الشّال |٧|
****
" تاي تاي ! هل أنت سلحفاه أم إنسان ؟ الحق بي أسرع "
قالتها يوري طفلةُ التاسعة وهي تصعد قمّة التلّ بينما كان تاي خلفها يجاهد بالوصول اليها .. فقال بأنفاسٍ ثقيله إثر الإرهاق من التسلق المتواصل
" يوري .. سوف أجعل جدتي تصنع لنا الأومليت الذي تحبينه .. لذا دعينا نعود "
التفتت اليه ومدّت يدها الصغيره نحوه تقول بإبتسامةٍ متحمسه
" هناك بحيرة صغيره خلف التّل ! لقد زرتها برفقة والدتي قبل أسبوع ، لنسبح هناك ونستمتع بعدها نأكل الأومليت "
امسك بيدها لتساعده بالتسلق ، كان ذلك صباحاً هادئ .. عائلتاهما تظنان إنهما يجلسان في أدبٍ بغرفة الألعاب الخاصة بتاي في العلّيه حيث تركوهما هناك ، ولكن كعادة يوري التي لا تخلوا يومياتها من المغامرات سحبت تاي معها رغماً عنه وخرجا من المنزل خلسةً اثناء استغراق العائلتان بالحديث والغرق في الضحك متناسين الاطمئنان على الطفلان ..
وصلت يوري الى البحيرة بينما وقف تاي خلفها وفمه مفتوح من شدة التعجب والذهول بهذا المنظر الرائع الذي لا يوصف .. كانت أزهار التوليب البنفسجية تحيط بأرضية العشب الخضراء الذي يحيط البحيرة الزرقاء الصغيره ذات الارتفاع المتوسط حيث انها ليست بعميقه ..
فقالت يوري بحماس وهي تنوي التوجه الى البحيرة
" عليّ أن اغطس قدماي فيها اولاً .. سيكون شعوراً رائع "
فاستوقفها تاي الذي تمسك بمعصمها يقول بجدية
" لَيْس قبل أن تعكفي بنطالك كي لا تتبلل الأطراف "
" أوه نسيت أمر بنطالي "
ليجلس على ركبته أمامها وهو يعكف لها أكمام بنطالها السفلية بصمت .. وبعدها نهض مسرعاً يسبقها وهو يضحك بمكر ، وحين حاولت اللحاق به سقطت متعثرة لتتفاجئ بأنه قد شبك خيوط حذائيها .. وقف تاي وسط البحيره يلوّح لها بسخريه وهو يبتسم ..
ليقوم برشّ المياه يصفعها بأنامله وبدى سعيداً الْيَوْم ، فهو لطالما ارتدى قناع العبوس والضجر مِن طفولته الممله في ميلانو ، حيث كان مشغولاً في تعلم البيانو ولم يكن يملك وقتاً لكسب الصداقات ، حتى سكن في هذه القرية وتعرف رغماً عنه على المشاكسه يوري التي رسمت قوس الألوان في صفحة طفولته الرمادية وجعلته يدرك ان حياته لا تتعلق فقط بحلمه والبيانو الخاص به ، هو طفل لذا عليه ان يتصرف كطفل ، فهذا وقت كسب ذكرياتٍ جميله وليس وقت الركض خلف الحلم ، كان ضياء الشمس ينعكس على سطح الماء مشكّلاً إنعكاساً مضيء .. والزهور تتراقص فرحةً برفقة الرياح الدافئة ..
جاهدت يوري بمحاولة فكّ الخيوط وهي تقول بغيط طفولي
" انتظرني ! سوف أجبرك على ان تشرب ماء البحيرة كله كعقاب على خداعي ! "
وحين لم تستطع فكّ الخيوط خلعت حذائيها وركضت تبتسم بحماس نحو تاي الذي سقط على مؤخرته وسط البحيرة بسبب قفزها مما جعلهما يتبللان بالكامل .. وحين نهضت يوري تمسح وجهها المبلل بأناملها الصغيرتين تبتسم رأت شكل تاي المبلل والذي التصق شعره على رأسه وغرقت بالضحك ما إن رأته .. لتتفاجئ به ينهض وهو يرشّ عليها الماء بغيظ طفولي انتقاماً على ما فعلت ..
