إبنٌ عاق |١٤|
•••
تمرّدت انامل جين ليعبَثَ بخصلاِت شعر جيمين الشارد امامه والذي سرعان ما نظر اليه بعيونٍ فارغه متسائلاً عن سبب فعلته ..
فابتسم جين ابتسامةً دافئه قائلاً
" تبدو شارِدَ الذهن هذه الأيام .. هل هذا بسببِ خَوفِكَـ على تايهيونغ ؟ لا تقلق .. سيكونُ بخير بعد مُضي الزمن .. سنكون جميعنا بجانبه ولن نتركه مع صمته وحيداً .. "
ابتسم جيمين ببهوت ولَم ينطق ببنت شفه ، بل ابعد يد جين عن رأسه وأكمل المسح على طاولة المطعم الذي ينتمي لجين .. عبس الأكبر يقول
" جيمين .. مالخطب ؟ "
خرجَ جيمين من سرحانه ورفع عينيهِ الذابلتانِ نحو جين الواقف امامه و الذي زفر بضيقٍ حين أدركَ أن جيمين لم يعيره انتباهاً ..
ومدّ راحة يدهُ نحو وجنة جيمين يضمها قائلاً
" تبدو شاحب الوجه .. توقف عن التنظيف وتعال برفقتي للمطبخ .. لنعدَّ طعاماً معاً ونتحدث قليلاً بشأنِ ما يُقلِقُكْ هذه الآونة "
زمَّ جيمين شفتاه وقال بتساؤل بصوته الهادئِ الرنان
" هل حقاً ستبقى معي طوال الْيَوْم ؟ .. ألن تزورَ تايهيونغ بالمشفى ؟ "
احاط جين بذراعه كتفيْ جيمين الضيقتين وقال باسم الثغر
" جونغكوك سيكون مرافقاً له بالمشفى ، الْيَوْم انا وانت فحسب "
ابتسمَ ثغر جيمين وقال متنهداً بأريحية
" هذا مريح .. لديّ الكَثيِر لأقوله لكْ .. ولكنني خشيتُ أن أكون عبئاً آخر .. فتايهيونغ لا يزال يشغل بالك "
سحبهُ جين داخل المطبخ يقول
" أنا الأب الخاص بكم .. هل رأيتَ أباً يرى اطفاله عبئاً ؟ "
ليبتسم جيمين رغماً عنه وهو يهزُّ رأسهُ نافياً ، وأثناء ما كان جيمين يعجن العجينة بيداه حاول سردَ ما يشغل باله ويقبضُ على قلبه هذه الآونة .. هو أنّ أمه قد ماتت .. أراد أن يسمع
" هذا ليسَ خطأك .. أنتَ لستَ السبب بموتها .. أنت لا ذنب لك جيمين "
ولكنه ابتلع كلماته حين رنّ هاتف جين الذي أشعل الموقد وسارع بالإجابة اثناء ما كان يعطي جيمين احدى ابتساماتهِ اللطيفه
" مالأمر جونغكوك ؟ .. "
خفض جيمين رأسه وابتسم ابتسامة خيبه ليكمل العجن كابتاً ما في جعبته ..
" سأخبر جين ما يجري معي حين يُنْهي المكالمة .. لن أصمت بعد الآن "
هذا ما كان يخطر على بال جيمين .. ولكن خطته لم تتم فقد سارع جين بإطفاء الموقد وهو يقول بصوتٍ مرعوب مخاطباً جونغكوك على الهاتف
" إبحث عنه فوق السطح ! ربما يفكر بالإنتحار مجدداً ! "
فقال جيمين مقاطعاً جين المنشغل بالهاتف
" هل تايهيونغ مفقود ؟ "
ابتلع جين ريقه وبدى وجهه شاحباً .. ليغلق المكالمة وهو يقول لجيمين
" إبقى هنا واحرس المحل .. ولا تقلق بشأن تاي ، سأتصل بك حين نجده "
هزّ جيمين رأسه متفهماً ليخرج جين من المطعم متوجهاً للسيارة .. بقي جيمين وحده ويداه ملطّختان بالعجينه .. فزفر بعمق وبعدها قال بصوتٍ مبحوح مرتعش
" ماذا عني أنا ؟ .. أنا أيضاً أتألم .. هل أنا غير مرئي إلى هذه الدرجة ؟ .. لماذا عليَّ أن أبقى وحيداً دائماً ؟ ولماذا اضطر لإخفاء وجعي لمصلحة الآخرين ؟ .. انا أردتُ فقط سماع جملةْ واحده .. أنتَ لا ذنب لك يا جيمين .. هل هذا صعب ؟ "
وصل جين الى المشفى بأنفاسٍ مخطوفه .. دخل غرفة تاي ولَم يجد سوى الطبيب الذي بدى ساخطاً على جونغكوك يعاتبه على إهماله للمريض ، تجاهلهم جين وخرج من الغرفة يبحث عن تاي بالرواق
فبدأ يسأل المارّة عنه ولكن لم يتذكر احد رؤية مريض وسيم في المكان .. حين كاد جين يفقد الأمل بإيجاد تاي سَمِعَ صوتاً لعزفِ بيانو رقيقٍ ويلامس القلب .. ويصدر من الدور الأرضي .. سارع بنزول المصعد وهو يدعي ان يكون الموسيقار هو صديقه الأصم ..
