أثناء فترة الصباح كان السوق هائجاً فلقد شهد الناس جماعات غريبة تمشط الأسواق ، دروعهم سوداء مُهيبة وعليها نقوش ذهبية ، ضخام البنية طوال القامة ، يركبون خيولاً دجماء ضخمة وكأنهم كيانات مظلمة حقودة أُطلقت بين الناس .
عند حلول الظهيرة وصل خبر إغلاق الحدود ، لا أحد يدخل ولا أحد يخرج وتم فرض حظر كامل وتم أغلاق الأسواق قصراً ومعاملة الناس كالمساجين بحبسهم ببيوتهم بتهديدات صريحة مما نشر الخوف والذعر بينهم .
فأضحت الطرقات خالية من البشر حتى الحيوانات الضالة أختفت ولم يتبق الا تلك الكيانات المدلهمة تتجول في الطرقات .
وفي منزل مياسة القتيلة فلقد خُفن النسوة وراقبن الوضع من خلف الشبابيك .
الطفل نوران يبكي بحرقة مُطالباً بمجيء رفيقته غير مستوعب بكونها رحلت للأبد .
--------------------
ساري ورفاقه توشحوا بأوشحة بيضاء تغطي وجوههم ، يتجولون في الطرقات المهجورة حتى سلكوا زقاقاً وخرجوا من السوق لآخر ممتلئ بالمنازل .
وبعد مشي متخفيين لبعض الوقت خرجوا لمنطقة بدأت تقل البيوت وتتباعد بها حتى وصلوا لأرض فارغة الا من التراب .
قابلوا رجالاً آخرين برفقتهم خيول ثم رحلوا جميعاً .
حتى وصل الجميع لمنزل بأرض منقطعة الا من بضعة منازل على مبعدة منه وداخل المنزل حيث اجتمعوا فتحوا باباً سرياً داخلين لنفق أرضي حاملين مشاعل معهم .
اناروا طريقهم وسلكوا ممرات متشابهة ومتشعبة حتى بزغ نور في الأفق وخرجوا لما يشبه الكهف في منطقة جبلية حيث أشعة الشمس متعامدة تُطلق أشعتها المصحوبة بحرارة عالية .
في الأفق هضاب صخرية يحيط بها حزام من أشجار باسقة عبروها الرجال مشياً ليصلوا بحلول العصر الى أحد الجبال الحدودية حيث تسلقوه وراقبوا السور البعيد والجنود الذين يحرسونه .
واستطاعوا رؤية من بعيد شجار قائم بين جنودهم وبين جنود آخرين على ما يبدوا تابعين لمملكة اخرى .
ثم انسحبوا تدريجياً وعادوا لكهفهم حيث بدأت الشمس بالمغيب بالفعل .
في حلقة حول النار جلسوا جميعهم وسطهم خريطة كبيرة فوقها رجل يضع علامات بحبر احمر على مناطق معينة ، فتحدث بلغته الأجنبيه ذات اللكنة الجميلة :
- هذا الطريق الآمن الوحيد نسبياً لكن لا يمكنني التأكد من خلوه من المخاطر .
ليُجيبه ساري ناظراً للخريطة :
- لا بأس وصولنا سيكون سهلاً جميعنا نستطيع الدفاع عن أنفسنا .
ثم أضاف ناظراً للرجل من جديد :
- ما آخر ما توصلت إليه بخصوص الجيوش الداخلة ؟
أجاب وهو يجلس على الأرض :
- الأطراف تريد تهدئة الموضوع وتم تسيير جيش الملك بخصوص أمر التحقيق .
- هل يعني هذا الحرب على الأبواب .
رد ماسحاً وجهه :
- هذا يعتمد على ما سيحصل .
تنهد ثم وجه حديثه للجميع :
- سوف نهرب لا مفر سنعود لوطننا الأم .
ثم أضاف :
- سيأخذ كل منا عائلته تجهزوا لرحلة طويلة .
اومأوا له ثم تحركوا عائدين من خلال الكهف .
وعند منتصف الليل أستبدلوا أوشحتهم بأخرى سوداء وساروا كل منهم في جهة .
وبلغ ساري وسط المدينة متجنباً صفوف الجنود ببراعة كلص محترف عائداً لمنزله حيث أخذ أغراض مهمة من أوراق وصناديق والكثير من الطعام والشراب .
ثم توجه لمنزل مياسة حيث سيأخذ أمها والمرأتين مع الطفل نوران ليهرب بهم فليس لديه عائلة سواهم . وبعد رحيل أبنته الصغيرة لم يحمل معه الا ذكراها معه و أبقاء عائلتها بأمان هو جل ما يستطيع تقديمهُ لها ..

يتبع.....

الأشتياق لن يعيد من رحل ...