|مبدعٌ خفي|
أنس
وها أنا ذا، أكثر حمارًا متهورًا على وجه البسيطة، متوجهٌ إلى غرفة الدراسة مع براء الذي أخبرته أنني سأشرح له ما يحتاجه في الكيمياء، وكان هذا العرض لفض النزاع بينه وبين المعلم الوقور الذي يرى أنه قام بإعطائنا هذه المفاهيم فمن غير المنطقي أن يطلب منه أحد منّا إعادتها! وانكماشه في مقعده ونظره في من حوله ليرى إن كانوا ينظرون له حينما بدأ المعلم من التقليل من قدراته العقلية وصنع أضحوكةً منه.. كل ذلك سببه طلب واحد مكون من جملة واحدة تكاتفت بها كل أساليب الإحترام!
ما يضحكني أنني الشخص نفسه الذي دلف إلى هذا المكان وكله اقتناع تام بأنه سيمضي وقته منفردًا بنفسه، وقح مع غيره حتى يبتعدون عنه، غارقًا في روايته، وحسب! كأن الحياة أرادت إدهاشي، فأتت بكل توقعاتي رأسًا على عقب وإذا بها أحداثي، حتى أنني لم أتابع كتابة روايتي سوى أول يوم.
سبقني براء وجلس على طاولة بجانب النافذة، كانت نوافذ الغرفة كثيرة وكبيرة لدرجة عدم احتياجنا لضوء بجانب ما تمده لنا الشمس.
جلست مقابلًا له، انتبها لنا عمير وموسى فجلبوا أشيائهم ليجلسوا بجانبنا، وهذا حمّسني، ادرت عيني في المكان أبحث عن نوح، لم يكن هنا.
«تفضل، هذا ما يستعصي علي فهمه.»
موسى
رأسي لا ينفك عن التفكير في رسالة أمي، حتى أنني لم أحصل معلومة واحدة من المحاضرات، والآن أحاول جاهدًا الإنصات لأنس الذي يوضح لبراء نقاط لم يفهمها في الكيمياء.
جاء لبراء إشعار رسالة على هاتفه، قلقت، صار يمثل لي هذا الإشعار ذعرًا.
براء
أكره طلب المساعدة من معلمين، أبغضها، منذ أن حدث وأنا بالصف الرابع الإبتدائي، ووصل لأمي أنني أخبرت المعلمة بأنني لا أستطيع حل مسألة القسمة المطولة، وقتها أخذتني المعلمة بمفردي وبسطتها لي وجعلتني أحبها! ولكن ما حدث، أن أمي أشعرتني بأن هذا ضربٌ من الفشل المريع المخزي.. وأنه يجب أن اقوم بفهمها بنفسي حتى لا تتشوه لدى المعلمين صورتي الألمعية!
تغاضيت عن كرهي للفعل وطلبت المساعدة.. وليتني لم أفعل، لقد نُفي من عقولهم فكرة مساعدة الغير حتى وإن كان بأيديهم القدرة الكاملة لفعل ذلك، يدهسون عليها بأحذيتهم بكل كبر وتعالي تاركين إياها وسط بقية الساخرين!
ولكن لم يدم هذا كثيرًا، أخبرني أنس أنه سيقوم هو بمساعدتي، إن شرحه مبسط، ينساب من الجزئية إلى تابعتها بسلاسة وكأن بكلماته مفتاح أذهان ثلاثتنا.
كانت الأجواء متزنة.. إلى أن جاءت لي هذه الرسالة، أمي لا تقوى على تركي لساعتين متواصلتين دون أن تذكرني بواقعي.
توقف أنس عن شرحه حتى أرى رسالتي، ففتحتها.
«لم تمسك بهاتفك منذ إنتهاء اليوم الدراسي؟ من المؤكد أنك نمت، براء أنت تحطم أملي فيك بجدية!»
لم أنتبه لإطالتي النظر إلى الرسالة، بقيت مصوبًا نظري إليها بتعبيرٍ خاوي، ولم أنتبه أيضًا لهروب دمعة من عيني.
