نتائج الرواية الدينية
يقول كارل ماركس: " الدين أفيون الشعوب."
بداية من آدم وحتى الرجل الأخير على سطح الأرض، الدين كان حاضرا حضورا لامعا، متمحورا حول قضية وجودنا في هذه الحياة بالأساس:
"وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ" ( سورة الذاريات الآية 56).
في عصر كهذا العصر، نحن نجزم وبقوة بكون الصراع الديني هو أكبر وأعنف الصراعات وحتى العامود الفقري لكل حرب واختلاف شرس.
انطلق الصراع والرهان الأكبر قبل الحياة، بين الله وإبليس حول الإنسان الأول "آدم"، ثم تفرع عبر الزمن وعبر مختلف شعوب الأرض وحضاراتها، رسالة سماوية تلو أخرى ونبي عقب نبي، وفي كل قصة من قصص الدين صراع، بين نوح وقومه عبدة الأصنام الأولين، بين عاد الذي لم يخلق مثلهم في البلاد ونبيهم هود، بين لوط وقومه، بين يوسف وأخوته وكهنة مصر القديمة، بين موسى وفرعون، بين عيسى وبني إسرائيل، بين قريش ومحمد وبين كل أنبياء الله وأقوامهم!
هذا الصراع العظيم لم يتوقف هنا، فتوحات الإسلام أساسها الدين، وجرائم الكنيسة أساسها الدين، والحروب الصليبية أساسها الدين، والاحتلال الإسرائلي فوق أراضي فلسطين هو أيضا صراع ديني حول الأراضي المقدسة.. القدس وأورشليم! صراعات الشيعة والسنة وطوائف الإسلام جميعها وحتى مجازر المسلمين ببورما وجل التيارات السياسية الصاعدة من شيوعية فعلمانية فتيار إسلامي كلها مذاهب تنصر الدين أو تلغيه لكنها تتمحور حوله!
هذا الصراع يتجزأ حتى داخل المجتمعات الضيقة، فلان مسيحي لا تصادقه، وفلانة يهودية لن أسمح لك بتزوجها وذاك المكان يعج بالملاحدة فلا تدخله، وفلان مسلم متعصب ذي فكر إرهابي حذار أن يؤثر على أفكارك!
بل ويتجزأ حتى ليكون صراعا داخل العائلة نفسها: أدرس فإن الله أمرنا بالعلم، لا تزنى فقد لعن الله الزناة، إياك وترك الصلاة! إن أخي فاطر في رمضان يا أماه! فلان مثلي وسوف يخسف الله به الأرض كما خسف قوم لوط!
ويتجزأ مرة أخرى ليكون صراعا داخليا في عمق الإنسان الواحد نفسه: هل أنا على طريق الحق؟ هل الله موجود وحقيقي؟ هل ديني هو دين الله الصحيح أم باقي الأديان؟ هل سيرحمني الله؟ هل الحياة بعد الموت حقيقة؟ رباه أنقذني!
كل هذه القضايا، كل هذا اللبس، كل هذا التآكل والتصادم بين الآخر وبين أنفسنا، كل هذا الجنون الديني سواء في الحياة الحقيقية أو في مواقع التواصل الاجتماعي وحتى داخل الواتباد نفسه، تشتعل نيران الحرب هنا كلما حط كتاب ديني رحاله عندنا فترى البلاغات تتضاعف صارخة " فلان يسب ديني!"
ورغم دسامة هذه المادة الأدبية وشموليتها من سياسية لاجتماعية لتاريخية لفانتازية حتى، ورغم تعدد الأديان على الكوكب، فإنه لمن المحزن أن لا نجد عددا هاما من الكتاب هنا يتناولون الدين في كتاباتهم ويشرحونه ويحللونه ويخوضون في غماره كما يخوضون فيه في حياتهم العامة!
ضمن ما يتجاوز ال600 رواية وقصة شاركوا في أسوة للأسف 8 روايات فقط شاركت في مسابقة الرواية الدينية وهو أمر محزن وحبط جدا، اعتمادا على عدد المشاركات الضئيل، أسوة الرواية الدينية كانوا فائزين لا أكثر عكس بقية الفئات المشاركة.
ننطلق لإعلان النتائج وأسماء الروايات الفائزة:
رواية مهلا يا صاح! للكاتبة ذات الروح العذبة والنقية Doht_Aml
مبارك فوزك معنا بلقب أسوة للرواية الدينية.
