زراعة قوقعه |٣٣|
حالما استوعبت يوري ما قالته لها الطبيبة لوليتا سرعان ما قالت بذهول وهي تضع راحة يدها فوق جبينها غير مصدقه ..
" اين هو ؟ .. اين تاي ؟ "
ضحكت لوليتّا حين رأت امارات التعجب على سمى يوري، ثم قالت وهي تتنفس بتسارع من شدة سعادتها
" كان متردداً بإخباركِ لذا طلب مني هذا المعروف .. انه يجلس بالحديقه "
سارعت يوري بالخروج من غرفته وتجاوزت المصعد تنزل السلالم بخطى متسارعه متحمسه للقائِه ..
خرجت الى الحديقه وهي تدور حول نفسها تبحث عن هيئته .. ظله .. وجوده ... اضلاعها ترتجف وترغب بعناقه وتشجيعه .. هي مدركة بأنه خائف من العمليه الجراحيه فهذا قرار صعب اتخاذه .. كانت تبحث بخضراوتيها عنه .. حتى وجدته اخيراً يتمشى وهو يضع يديه بجيبي قميص المرضى خاصته رأفع الرأس يحدق بالسماء الصافيه ..
خفض أنظاره لتقع عليها .. قابل تعابيرها المتأثره بإبتسامةٍ مطمْئِنَه وهو يرفع ذراعيه نحوها يطالب بالعناق ..
لتركض نحوه مسرعه تحيط ظهره بذراعيها وهي تتكئ بذقنها على كتفه تغمض عينيها التي اغرورقت بدموع السعاده .. بادلها العناق وهو يتكئ بذقنه فوق رأسها يبتسم .. وحالما ابتعدت عنه لمح دموع السعاده عالقه في محاجر دموعها .. ليهز رأسه بضيق وهو يمسح بإبهامه تلك الدموع قائلاً بصوته الرجولي
" غيمتي .. هل هذا مطر السعاده ؟ .. "
لتومئ له لتغطي وجهها براحتي يديها فابتسم رغماً عنه ليشبك انامل يمناه بيمناها ويقبّل ندبة معصمها مغمض العينان .. وحالما قابل نظراتها قال بإستياء ..
" سبب موافقتي على عملية زرع القوقعه .. هو لأني لا اريد ان اعيش حياتي عالمٌ بأنني الوحيد الذي لن يستطيع سماع صوتكِ .. هذا غير عادل ، انا الأحقُّ بذلك "
لتضم وجنته وهي تتنهد بأريحية .. فقالت بعدها
" انا سعيده لأجلك .. ستصبح قادراً على العزف امام الجميع بثقه مجدداً .. لن تكون موسيقاراً اصم بعد الآن "
حالما انتهى من قراءة لغة شفتيه تجعدت المساحه التي بين حاجبيه وفصل اناملهما عن بعض يقول بجدية
" لا شأن لإجرائي العملية بقرار عزفي مجدداً .. انا لن امارس حلمي مجدداً وهذا عقابي الذي تقبّلته .. لم يتغير شيء "
فتراجع الى الخلف منزعجاً ينوي الرحيل لو لم يتفاجئ بها تتشبث بذراعه وهي تمشي معه تبتسم له بصمت .. ولم تتكلم بشأن هذا الموضوع .. ليخفض رأسه بإستياء لو لم ترفع ذقنه مجدداً تدير وجهه نحوها وهي تقول
" انا لن اناقشك بهذا الشأن .. اعتذر "
لتتفاجئ به يعانقها بين ذراعيه، ظنت انه يفعل هذا من امتنانه لتقبّلها قراره .. لم تعلم انه كان يخفي تعابير حزنه المضني عنها .. لطالما كانت روح تاي مكشوفه لها، كان يخشى ان تلمح حزنه ، لا يريد منها ان تحزن لأجله اكثر مما فعلت منذ ان قابلته.. هو فقط سعيد لأنها سعيده بخبر قيامه بالعملية .. ولا يريد منها ان تستاء بعد الان بسبب همومه ..