حين وصل الى الدور الأرضي وجدَ المرضى وبعض من الممرضين قد توقفوا عن الذهاب نحو وجهاتهم وفضّلوا الإستماع الى عزف ذلك المريض الذي كان يتلاعب باحترافية بمفاتيح البيانو الأبيض ، كان ظهره العريض وشعره البندقي مألوفان لجين .. وخصوصاً ذلك العزف المحترف الحساس ..
زفر جين بأريحية وخطى نحو تاي يقف خلفه محاولاً تهدئة نبضات قلبه وهو يهزّ رأسه مستمتعاً بعزف الموسيقار الأصم ..
والذي لا احد بالمكان يعرف بأنه قد فقد سمعه ..!
توقف تايهيونغ عن العزف فجأه مما جعل جين يقلق ، والاخرون ينظرون اليه بتعجب منتظرين ان يكمله معزوفته الجميلة .. ولكنه توقف بالمنتصف .. وبدأ يضرب المفاتيح بعدما صرخ مرعوباً يقول
" انا لا اسمع عَزْفِي ! لماذا لا استطيع سماع شيء ؟! .. لماذا معزوفتي خرساء ؟! "
سارع جين بمعانقته من الخلف ممسكاً بيداه يمنعه من ضرب مفاتيح البيانو .. اطلق تاي دموعه حين علم بأن من خلفه هو جين .. وقال بصوتٍ وجولي رجولي بائس
" جين .. ارجوك تحدث معي .. لا تكن صامتاً كهذا البيانو .. انت تعلم بأني اكره الصمت .. لماذا كل شيء صامت ؟ انا مرعوب .. مرعوب بشدة "
ساعده جين على النهوض من أمام البيانو وحاوط ذراعه حول كتفيه يساعده على المشي وهو ينحني برأسه امام الآخرين يعتذر عما حصل للتو بالنيابة عن تاي الذي يمشي بدون روح .. والذي كان ينظر لشفاه الآخرين التي تتحرك فقط .. لا يستطيع سماع ما يقولون عنه .. فقط يرى تعابير الشفقه على وجوههم .. ليغمض عينيه فجأه وهو يغطي كلتا أذناه مستوقفاً جين المستغرب يهمس
" موسيقار أصم .. موسيقار أصم .. هذا ما يقولونه خلف ظهري .."
ابعد جين يدا تاي عن أذناه ووقف امامه يهزّ كتفيه ، فقام تاي بفتح عينيه ببطء لتستقبله ابتسامة جين الذي قال
" من يتحدث خلف ظهرك .. هو بالفعل خلفك .. لا تكترث تاي "
لتتساقط الدموع من محاجر عينا تايهيونغ الذي فهمَ ما تلفّظ به جين ، ليومئ قائلاً
" شكراً .. لأنكَ بجانبي "
صعد تايهيونغ غرفته ليستقبله جونغكوك الذي كان جالساً على سريره ينظر للفراغ مرعوباً ، وما إن رفع عيناه الغارقة بالدموع ليتفاجئ بتاي امامه ، سرعان توجه نحوه يعانقه يتنهد بأريحية .. بادله تايهيونغ العناق مبتسماً بشحوب .. وبعدها جلس على سريره وسط مراقبة صديقاه له بقلق .. رفع مقلتاه نحوهما وقال بتساؤل
" هل أتيتما وحدكما ؟ أين جيمين ؟ "
اخرج جين تأوه حين تذكر جيمين ، واخرج هاتفه يقول
" لقد قلت له بأنني سأطمئنه حين أجد تاي "
استلقى تاي على السرير وأغمض عيناه .. اثناء انشغال جين على الهاتف ينتظر ان يرد جيمين على اتصاله .. فأمال جونغكوك رأسه مستغرباً يقول
" هل هاتفه مغلق ؟ "
هزّ جين الذي انتابه القلق رأسه نافياً وقال
" هاتفي يتصل .. ولكن يبدو ان جيمين ليس بالقرب من هاتفه "
في تلك الأثناء .. لم يجلب جيمين هاتفه نحو محطة القطار التي كانت شبه مهجورة ، كان جيمين عند محطة القطار ، يقف فوق سكّة الحديد وهو يتذكر اخر محادثة بينه وبين امه ..
