
2- علاقات خارجة عن المألوف.
"أفلت شعر أختك في الحال." صدح صراخ أنثوي من داخل المنزل تصاحبه ضوضاء و أصوات تتلاشى مع وقع الأقدام الراكضة على الأرضية الخشبيّة، ليفتح بعد ذلك الباب كاشفا عن إمرأة ذات قوام متناسق ووجه جميل كنت لتخالها إحدى عارضات الأزياء لولا ذاك الشعر الكستنائي المبعثر في كل مكان و بقع الطعام التي كانت بصدد مسحها من على وجهها، ثم دعونا لا ننسى المئزر الملطخ ب... الله وحده يعلم بماذا.
"هل أنتم تحت هجوم إعصار أم ماذا؟" تساءلت أستريد و هي ترفع أحد أطراف المئزر بتعبير متقزز.
"أسوأ... أطفال.. تفضلا" أجابت السيدة و هي تغلق الباب خلفهم.
علقت أسترد معطفها و معطف طفلها ثم تمتمت لتوماس بصوت هادء "هيا عزيزي إذهب للعب مع إخوتك." أومأ برأسه إيجابا و ركض إلى الحديقة الخلفيّة حيث كانت أصوات اللعب قادمة.
دخلت السيدتين المطبخ حيث كان زوج من الأطفال يجلسان في الكراسي المخصصة لهما يلعبان ببعض حبوب الإفطار.
"مرحبا أيها الصغير" قالت مداعبة أحد الطفلين.
"جولز أليس من المبكر لهما أن يأكلا حبوب الإفطار؟.. لم تضهر لهما أيّ أسنان بعد." سألت و هي تزيل أحد الحبوب من فم الطفل.
"اوه إنهم لا يأكلونها بل يلعبون بها فحسب." أجابت جولي دون أن تزيح نظرها عن القدر الموضوع فوق الموقد.
ساد الصمت لبرهة حيث كانت جولي تصب جام تركيزها في طبخها أما أستريد فقد إهتمت بإطعام التوأمين.
"رائع إنها يستجيبان إليك." همست جولي في حماس مكتوم.
"أظن أنني.." قطع حديثها بقع الطعام الذي تناثرت على وجهها، فقد قرر الطفل أن يخرج لسانه و ينفخ وجنتيه مصدرا صوتا سخيفا يصاحبه جميع الطعام الذي كان في فمه، و يقهقه في إستمتاع.
"كنت تقولين؟" قالت في سخريّة و هي تنظر إلى جولي و التي كانت تقهقه من مظهرها.
"متأسفة لكن هذا ما عانيته طوال الصباح" أجابت من بين ضحكاتها التي كانت تخف تدريجيا ثم قطعت أحد المناديل الورقيّة لتمدها لأستريد و لتباشر مسح ما تناثر على وجهها و ثيابها.
لم تكن سوى ثوان معدودة حتى قلد الطفل الثاني فعل الأول لكن هذه المرة كانت جولي في مرمى الهدف.
"أحسنت التصويب يا فتى" قهقت أستريد لتتلقى هي بدورها واحدة من الآخر، ليتبادلى الطفلان و يكررا ذلك دون توقف.
جرت السيدتان إلى الناحية الأخرى من المطبخ بعيدا عن مرمى نظرهما ليستمرا الثنائي في البصاق و القهقهة.
"أين زوجك من كل هذا؟" أردفت و قد ضغطت على كلمة زوجك في نطقها ساخرة.
"هو من علمهما ذلك" اجابة متنهدة بقلة حيلة.
"بالطبع فعل" تمتمت أستريد و أدارت عينيها.
__________________
"هيا جميعا لقد جهز الغداء" هتفت جولي و هي تضع الأطباق على الطاولة في الحديقة تتبعها أستريد حاملة بعض الأكواب و الملاعق.
علت أصوات الأطفال دالة على قدومهم حيث ركض فتى في الثامنة من عمره يليه توماس و فتاة في الثامنة كذلك تلحقها أخرى في الثانية من عمرها تحاول مجاراتهم لكن خطواتها لم تكن بذلك الإتزان لتسقط أكثر من مرة و تعيد النهوض لتتبعهم جارّة خلفها دمية دبها المفضل.
"لقد فزت" صاح إيثن، الفتى ذو الثمانية أعوام عند وصوله إلى طاولة الطعام.
"هذا.. ليس.. عدلا.. أن ساقاك أطول من ساقاي" تذمر توماس محاولا إلتقاط انفاسه.
"أنت بطيء فقط إعترف" سخر منه و ثم جلس في مقعده لتتبعه الفتاتان.
"لست بطيء" صرخ توماس بغضب.