هو يرى ان معاقبته لنفسه يخفف شعوره بالذنب تجاه صديقه الراحل، هو يتشبث بهذا العقاب حفاظاً على رغبته بالعيش .. يحارب رغبته بالموت والخضوع لغراب الموت الاسود.. يحاول رؤية الجانب الجميل من الحياة برفقة يوري وجونغكوك وجين .. يحاول بأقصى مالديه من رغبه بالقتال في ان يبقى على قيد الحياه .. فالبؤس يمتصّ روحه بشكل قاسي .. رمادية حياته تتلون برفقة غيمته ورفاق روحه .. ولا يريد ان يموت .. انه يخاف الموت .. والعقاب هو ما يمنعه من الموت .. ان يترك حلم طفولته في سبيل مقاومة الموت وبسبب تأنيب الضمير القاتل الذي خلّفه موت جيمين ..
بعد بضعة ايام، دخل تايهيونغ مكتب الطبيبة لوليتّا ويجلس خلفه جين ويوري .. وبما انها اخصائية بزراعة القوقعه كانت اهلاً لتلك المهمه .. في ان تساعد تايهيونغ بأن يستعيد سمعه مجدداً ..
وحين كانت لوليتا تشرح لم تكن تجيد لغة الاشاره لذا كانت تشرح له بمساعدة جونغكوك، و جونغكوك كان يجلس بجانبها يترجم كلماتها بلغة الاشاره لتايهيونغ الجالس امامهما والذي كان يعير الانتباه لصديقه الذي تعلم لأجله لغة الاشاره منذ وفاة جيمين ..
كانت لوليتا تشرح له طبيعة العملية وايجابياتها ومخاطرها، وشرحت له ان زراعة القوقعة هي عملية جراحية يُغرس فيها جهاز إلكتروني داخل الأذن الداخلية للمساعدة على السمع،وينقسم الجهاز إلى قسمين،الأول داخلي يسمى القوقعة المزروعة والثاني خارجي يسمى المبرمج أو معالج الكلام،حيث يزرع الجزء الأول أثناء العملية بينما يُركب الجزء الثاني بعد العملية بأربعة أسابيع ..
وما ستفعله لوليتا اليوم بمساعدة الممرضه المختصه بالتخدير وبمساعدة اخصائي أعصاب هو زرع الجهاز الداخلي المسمى بالقوقعه المزروعه ..
تم تجهيز غرفة الجراحه المعقمه بكافة الاجهزه المختصه وتم ادخال تايهيونغ منذ بضع ساعات .. كان الجميع ينتظر امام غرفة الجراحه لساعات
وكان جين ينوي الاتصال بوالد تايهيونغ واخباره بشأن عملية ابنه الوحيد ولكن تاي سبق وقام بالرفض ..
ولان جين يراعي حالة تاي النفسيه التي تكون ما قبل الجراحه لم يناقشه بهذا الخصوص للوقت الحالي ..
كانت يوري تجلس على الكرسي تضم كفّي يديها معاً وهي مغمضة العينان .. لتتفاجئ براحة يد جونغكوك التي هبطت فوق رأسها فقال بصوت رقيق حنون مطمئن
" تاي خاصتنا قوي وقادر، لا تقلقي يا غيمة صديقي المفضله ! "
لتومئ له باسمة الثغر وشاكره له ولوجوده .. فتنهدت بأريحية بفضله وكفّت عن التفكير بسلبيه ..
بعدما انتهت العملية خرجت لوليتا متعرقه ومرهقه .. وابتسمت في وجه يوري لتطمئنها بعدها التفتت نحو جين تقول
" سأقوم بتركيب الجهاز الخارجي بعد العملية بأربعة أسابيع .. "
اغرورقت عينا جين بالدموع وكاد يعانقها لو لم تهرع قائله وهي تتراجع الى الخلف
" انتبه جين ! لقد خرجتُ للتو من منطقة ملوثه "
فقال بعبوس وبدى ممتناً لها
" شكراً لوليتا .. شكراً "
فابتسمت له بلطف وهي تهمس بِ"لطيف" وذهبت
ليعانق جونغكوك جين بسعاده طفوليه مفرطه بينما يوري تحاول كبح سعادتها المبكره وهي تتنهد باريحيه .. بقى فقط خطوه واحده قبل استعادة موسيقارها الاصم لسمعه .. بعد ٤ اسابيع سيتحقق المستحيل ..!!