نقد مهلا يا صاح!:
الطريق بطوله تسير فيه متأملًا كل التفاصيل، شاقّ المسير هو وصعبٌ الوصول لآخره. لكن أكان سيكون لو امتلكت فيه مؤنسًا؟
بعد المطر يصدح قوس من سبعة ألوان، يعطي تعليلًا لتحلله فقد كان لتوّه لونًا واحدًا أبيض، لونًا يمثل النقاء ورمزه فينا... ما رسالته؟
أهي شيء يشبه القناعة بأن الفرد أصله من جمعه؟ لن تتمكن من التميز والظهور البارز ما لم يكن هناك من يُقيَّم معك. لن يكون هناك أبيض دون أطيافه وجذوره الأصل. لن تقطع شوطًا طويلًا وحدك مهما حاولت وتماسكت. ستحتاج لخليل!
• "البداية"
أكمل أم لا أكمل؟ السؤال الرئيسي الذي يتم طرحه عند هذه المحطة، مصيرية هي لتحدد مستقبل ما سيؤول له العمل وتعب الكاتب به.
أجادت الكاتبة شبك سطورها الأولى لتثير لدينا الرغبة بأن نكمل... ماذا حلّ بخليل، السؤال الأهم والدافع الأكبر.
محطة رغم أنه قصيرٌ المكوث بها إلا أنها تملك منعطف العودة أو الاستمرار، وتحتاج عناية لم تقصّر كاتبتنا بها هنا.
• "الفكرة"
هي الكتلة المضغوطة التي تلخص الأجزاء العشرين كاملة داخل حيّز صغير، تاركين المجال فيه لعدة تساؤلات تُطرح لبثّ الحماس حتى تُسارع بالقراءة.
فكرة الرواية امتلكت الهدف، مركزةً عليه لدرجة آسرة. دارت عن صديقين قديمين التقيا بعد فراق سنواتٍ خمس، وجودهما في نفس الجامعة والقسم، أعطاهما القدرة على مواكبة ما طرأ من تغييرات عليهما... يوسف وخليل اللذين امتلكا ذات البوصلة المؤدية لهدف واحد، هدف نيل رضى الله. أكان ذا طريق واحد أم هي طرق عدة بين مستقيم ومتعرج توصل لنقطة نهاية مشتركة؟
إن طمع القارئ يكمن في ثقته بدخول عالم روائي لن يخرج منه فارغ اليدين... فكيف بالفئة الدينية تحديدًا؟ ونوع الرسالة المراد دسّها فينا.
يمكن لك أن تعرف الطريق وتحيد عنه باختيارك، لكنك لن ترغب لي أن أحيد... لمَ؟ أريد طريقًا نأخذ فيه بيد بعضنا ونقطعه سويًا. وإن لم يكن هذا ممكنًا مبدئيًا فسيكون لي خيار آخر هو استبدالنا ببعض. ليس منطقيًا، لكنه الأكثر ملاءمة للضمير.
ستأسرك بدفئها، وبمعاني الصداقة والروابط القوية التي تتحد في محاولة لإخراج يائس من يأسه، أو ضالّ من ضلاله، لكن هل تنتهي الأشياء عند النقطة التي تتوقعها؟
الشاب الذي ضلّ، قد يعود بسبب صديقه الملتزم المستقيم، لكن ماذا سيحدث حين يضلّ الآخر بدوره!
لقد بنت الكاتبة أسس فكرتها بكتل بناء بسيطة التكوين لكن لها رونقها الخاص، لا يمكننا الانجراف والقول أن الفكرة كانت مميزة أو جديدة، لأنها لم تكن فعليًا... إلا أنها كانت ذات جمال ذاتي امتلكته واحتاج لتقوية من العناصر الأخرى ليزداد بريقه.
• "الحبكة والأحداث"
قالب الصياغة الذي توضع داخله العناصر الباقية فتخرج لنا بالصورة التي نراها عليه، العمود الأساس الذي يدعم الفكرة ويغذيها حتى تكبر وتمتد متشعبة ومحتلة كل الجوانب والزوايا الروائية.
نقطة تحريك الفضول كانت مثالية الموقع، ومن الفصل الأول بوادر التغيير ظهرت لتبدأ رحلة الأسئلة، وعلى ذكرها يجدر بنا القول أن أفضل طريقة لاستحصال انتباه القارئ الكامل واهتمامه، كما إعجابه بالمكتوب، يكمن بكمية الأسئلة التي نجعله يطرحها... كمية الفضول الذي يجب أن نزرعه في داخله.
لقد كان خليل فردًا من عائلة ملتزمة دينيًا ومستقيمة بكل أفرادها ومعارفها، فلا يكاد أحدهم يتعرف على شخص إلا ودقق الوالد في صلاحه لمصاحبة أولاده، وكونه إن لم يزدهم ثباتًا فهو على الأقل لن يزحزحهم.
