
1-مهمة إنتحاريّة
"أيها القائد، هل أنت حقًا واعٍ لما تقول الآن؟" قالت وعيناها جاحظتان من الدهشة.
"تمام الوعي، أستريد." تنهد وهو يتأمل الشاشة التي رسم عليها المخطط البحري.
"هل نحن بصدد مناقشة تلك المنطقة؟ المنطقة التي لم يعبرها أحد وعاش ليصفها؟ فرانك، هل أصبت بالخرف؟" بذات الجحوظ، ارتفع صوتها. وضعت يديها على الطاولة واستقامت، إلا أن المدعو فرانك لم يُبدِ أي رد فعل.
"إنه الرئيس، أستريد، أتفهمين جسامة هذه المهمة؟" نهض بدوره ونظر إليها بعينين ضيقتين.
كان فرانك رجلًا كبيرًا في السن، يمكنك استنتاج ذلك من خلال الشيب الذي غزا معظم شعره ولحيته السوداء. ورغم ذلك، لا يزال يتمتع بلياقة عالية، خاصة لرجلٍ في مثل عمره. يرتدي زيًا عسكريًا وعلى كتفيّه شارة تبرز منصبه الرفيع، فهو، بالنهاية، القائد الأعلى للجيش والقوات المسلحة.
"اسمحي لي بتذكيرك بأهم جزء من القَسم الذي أديته عند تعيينك قائدةً للكتيبة البحرية... أقسم..."
"أن أحمي وطني وشعبه حتى آخر قطرة من دمي. فرانك، فقط توقف عن استخدام ذلك كنقطة ضعف لي." تحدثت بعصبية وارتفعت نبرتها إلى الصراخ عند النهاية.
"رئيس الجمهورية هو أهم فرد من الشعب الذي ستحمينه حتى آخر قطرة في دمك، سحقًا، إنه الشعب أجمع بالنسبة لنا." طالت العصبية مزاج فرانك البارد ليضرب الكرسي بقدمه.
"أنت تطلب المستحيل، أنت تطلب مني مهمة انتحارية، أتفهم ذلك؟ أن أقود حياة ألف من نخبة جنودي إلى موت محتم من أجل فرد واحد، والذي على الأرجح قد فارق الحياة منذ ساعات، هذا شيء لا يتماشى مع مبادئي ولا مع أي مبادئ كانت." تكلمت بصوت خافت وثابت، ناكزةً صدره بإصبعها مرارًا وتكرارًا طوال فترة حديثها.
"جد. غيري." قالت بثباتها المعتاد واستدارت مغادرةً.
"ستُطردين." أوقفها صوته في منتصف الطريق.
"ستُزاحين من منصبك الحالي، ولن يُسمح لك بتولي أي منصب داخل الجيش." كانت لهجته قاسية وباردة، هذا ليس فرانك الذي رباها يومًا.
"تعلمين تمامًا أن التهديد للجبناء، يا فرانك." استدارت إليه ثانية وضمت يديها إلى صدرها.
"إنه سيدي القائد، ولتفهميها كما تريدين، يمكنك الانصراف." أدار ظهره لها متظاهرًا بتأمل النافذة الزجاجية الكبيرة خلفه.
"حاضر سيدي." ارتفع صوتها مع تأدية التحية العسكرية، تلاها صوت غلق الباب مُنبهًا عن خروجها.
سقطت أكتافه ترافقها تنهدة، ليعود ويجلس على مكتبه واضعًا رأسه بين كفيه.
"آسف أستريد، لكني مجبر..."
---
أستريد الفتاة الحجريّة...
منذ نعومة أظفارها لم تتصرف أستريد كمثيلاتها من الفتيات، ففضلت دائمًا اللعب مع الصبيان وشبّت على القسوة وغلظت العود. ليلاحظ فرانك ذلك ويقوم بإقناعها بدخول الكلية الحربية، ولم يخب ضنه.
لم تتم أستريد الثامنة والعشرين بعد، ورغم ذلك، فقد سبقت الجميع إناثًا وذكورًا، لتصبح أصغر قادة للكتيبة البحرية.
سارت بخطى ثابتة غاضبة بعد أن صفعت الباب معلنة عن خروجها، ليتبعها أندرو الذي كان ينتظرها.
"أيتها القائدة..." لم يتمكن من إنهاء جملته بسبب مقاطعتها له "مُرهم بتجهيز الغواصة النووية وجمع خمسمائة فرد من أكفأ الجنود في أسرع وقت، إن أمكن غدًا صباحًا. أخبرهم بوضع الدرع المزدوج عليها، بالإضافة إلى تحضير طاقم طبي مختص في كل شيء."
