(11)
بقلم نهال عبد الواحد
تسنّدت كارما على قطع الأثاث حتى دخلت حجرتها، بدّلت ملابسها، تمددت في فراشها ثم سقطت سريعًا في سباتٍ عميق، وبعد فترة بدأت تشعر بيد أحدهم تدغدغها على إحدى وجنتيها، فتحت عينيها فتفاجأت بمروان يجلس على حافة فراشها بوجهه الباش الرائع، فنهضت جالسة بسرعة فشعرت فجأة ببعض الدوار فأمسكت بجبهتها.
فبادر هو بتدليك جبهتها برقة بالغة جعلتها تغمض جفنيها بعذوبة وتستسلم بسرعة للمسات تدليكاته، لكن شعرت بأنفاسه الدافئة تلفح وجهها، فتحت عينَيها فتفاجأت به أكثر قربًا فصارت تتنفس أنفاسه وصار يحاصرها بين ذراعيه.
فهمس بين شفتيها: إنتِ جميلة أوي، عينيكِ، رموشك...
فمسّد عليهما برقة وهو يكمل بينما هي أرخت جفنيها مجددًا، فتابع: خدودك...
ولا زال يتابع لمساته، حتى شعرت به يمسك ذقنها ويمرر بإبهامه على شفتيها قائلًا بخبث: يا ترى الروج ده لونه ما بيتغيرش أبدًا.
فنزعت يده برفق وقالت: ما بحطش روج ف المدرسة.
- يعني أنا غلطان!
- لأ، مكّار.
ثم صدعا بضحكتهما معًا، ثم اقترب أكثر قائلًا: طب يلا.
فتعلّقت في رقبته من جديد وقام هو بحملها قائلًا: إمسكي بالراحة أحسن نقع تاني.
فابتسمت قائلة: مش مهم.
والتفت بذراعيها حول عنقه وضمته ساندة برأسها على كتفه وغارسة بأصابعها بين خصلات شعره.
لكن فجأة تعثرا وسقطا مجددًا فمدت يدها ليمسك بها ويحملها من جديد لكن صاحت أمها بملء صوتها: أنا قُلت لأ يعني لأ!
وأخذت تكرر رفضها مرة بعد مرة حتى فتحت كارما عينيها فجأة ولا زالت تسمع صوت أمها تصيح: أنا قُلت لأ يعني لأ.
فهبت جالسة تتحسس نفسها وهي منقطعة الأنفاس، تتفحص الحجرة من حولها لتتأكد أنه مجرد حلم، فزفرت، مسحت على وجهها المتعرّق وأمسكت بصدرها مكان دقات قلبها المتلاحقة، فسمعت طرقات خفيفة على بابها فصاحت بصوتها والذي بدى متحشرجًا: ادخل.
ففُتح الباب وكان عمرو، فأنار إضاءة الحجرة واقترب منها قائلًا في لهفة: سلامتك يا كوكو، إيه مالك!
- أبدًا وقعت على رجلي.
فتابع وهو يمسد وجنتيها وجبهتها قائلًا: وشك مخطوف كده ليه؟! إنت فيكِ حاجة تانية!
فأومأت برأسها أن لا قائلة: لا لا، مفيش حاجة، كنت نايمة بس وقمت مفجوعة على زعئ ماما، هو في إيه!
فزفر عمرو قائلًا: أبدًا يا ستي، كنت عايز أروح أنا وسمر في الهني مول بتاعنا نسافر تايلاند، هي سمعت كده وعينك ما تشوفي إلا النور!
- بس ماما المرة دي معاها حق يا عمرو.
- أنا عايز أفرّح سمر، والله هي طيبة وبنت حلال! ووالله هي ما طلبتش ولا تعرف حاجة!
- وعشان طيبة وبنت حلال هترضى بأي حاجة، مش ضروري تايلاند، خدها يومين في أي حتة، يا عمرو مصاريف الشقة عشان تكون بوضعها اللي بسم الله ما شاء الله تقطم الوسط، ولسه مصاريف الفرح، إنت إيه عايز تبقى عل حديدة!