وهذا يعطي سببًا أوليًا لعلاقة يوسف وخليل ومدى التلاءم الديني الذي يجمعهما.
لمَ افترقا لخمس سنوات إذن؟ وهذا الفراق لم يكن مجرد ابتعاد مكاني بينهما لدرجة عدم اللقاء، بل انقطاع تام لكل اتصال بينهما. بينما تبين لنا أن صداقتهما كانت قوية لدرجة أنهما يعرفان عن بعض أشبه ما يُقال عنه... كل شيء. وأن أحدهما يعتبر الآخر بمثابة الرقم واحد لديه. لذا بدا الأمر غريبًا وأنه حدث غير مدروسةٌ جوانبه بأكملها.
عنصر الحبكة هو أكثر ما سيتم التركيز عليه في نقدنا هذا، إضافة للصراع الذي سندرجه دمجًا لنحصل على الصورة كاملة.
قلنا أن الفكرة احتاجت دعمًا من بقية العناصر والتي أهمها الأحداث، لمَ؟
حين نأتي لأي فكرة مبدئية في عمل أدبي، سنكون على دراية واستعداد لرؤية شيء مألوف سبق وقرأنا شبيهًا له، أعني... كم فكرة يمكن أن تتواجد؟ لو افترضنا أنها ثلاثٌ فقط تدور حولها كل روايات العالم وقصصه، فإن عنصر التميز سيكون بالأحداث التي نضيفها، التفاصيل التي يبتدع بها الكاتب ويأتي بأشياء لم تتم قراءتها قبلًا... التنويع بكل العناصر سيظهر جليًا لكنه قطعًا لن يكون كما في عنصر الحبكة. يمكن القول أنه تعريف مختصر عن "طريقة ترجمة الفكرة" يمكن لها أن تكون بلغة واحدة موحدة، فيأتي الكاتب ويترجمها لنا بلغته الخاصة، تمامًا كما تتم ترجمة كتاب أجنبي للعربية مما يسبب له الكثير من التغييرات حسب جهد المترجم وطريقته.
لكن، هل حصل هذا هنا؟ بعد أن يكمل القارئ حتى الفصل الأخير سائلًا نفسه، هل من جديد؟ لن يجد جوابًا بالإيجاب. وهذا ليس تقصيرًا أو قصورًا من الكاتب وأفكاره، بل هو دليل دامغ أن الكاتب حديث العهد بالكتابة غير مطّلع على كمّ كبير من الأفكار (أو ربما هو يكتب لكنه لا يقرأ فلا يعرف الجديد من القديم) وهذا واضح من إتقانه لطريقة الكتابة. تستطيع بكل وضوح أن ترى كقارئ كم الكاتبة تعبت هنا ووضعت الأحداث بطريقة جيدة وبعناصر قوية يمكن القول أنها متمكنة منها مبدئيًا.
إلا أن المشكلة الأساسية كانت في أسباب هذه الأحداث! وهنا يأتي دور الصراع الذي ذكرناه.
الصراع إما أن يكون ظاهريًا أو نفسيًا، بين الشخصيات مع بعضها أو بين الشخص وذاته، يكون متمثلًا بتعارض عدة طرق ومنحنيات لا نخالها ستلتقي على وفاق، هل ستُحل المشكلة؟ هل سيعرف الحقيقة؟ ماذا لو ضاع؟ هو معلق بذراع صديقه على الجسر... هل سيقع أم سيتم إنقاذه؟ فعليًا... ما الذي سيحدث؟ القارئ لن يكون سعيدًا حين تصيب توقعاته بل العكس، أن يخمن شيئًا ويُصدم بحدوث ما هو مخالف له... والأكثر متعة من هذا حين تكون الأسباب الموضوعة وترتيباتها قوية جدًا لكنها خفيت عن أعيننا.
لهذا يُقال عن عمل أنه محبوك بقوة، أو العكس.
هل بدت الأسباب التي دفعت بيوسف وخليل للخروج عن استقامتهما مقنعة ومنطقية؟ هل كانت قوية كما يفترض بها؟
حين يكون المقصود شخصًا عاديًا بالتزام ديني عادي أو أقل حتى، سيكون الأمر منطقيًا أنه يميل للطرف الذي يتقبله أكثر... حتى لو كان هذا الطرف صديق سوء بنظر الوالد، إن كان الأخير بذاته يسيء الظن!
