بداية التغيير
في صبيحة اليوم التالي نهضت قبل الجميع ، الجو مشمس جميل خصوصاً داخل الغابة ، لم تجد ما تعده كفطور لذا صنعت حساء من الخضروات وجلست تتناوله ريثما يصحوا الباقون .
وبالفعل كان أولهم ساري الذي ذهب وغسل وجهه وأقترب ناحيتها :
-صباح الخير .
سلم وجلس قربها يصب لنفسه الحساء .
:-صباح النور .
دار الصمت بينهما ، لم تكن عادة ساري السكوت فهو رجل محب لتبادل الأحاديث لكن بعدما حصل بات صامتاً قليل الكلام ، مر بالكثير وايضاً لم يجد شيئاً مناسباً لقوله .
-أود لو تقودني لحداد ، اود الحصول على قدم معدنية .
قالت جملتها القصيرة ولم تنظر نحوه بل التهت بأنهاء طبقها .
:سآخذكِ عند شخص أعرفه .
صمتا وراقبا خروج البقية من خيمهم بالتدريج ، اليوم سيتسلمون أسلحة وعتاد للثوار وبعد ثلاثة أيام سيشعلون ثورة سيحرصون أن يشارك بها الكثيرون من بقية العواصم للتخلص من الحاكم الجائر الحالي .
أنطلق الرجال على خيولهم بعد الأنتهاء من تناول الطعام ، مياسة كانت بعيدة عنهم تجلس خلف ساري تعانق خصره ، تنظر للأفق بشرود .
______________
مياسة :
شعور الأمان غريب ، لا يزورني الا حينما أكون معه . وكأنه سد منيع يحميني من الأذى .
لا زالت مشاعر تلك المراهقة تسكنني ، لا زلت مهووسة بساري ولا زلتُ غير متقبلة فكرة أنه مُلك لأمرأة أخرى بل وأنجب منها طفلة .
كلما واجهت نفسي بهذه الحقيقة أتألم ، أكابح لمنع دموعي من الهطول .
لا أدري كيف سينتهي بنا المآل بعد ما سيحصل . لا أكترث للثورة أو لسقوط الملك أو أياً مما سيحصل ، ما يهمني هو مستقبلي مع ساري يا ترى كيف سأمضي بقية حياتي وأنا أراه وأعامله كغريب عني ؟
لا أستطيع معاملته بلطف ، لا حل وسط لمشاعري ، أما يكون ملكي او يكون مجرد رجل غريب بحياتي .
مضت بنا الرحلة وأنتهى بنا المطاف عند تلك المدينة المحطمة .
على ما يبدوا خالية من الجنود وآمنة للذين يسكنوها ، ساعدني على النزول وأرتجف قلبي للمسة يده الدافئة .
-ستبقين هنا مع طاقم الفريق الطبي وسنذهب نحن لأحد المنازل القريبة لتسلم الأسلحة .
تركني وذهب وتبعه رجاله ، لا زال الغموض يحاوط ساري كما كان . لم يتغير مطلقاً ، قال سيأخذني عند الحداد لكنه نسي فور وصولنا !
-سيدلكِ البعض على الحداد ريثما ننتهي نحن يمكنك الذهاب إليه .
التفت نحوه متفاجئة . لم ينسى إذن .
وصى هامساً للرجل الذي بجانبه على مرافقتي حسبما فهمت ليقترب مني الشاب ذو الأعين الخضراء مبتسماً قائلاً :
-اتبعيني .
تبعته بصمت ومشينا ، البنايات محطمة والبيوت مهدمة ، الشوارع مدمرة وخالية ، المكان يبدوا مخيفاً ككابوس حي .
-ستتدربين على القتال فحتى النساء سيشاركن بهذه المعركة ، أغلب رجال بلدنا ماتوا وبقيت نسائهم الثائرات .
-هذا ما ناقشته مع ساري .
صمت كلانا وهو قاد الطريق لمحل مفتوح أتضح أنه محل حدادة .
