(13)
بقلم نهال عبد الواحد
وجاء يوم الرحلة التي كانت تنظمها كارما إلى متحف الأسكندرية، كانت قدمها قد تحسنت كثيرًا فلم تعد تتعرّج في مشيتها رغم أنه لا زال هناك بعض الألم الطفيف خاصةً مع الوقوف والتحرك خلال اليوم الدراسي.
وصلت كارما مع الأطفال وكان معها عدد من المعلمات زميلاتها وبالطبع معها لمياء وسمر.
دخل الجميع وكانت كارما في قمة سعادتها وهي داخل المتحف، حقيقةً هو شعور كل من هو مولعًا بالتاريخ والحضارة الفرعونية.
كانت تسير مع الأطفال وهي تقول لهم: عايزاكم يا ولاد تركزوا في كل تفصيلة، بصوا على شكل الكتابة وشكل الهدوم وكمان الحلي والأدوات، وشكل التماثيل الصغيرة، هنشوف كل حاجة على مهلنا ما نستعجلش، والأهم ما نلمسش حاجة نبص بعنينا وبس.
(حيث أصبحت المعروضات تُعرض مباشرةً وليس داخل صندوق زجاجي كما هو المعتاد قبل ذلك).
ثم تنهدت بسعادة، فاقتربت منها سمر متعجبة: ده إيه الابتسامة العريضة دي كلها؟!
فأجابت كارما بسعادة: مبسوطة بالمكان أوي يا سمر، اتفرجي و ملّي عينك وشوفي الجمال والإبداع، تعرفي إن الست في مصر الفرعونية كانت بتتقدر ومكانتها عالية جدًا لدرجة إن يوم ما تقرر تتجوز تروح بنفسها تخطب الشخص اللي هي عايزاه.
فابتسمت سمر بسخرية: يا ختي كميلة، وتروح تقوله أنا جاية أطلب إيدك، يا خبر أسود!
فتابعت كارما: أنا غلطانة إني بتكلم معاكِ، ثقفي نفسك يا ماما.
فاقتربت لمياء تنظر بينهما متسائلة: بتتخانقوا ولا إيه!
فأجابت كارما: بتتريق عليّ عشان فرحانة بالمكان، حسي بالفن يا ماما وشمي عبق المكان، واملي رئتينك كده وانبسطي.
فتابعت سمر باستخفاف: عبق المكان! دي ريحة الفورمالين يا ماما.
فضحكت كارما: فورمالين! إنتِ لسه شميتِ فورمالين! إنزلي تحت وهتشمي شم...
وهنا قهقهت لمياء فنظرت إليها كارما وقهقهت هي الأخرى، فنظرت إليهما سمر بعدم فهم وتصنعت الغضب الطفولي فأخرجت طرف لسانها لكارما، ففعلت كارما مثلها واتجهت كلًا منهما تسير في ناحية.
فضربت لمياء كفًا بكف قائلة في تعجب: دول إتهبلوا أكتر م العيال، عوّض عليّ عوض الصابرين يا رب!
وسار الجميع يشاهدون كل أقسام المتحف وإن كان هناك بعض الآثار اليونانية والرومانية كل عصر في طابق، الفرعوني في طابق واليوناني والروماني في طابق، بالإضافة للطابق الموجود تحت الأرض لعرض التوابيت والموميات، وكانت كارما ولمياء من حينٍ لآخر تنظران لبعضهما البعض وتضحكان.
وبعد أن انتهوا من مشاهدة كل إنش بالمتحف، جلسوا جميعًا في حديقة المتحف ليتناول الأطفال وجبة الإفطار قبل الانتقال لمكانٍ آخر، وبالطبع لا زالت كارما ولمياء تحت تأثير كريزة الضحك!
فنظرت بينهما سمر قائلة: مش كفاية ضحك بأه!
فأجابت كارما: ماانتِ لو كنتِ معانا يوميها كان زمانك ميتة م الضحك زينا...
وعاودت الضحك مجددًا.
فتابعت لمياء بأنفاس مقطوعة من كثرة الضحك: والله فاكرة شكل المجنون ده زي إنهاردة!
ثم صاحت وهي تنظر أمامها وتشير بسبابتها: بت يا كارما، الشاب الحليوة اللي هناك ده بيفكرني أوي بالمجنون إياه.
فالتفتت كارما تنظر موضع إشارة سبابتها فاختفت ضحكتها تدريجيًا وهمهمت بفجأة: مروان!
ظلت كارما واجمة مصوبة نظراتها نحو مروان، والذي لم تراه منذ يوم المشفى، فلم يتقابلا أو يتهاتفا.
