مفتوحة، فنهضت واقفة وهي تصفق وتصيح: برافو! برافو ميس كارما! كانت هايلة المسرحية دي، مش كده يا ولاد!
فضحك الأطفال وهم يصفقون فالتفتت كارما حولها تستعيد رباطة جأشها وقد تداركت انفلاتها الانفعالي، ثم جلست سمر أمامها مباشرةً وأومأت برأسها متسائلة: إيه اللي جنّك يا قلبي! ماانتِ ماشية من هنا بعقلك!
فابتلعت كارما ريقها وقالت بأعينٍ زائغة: قابلته و...
ثم اندفعت بغضب: قال إيه بيزعألي! قال إيه بيأمر وينهي! هو فاكر نفسه إيه! وقال إيه هسافر معاكِ رجلي على رجلك! لا ده ما جربش جناني...
ثم التفتت إليهما وهما واجمتان محملقتان فيها، فصاحت فيهما: هو أنا فُرجة!
فابتعدتا عنها وأتمتا اليوم الدراسي دون احتكاك بها، بينما ظلت كارما تتمتم بغيظ وتتوعد لمروان أشد التوعد.
عادت سمر إلى بيتها وأعدت الغداء ببالٍ مشغول حتى جاء عمرو من عمله وتناولا الغداء وبعد التحدث في عدة مواضيع حاول أن يستشف منها سبب حالتها لكنه لم يصل بعد وقرر سؤالها مباشرةً: طب ما تجيبي م الآخر يا سمر وقوليلي مالك!
فسكتت قليلًا ثم قالت: مروان جه المدرسة إنهاردة وقابل كارما.
فتساءل: إتكلموا يعني!
فأومأت برأسها: اتخانقوا.
فرفع حاجبيه: اتخانقوا!
- بص هي فضلت تبرطم وشكلها كان شايط عل الآخر، وحسب ما فهمت من جنانها إنه كان متغاظ من تجاهلها ده وقال إيه مفيش سفر قال ورجلي على رجلك!
فتابع عمرو وهو يضيق عينيه: رجله على رجلها!
- شوفت جنان أكتر من كده! أتاريها متغاظة وعلى آخرها، كانت رزعته قلم يخنفه، وتعمله بلوك وتغير رقمها بدل وجع القلب ده!
فأومأ عمرو برأسه أن نعم ولم يعقب فاغتاظت منه سمر وتركته...
أما كارما فمنذ أن عادت من المدرسة وقد أغلقت هاتفها لألا يزعجها باتصالاته ورسائله، لكنها تستشيط غضبًا؛ خاصةً وأنها لم تنفس عن غضبها المكبوت منه! ولجأت للاتصال بأخيها لضبط موعد سفرهما من هاتف أبيها ولم يسألها عمرو عن سر ذلك لأنه فهم السبب!
وفي الصباح الباكر من يوم السبت وقد اضطرت لفتح هاتفها ليتتابع سيل رنات تعلن عن وصول مئات الرسائل منه ومن آخرين لكنها لم تفتح أيها، ارتدت ملابسها واستعدت وهبطت حين تلقت اتصال من أخيها أنه بالأسفل.
سلمت على أخيها ثم وجدته يتجه لسيارة ليست سيارته، وقد لمحت بداخلها شخصٌ ما يجلس عند عجلة القيادة، فظنت أن أخاها قد قام باستئجار سيارة وسائق حتى لا يُجهد من القيادة طول الطريق.
ركبت السيارة في المقعد الخلفي دون أن تنتبه لماركتها ولونها، بينما ركب عمرو في المقعد الأمامي، تمتمت كارما عقب ركوبها: السلام عليكم ورحمة الله.
فآتاها صوتًا تعرفه جيدًا يجيب عليها: وعليكم السلام ورحمة الله، يا صباح الخيرات يا ست البنات!
فانتبهت للصوت فجأة ورفعت عينيها تنظر نحو السائق والذي نظر إليها عبر المرآة الأمامية بوجهٍ مبتسم وهو يدير السيارة، فصاحت فيه: إنت! إنت إيه اللي جابك! وقف بسرعة لو سمحت!
فأجاب بهدوء وهو يقود سيارته بالفعل: سوري يا آنسة، أنا باخد الأوامر من الرجالة.
فصاحت: رجالة إيه وستات إيه! إيه ده يا عمرو إيه التهريج ده!
فتابع عمرو يهدئها: إهدي كده وبالراحة يا كارما، دي فرصة للكلام وأديني موجود معاكم فما تخافيش.
فصاحت: وأنا مش عايزة أتكلم، أنا مسافرة في مأمورية محددة.
فنظر إليها مروان عبر المرآة الأمامية مبتسمًا ولم يعقب، ثم أدار مسجل السيارة، لتصدع بأغنية:
«دخلت حياتي حلّيتها،
ملوّنها بأجمل لون،
وكل أيامي من قبلك ما بحسبهاش،
وصوتك لما تتكلم في حينية،
بتاخد روحي من روحي لدنيا بعيد،
بحس براحة وأطمن وبعينيا،
بشوف الحاجة وأنا جمبك جمالها يزيد...»
فصاحت كارما بحدة: إيه المسخرة اللي ع الصبح دي! إطفي يا بابا إحنا على سفر، شغّل قرآن بدل العربية ما تنقلب بينا!
فمسح عمرو وجهه يهدئ نفسه قائلًا: أستغفر الله العظيم! الملافظ سعد يا عبعال!
فتابعت بنفس حدتها: إيه قُلت حاجة غلط!
فتابع مروان بهدوء بعد أن أطفأ الأغنية: بس إحنا كده مش هنعرف نتكلم!
فأجابت: أحسن برضو! استمعوا له وأنصتوا.
فأدار مروان المسجل على سورة البقرة بصوت الشيخ محمود صديّق المنشاوي، فتنهدت كارما وعادت بظهرها في انسجام؛ فهي تعشق صوت ذلك الشيخ!
بينما تمتم عمرو زافرًا: اللهم طولك يا روح! كان إيه اللي رماك يا بني تحت إيديها! ده إنت هتشوف أيام...
..................
........................................
Noonazad 💕❤💕
Bạn đang đọc truyện trên: Truyen247.Pro