(20)
بقلم نهال عبد الواحد
انتهت إجازة نصف العام وعاد العروسان من إجازة شهر العسل، بدأ عمرو يداوم عمله من جديد ثم تبعته سمر في مداومة عملها، كانا يجيئان في زيارة أسبوعية لبيت أهل كارما، وبعد فترة قصيرة بدأت تظهر على سمر بشارات الحمل وبالفعل قد كان.
كانت كارما لا تحمّل لمياء وسمر المزيد من العمل بل تخفف عنهما وتتحمّل هي، ولا زال أمرها معلّقًا بخصوص مروان؛ لكنه لم يملّ من تكرار اتصالاته ورسائله دون إجابة، ولم تعد تملك أي سبب لتقترب منه أو تبتعد عنه، حالتها تشبه أحوال مصر قبيل العبور العظيم اللاسلم واللاحرب!
وذات يوم كانت كارما داخل الصف مع الأطفال الواقفين مصطفين ويرتدون أقنعة ورقية لحيوانات مختلفة وتقف أمامهم كارما وترتدي قناع ورقي لشخصية الزرافة، بينما لمياء جالسة تعزف على آلة (الأورج) لحن بسيط تردد على إيقاعه كارما والأطفال ذلك الحوار الغنائي...
ثم صفقت كارما تهدر قائلة بسعادة: هايل يا ولاد، يلا اتفضلوا على أماكنكم
ثم جلست متأففة جوار لمياء قائلة: الله يكرمك! خفي صوابعك؛ الإيقاع مش مظبوط.
ثم سحبت منها آلة (الأورج) وبدأت تعزف عليها وهي تردد: بصي تا تي تا تي تا تي تا، بلاش تطولي التاتي اللي في الآخر دي الله يباركلك!
ثم تركت الآلة وهي تنطر أصابعها متوجعة؛ حيث كانت أصابعها مجروحة ومغطاة بلاصقات طبية.
فتنهدت لمياء بتعجب: شُفت ناس بتتعور كتير وقليل، لكن ما شُفتش في الدنيا العشر صوابع في يوم واحد!
فرمقتها كارما بنظرة حادة: أديكِ شُفتِ، قُلت الكاتر عورني وأنا بعمل المكعبات.
فأكملت سمر بتسلية: طب سرحتِ وعورتِ صوبع والتاني والخامس، كملتِ برضو!
فتأففت ولم تعقب، فتنهدت سمر ثم قالت مغيرة للموضوع: بس القصة دي حلوة، فعلًا هتدخليها الـ(Gradiuation party) ؟!
فأومأت كارما برأسها قائلة: إيه رأيك! بس هنعمل ماسكات كبيرة ولبس الحيوانات، هتبقى واو!
ثم وجهت حديثها إلى لمياء: بس يا لميا خفي صوابعك في العزف لسة اللستة طويلة، وهشوف ميس تانية عشان تريحوا مع بعض.
فأومأت لمياء برأسها فقاطعهما صوت رنين هاتف كارما، فنظرت فيه ثم أغلقت الخط بتذمّر وأعادته لجيبها، فرفعت لمياء حاجبيها بتساؤل: هو برضو!
فأجابت كارما بغضب: مش عارفة إيه السخافة دي! لا وكمان وأنا في المدرسة! إيه ما زهقش!
فأجابت سمر بلامبالاة: ما تعمليله بلوك وريحي نفسك ولا غيري رقمك.
فابتعلت كارما ريقها بتوتر ظاهر وتابعت: هيحصل طبعًا.
ثم نهضت واقفة قائلة: هروح الإدارة عشان آخد التبرع؛ عشان هروح أزور أحمد في المستشفى يوم السبت إن شاء الله.
فتابعت سمر: والله طلع راجل ذوق! يعني مش كفاية رجعلهم المصاريف كمان مهتم، بس مش هم في 57357 مجاني!
فأجابت كارما وهي ترفع كتفيها ألا تدري: الأمر ما يستغناش، عمومًا كله ذوق منه.
ثم قالت: آه بالحق، يوم الأحد إن شاء الله مش هنشتغل أنشطة، اكتبوا في (Notes) بتاعة الولاد (revision).
فتأففت لمياء قائلة: يبقى إنهاردة الواتساب بتاع الماميز مش هيبطل رن.
فتابعت كارما: المفروض إتعودوا، إحنا كل إسبوعين من أول السنة بنراجع، هروح الإدارة بأه...
ثم انصرفت، فنظرت لمياء إلى سمر ورمقتها قائلة: كان لازم حكاية البلوك وتغير رقمها دي! بتطلعيها في دماغها ليه؟!
فأجابت سمر: وهي سايبة الباب موارب ليه؟! ما ترزعه في وشه وترتاح بأه!
- طب ما تشوفه عايز إيه! ده صابر بآله أسابيع، واحد غيره كان زهق.