يا حبيبي إنت ما تعرفش لسه مصاريف البيت هتكون إزاي فما تزنوءش نفسك، الحياة غالية والأسعار كل يوم في الطالع، أكل وشرب غير فاتورة الكهربا والمية والغاز واشتراك الدِش واشتراك النت، شوف كل ده ولازم يكون معاك مبلغ للطوارئ على جنب، خليك معتدل.
- حاضر يا كارما، وألف سلامة عليكِ، خلي بالك من نفسك.
فأومأت برأسها فقبل جبهتها بلطف وأشار لها وانصرف، فتبعته بعينيها حتى أغلق الباب خلفه.
عاودها ذلك الحلم الذي شعرت به تمامًا كأنه حقيقة، فكأن أطراف أنامله لا زالت تمسّدها وكأن أنفاسه لا زالت تدللها، لكنها ثبتت بذاكرتها على لحظة عناقهما التي فعلتها بحماقة حتى ولو كانت رائعة.
لا تدري لماذا لم تنساها وتستعيدها منذ لحظتها، ترى هل هو مثلها؟! أم لم ينتبه لذلك من الأساس!
ترى هل ارتجف جسده مثلها في تلك اللحظة؟
والأهم، ترى ماذا قال عنها أو ظن بها؟!
فوجمت تلوم نفسها على حماقتها حتى قاطعها صوت رنين هاتفها، فأمسكت به فتفاجأت بمروان، ترددت قليلًا ثم أجابت: آلو.
وكان صوتها مرتعشًا ومتوترًا، فأجاب مروان: آلو، آسف صحيتك م النوم!
- لا لا، أنا صاحية.
- أتمنى مااكونش أزعجتك.
- لا لا مفيش إزعاج.
- إنتِ كويسة دلوقتي!
- الحمد لله أحسن.
- طب كنت عايز أبلغك إن ريبورت المستشفى معايا هبعته للمدرسة بكرة عشان أجازتك.
- ما كانش له لزوم التعب ده، كنت بس إبعتهولي و أنا هتصرف، أنا من توتري نسيت أطلبه منك قبل ما تمشي... آه بالحق، أنا آسفة جدًا من تصرف ماما، هي والله طيبة وبتتصرف بعفوية! لكن ما تقصدش أي حاجة.
- عارف والله! عندي زيها، واضح إن الأمهات كلها كده.
- ربنا يحفظهالك!
- ويباركلِك فيها!
- ميرسيه.
فانفجر ضاحكًا فجأة ثم أسرع قائلًا: والله مش قصدي حاجة! بس افتكرت موقف مع أمي، من عجائب و طرائف ماما سلوى...
- مامتك اسمها سلوى!
- أيوة، أمي زيها زي أي أم عايزاني أخطب، وف مرة اتقابلت مع واحدة صاحبتها من أيام الدراسة و عرفت إن عندها بنت والتانية عرفت إن ماما معاها ولد وعزمتها عندها وأنا طبعًا معاها، وماما تتحايل عليّ عشان أروح معاها، وقالتلي ماحدش هيغصبك، روح واتعرف، شوفها حتى ولو عجبتك أخليكم تقعدوا مع بعض تتعرفوا أكتر، فاضطريت أجاريها اتفقت معاها إني هغمز لماما لو البنت عجبتني...
بس يا ستي روحنا وقعدت وشوفت البنت ويا ريتني ما شوفتها، والله كنت خايف عيني تبربش فأمي تفهمني غلط، ففضلت باصص للأرض لحد ما نخلص من أم الزيارة دي، ألاقي أمي بتقول لصاحبتها تعالي أقولك حاجة في البلاكونة، وطبعًا الست ما صدقت ولسه هتقوم، قلت بسرعة لا لا، خليكوا قاعدين، أنا كده كده ورايا مشوار مهم، خدوا راحتكم إنتو ولما تخلصي قعدتك يا أمي إبقي رنيلي، ونزلت جري...
وقهقه مروان بملء صوته بينما كارما لم تعقب فشعر بضيقها فتساءل: كلامي ضايقك ولا حاجة!
فأجابته بجرأة لا تعلم كيف جاءتها: هي كانت وحشة للدرجة دي! للدرجة دي بتهتم بالشكل الخارجي وجمال الوش والملامح والجسم! مع إنها في الآخر خلقة ربنا!