"توقفوا عن الشجار و إلا لن تحصلوا على الحلوى بعد الغداء" هددتهم جولي و هي تربط المنديل حول عنق روز الفتاة ذات العامين.
"من الذي يتشاجر مجددا" إلتفت الجميع ناحية الصوت الرجولي الذي دخل الحديقة.
بدلة ريميّة توحي بأنه قد عاد من العمل توا تصحبها نظاراته الشمسيّة المعتمة.
رجل ذو بنية طويلة نسبيا متناسقة و شعر أسود متفحم قام ببعثرته و هو ينزع ربطة عنقه و ليلقيها صحبت سترته على أحد المقاعد في الحديقة.
"أبي" صرخ الأطفال الثلاثة و ركضوا لمعانقته أو بالأحرى للإطاحة به أرضا، لكنه لم يمانع ذلك بل كان يقهقه طوال الوقت.
"قم و رحب بوالدك" نكزت أستريد توماس الذي كان يجلس فوق الكرسي متجاهلا ما يحصل، ليقوم بالنفخ الهواء من فمه و ينزل و يسير ببطأ ناحبة الرجل.
"مرحبا أبي" همس و هو يلعب بأصابع يده الصغيرة.
"اوه توماس هنا، ما هذه المفاجأة." هتف الأب بسعادة و نهض يحمل روز بيد و توماس بالأخرى ليقهقه بمرح و كأنه لم يكن مستنكر حتى الترحيب به منذ دقائق، ليعود الأطفال إلى الطاولة و يسير الأب ناحية السيدتين اللتان كانتا تجهزان الطاولة.
"مفاجأة سارة أليس كذلك مايك." هتفت جولي في سعادة واضحة.
"بالطبع عزيزتي." أجابها بعد أن قبّلها، و أعطاها الفتاة التي كانت بين يديه ووضع توماس مكانه.
"أهلا بك أستريد، هل قام فرانك بإعطائك إجازة أخيرا؟" إبتسم مايك و عانقها بود لتبادله هي بدورها العناق مبتسمة بخفة "أتمنى." ليقهقه و ينزع نظارته لتضهر تلك الأعين التي غرقت أستريد في سحر جمالها يوما ما.
__________________
مايكل أو مايك كما يناديه الجميع، طليق أستريد ووالد توماس، و الذي كان في يوم من الأيام صديقها المقرب، و هذا أحد التفسيرات للعلاقة الوديّة بعض الشيء و التي تحظى بها أستريد مع عائلته و خاصة زوجته الحاليّة.
تعرفى على بعض في الأكادميّة العسكريّة عندما كان الإثنان في الثامنة عشر، مراهقين ضائعين يحاولان الإنتماء لشيء ما لينتهي بهما الأمر بالإنتماء لبعضهما.
تعرف مايك على جولي في العشرين من عمره قبل فترة طويلة من معرفته حتى بإمكانية إمتلاكه لأي مشاعر تجاه أستريد، و قد عاش الثنائي قصة حب دامت لمدة سنة و نصف و التي جعلت بدورها جولي و أستريد صديقتين نوعا ما.
ككل قصة حب واقعية إنفصل مايك و جولي، و قد كان ذلك محطما لنفسيّة مايكل كليا، فطوال أشهر كانت أستريد تحاول جمع شتات صديقها و إخراجه من إكتئابه في كل فرصة تسنح لها.
لكن ما لم تكن تعيه أستريد آن ذاك هو مدى وقع تلك الأفعال على نفسيّة مايكل و الذي بدوره بدأ ينظر لها بطريقة بعيدة كل البعد عن الصداقة.
و من هنا بدأ كل شيء، حيث إستمرت علاقتهما لمدة عام ليُتوجاها بالزواج ثم يأتي توماس الصغير لملأ عالمهنا فرحة.
لم تدم فرحتهما طويلا و خاصة مع عمل أستريد و الذي أخذ كل ما لديها من وقت و جهد خالقا مسافة بينها و بين فكرة العائلة السعيدة، و ينتهي بهما المطاف بالطلاق.
__________________
"لدي مهمّة لذلك سأترك توماس معكما." صرحت أستريد و عيناها شاردة في تحركات طفلها الذي عاد للعب بهد أن أنهى الجميع طعامهم.
"أستريد عزيزتي أنت لا تحتاجين إذننا لذلك، توماس كإبني و هو بالفعل إبن مايكل، البيت بيتكما." قالت جولي بصوت دافئ مربتتا على يد أستريد.
لم تجب أستريد فقد كانت غارقة في دوامة من الأفكار السوداويّة، هي واثقة من عدم رجوعها من المهمة لكن في ذات الوقت إن لم تنفذ الأوامر ستخسر كل شيء بداية بعملها الذي عملت جاهدة للوصول إلى مرتبتها الحاليّة إنتهاء بطفلها و الذي هددها فرانك بصريح العبارة بأخذه من حضنها و من يعلم في أي دار رعاية سيعيش.