لكن أن ينجرف بهذه الهفوات شخص مثل خليل لم يمِل يومًا للباطل، وبسبب العناد! لأنه لم يتنازل ويشرح كل شيء ويوضح، هذا سيضع علامة استفهام على الموقف... أكان خليل يملك ذلك الالتزام القوي من البداية؟
ماذا لو كان الشخص مثلًا غير ملتزم من الأساس؟ كـ جمال فرضًا... شخصيته تصلح أن تصنع عنصر تحدٍ جيد في الرواية.
• "السرد والوصف"
من العناصر التي أجادتها الكاتبة بحق! يعلم الكثير منكم كمّ الأعمال التي نقرؤها على الواتباد المفتقرة لهذين العنصرين المظلومين، متسائلين عن سبب وضعهما كشيء أساسي بالعمل الروائي إن كانا سيُركنان في الزاوية! يحدقان بصمت وأسى على حال الكتاب البائس دونهما.
لكن لا! هنا الوضع مختلف، فالعنصران أخذا دور البطولة أخيرًا، كـ حقٍ تم استرجاعه بعد طول انتظار. كان السرد متسلسلًا سلسًا، كثيرًا ما تُكتب هذه الجملة... والتي معناها؟ أنك لا تقرأ ما يجعل رأسك يدور دون أن تفهم، الانتقال بين الفقرات واضح وبسيط، بين الماضي والحاضر وبين فقرة وأخرى... كل شيء متسلسل بشكل جيد، التعقيد يمكن أن تكون له نكهته الخاصة أحيانًا لكن هنا لن يمكن الاعتراض على البساطة فقد لاءمت سير الرواية ونمطها الهادئ الأساسي.
كما الوصف امتاز بمقداره الجيد، حيث المشاعر والأفعال وردودها مكتوبة بتفاصيل كافية لنتخيلها أمامنا... هذا ما يجعل من الكاتب كاتبًا، قدرته على جعلنا نستغني بحروفه عن الصورة والصوت، إذ بما يكتب سيحفز كل حواسنا لتعمل وتكمل أي نقص افترض وجوده.
لقد كنا نسير مع خليل ويوسف خلال عودتهما من للبيت، شعرنا بالصفعة التي تلقاها خليل من والده، كما أحسسنا بذلك الدفء الغامر بدخوله للمسجد يصلي الفجر بعد أمد طويل... تعايشنا مع اليوميات خاصتهم بشكل جميل، باثًا فينا الشعور بأننا صرنا جزءًا من مكونات الرواية والجمهور الذي يكبح نفسه بالكاد عن التدخل والتفاعل مع هذين الصديقين.
• "الحوار"
ما يجعل الشخصيات ذات جانب حركي حيّ بالنسبة لنا، وما يجعلنا نتفاعل معها هو الحوارات التي تخوضها لتعبر عن نفسها بنفسها، الحوارات هنا لم تكن متناسقة المقدار مع السرد ومتوازنة وإياه فحسب، بل محتواها كان مناسبًا داعمًا للرسالة التي حاولت الكاتبة إيصالها. وقد تمثل الأمر بوضع الأحاديث والآيات التي حاول من خلالها يوسف إقناع خليل بالعدول عن عناده والعودة معه إلى جادة الصواب. تم استغلال ذلك بشكل موفق بالفعل، لكن بما أننا قبل قليل فقط تحدثنا بشأن الوصف عامةً، أريد أن أوضح أمرًا يتعلق به مصاحبًا حوارات العمل الروائي.
صحيح أننا نريد أن نتخيل كل شيء مكتوب، لكن لا يعني هذا أنه واجب على الكاتب وصف شكل الشخصية وتعابيرها وما تشعر به بالتفصيل قبل أن تتحدث. هناك حوارات واضحٌ ما يشعر قائلها من خلالها دون الحاجة للذكر.
لا بأس بتبادل حديث بين شخصيتين مثلًا بلا مقدمات، ولهذا السبب توجد علامات الترقيم مثل الاستفهام والتعجب فهي تغنينا –إن عرفنا متى نستعملها وأين – عن الأوصاف التفصيلية. هذه الأوصاف تصيب القارئ بشيء من الملل لشدة الإصرار عليها.
صحيح أننا تحدثنا عن أهمية الوصف لدعم التخيل، لكن يجب التركيز على كلمة "التخيل" المكتوبة! فهي لم توضع جُزافًا، حيث القارئ يريد أن يرسم اللوحة بنفسه مستخدمًا ألوانكِ... لا أن تكوني المتحكمة بذراع الرسام.
