شغفي الذي لا يموت |٢٣|
••••••
حين سمعت يوري لقبها الذي اختاره لها تاي تاي الصغير ارتجف ذقنها وهي تُطبِقُ على فمها براحتيْ يديها .. صدر صوتُ بكاءٍ مكبوت تهرّب من بين طبقاتِ صوتها ، ومن شدة الألم والبكاء الذي خرج منها كادت تسقط على ركبتيها لو لم يحيط تايهيونغ ذراعه حول خصرها مرعوباً وقلقاً وبشأنها .. فهو لم يسمع صوت بكاءها حتى ! ، ليتفاجئ بها تستدير نحوه وهي تضرب صدره وعينيها الخضراوان اللتان اعتادتا على كونهما دافئانِ كانتا غارقتان بالدموع .. فصرخت عليه وسط طيّات نبرة بكاء اشتياقها لها
" لماذا تأخرت هكذا ؟! لقد انتظرتك ١٣ سنه ! ولقد عانيت من الصراع النفسي طوال مدة معرفتي بهويتك .. انت سيّء تاي تاي "
كان يرعاها بعينيه ولَم يلتقط اَي كلمه مما كانت تقوله ، لا يسمعها .. هو فقط يرى دموعها وتعابيرها .. لم يعرف ماذا سيفعل .. وكيف يوقفها عن البكاء .. اكملت وهي تتشبث بياقته بكلتا يديها تنظر اليه مباشرةً وهي تهمس بصوتٍ وذقنٍ مرتجف بينما عينيه ارتكزتا على شفتيها حين قالت تعاتبه
" لقد وعدتني بأنكَ ستأتي الى هذا المكان .. بأننا سنفتح صندوق ذكرياتنا معاً حين نكبر بعد ١٣ سنه .. لقد كدت افقد الأمل بقدومك "
في تلك اللحظة كُسِرت روحه لمئات القطع.. وردته يوري ذابله وحزينة بسببه .. تتصرف بهذه الطريقة فقط لأنها اكتشفت ان صديق طفولتها تاي جيرالد هو نفسه تاي برنارد .. اذاً ماذا سيحصل لها لو اكتشفت أنها فقدت الذاكرة جزئياً وأن صديق طفولتها هو بالأصل زوجها الموسيقار والذي فقد سمعه وتبددت احلامه ؟ ..
لم يتحمل رؤية دموعها ، لهذا أمسك بمعصمها كي تكف عن ضربه وسحبها بين احضانه الدافئه يقول بصوتٍ مرتعش خائف وهو يتكئ بذقنهِ على كتفها
" انا اسف لأنني أخفيت هويتي عنكِ .. اعلم أنكِ مستاءه مني وإنني خيبتُ ظنكِ يا غيمتي .. ولكنني بالنهايه تشجعت وأتيتُ بكِ الى هنا كما وعدتكِ .. لذا لا تبكي يا يوري .. توقفي عن تعذيبي أرجوكِ "
قطعت بكاءها حين زفرت بأريحية وهي تومئ ، فاحاطت ظهره بين ذراعيها لتهمس له اثناء ضغط شفاهها على كتفه الذي تبلل إثرَ دموع سعادتها واشتياقها ..
" لقد اشتقت اليكَ بِقَدْرِ دموعي التي ذرفتها لأجلك .. "
ولكن غيمةَ ذلك الموسيقار الأصم لا تعلم أنه لم يسمع تلك الجمله .. وبأنه تجرّع بغيابها الكثير من الأوجاع ...
ذلك الوقت الذي تظن يوري انها لا تعرف من هو وتعيش كآنسة جامعية بدلاً من سيدة جامعية تزوجت بموسيقارها ويعيشان معاً بسعادة .. ذلك الوقت مزيف .. وحياة عبارة عن كذبه صنعها موسيقارها البائس الأصم كي لا تؤذيها الحقيقة المرّه .. فضّل ان تفتح صفحة جديدة لا تشمله .. ان تعيش حياةً سعيدة ويبقى هو بائساً وحيد لا يسمع حتى نبرة البكاء الذي يصدر منه ..
إغرورقت عيناه بالدموع وعانقها بشدة كما لو انه يتشبث بها هروباً بعيداً عن أحزانه التي تقرع باب قلبه دوماً .. ودفن وجهه في كتفها يبكي بكاءً اخرس غير ملحوظ وهو يهمس ..