حينما عادا تم حرمانهما من الأكل وكان العقاب لمدة ١٠ دقائق فقط فكل والدة منهما اختارت مسامحتهما على مضض كما ان الجدة ميلا كانت الوسيط والمحامي الخاص بهما ، فقد هربا نحوها يختبئان خلفها من غضب والدتيهما اللتان كادتا ان تموتان من الذعر والقلق طوال فترة بحثهما عن يوري وتاي . .
تذكرت يوري ذلك الْيَوْم بعدما نبشت في حقيبة ذكرياتها ورأت الأحجار الملونة التي قامت بجمعها برفقة تاي وتلوينها .. ابتسمت بعدما أطلقت زفير يعلن حنيناً قد فاق سقف غرفتها ..وقالت بينما كانت تضم احد الأحجار بين راحتي يديها
" يا ترى ماذا يفعل تاي الآن ؟ لقد مرت ١٣ سنة .. هل اصبح موسيقاراً مشهور ؟ هل عزف لي في المسرح امام الجمهور كما وعدني ؟ أودّ حقاً رؤيته .. متأكدةٌ أنه كَبُرَ ليصبح شابّاً ناجح ووسيم تتهافت عليه النساء "
اعادت أغراضها الى الحقيبة ونهضت تنفض الغبار عن يديها تبتسم بوداعه لتلك الذكريات التي تسكن عقلها .. ذكرياتها حيث كانت في اكثر سنواتها سعادةً .
كانت الساعه التاسعة صباحاً ، خرجت يوري من المنزل بعدما ارتدت شالاً احمر يعانق رقبتها ، متوجهه نحو المطعم ليس لتعمل بل لتأكل هناك ، فاليوم إجازتها .
وحين كانت تتمشى في المنطقة مرت بجانب أغصان متيبسه وحيده بعدما تناثرت منها أوراق الأزهار الحزينة تهبط على الارض لتنتشلها الرياح الباردة ، فموسم الشتاء قد حلّ هذا الشهر ، فتزيّنت الأشجار بحلّةٍ جديده ..
كان جونغكوك يقف متكئاً تحت أغصان الزهور الوردية التي كانت الرياح تلاعبها .. يرتدي كنزةً زهريه باهتة اللون وبنطالٌ ابيض .. يضع يداه في جيبا بنطاله ويحدق في السماء بحزنٍ يعانق عيناه الجميلتين .. شفتيه متورّدتين وأنفه محمرّ بسبب برودة الجو ..
ابتسم ابتسامةً حزينه وهو ينظر الغيوم المتلبّده وقال يحادث نفسه
" جيمين .. لقد رحلتَ أنت ولكن هذه الشجرة لا زالت موجودة .. ووجودها إثبات أنكَ كنت هنا .. وأنك لست مجرد سرابٌ يخيّلُ لي "
جلس جلسة القرفصاء تحت الشجرة وهو يخفي وجهه براحتي يديه .. فتسمّرت يوري مكانها لأنه فعل هذا في نفس اللحظة التي مرت فيها من جانبه تنوي تخطّيه ..
نظرت اليه فبدى تائهاً توقف وسط رحلة المضي قدماً في الحياة لأنه متعب وقدماه لا تقوى على حمله .. هي لا تعلم من هو .. ولكن هذا لم يمنعها من خلع شالها والتوجه نحوه تجلس امامه جلسة القرفصاء وهي تضع الشال هو رقبته ، فرفع رأسه لتقابلها عينيه الغارقتين بالدموع المتجمعة في محاجر عينيه .. فابتسمت بلطف تقول ممازحه بعدما استقامت بوقفتها امامه ، ليرفع رأسه ينظر اليها وهو يلامس الشال بأنامله
" تبدو عينيكَ الغارقة بالدموع مقتبسة من النجوم .. أودُّ حقاً رسمها .. انها اول مرة ارى نجوماً في صباحات باريس! "
ضحكت برقّه ثم لوّحت له متراجعه تقول وسط ذهوله من كلماتها
" لا بأس أن تبكي .. ولكن تذكر ان الخطوة التاليه هي ان تمسح دموعك وتنهض لكي تكون قوياً مثل هذه الشجرة .. ابحث عن سببٍ للتوقف عن البكاء "
اثناء ذهابها تفاجئت من حكمتها التي لا تعلم ممن اكتسبتها ، فتوقفت عن التفكير بذلك الشاب حين اصدر بطنها صوتاً يعلن انها جائعه ..