إن تخيلنا أننا –القراء- هانزل وغريتل، فسنرغب أن يكون وصف الحوارات كفتات الخبز المرمي لنا لنستدل على الطريق بأنفسنا، أي أننا نريد بعض التلميحات أو ما يُقال عنها الدفعة الأولية التي منها نطلق العنان لأنفسنا حيث نكمل.
• "الشخصيات"
بحكم كونها عملًا روائيًا، يفضل أن تحوي عددًا من الشخصيات يفوق الاثنين والثلاثة، لتتوسع الفكرة وأحداثها. هنا لدينا شخصيتان رئيسيتان هما يوسف وخليل، السفينة ومرساتها.
الهيكل العام لهما كان جيدًا جدًا، فقد أوضحت لنا الكاتبة ببعض المعطيات المباشرة طبيعة علاقتهما كما طبيعة شخصيتيهما.
لكن لنا وقفة نأمل ألا تطول عند ردود الأفعال الخاصة بهم وبالجميع عامةً، حيث نشعر بوجود بعض المبالغة فيما يقولونه أو يفعلونه. حين سأل خليل يوسف عن مواصفات فتاة أحلامه، لم تبدُ ردة فعل يوسف الغاضبة منطقية، ما المشكلة أن يحادث صديقه بهذا الشأن؟ كذلك حين علمت ميمونة أنه أخبر خليل بالفعل بمواصفات فتاته، ترد "عديم غيرة"! أليس هذا قاسيًا بعض الشيء؟
وهذا مثال فقط فقد كثر ما يشابهه، مثل تصديق يوسف للتسجيل الذي يقول فيه خليل "يوسف لم يعد صديقي" وذلك الانقطاع التام بينهما كخصام طويل دون أن يحاول يوسف فهم الحقيقة والسؤال عنها. هذا يوصل رسالة غير مقصودة بمدى هشاشة صداقتهما، حيث العبارات الصريحة تقول أنهما الأقرب لبعض بينما الدلائل الأخرى تظهر العكس.
وكي لا نصيب الكاتبة بالحيرة، ذكرنا أن الشخصيات واضحة وهي كذلك بالفعل خلال الموقف الذي تقبع فيه... وما يُقصد بذلك أن خليل سنشعر به غاضبًا في كذا موقف، لكن الخلل أننا لن نقدر أو نتفهم سبب هذا الغضب! لأن الانطباع المأخوذ عنه سيعطينا فكرة عن نوع رد الفعل المتوقع.
قلنا سابقًا أن القارئ يطمع بأشياء لا يتوقعها خلال الأحداث، لكن الأمر لا ينطبق على الشخصيات، فنحن حين نمتلك صورة وضعها الكاتب لنا عن شخصيته، سنبني عليها كل الإضافات التكميلية التي تجعلنا نتخيل رد الفعل لهذه الشخصية تحديدًا... إن كان هادئًا ومن النوع الذي يجيد الكبت والسيطرة على أعصابه، فسيكون من غير المنطقي تهوره وعصبيته في موقف قد لا يستحق... شخصيات كهذه تملك طرقًا أخرى للتعامل مع الموقف.
هذا مثال فقط لما أحاول إيصاله ضمن شخصيات هذه الرواية. لدينا يوسف مثلًا فهو امتلك الصفات المسالمة الهادئة والقوية في ذات الوقت، كان المرساة الثابتة التي نتفاجأ بكونها تغرق بعد سفينتها في النصف الثاني من الكتاب.
هذا أعطانا تكرارًا لما حصل مع خليل وإن كانت الأسباب مختلفة، كما وبنى طبقات متكتلة من علامات الاستفهام، كيف لشخصية مثل يوسف أن ينتهي بها الأمر هكذا؟
وختامًا نعرج على الشخوص الأخرى... جمال ومحمد وميمونة ومعاذ وبقية من تم ذكرهم... احتاجوا لأدوار أقوى وتفاصيل أدق تخصهم، فقد بدت الرواية متمحورة حول اثنين فقط وما البقية سوى محاولات لحثّ الحدث على السير وإعطائه المسبب.
• "الزمكان"
الفرق بين أن نقول عن لوحة أنها أقرب للقلب من أخرى ليس في ألوانها، بل بالخلفية المرافقة لها... هل كنت لتفضل لوحة الموناليزا بدون خلفية؟ أو لقاء مع شخصية مشهورة بالتلفاز ويكون ما خلفه ستارة بيضاء بلا أي تفاصيل؟ ستنتعش مشاعرك حين تعرف مكانك وزمانك حين القراءة، بدل أن تغوص في الفراغ محاولًا الترقيع.
الزمكان هنا كان جيدًا... المكان مذكور بشكل وافٍ ليدعم الحدث كما الزمان كذلك.