لم يسلم من التهدم فجدرانه كانت متفطرة ونصف السقف مثقوب وبداخله رجل كهل يطرق سيفاً على ما يبدوا صنعه للتو .
-مرحباً فيرد كيف حالك ؟
سلم أخضر العينين وبقيت بالخلف أتفحص المكان وأتفقد السيوف ، لطالما رأيتها ولكن لم أجرب حمل واحد من قبل ، كيف هو شعور حمل سيف والقتال به حتى النصر او الأسوء حتى الموت والذي بعد ما جربته لا أود تكراره مجدداً .
سهوت عن حديث الرجلين حتى سمعت اسمي على حين غرة من قِبل الرجل أخضر العينين :
-آنسة مياسة يمكنك التناقش مع فيرد حول السيف الذي تريدينه .
أومأت له ليذهب متفقداً السيوف ناظراً لربما بفضول او يود الحصول على واحد جديد .
استقبلني الرجل بملامح وجهه الصارمة وأحترت فيما سأقوله .
-هل سبق وحملتِ سيفاً من قبل ؟
سحبت نفساً عميقاً سأدعه يقود المحادثة ثم سأطلب منه صنع القدم ، لا أود لذلك الرجل أن يعلم أنني مقطوعة القدم لا هو ولا أي كائن من يكون عدا ساري طبعاً والذي لا زلتُ أعتبرهُ أمين أسراري .
-لا لم أفعل .
-إذن سأمنحكِ واحد خفيف لتستخدميه ، يمكنكِ تبديله لاحقاً .
أومأت وراح يبحث بين السيوف والرجل الآخر عاد واقفاً بقربي .
حمل الكهل فيرد واحداً وناولني إياه . قبضته الباردة أرسلت بجسدي القشعريرة .
قال عنه خفيف لكنني واجهت صعوبة بحمله وأمسكته بكلتا يداي .
-ستعتادين حمله مع مرور الوقت .
نطق أخضر العينين مبتسماً وتناول مني السيف يحمله بيد واحدة !
عجيب كيف يفعلونها ؟
-شكرا لك فيرد .
نطق وأجاب الكهل
:-لا داعي للشكر هذا عملي .
ودع الرجل وسار قبلي ظاناً أنني قد تبعته فأقتربت من الكهل الذي عرف من ملامحي أنني أريد أن أطلب طلب آخر .
-أريد أن تصنع لي قدم معدنية بها تجويف حتى لا تؤلم عند الأستناد عليها وتكون خفيفة الوزن .
-لمن ؟
أجبت بتوتر أنظر خلفي :
-لي .
وأضفت ناظرة إليه من جديد برجاء :
-ولا أود لأحد أن يعلم بالأمر .
دخل أخضر العينين من جديد مستغرباً . توترت حالما ناظرني بتساؤل أحترت فيما سأقوله ليتحدث فيرد بدلاً مني :
-أنها تسأل عما إذا كان يمكنها الحصول على سيف آخر .
-ستعتادين على حمل هذا مع مرور الوقت آنسة مياسة .
عادت بسمته وبدا التفهم عليه لكنه كان عائق أمامي .
-أجل أظن هذا .
غادرت معه مكرهة وعدنا من حيث أتينا ولمحت ساري منقذي ، توجهت له بخطوات مسرعة ، وقفت أمامه كنت أنوي الهمس له لكن رأسه بعيد جداً عني ! بالكاد أصل لمنتصف كتفه .
رآني وأشرت له أشارة خفية بعيني ، ليعتذر من الرجل الذي يتحدث إليه وآخذهُ على جانب منزوي .
-لم أستطع مناقشة الحداد بموضوع القدم هلا تأخذني إليه من جديد ؟
تحدثت بسرعة ولا أعلم لما قلبي يطرق بعنف لهذه الدرجة أومأ لي ولم يتحدث ، الغصة تطوق عنقي من كل هذه الغرابة التي نتعامل بها مع بعضنا .