لتتساقط دموع جونغكوك التي كانت تهدد بالإنهمار .. ومواساتها لم تكن سوى محرضّه للبكاء بالنسبة اليه ..
ابتسم وهو يمسح دموعه بباطن يديه واستقام بوقفته يحدق بالشال الأحمر الخاص بها قائلاً
" لا بأس أن أبكي .. ولكنني لن استطيع إيقاف هذا البكاء .. لن تغفر لي يا جيمين إن تخطّيت موتك وأكملت حياتي كما لو ان شيئاً لم يحصل أليس كذلك ؟ "
فنهض بعدها وهو يحيط الشال حوله عنقه فشعر بالدفئ الذي اختلط بالحزن لأن يوري لا تتذكره .. فعاد مشياً الى المنزل وعينيه حمراوتان من شدة البكاء ..
رنّ جرس المنزل وهو يفرك يديه المتجمدتين ببعض يرتعش من شدة البرد وبخار انفاسه الدافئة يتصاعد امام أنظاره الشاردة ..
في تلك الأثناء كان تاي جالساً على الأريكة الرمادية في غرفة المعيشه يرتدي ملابس نومٍ صفراء منقطة الاسود ،وقلسونة ذات أذنا أرنب كانت فوق رأسه .. يضع بطانية حول جسده ويضم كوب مشروب الشوكولاتة بين راحتي يدان يستمد منه الدفئ .. وكان مشغولاً بالنظر الى عرضه حين أدى على خشبة المسرح قبل سنه ..
حين أومض صندوق الموسيقى وقامت راقصة الباليه بالدوران علم تاي أن الجرس يرن ، فصندوق الموسيقى جهاز موصول ومبرمج مع كل مره يرن فيها الجرس ..
وضع كوب الشوكولاتة فوق الطاولة البلوطية الممده امامه ونهض عاري القدمين متوجهاً نحو الباب ليفتحه . . فاستقبله جونغكوك ذو العينان المحمرّه والعينان الشاردة .. ما إن رَآه تاي ليتنهد بتضجر قائلاً
" هل زرت شجرة جيمين مرةً اخرى ؟ لهذا يبدو وجهك مزرياً ؟ "
ليومئ جونغكوك وهو يخفض عينيه بحزن ، ليتفاجئ براحة يد تاي تهبط فوق رأسه يقول بصوتٍ ثقيل هادئ
" هل أنت جائع ؟ "
رفع جونغكوك عينيه نحو تاي واغرورقتا بالدموع ليفاجئ تاي بعناق مباغت وهو يقول
" ظننتَك توقفت عن التحدث معي "
فتذكر أن تاي لم يرى وجهه ، ليبتعد عنه وهو يقول ببطء حينما كان تاي ينظر الى شفتيه
" ظننتُ أنك مستاء مني .. لهذا توقفت عن التحدث معي منذ الأمس "
اطلق تاي ضحكةً صغيره ومن ثم هزّ رأسه نافياً يقول
" أنا لم أكن مستاءً منك .. بل من نفسي "
" لماذا ؟ "
تذكّر تاي ذلك الْيَوْم .. حين كادت الشاحنة تصطدم به ، شعوره ذلك الْيَوْم كان نفور من نفسه .. وهما حاول إقناع نفسه بإنه ليس مختلف عن الآخرين سيحصل حادث مشابه لهذا يثبت له انه مختلف .. فطوال هذه السنين تعلم قراءة لغة الشفاه .. ولغة الإشارة ولكنه لا يزال عديم النفع بدون حاسة السمع .. فقد اعتاد ان يكون موسيقار مشهور يظهر في التلفاز ولَم لم يحصل ما حصل في ٢٠ ديسمبر .. ذلك الشهر الذي مات فيه حلمه ..