قد نشعر بنقلات زمنية سريعة تجري بها الأعوام بينهم لكنها لم تؤثر. حبذا لو حصلت على تفاصيل أكثر بالطبع لكن نعرف أن الكاتبة في هذا العمل بالتحديد كانت ملزمة بوقت محدد للإكمال وبالتالي سيكون الأمر منطبقًا على ما هو حرٌ في وقت كتابته المفتوح.
• "النهاية"
كانت كما يفترض بها أن تكون... خلت من حدث غير متوقع فطابعها العام اتسم بالكلاسيكية الواضحة من السطور الأولى... وهذا الهدف الذي تم إيصاله استوجب. نحيي الكاتبة على ما كتبته، مشيرة إلى أنني – ولحسن الحظ – أقع على نقد كتب سبق وقرأت غيرها لذات الكاتب، وبقراءتي السابقة لأعمالها الأخرى أرى أنه لمن الرائع رؤية مدى التطور الملحوظ في عمل عما قبله. وأتوقع أن يكون القادم أجمل فلا شيء يقف في وجه كاتب لا يحب المكوث في ذات النقطة... كاتب لا يجب أبدًا أن يشعر بالرضا عن مستوى وصل له بل يجب أن يستمر طلبًا بالمزيد من التميز.
رحلة ممتعة ومفيدة خضناها بين سطور مهلًا يا صاح!
يوسف وخليل تركا الصورة التي جاهدا كما جاهدت العزيزة أمل برسمها.
دمتِ بود وحب
أما الرواية الفائزة الأخرى فهي:
رواية "warm" للكاتبة صاحبة الأنامل الساحرة HOW_I_AM_
مبارك فوزك معنا بلقب أسوة للرواية الدينية.
نقد رواية warm:
قد نحتاجُ أحيانًا مصادر غير مألوفة لنشعر بالدفء، فهو لا ينبعث فقط من المدفئة المشتعلة في منزلك ولا من كأس الشاي الذي ترتشفه في يوم شتويّ ماطر ولا من زوج الجوارب والقفازات الصوفية التي ترتديها لتبعد البرد عن أطرافك. الدفء بإمكانه أن يجتاح دواخلك لدى رؤيتك لإبتسامة تنير وجه شخص عزيز عليك، أو عند استماعك لأغنية تحرّك مشاعرك وتجلب لك ذكريات سعيدة، أو ببساطة عندما تسجد لربك وتدعوه بقلب صادق فيبعث في نفسك شعورًا سيرياليًا وطمأنينة لا مثيل لها.
المقدمة كانت مثيرة للفضول، لم تكن محاولة انتحار الفتاة هي المثيرة للاهتمام، بل كان مثيرا بالنسبة لي، أنها اهتمت بنظافة المنزل والمكان قبل أن تنتحر، واهتمت بأن تستحم قبل أن تفعل، وهذه التصرفات ليست مفهومة ضمنا.. ظننت لوهلة أنها تعاني من مرض عقلي أو نفسي يجعلها مهووسة بأمر ثانوي في وقت مصيري مثل هذا! لكنها لم تكن كذلك..
نتابع في هذه القصة محاولات انتحار فاشلة للمراهقة سكايلر، تحاول شنق نفسها فينقطع الحبل بسبب أنه عتيق جدا، تعتزم شراء سكين لتقتل نفسها لكنها تعدل عن تلك الفكرة في آخر لحظة وتشتري بآخر ما تبقى لها من المال خبزا لطفل صغير رأته يتلوى جوعا في الشارع، تنوي رمي نفسها من فوق مبنى فيقاطعها حبيبان يودان الإنفراد ببعضهما على السطح، تقف في منتصف الطريق في انتظار سيارة تخلصها من حياتها فيتوقف السائق قبل أن يدهسها وكأنها تكافح لأجل تخليص ذاتها من هذه الحياة وتحاول القدر أن يمنعها ويردعها، وفي نهاية المطاف تُغرق نفسها في نهر.
خلال مغامرتها هذه، تدرك سكايلر أن ابتسامة ودودة قد تولّد في شخص يائس الشعور بالدفء بعلاقة طردية، ذلك الشخص اليائس سيُسعد غيره. تماما كما حدث معها عندما ابتسمت لها صاحبة المخبز وأعطتها ما يزيد ثمنه عن العشر سنتات التي كانت سكايلر تحملها، وبابتسامها لذلك الطفل الجائع ومنحه طعاما يسد به جوعه فقد أسعدت يومه ومنحته سعادة تتجاوز دفء عناقها له.