'سيذوق طفلي طعم اليتم كما فعلت' كانت الفكرة التي ترددت في عقلها مرارا و تكرارا.
لا تريده أن يشعر بالنقص أمام أصدقائه او إخوته، تعرف أن مايكل لن يقصر مع إبنه و كما انها متأكدة أن جولي ستعامله كأحد أبنائها لكن لا شيء سيعوض مكانها، فهي تعرف هذا الشعور الدنيء جيدا فمهما غدق عليها فرانك و زوجته من الحنان و الدلال إلا أن جزء كبيرا من روحها ضلّ فارغا و لم تستطع ملأه حتى بوجود مايكل.
لم تستطع أن تشعر بالكمال إلا بعد أن أتى توماس الصغير لهذه الدنيا، فمع أول نظرة و أول لمسة لتلك اليد الصغيرة إمتلأ ذاك التجويف في صدرها و كأنه لم يكن موجودًا من الأساس.
كان سعادتها فكيف تتخلى عنه بسهولة الآن، بل كيف تخلى عنها والداها و ذهبا في مهمة أودت بأرواحهما و يَتمتها على صغر سنها.
مالذي تفكر فيه و هي ذاهبة لتلقى نفس المصير.
"أستريد..." كان صوت مايكل الحذر ما أفاقها من شرودها.
"همم" همهمت كمن إستيقظ من غيبوبة لا يعلم اين و كيف وصل إلى هنا.
"هل هناك خطب ما؟" سأل مايكل بحذر و هو يتبادل النظرات المحتارة مع زوجته.
"أوه لا شيء يذكر لا تقلق" أجابة بإبتسامة خفيفة.
"هل سمعتي بما حدث للرئيس؟" هتفت جولي فجأة بغيت تغيير الموضوع لكنها من دون قصد زادة الطين بلة في قلب أستريد و التي قهقهت داخليا على سخريّة القدر فقد قررت قضاء اليوم مع أصدقائها لعلها تنسى و لو لدقيقة ما يحصل.
"و كيف لي ألا أفعل!، بالمناسبة لماذا لم تكن موجودا معهم ذلك اليوم؟" تسائلت أستريد موجهتا الحديث لمايكل.
"أوه أشكر الرب أنه لم يكن هناك، لقد تزامن الحادث من مرض أحد التوأمين لذلك أخذ مايك أجازة يومها، و حتى لو لم يفعل لم أكن لأسمح له بالذهاب إلى أي مكان مع ضهور إحدى دوامات الهلاك أو أيا كان اسمها" أجابت جولي بدراميّة عوضا عن مايكل.
"جولز عزيزتي، إنه واجبي كقائد الحرس الرئاسي أن أذهب مع الرئيس إلى أي مكان حتى لو كان به موتي."
ضربت هذه الجملة وترا حساسا في نفس أستريد فقد كانت ممزقة إلى نصفين، بين واجبها الوطني تجاه بلادها و التي أقسمت على حمايتها لآخر رمق و بين سعادتها الشخصيّة و عائلتها و أصدقائها.
"جولز محقة مايك، لديك ستة أطفال للإهتمام بهم، فكر على الأقل بمصيرهم لو كنت ذهبت يومها." مع كل كلمة كان شعورها بالذنب يزداد ليأكل كل خليّة من جسدها.
تنهد مايكل بقلة حيلة ووضع كوب الشاي الذي كان يحمله على الطاولة الصغيرة أمامهم "ماذا عن زملائي الذين ذهبوا؟ لقد كان لديهم عائلات كذلك، زوجات و أطفال و أصدقاء. لكنهم لم يترددوا أو يفكرو للحظة حتى في التقاعس عن أداء واجبهم، جميعنا نعرف ما قدمنا عليه عند إختيارنا لهذه المهن و أنت الأدرى بذلك أستريد."
إرتفع صوت مايك منفعلا ليطبق الصمت على المكان لثوان معدودة شعرت أستريد بأنها ساعات بسبب تلك الجملة التي أرادت من كل قلبها إخراجها.
"لقد تمّ تكليفي بقيادة فريق بحث و إنقاذ الرئيس."
__________________
و بعد طول إنتظار إليكم الفصل الثاني 😂
الفصل الثالث قيد الكتابة إن شاء الله لو ما خذلني التنقيح 😂 حينزل في أقرب وقت.
شو رايكم في الفصل؟
أي توقعات للرواية؟
دمتم بخير 💙
have a magical day yall 💙
Bạn đang đọc truyện trên: Truyen247.Pro