" حاولت اخفاء هويتي ولكنني لم استطع .. حاولتُ نسيانكِ ايضاً .. لطالما اشتقت اليكِ و تمنيتُ ان تكوني سعيده "
لا تعلم يوري بشأن ما حصل له طوال تلكَ السنوات المنصرمة .. ولو عرفت ما فعل لأجلها لربما اجتاحتها موجة اكتئاب. ولكن لطالما كان تاي يملك قدر من النقاوة والنبالة وإن كان كما يظهرُ للجميع بارد الطباع وغليظ السلوك وحاد الطباع إلا أنهُ موسيقار رقيق رهيف بداخله تجرّع من الآلام حتى الخدَر الذي يجعله يبدو متبلداً..ورغم معاناته لم يرغب أن تدخل يوري دوامته ..
أبعدها عن أحضانه يمسح دموعها بأنامل يمناه الثمينة وهو يبتسم بلطف بينما يتأمل عينيها المشتاقه ، ففعلت نفس الشيء تمسح دموعه بينما تضم وجنتيه براحتي يديها ، فتسلّلت يُسراهُ نحو يدها التي تضم وجنته وكشفَ عن ندبة معصمها يتأملها بأسف .. لتسقط عسليتاهُ على خضراوتيها يقول
" انا اسف لتركِ ندوبٍ في جسدكِ وقلبكِ"
لتهزُّ رأسها نافيه حينما برزت ابتسامةٌ على ثغرها ، لتراقبه حينما خفض رأسه نحو يدها وضغط بنسيجِ شفتيه على على ندبة معصمها يطبعُ قبلةً نبيله ناعمه .
قبّل ندبتها وكان يعلم انه كان اول من يفعل هذا ، رفع عينيه نحوها حينما كانت مذهوله من فعلته وأخبرها قائلاً
" هل تعلمين ؟ لطالما كانت ندبتكِ هذه افضل شيء أراه فيكِ .. لأني جزء منها ، ولأنها جزء منا كلانا .. الغيمة وموسيقارها البائس "
لتتكئ بجبينها على كتفه تغمض عينيها بصمت .. بعدها زفرت بإريحية .. وحين جفّت دموع كلاهما احضر مجرفةً كان قد وضعها تايهيونغ خلف الشجرة مسبقاً ! يبدو انه كان ينوي كشف هويته لها منذ البداية اذ انه خطط لكل شيء .
ورغم انهما قاما بإخراج الصندوق منذ سنين ولكن يوري قد نسيت تلك الذكريات ايضاً ..
ركعت على ركبتيها حين لاحظت نصف هيكل الصندوق فتوقف تايهيونغ هو الاخر عن الحفر وركع بجانبها ليحفران بأناملهما بحثاً عن الصندوق بنفس الطريقه التي دفناه فيها اثناء صغرهما .
انتشل تايهيونغ الصندوق من بين ترابٍ تكدّس فوقه حتى إهترئ لونه .. وضع الصندوق بينهما ليرفع عيناه الحزينه نحوها .. عانقت عينيه بخاصتيها التي يملؤها الحنين وبأنامل يدها اليمنى مطّت وجنته تجبره على رسم ابتسامةٍ جانبيه قائله
" موسيقاري البائس .. ما بالُ الحزنِ قد اطرق على ملامحكَ الجميله هذه ؟ "
عانق معصمها بأنامل يده الكبيرة وأبعدها عنه يقول بإنزعاج مصطنع
" لقد لطّختي وجهي الجميل بالتراب "
أطلقت ضحكةً عفويه جعلته يتحسّر ويشفق على نفسه .. لم يستطع سماع ذلك الصوت الذي يعتبره اجمل من مليارِ لحنٍ وترنيمة ..
اخفى عبوسه الذي كاد يفضحه بإبتسامةٍ بلهاء ، ومن ثم فتح الصندوق الصدئ بكلتا يديه بصعوبه وسط ترقّبها
كانت الرسائل تملئ قمة الصندوق والقليل من الألعاب التي عبث فيها الزمن ولطّخ جماليتها .. انقبضَ قلبُ كليهما حالما لمحا قلادة الجدة ميلا التي قام تايهيونغ بسرقتها ووضعها في الصندوق رغم شعوره بالتأنيب ، ولكنه لطالما شعر بأنها سترحل عنه وخاف ان يفقدها ولا يملك ما يذكّره بها .. لهذا قام بالسرقة لأول مره بحياته ..
" تاي .. هل هذه قلادة الجدة ميلا ؟ "
لم يكن يعيرها نظره لهذا لم يرد على سؤالها الذي لا يحتاج جواباً حتى .. فكلاهما يعلمان بأنها قلادة الجدة .. ولم يلمسها يوماً .. فاخرج القلادة بأناملٍ مرتعشه وابتسم ابتسامةً قطّعت فؤاد يوري .. علّق القلاد بين انامله وسط راحة يده .. كانت عباره عن قطعة نوته موسيقية ذهبية مصغّرة ..