ويتجلى لبطلتنا في النهاية أعظم دفء بإمكان الإنسان أن يشعر به وهو ذلك الذي يغزو القلب عندما يثق بربه ويعلم أنه راضٍ عنه ويقف بجانبه في كل لحظة من حياته. وقد وصلت سكايلر لهذا الاستنتاج بينما كانت تلفظ آخر أنفاسها غارقة في النهر فكان سبب نجاتها من الموت إنقاذ مجموعة أطفال لها (أو ملائكة كما ظنت في البداية).
أثارت الكاتبة فضول القارئ بشدة عندما أجّلت كشف أسباب سكايلر في الانتحار حتى آخر فصل وبهذا استفزته لإكمال القصة إلى الحدث الأخير، لأنه كان سيحتقرها ويراها ضعيفة لو علم من البداية أن البطلة تودّ إنهاء حياتها جراء سلسلة من الحوادث العادية إنفصالها عن حبيبها وغدر أصدقائها لها.. ومع هذا فأعتقد أنها قالت من شأن وأهمية الموضوع المطروح يجعلها هذه القصة بهذا القِصر من دون إعطاء تفاصيل شافية عن الطريق الوعرة التي أوصلت البطلة لتقرر وتعزم على الانتحار.
فالانتحار لا يأتي بغتة واحدة، بل هو وليد انفجار لعدة مسببات تراكمت، وعرض هذه المسببات بفقرة واحدة يهمش المُسببات التي تدفع المرء لأخذ هكذا خطوة. وأكملت وصف العامل النفسي والاجتماعي والذاتي الشخصية الرئيسة وهي كلها أمور أساسية لتوضيح وتبرير فكرة انتحارها لدى القارئ.
الكاتبة لم تصوّر لنا الصورة اليائسة لسكايلر بإتقان وذلك لضعف الوصف المعنوي للمشاعر التي كانت تخالجها بينما جابت الشوارع في انتظار لقاء حتفها، جل ما رأيناه هو إصرار على الإنتحار، بعض البكاء والكثير من السخرية من الحال الذي آلت إليه. هذا ما أحال دون التعاطف معها أو الشفقة عليها كما ينبغي.
كذلك أسلوب السرد، رغم أنه تحلى ببساطة وانسيابية، إلا أنه لم يساهم في خلق تفهم لدى القارئ بما كانت تمر به سكايلر. فهناك مقاطع لم ينصفها الوصف أو يعطها حقها مثلما قرار سكايلر شراء الخبز للفتى الجائع عوضا عن السكين لوهلة لم أفهم ما حدث وأين يقف ذلك الفتى أصلا وكيف انتقلت من لحظة بحثها عن سكين لمراقبتها لذلك الطفل أصلا! وكنا نريد أن نكتشف تفاصيل أخرى تشفي فضولنا عن حياة سكايلر سابقا ولو أنها كانت تستطيع أن تصف ذلك بصورة ممتازة بما أن الراوي كان سكايلر نفسها، لكنها لم تحسن استغلال ذلك.
كما أن استخدام أسلوب ال "pov" يعتبر استهلاكا خاطئا للقدرات السردية التي تتلاعب بتغيير المجرى السردي، لا يختلف عن ذلك كثيرا استخدام تعبيرات لا تقرب للأدب بأي شكل مثل كلمة "اووه" أو تكرار وصف اللعنة مائة مرة ضمن الوصف السردي!
أما عن الوصف المادي فلم يتوفر بالقدر الكافي الذي يوضح معالم القصة ويجعل تصوّر المشاهد سهلا على القارئ، لم ننل وصفا جيدا لملامح البطلة ولا للحيز الزمكاني. لو ذكرت الكاتبة بعض تفاصيل الشارع ككراسي المقاهي التي على الرصيف أو رائحة الهلاليات (كرواسون) المنبعثة في الهواء أو حتى لمح سكايلر لقمة برج إيفل خلف البنايات العالية، لما اضطرت لتكرار ذكر مدينة باريس كل مرة، ولم يكن لوصف الزمان حصة كذلك اجعلنا نشعر أننا في احداثيات مجهولة.
لغة القصة كانت في متناول جميع الفئات العمرية والعلمية لبساطتها، أعابها فقط بعض الأخطاء الإملائية كالخلط بين الهاء والتاء المربوطة كما في كلمة (واثقه) والصحيح (واثقة)، كذلك بين همزة الوصل وهمزة القطع كما في (انه، انا، اصرخ...) والصحيح (أنه، أنا، أصرخ..). وفصل الفاصلة عن الكلمة التي تسبقها، غير هذا فرصيد الكاتبة اللغوي تميز بالثراء نسبيًا.