قادني وعدنا من نفس الدرب عند المدعو فيرد والذي عاد ليعمل على ذلك السيف من جديد .
-مرحباً فيرد .
ألتفت له الرجل وحياه بأبتسامة واسعة مقترباً منه معانقاً إياه بود :
-متى عدت يا ساري ؟
-قبل فترة قصيرة .
نظر لي وقد تفهم سبب عودتي .
-تريد مياسة منك أن تصنع لها قدماً .
-تفضلي آنستي لآخذ قياس قدمك .
جلست على كرسي وخلعت الحذاء عن قدمي السليمة
-عادةً لا أصنع أطرافاً صناعية لكن سأحاول بذل جهدي .
-كم سيكون مقابلها .
سئلته بحماس وأجابني بضحكة :
-أنا لا آخذ أموالاً مقابل عملي يا صغيرة .
عجيب ، أستغربت من رده ولكنني صمت وهو تبادل الحديث مع ساري .
جاء بقالب وطلب وضع قدمي بداخله ثم صب طين على قدمي ليطلب مني أخراجها .
-حينما تجهز سأرسلها بيد ساري .
اومأت له ولم أتحدث .
_______________
عادا وقتها وأفترقا ومرت مدة وصل خلالها الكثير من الناس ورأت بسوداوتيها العديد من الأسلحة والدروع وبدأت تتدرب مع أناس آخرين من العامة ممن لا يجيدون القتال رجالاً ونساءً ، في البداية واجهت صعوبة بالغة ، حمل السيف كان ثقيلاً حتى لو حملته بيدين أثنتين ، التلويح به صعب وخافت أن تضرب خصمها فتؤذيه ! فترة عصيبة بدأت بالدخول لحياتها ولكن الحسن بالأمر أن القدم المعدنية وصلتها ، قدم مصنوعة بدقة متناهية وعلى الرغم من خفة المعدن المستخدم بصنعها واجهت صعوبة بالمشي كذلك فراحت تجرها تستشعر غرابة بحمل شيء أثقل من وزنها او ربما يُخيل لها ذلك .
لم تتبادل الأحاديث مع ساري ، لم تلحق أن تراه حتى فما بين تدريباتها والطاقم الطبي وهو لاهي ما بين الأسلحة وأستقبال الناس القادمين .
__________________
وبدأت شرارة أول ثورة وهاجم السكان الجنود وتجمعوا مشعلين النار حول القصر الملكي حيث هتافاتهم تصل أسماع الملك ، تصدى لهم الجنود وتعالى صليل السيوف على الرغم من خبرة البعض بالقتال وتدريبات البعض الآخر لم يتفوقوا على الجنود المتدربين عسكرياً ، ساري كان بالمقدمة هو وقادة الثورة يقاتلون بضراوة يخططون لأقتحام القصر الملكي .
أما مياسة فكانت تلوح بسيفها وتحمل درعها ، لم تعلم كيف تقضي على هؤلاء الجنود بكل هذا الثقل الذي تحمله ، فكانت تعاني لحماية المصابين حيث شكلت مصدر الهاء وحمل المسعفون من أستطاعوا حمله .
وكما توقعت رغم جهادها خسرت وأضطرت للهرب يتبعها ثلة من الجنود ، خافت أن تموت مجدداً فرمت الدرع وأكتفت بحمل السيف بكلتا يديها تقاتل للنجاة بحياتها .
منظر الدماء ورائحته كل ما تراه وتشمه ، بصعوبة قتلت واحداً وأندست بين الحشود تبحث عن ناجين ، الاغلب ماتوا ، صرخاتهم تصم أذنيها ، خافت على ساري وهو بالمقدمة ماذا لو أصيب او قُتل ؟ فقررت الأندفاع للأمام وليحصل ما سيحصل .
يتبع ....
Bạn đang đọc truyện trên: Truyen247.Pro