بالطبع سمر ولمياء تتابعان الموقف بدقة يشوبها بعض الغمزات والعبث؛ فالمشهد يجزم بلقاء عيون حاد بين عاشقين، لكن في الحقيقة لم يكن الأمر هكذا على الإطلاق!
لقد علمت أخيرًا كارما سر شعورها بالألفة نحو مروان منذ اللقاء الأول، وإن كانت الذاكرة مشوشة قليلًا...
كانت من بضع سنوات، تحديدًا في العام الأخير في الكلية وكان مقررًا عليهن بالفرقة الرابعة شق دراسي مرتبط بالمتاحف والتربية المتحفية، وكان يتطلب زيارة لعدد من المتاحف بشكل إجباري وعمل بحث ميداني.
ويومها ذهبت كارما ولمياء إلى متحف الأسكندرية ودلفتا بالداخل، كان انطباع كارما متطابق مثل انطباعها الحالي، فقالت: الله عل فن والإبداع، شايفة الروعة!
فتجيبها لمياء تتصنع الإعجاب: أمال أمال.
- عارفة أنا بفكر لما أتجوز أجيب الأنتيك على طراز فرعوني، حقيقي موهومة بجد، أنا أصلًا كنت شارية من خان الخليلي أهرامات صغننة وأبو الهول هبقى أجيب شوية حاجات من دي تاني، ولا أجرب أحسن لما نشتغل بإيدينا يمكن أعرف أنفذ شغل و...
استوقفها إيماءة لمياء برأسها توافقها على كل شيء دون اكتراث، فقالت كارما: أنا غلطانة إني بشاركك إهتماماتي.
- إهتمامات إيه يا هبلة! هي طنط هدى وقت ما ربنا يكرمك هتسيب الصيني والسجاد واللبس والفرش والشوار ده كله! وتروح تشتريلك مسلات وتماثيل فرعونية!
- كسّري مقديفي يا ختي، يلا خلينا نخلص.
وكانتا تهبطان عبر درج داخلي فتساءلت لمياء بخوف: هو السلم ده بيودي على فين؟! أنا خايفة!
فأجابت كارما ببعض التوتر: ده المفروض بيودي عل موميات.
- طب إيه الضلمة وجو أفلام الرعب ده!
- ده نظام الإضاءة الخافتة عشان يحافظوا على الآثار، و رغم إن الجزء بتاع الموميات ده موفق في ديكوره بس مرعب بصراحة.
- مرعب إيه! ده حاسة إني نازلة التُرَب.
- طب ما هي تُرَب.
وكانتا قد هبطت لأسفل وأمامهما مومياتين، كان المكان مظلم سوى بعض الإضاءة الخافتة كما هو السائد في سائر نظام المتحف ورائحة الفورمالين منتشرة في المكان لحفظ الموميات، لكن كل مومياء موضوعة داخل تابوت بنفس رباطاتها وحولها مايشبه القش داخل التابوت، وكانت إحدى الموميتين يظهر منها أصابع إحدى القدمين.
فقالت لمياء بصوتٍ يرتعش من الخوف: دي صوابع الراجل!
فأومأت كارما برأسها وهي أيضًا خائفة وإن كانت لا زالت تجادل.
فهمست كارما بنية تخويف لمياء: هو أنا ليه حاسة إنه بيحرك صوابع رجله وهلاقيه واقف أدامنا دلوقتي!
وفجأة صرخت لمياء عندما ظهر أمامها فجأة شاب طويل أشعث اللحية والشعر، فلما صرخت لمياء حدق بعينيه وفي تلك اللحظة رأته كارما فصرخت هي الأخرى، وظلت الفتاتين تصرخان وتسرعان ركضًا حتى خرجتا تمامًا من المتحف وهما تصيحان: السايح المجنون!
وبعدها خرجتا للطريق وقد صارتا طبيعيتين لدرجة معاودتهما للضحك مرة أخرى، واتجهتا بعدها إلى قلعة قايتباي.
دخلتا القلعة وتسكعتا داخلها مع التقاط بعض الصور لكلًا منهما، وجلستا تخططان للذهاب لأكل الآيس كريم أو الأرز باللبن، ثم تكملان التقاط الصور على طريق الكورنيش وسط قوارب الصيادين وأمام ورش صناعة السفن الكبيرة.
لكنهما تفاجئتا بنفس الشاب أو السائح المجنون كما أطلقتا عليه، وصرختا من جديد و أسرعتا للخارج وقد نسيتا كل تخطيطاتهما...
وبعد ذلك اليوم ببضعة أيام...
.........................
........................................
Noonazad 💕❤💕
Bạn đang đọc truyện trên: Truyen247.Pro