بعد ٤ اسابيع، كان تايهيونغ جالساً في غرفة المعيشه يرتشف من كوب الحليب مرتبّعاً امام التلفاز الصاخب ، كان مستغرقاً بمتابعة الفلم الحربي الرومانسي (ابتسمي لعل الحرب تخجل) واصوات الدبابات واطلاق النيران منتشره في ارجاء المنزل.. اليوم هو موعد زرع الجهاز الخارجي له .. لا زال غير قادراً على السماع ولا يعلم لماذا رفع صوت التلفاز .. اتراه يحاول تجربة كونه اصم للمرة الاخيره؟؟ ام فقط محاولة غير مباشرة لايقاظ النيام ؟ والذين قد نسوا ان موعده بالمستشفى هو اليوم؟ ! ..
يبدو ان محاولته قد نجحت، فقد استيقظ جين مذعوراً وخرج من غرفته ممسكاً بعصا البايسبول بكلتا يديه مستعداً لإبراح الدبابه ضرباً وتحطيمها .. بينما كان جونغكوك لا يزال غارقاً بحلم جميل حيث فيه الارانب تقفز بمرح وسط عشب اخضر ربيعيّ ..
وحالما استوعب جين ذو الشعر الاشقر الفوضوي والبجامة البيضاء المتجعده ان الصوت يصدر من التلفاز اسقط العصا وهو يرمق بحقد تايهيونغ الذي لا يزال مستغرقاً بالتحديق بالتلفاز الاخرس بالنسبة اليه
اغمض جين عينيه بعصبيه ومن ثم توجه نحو تايهيونغ يهز كتفه كي يعيره انتباهه .. ليلتفت نحو تايهيونغ وهو يقول بتملل
" ما رأيك بطريقتي المميزه بالإيقاظ ؟ "
فقال جين بصوتٍ متذمر وبدى عابس بعدما اغلق التلفاز
" ماذا فعلت لتعاقبني بهذا الشكل ؟ "
صمت تايهيونغ يتظاهر بالتفكير بعدها قال
" لقد نسيت موعدي .. "
" اي موعد ؟ هل لديك موعد مع يوري ؟ واه ايها التسوندري الأحمق لا اصدق انك استطعت الاقدام على خطوه جريئه كهذه"
ضيق تايهيونغ عينيه بغيظ طفولي وقال بعدها
" موعدي مع طليقتك التي فرّطت بها ايها البغل "
" بغل؟؟ هل تقول عن اخاك الكبير بغل؟ "
" هل تقول عن اخاك الصغير تسوندري احمق ؟ "
" ولكنني قد قلت الحقيقه "
" وهل ما قلت انا يعتبر كذباً ؟ انه الحقيقه ايضاً "
احمر وجه جين غيظاً وبعدها رفع سبّابته امام تايهيونغ بطفوليه يقول
" اخرس! سوف استحم وبعدها سنذهب .."
وحين ادار ظهره قال تايهيونغ بإبتسامة مربعيه خبيثه وهو يلوّح لجين
" اسرع .. ايها البغ- اقصد الباهر الجمال "
اثناء وصول كل من تايهيونغ وجين وجونغكوك الى مكتب لوليتا كانت يوري موجوده مسبقاً وتنتظر لمدة نصف ساعه بسبب تأخير جين وجونغكوك اللذان كانا غارقان بالنوم ..