ثم توقفت فجأة كأنما فكرت فيما قالته بجرأة دون تفكير، بينما هو شعر بنبرة مختلفة تتخلل كلماتها، لكنه أجابها: عارف إنها خلقة ربنا، وأكيد ما أقصدش جمال الوش والملامح والجسم، أنا مش تافه للدرجة دي، لكن القبول هو أهم شيء، عل أقل الناس تتقبل بعض ومش بس أحس بالقبول، محتاج أحس بخطفة معينة، حاجة تحصلي معاها هي وبس، أحس بالإختلاف ما تكونش زيها زي أي حد في تأثيرها.
شردت كارما في كلماته وسبحت فيها، كأنما يتحدث عنها الآن؛ فأنت ذلك الشخص الذي تشعر معه بألفة غريبة مع خطفة وتأثير لم يحدث مع غيره أبدًا، تحب لقاءاتهما لكنها تتوتر وتسارع في التهرب منها وبعد تهربها تشتاق للقاءٍ آخر!
لكنها تفاجأت بنداءاته المتكررة فأخرجتها من شرودها قائلة: أيوة.
فتساءل بقلق وقد شعر باختلاف نبرة صوتها: أيوة! إنتِ كويسة! أنا زعلتك في حاجة! كلامي ضايقك مثلًا!
- لا لا، إطلاقًا، أنا متشكرة جدًا على كل حاجة.
- ده أنا اللي متشكر.
- إنت!
- ألف سلامة عليك، مع السلامة.
أسرع فجأة في إنهاء المكالمة دون أن تدرك سر ذلك.
أغلق الخط ووضع هاتفه إلى جواره وهو مستلقٍ في فراشه ولا زال بملابسه لم يبدلها بعد، فأغمض عينيه، تذكر ملامحها كم هي جميلة! بل فاتنة!
ليس جمال الملامح فحسب، بل روحها طيبة، أخلاقها واضحة، متحدثة لبقة، ذكية ومجتهدة ويبدو عليها خفة الظل وإن كان لم يجربها بعد.
لقد استعاد ملامحها عن قرب عندما كان يحملها، أجل لقد حملها بين ذراعيه وشعر بأنفاسها المتوترة وبدقات قلبها المتسارعة، بل والأكثر من ذلك، لقد شعر بعناقها وإن كان عفويًا وإن كان للحظات!
لكنه لا زال يشعر بتلك الخطفة لحظة تشبثت به!
لا زال مغمضُا عينيه يعيش في ذكرياته وبين مشاعر بدأت تنبت داخل قلبه، بدأ يشعر بها ويتنفسها، لكنه سرعان ما فتح عينيه في تغيير مفاجئ و قد ازدادت ملامحه جمودية ولونه قتامة ليتحول فجأة لجلمودٍ صخريٍّ يطرد أي مشاعر وأي ذكريات تتلألأ داخل قلبه مجددًا ليشرق للحياة.
سرعان ما نهض واقفًا متجهًا بسرعة إلى خزانة ملابسه ليخرج الصندوق ويشحن قلبه بالهموم والأحزان.
لكن ما أن لامست يده الصندوق حتى سمع صوت أمه تناديه مع دقاتٍ خفيفة، فأبعد يده وعاود غلق خزانة الملابس وهو يردد: إتفضلي يا ماما.
ففُتح الباب و ولجت منه امرأة ستينية طويلة نوعًا ما، ترتدي نظارة طبية، تميل بشرتها للسمرة قليلًا، ترتدي جلبابًا قطيفيًا من اللون الوردي وعلى رأسها طاقية صوفية من اللون الأسود.
فنادته: إيه يا حبيبي، إنت كويس!
فأومأ: الحمد لله!
- على فكرة أختك كلمتني وقالتلي إنها جاية على أجازة نص السنة.
فهز رأسه بعدم اكتراث يحاول جاهدًا الابتسامة قائلًا: وماله، أهلًا وسهلًا.
فتنهدت الأم بحزن تحاول اخفاءه، فهي أدرى الأشخاص بحال ابنها، وترددت قليلًا ثم قالت: طب وكريم! لحد دلوقتي لا قابلته ولا شوفته وده ما ينفعش أبدًا... خصوصًا يعني...
........................
.......................................
Noonazad 💕❤💕
Bạn đang đọc truyện trên: Truyen247.Pro