ما كانَ غير منطقيًا برأيي هو اختيارك عنوانًا أجنبيًا لقصة باللغة العربية، أحببت لو كان العنوان عربيًا، فاللغة بحر واسعٌ، مليئة بالمصطلحات والمرادفات التي تفي ما تريدين قوله فكلمة warm يمكنك استبدالها ب "دافئ" بكل بساطة وهي معبرة أكثر وأقرب للقارئ العربي أكثر، مع أنني قد أقترح عناوينَ كثيرة تناسب القصة مثل "محاولةٌ أخيرة"، "على حافة الموت"، " بِلا رجعة"، "هروب" وغيرها مئات ما يناسب النص. ثم استخدمت الكاتبة اسم سكايلر البطلة وهو اسم انجليزي بالأساس ونحن ندرك أن البطلة فرنسية، وتحدثت في بعض المقاطع بصورة مشوشة عن هاري وهو أيضا اسم انجليزي أصلا! والأهم من ذلك أننا لم نفهم ما هو دور هاري هذا أصلا؟ ولماذا تم ذكره في القصة، وكأنه شخصية إضافية وضعت حشوًا!
الأغرب من ذلك، هو أن البطلة كانت فتاة فرنسية مسلمة، قول الكاتبة أن بطلتنا اختارت بنفسها الاسلام، يجعلنا نقع امام قصة جديدة لا ندرك حلها ولا أساسها.. فكيف كانت طريق البطلة نحو الاسلام؟ وكيف خاضت الأمر وتقبل أفراد عائلتها أو بيئتها ذلك؟ هذه نقطة ضرورية فيها تشعبات كثيرة بذات أهمية القضية المطروحة! ولكننا نتعجب أيضا لكونها مسلمة، فقد بدت في منتصف الفصل الأول والثاني قبل عتبات النهاية، مترددة حتى بشأن وجود الإله وعدله فتسأله عن وجوده لمساعدتها وهي تنظر للسماء ثم تصدمنا في النهاية بأنها اختارت الإسلام بنفسها .. ولو أنني أتوقع أن من يعتنق الاسلام بذاته عن قناعة مطلقة يكون متمسكا بالدين والدنيا..ومؤمنا أكثر من غيره لا العكس!
بالتطرق إلى حبكة القصة، فقد احتوت على أحداث لم يبدو لها أي تأثير ولا هدف محدد، ألا وهي صعود سكايلر إلى سطح المبنى ووقوفها في منتصف الطريق. هذان الحدثان كانا فقط لزيادة عدد الكلمات في الفصل، فغير تذكير الحدث الأول لسكايلر بغيرة حبيبها السابق هاري عليها، لم يكن هناك أي منعكس لهما.
وبذكر شخصية هاري، فتهميشه ذاته ينطبق على بقية الشخصيات، من الحداد إلى صاحبة محل الخبز إلى الطفل إلى أم سكايلر وإلى سكايلر نفسها، لم نعلم ماهية القشة التي قصمت ظهر البعير، أي الحدث الذي دفعها للتصديق بأن لا حل آخر غير الإنتحار، لم نعلم حالتها الإجتماعية كما أسلفت ولا مواصفاتها الجسدية... الخ، علمنا فقط أن قد طفح بها الكيل وستنهي حياتها بأي طريقة كانت.
النهاية كانت جيدة، دون ذلك الأثر الكبير، ما زالت علامات الاستفهام موجودة حتى بعد وصولنا النهاية، مع ذلك نجحت الكاتبة بإيصال المغزى، تشبث بايمانك، لو ظننت أن ما من شخص سيقف بجانبك، تأكد أن الله معك دوما في أشد لحظات اليأس.
عند هذه النقطة نكون انتهينا من إعلانات اليوم، متمنين أن تحظى الروايات الدينية باهتمام أكبر مستقبلا، وأن تكون أسوة الدينية لسنة 2019 هي الفئة الأشرس من حيث المنافسة بقدر ما يمثل الدين نقطة الاهتمام المحورية لأغلب سكان الأرض من المتدينين وحتى الملاحدة.
ختاما، ومن باب إثارة تفاعلكم، نود أن نختتم بسؤالين:
1- ماهو أكثر نص ديني لامس قلوبكم سواء كان من الإسلام أو المسيحية أو اليهودية أو البوذية أو الهندوسية أو غيرها؟
وماهي أكثر قضية دينية مثيرة للجدل في داخلك وقد لا تجد إجابة منطقية لها في كل مرة؟
Bạn đang đọc truyện trên: Truyen247.Pro