"ا..ا..." وقفت الكلمات في حلق أندرو وهو يحاول مجاراة خطواتها.
لاحظت صمته، فتوقفت واستدارت ناحيته. "أندرو، هل سمعتني؟" قالت وهي تفرقع أصابعها أمام وجهه.
"ا..الدرع المزدوج؟ هل سندخل في حرب؟" ارتفعت نبرته في الجزء الأخير.
"شيء من هذا القبيل. هيا، اذهب الآن وافعل ما كلفتك به. سأعود إلى المنزل الآن، لدي بعض الالتزامات."
"حاضر سيدي." قال مؤديًا التحية العسكرية، لتلتفت مكملة سيرها خارجًا من المبنى.
---
إستندة بظهرها على سيارتها، قدم على الأرض كي تحافظ على توازنها وأخرى متكأة على الإطار. عقلها مغيب تحدق في الفراغ، وبين إصبعها الأوسط والسبابة، ذلك السم تشفط منه تارة لتخرج الدخان تارة أخرى.
"ماما!" قطع حبل أفكارها الصوت الذي لطالما عشقته خلال السنوات الخمس الأخيرة.
رمت السجارة بسرعة داعسةً إياها، ثم التفتت إلى مصدر الصوت ليرتطم شيء مسرع بساقيها ويقيدهما.
"وااه على رسلك أيها الصغير!" قالت مقهقهة وحملته بين يديها.
"لقد اشتقت إليك ماما." عانقها ودفن رأسه في عنقها.
"ماما أيضًا اشتاقت إليك أيها الصغير." بادلته العناق مربتتا على رأسه.
"أوف، ماما رائحتك كريهة." رفع رأسه وتكلم سادًا أنفه بيده مشيرًا إلى رائحة السجائر.
"هااااي، رائحتي ليست كريهة يا ولد، تأدب!" كشرت في وجهه بمزاح.
"بل أنت كذلك." تملص من يديها كي ينزل على الأرض صارخًا "رائحة ماما كريهة!" وركض هاربًا.
"أيها العفريت..." صرخت به ولحقته تحاول إمساكه ليتعالى صوت قهقهة توماس، ابنها ذو الخمس أعوام.
---
"لكني لا أريد الذهاب إلى منزل أبي، لقد اتفقنا على أن أقضي الأسبوع معك..." عبس توماس وواصل أكل المثلجات التي ابتاعتها أستريد له منذ قليل.
"متأسفة يا صغير، لكن على ماما إنقاذ الناس الأبرياء من أيدي الأشرار الذين يحاولون السيطرة على العالم..." كانت نبرتها حزينة نوعًا ما، فكل ما كانت تفكر فيه أنها لن ترى وجه صغيرها مجددًا.
شهق توماس ونظر إليها بأعين متحمسة، "أيمكنني الذهاب معك؟ أرجوك، أرجوك، أرجوكِ!" لتخرج قهقهة صغيرة من بين شفاهها.
"يوما ما يا صغير، يوما ما." أجابت وهي تمسح المثلجات التي لطخت وجهه بيد وتمسك المقود بالأخرى.
"والآن يجب عليك أن تعدني بأن تطيع والدك، وأن لا تتشاجر مع إخوتك." أدارت المقود لتدخل ممر صف السيارات لأحد البيوت.
"إنهم ليسوا إخوتي." تمتم بانزعاج وضَمَّ يديه إلى صدره.
تنهدت أستريد وهي تطفئ السيارة لتلتفت بعدها للطفل المستاء. "حسنًا، كن مطيعًا كي آخذك معي في مهمة للقضاء على الأشرار عندما أعود."
"حقًا؟!" هتف والتفت إليها بحماس لتحتضنه إلى صدرها لا شعوريًا.
"حقًا..." همست بصوت يصرخ حزنًا لتضمه أكثر إلى صدرها وتقبل رأسه، "هيّا الآن، أول من يصل إلى باب المنزل يفوز." تغير الوضع من مأساوي إلى تنافسي، حيث جذب توماس حقيبته بأسرع ما يمكنه وفتح الباب قافزًا نحو البيت. لتقهقه ثم تحمل حقيبة ملابسه وتتبعه...
__________________
و إتورطت في رواية ثانية 🤦♀️😂😂
المهم شو رايكم في الفصل؟
أي توقعات للرواية؟
ان شاء الله لو عجبكم بنزل الفصل الثاني قريبا.
دمتم بخير 💙
have a magical day yall 💙
Bạn đang đọc truyện trên: Truyen247.Pro