" جدتي .. أعذريني لعدم مقدرتي على رؤيتكِ قبل مماتكِ .. القدر شاء ان نفترق قبل مماتكِ .. لا تلومي يوري كما فعلت .. لا ذنب لأحد على ما حصل .. انتِ شغفي الذي لا يموت "
ليطبعَ قبلةً على النوتة الذهبيه معمض العينين في حين ان يوري لا زالت تخفض رأسها بخزي .. حالما فتح عينيه ليلتفت نحوها ويرى كيف تخفض رأسها كالمجرمة ، سرعان ما زحف ليجلس امامها مباشرةً ويرفع ذقنه بسبّابته كي تحدّق بعينيه الحنونة .. ليقول باسم الثغر
" يوري خاصتي لا تخفض رأسها مهما حصل .. أنا سأحرص على ان ترفع رأسها بفخر .. "
لتومئ له كابته دموعها ، فتفاجئت به يحيط عنقها بقلادة جدته ويتكئ بذقنه على كتفها كي يستطيع اقفال القلادة من الخلف وسط ارتباكها .. وحين عاد الى وضعيته قال بخجل وهو يحكّ مؤخرة رأسه
" قومي بتعقيم القلادة رغم انها من الذهب الخالص .. ولكنها كانت محبوسه داخل الصندوق لمدة ١٣ سنه .. وايضاً .. لو كانت جدتي على قيد الحياة لسلّمت القلادة لكِ انت دون سواكِ "
برزت شفّتها السفلى حين كادت تبكى كالطفله فضحك رغماً عنه على طفولية تعابيرها وضمّ وجنتها يمسح بإبهامه على الجزء العلوي من وجنتها المتوردة وهو صامت بعدها زفر بعمق وسحب يده بعيداً يتنحنح بإرتباك
سرعان ما اخرج احدى الرسائل وسط مسح يوري على القلادة بسعاده وقال ضاحكاً
" سوف اتزوج تاي تاي حين اكبر ! انا حقاً احبه اكثر من الأومليت ولكنه يواصل إزعاجي رغم هذا انا احبه ولكن عليه إصلاح شخصيته البغيضه "
زمّت يوري شفتيها وتوسعت عينيها تقول بتوتر وهي تحاول يحب الورقه
" ماذا تقرأ ؟! "
اخفى الورقه خلف ظهره يبتسم لها بشكلٍ جذاب وهو يقول
" اعتراف غيمتي لي بالحب "
قضَمت أسفل شفتها وهي تضيق عينيها بينما ترفع راحتي يديها الملطّخه بالتراب تقول بصوتٍ مهدد لن يسمعه
" أريني الورقه وإلّا لطخت وجهك الوسيم بالتراب اكثر ايها الموسيقار الطفولي "
ارتعب من هذه الفكرة وقال بتوتر وهو يحاول النهوض كي يهرب منها
" يوري إياكِ ! "
تراجع الى الخلف بينما كان يواجه يوري التي تتقدم نحوه كما لو انها مومياء وهي تحاول كبت ضحكتها وتراجع بينما هي تتقدم لتضم كلتا وجنتيه براحتي يديها ليشتم رغماً عنه وسارع بتغطية فمه براحة يده ينظر اليها بتوتر ينتظر منها ان تعاقبه على الشتيمه التي أطلقها كعادتها حين كانا طفلين .. فلطالما كانت يوري تنقر جبينه بإصبعها الأوسط منذ ان تواعدا وحتى بعد الزواج .. فهناك اشياء لا تتغير مهما تغير الشخص .. فقال يبتسم بتوتر بينما كانت يوري لا تزال حابسةً وجهه بين كفَّي يديها الملطّخه بالتراب
" هل ستنقرين جبيني ؟ "
لتومئ له بصمت .. ومن ثم قالت بجدية ارعبته لوهله
" اغمض عينيكَ تاي تاي "
سرعان ما اغمض عينيه منتظراً النقره على جبينه ، لأن نقرة يوري لطالما كانت موجعه كنقرة إصبع جيمين ! .. ولكن بدلاً من أن يشعر بالنقره المؤلمه .. احسّ بشفتيها ذاتا النسيج الناعم اللتان هبطتا على جبينه .. وكان كليهما مغلقان الاعين .. ارتعش قلبه إثر فعلتها لتبعد شفتيها عن جبينه وتخفض يدها اليمنى عن وجنته تقترب منه بينما وجنتها ملتصقة بخاصته تهمس في أذنه بصوتٍ مسموع للعالمين سوى له .. لأنه اصمٌ لا يسمع !
" تاي تاي .. موسيقاري البائس .. هل أخبرتكَ بأنني أُحِبُّكَـ أكثر من السكاكر والحلوى والبطاطس والشوكولا ؟ لأنني أفعل "
••
موقف مفضل ؟
رايكم بالفصل ؟
مساحه لله
تم التعديل ✅
Bạn đang đọc truyện trên: Truyen247.Pro