سرعان ما نهضت نحوه تضم يده البارده بخاصتها وعيناها تبتسمان ، لقد شعر بالأمان لوجودهم بجانبه اليوم .. كان متوتراً بشدة ولكن حالما امسكت يوري بيده شعر بأن كل التوتر قد تبدد امام المصير المنتظر .. مصير ما ان كان سيسمع مجدداً ام لا ..
اخرج جونغكوك الكاميرا السوداء خاصة جيمين كي يقوم بتصوير تايهيونغ اثناء ارتداءه للجهاز حول اذنيه .. كان الثلاثه يجلسون جانباً بينما كان لوليتا الجالسه امام جهاز رادار الاستشعار الخاص بتايهيونغ وكان يساعدها بوضع الجهاز قرب اذنه .. رفعت الجهاز الاخر وطلبت منه ان يضع قليلاً قرب اذنه اليسرى، وبعدها انشغلت بالعمل على جهاز الحاسوب امامها..
وكان جونغكوك المتوتر مشغول بتصوير ردة فعل تايهيونغ ..
وقبل ان تقوم لوليتّا بتشغيل الجهاز رفعت عينيها نحو يوري وطلبت منها الاقتراب ..
تحركت يوري من مكانها وجلست على ركبتيها امام تايهيونغ الجالس،والذي نظر الى غيمته بقلق طفولي .. لتضم يده كعلامة على التشجيع والدعم النفسي ..
قامت لوليتا بتشغيل الجهاز وقرصت ذراع يوري تطلب منها التحدث .. سرعان ما ابتلعت يوري ريقها بتوتر خائفه من النتائج .. لتضم كلتا يد تايهيونغ اليمنى وهي تقول بصوتها الرفيع الهادئ محدقةً فيه بعطف
" تاتا .. هل تسمعني ؟ "
رفع حاجبيه بذهول .. ومن ثم خفض نظراته ناحيتها ليرتجف ذقنه ويومئ بحركة متتاليه .. اغرورقت عيناه بالدموع وهو يقول بصوته الخشن الذي كاد ان ينسى نغمته
" اسمعكِ يوري .. صوتكِ .. استطيع سماعه "
سقطت الدموع فوق وجنتا جونغكوك الذي كان منشغلاً بالتصوير .. في حين ان جين غرق بدموع السعاده كالطفل ..
فسألت لوليتّا باسمة الثغر
" تاي .. ما مدى حدة صوتي ؟ "
رفع تايهيونغ عينيه الغارقه بالدموع وهو يقول بابتسامة شفاهٍ مبلله
" منخفض قليلاً .. "
لتتنهد بأريحية وهي تطمئنه قائله
" ستعتاد على الجهاز مع مضي الوقت تاي "
لتضحك يوري بسعاده رغم الدموع التي عانقت وجنتيها فأدار تايهيونغ عينيه نحوها حين سمع نبرة صوتها الضاحك الذي يساوي الاف الترانيم .. اطبق براحة يده على فمه متأثراً واغمض عينيه ليسمع صوت شهقات بكائه اخيراً .. انحنى ظهره اكثر في كل مرةٍ يزداد فيها بكائه .. لقد عانى طوال ذلك الوقت في الصمت المميت .. خسر والدته وتلاه خسرانه لحلمه ورحيل صديقه .. لطالما ظن انه سيموت اصماً لا يسمع ... ضائع في عالم الصمت المخيف .. غارق في حزن خساراته المتعدده .. ولكنه على الاقل استعاد سمعه .. ولكنه لن يستطيع استعادة امه .. وصديقه ..
(الموت لا يعيد الأحباء بعدما قام بسلبِهِم .. وغراب الموت لا يحلّق بعيداً عن اكتفِ البؤساء بسهوله .. )
•••••
الفصل القادم او اللي بعده هو الاخير، لا زالت بعض الافكار لم تُطرح عشان كذا ما حددت الاخير متى 🙂☝️
رأيكم بالفصل ؟
موقف مفضل ؟
جمله مفضله ؟
تم التعديل ✅
Bạn đang đọc truyện trên: Truyen247.Pro