- إنتو مصرّين تجننوني! إن كنتِ إنتِ ولا عمرو! ليه ترضى تبقى ذكرى لحد تاني؟! مجرد إستبن ينسى بيه حبه الأول!
- وليه ما يكونش فعلًا اتغير؟! ما تسمعه وتشوف، إشحال ما قلبك دق قبل كده وعارفة!
- بصي حبيبتي، إنتِ يوم ما حصل استلطاف بينك إنتِ وعماد، قبل ما ينطق معاكِ بكلمة لاقتيه عندكم بيخطبك، وأنا بعد فترة القط والفار اللي مع عمرو وبدأنا نتغير ونحس ببعض وكلمني وأنا كنت واضحة معاه إن مفيش ارتباط قبل البكالوريوس، هو بسلامته إيه بأه!
- ما هي لو ردت عليه زي الخلق هتعرف إيه بأه!
- وده بعد كام سنة إن شاء الله؟!
بينما اتجهت كارما نحو مكان الإدارة وصعدت عدة درجات وما أن اقتربت من مكتب الإدارة حتى شعرت برجفة داخل قلبها وتوتر شديد، قلبها يحدثها بأمرٍ ما، أنه بالداخل، لكنها صارت أمام الأمر الواقع، فقد أخبرت السكرتيرة المدير بمجرد رؤيتها مباشرةً فاضطرت أن تدخل.
طرقت الباب عدة طرقات ثم دلفت، فلمحته جالسًا شعرت بأنفاسها من شدة الملاحقة تختنق فخففت حول رقبتها لاإراديًا ثم سندت بذراعها على صدرها ليهدأ ذلك القلب الذي سيفضحها، وأخفت ذلك بعبثها في قلادة حول جيدها.
همست بصوتٍ يكاد يختفي: السلام عليكم ورحمة الله.
فأجاب الاثنان: وعليكم السلام ورحمة الله.
فتابع المدير بوجهٍ باشّ: تعالي يا كارما، إتفضلي، أخبارك إيه؟
فأجابت بهدوء يخالف ما داخلها من بركان مكتوم: بخير الحمد لله!
ثم قالت بنفس طريقتها: مش هعطل حضرتك كتير، إن شاء الله هروح أزور أحمد يوم السبت، وزي ما اتفقت مع حضرتك.
فابتسم الرجل وهو يفتح أحد أدراجه، ثم أخرج مظروفين ومد بهما يده، فأخذتهما كارما وهي تنظر لهما بتساؤل، فتابع موضحًا: الظرفين دول واحد لأهل أحمد والتاني تبرع للمستشفى باسم المدرسة، أنا بثق فيكِ وعارف إنك أد الأمانة وكان بودي ابني يكون معاكِ منها يوصلك ومنها يكون مكاني هناك باسم المدرسة يعني!
فأجابت كارما بتوتر: لا لا شكرًا يا فندم، هروح مع أخويا إن شاء الله، هو عنده السبت أجازة.
فأومأ لها مبتسمًا: تمام، تروحي وترجعي بالسلامة إن شاء الله، وتسلملنا عليه وأتمنى تبلغيني أخباره يوم الأحد.
فقالت وهي تنهض واقفة: إن شاء الله يا فندم، عن إذن حضرتك.
وانصرفت دون أن ترفع عيناها نحو مروان الجالس أمامها، فأغضبه ذلك كثيرًا، ثم قال: هو أحمد في مستشفى إيه!
فأجاب: 57357.
فابتلع مروان ريقه بحزن قائلًا بأسى: آه! ربنا يشفيه لأهله!
وبعد انصرلفها قال: ممكن أروح أنا كمان على اعتبار إني لاعب كورة وده بيفرح الولاد.
فأومأ برأسه وهو يتابع: فعلًا فكرة هايلة، كنت قُلت أدام كارما واتفقتوا تروحوا مع بعض، بس هي غالبًا مش هتوافق، بنت أخلاقها عالية بجد في الزمن اللي إحنا فيه ده والله خسارة! وابني للأسف مش عايز حتى يجي ويشوفها، قال إيه جواز الصالونات موضة قديمة!
فأومأ مروان برأسه داخله بدل البركان آلاف البراكين المكتومة التي تأكل أحشاءه بحممها، ثم ابتسم ابتسامة مزيفة وانصرف مسرعًا ليلحق بها وهو يتمتم: الراجل ده مصرّ يرفع ضغطي، كل ما يشوفني عايزها لابني عايزها لابني!
خرجت كارما من مكتب المدير وهي تسير بغيظٍ شديد، لا تدري سره ولا تدري لماذا لم ترفع عينيها نحو مروان أو تبديه أي اهتمام، لكنها تمتمت: أحسن، يمكن يتلم ويزهق.
لكن فجأة...
....................
......................................
Noonazad 💕❤💕
Bạn đang đọc truyện trên: Truyen247.Pro