وحين كانا يأكلان على مائدة الطعام لاحظ تاي أن جونغكوك لم يخلع الشال الأنثوي عنه .. فقال متسائلاً لجونغكوك المشغول بأكل الأرز
" هل تواعد من خلفنا ؟ "
سعل حونغكوك من الصدمه وسارع بشرب الماء ، وردة فعله جعلت تاي يضيق عينيه بشكّ .. فقال جونغكوك نافياً
" لا لا ! انها من زوجتك يوري .. ما إن رأتني أبكي قرب شجرة جيمين اشفقت على حالي فقط لكن لا تقلق فهي لم تتعرف علي "
صمت قليلاً وغرق بالأفكار شارداً ما إن نطق صديقه بإسم زوجته .. مما جعل جين يقرص ذراع جونغكوك الذي لم يدرك ما فعل بعد .. فهمهم تاي وأكمل أكل طعامه بهدوء ، في حين ان جونغكوك قد خلع الشال ووضعه جانباً يضحك بتوتر من جين الذي يرمقه بغضب يوشك على اكله حياً
اثناء الظهيرة خرج تاي من المنزل يرتدي قبعة بيريت سوداء وسرق شال جونغكوك الأنثوي .. وارتدى كنزةً رقبة السلحفاه البيضاء ، وبنطال ابيض وحذائين طويلان اسودا اللون ، وسترة طويله تصل الى ركبتيه لونها اسود ..
فتفاجئ بهطول الثلج ، تأفف بإنزعاج .. فقد هطل الثلج حين قرر التسوق من المحل المجاور .. وهو أكسل من ان يصعد ويأخذ مظلته التي لم يجلبها ..
حين كان يمشي نحو المحل كانت يوري تمشي خلفه دون يعلم احدهما بشأن الآخر ، فرغم ان الْيَوْم إجازتها ولكن انتهى بها الحال تتمشى وحدها دون ان تقضي يوماً ممتعاً مع احد ..
تزيّنت الأرضية برقاقات الثلج التي غطّتها وارتدت لوناً ابيض اضاف رونقاً مميزاً لمدينة باريس ..
كانت قدما تاي تطبعان على الثلج ، وفِي كل مره تصل فيها يوري الى بقعته كانت تنظر الى الارض وتضع بإستمتاع قدمها فوق أثر قدمه .. وبدى حجم حذائها اصغر مِن خاصته .. لتبزغ ابتسامةٌ جميله على شفتيها المتورّدتين ..
وحين كانت منشغله بوضع قدميها على آثار أقدامه توقف تاي فجأه ينظر مصدوماً للمحل امامه والذي تذكر لتوه انه يغلق في هذا الْيَوْم من الأسبوع .. فتنهد بتملل وحين استدار ينوي العودة ادراجه اصطدم رأس يوري بصدره .. فتراجعت مصدومه وهي تقول معتذره بعدما انحنت
" آسفه لقد كنت شاردة الذهن ! "
نظر اليها بهدوء يميل رأسه بخفّه نحوها .. واقترب منها مما جعلها تحبس انفاسها ، انه مخيف .. نظرته الباردة تخيفها منذ اول لقاء ..
لتتفاجئ به يرفع ذقنها كي يرى تعابير وجهها جيداً بأصابع الوسطى والسبّابه قائلاً بصوتٍ مستاء
" لا تخفضي رأسكِ وأنتِ تتحدثين معي .. أنا أكره من يفعل هذا معي ! "
____
وش رايكم؟ انشر الرواية مؤقت عشان دار النشر وتوقيعي معها ياخذ وقت وبكذا اكسب قراء جدد مستعدين يشترونها ورقي اذا شافوها تستاهل قبل توقيع العقد مع الدار .. وش رايكم؟ لاني شفت تعليقات قراء جدد قالوا انهم ما قرأوا الرواية ليه بيشترونها معهم حق 🌚 ..
Bạn đang đọc truyện trên: Truyen247.Pro