" توقفي عن التفكير بوالدي ! لقد رحل وانتهى الامر ! لن يعود ليضربكِ .. انا بجانبكِ امي .. انتِ فقط لا ترينني "
بذلك الوقت كان جيمين يصرخ في وجه امه التي كانت جالسة على سريرها تبكي بحرقه بعدما اتصلت على جيمين تقول له بأن أباه يرسل لها رسائل تهديد .. حينها قام جيمين بتفتيش هاتفها ولَم يجد شيء .. فقالت له امه وهي تمسك بيده بين كفّيها
" جيمين لا تتركني .. والدك يهددني .. انه ينوي قتلي كي يعيش بسعادة مع زوجته الجديده .. انه ينوي التخلص مني ! "
نفض جيمين يده عنها وقال بصوتٍ هادئ بينما دموعه وجدت طريقها المنسلك فوق وجنتاه
" امي .. ان ابي في كوريا .. لقد هجرنا منذ سنين .. أرجوكِ تمالكي نفسكِ !! همومي تكفيني لماذا تزيدين حياتي بؤساً ؟! "
هزت رأسها نافيه ومن ثم ابتسمت فجأه وسط ذرفها الدموع
" لنذهب الى كوريا ! انتقم من والدك .. لا أريده ان يعيش سعيداً بعدما جعلني أعيش بهذه الحالة المزرية .. لننتقم منه .. ما رأيك ؟ "
جلس جلسة القرفصاء أمامها يغرق بالبكاء كالطفل وبعدها قال هامساً
" توقفي عن هذا .. توقفي "
.. بينما هي كانت تهز كتفه بينما تقول
" ما رأيك ؟ لنهدم سعادة ابوك .. انتقم لأمكَ جيمين ! "
نهض جيمين وهو يمسح دموعه بباطن يده .. وقال بعدها بغيظ
" انا لن اهدم سعادة احد .. بل سأعيش بعيداً عنكِ .. ربما حينها ستجد السعادة طريقها الي .. "
وخرج بعدها من المنزل .. وتلك اخر مره يرى فيها وجه امه ..
تذكّر جيمين اخر كلماته لأمه ليخفض رأسه للسكة الحديديه يهمس ساخراً بابتسامة هارئه
" أيةُ سعادةٍ كنتُ أرجوها يا أُمِّي ؟ .. تركُ أصدقائي لي هو عقاب تركي لكِ .. انا اسف .. لأني إبنٌ عاق .. كيف لشخصٍ مثلي أن يكمل حياته بعدما ترك المرأه الوحيدة التي كّرست حياتها بأكملها لأجله ؟ .. ألا استحق الموت يا أُمِّي ؟ "
سمَع صوت صفير القطار الذي يتوجه نحوه بينما كان يقف بالمنتصف رافضاً التزحرح من مكانه .. ارتعب للحظة واراد التراجع والصعود من فوق السكة لبر الأمان لو لم يتذكر دموع والدته حين قالت له باكية ذات يوم
" لا تتركني انت ايضاً "
اعتصر قبضته يهمس باكياً وهو يركع وسط السكة الحديديه متجاهلاً صخب القطار الذي يتقدم نحوه
" امي سامحيني .. انا اكره نفسي .. سامحيني أرجوكِ "
وضع وجنتهُ فوق السّكة الباردة وأغمض عينيه يهمس بينما شقّت الدموع طريقها من فوق جسر انفه لترتطم فوق التراب ..
" أنا آسف يا نفسيْ .. .. لأنني تخليتُ عنكِ وعن أمي .. ليكُنْ موتي غُفراناً لذنبي الشنيع "
_____
اكثر جملة مؤثره ؟
اكثر موقف مؤثر ؟
جيمين وأمه ؟
جين ؟
تاي ؟
تم التعديل ✅
Bạn đang đọc truyện trên: Truyen247.Pro