أتوق إلى الإعتياد، ألا يمثل لي شيئًا من هذه الأحرف المجمعة بكلماتٍ هدفها الأواحد وضعي بحالة تأهب وقلق من خسراني ولو جزء من علامة في الاختبار هذا وذاك، أمي تريد مني الرجوع إلى ما كنت عليه منذ سنتين، هوس الإنتاجية، والذي لم أتعافى منه كليًا حتى.
«ما أتعجبه أنني إن أمسكته ستخبرني أتهدر وقتك بهذه السخافات كما يفعل العامة، أنت تحطم أملي فيك وبالجدية ذاتها.»
لم أكن قد أفقت من ثباتي بعد حتى هذيت بهذه الكلمات بصوتٍ منخفضٍ يفتقر إلى الشعور، كان الصمت سيد الموقف، أتمنى ألا يكونوا قد أستوعبوا شيئًا من حديثي.
«إنهم يدعوننا للجنون براء.»
لقد استوعبوا.
«المحزن أنهم ليسوا واعيين لمَ يفعلونه وما يتسببون به لنا، يخيل لهم أنهم بهذا يهيأون لنا المستقبل المرجو، أنهم ينقذوننا من سوء أنفسنا، والحقيقة أنهم من ينسج سوء أنفسنا هذا.»
إنه يعاني الشيء نفسه، رفعت عيني له، كان موسى، يتحدث شاردًا أيضًا وكأنه بمكان غير المكان.
أحب صياغة الشعور ككلمات تتبادل، حينها يصبح أقل وطأة داخل روحك، مرن، قابل للتبديل وأقرب للمنطق، هذه من الإستخدامات السلمية للأحرف.
أحيانًا كثيرة أتعجب، إن الأحرف تتلاصق لتصير كلمة، الكلمات تتجمع فتصبح جملة، والجمل.. تتوالى فتغدو -دون أدنى قصدٍ منها- فاجعة! تخيل أنك خُلقت ليتلاعب بك المختلين من البشر ليجعلون منكَ فجائع تتوطن روح متلقيها، تنمو وتكبر حتى غدت حوارينا فجائع تسير على الأرض، ما اقترفته في حياتك أنت ليغدو هذا أثرك..
كسر أنس الصمت الذي حل ثانيةً، فأفقت من شرودي.
«من الممكن أن أمكما مررن بماضٍ خالٍ من الإهتمام، الإهتمام بأمورهما الدراسية بشكلٍ أدق، كان أهلهما يتركونهما ينجحون، يرسبون، لن يمثل فرقًا، فصارت هذه ندبة متأصلة بداخلهما، لم يتعافا منها، وسمحوا لأنفسهم بإنجاب طفلٍ دون التعافي منها، ومن الطبيعي أنك تعطي طفلك ما تراه يحتاجه كل الأطفال بشدة، فبكل تلقائية وحب أوتوا بهما، منحوكما الإهتمام الدراسي! ولكن بمبالغة مرضية.»
موسى
لا ينطبق على أمي.
أنس
أتدمع أعين عمير؟
براء
كنت أنصت إليه بتركيزٍ تام، تفسيره منطقي تمامًا، ومناسب لطبيعة جدتي.
كنت مسترخيًا حتى لفظ بما جعلني بحيرةٍ وجلدٍ لذاتي لأيام وتناسيته بصعوبة بالغة.
«فكيف لأحدٍ يا براء أن يرى من لا يتعاطف مع ذوي الماضي القاسي المسبب لصفات سيئة فيهم، معدوم الإنسانية؟»
«كان هذا ناتج عن تأثري المبالغ به بموقفٍ ما.. آسف أنس.»
«لا أخبرك بهذا لكي تعتذ-»
«لا عليكم لا عليكم، المهم أننا صرنا أصدقاءً الآن ومنّا من يتشاركان نفس المشاعر! هيا هيا صافحه يا أنس.»
أمسك عمير بمعصم يدي ومدها لأنس ليقوم بمصافحتي قصرًا، ملامحه المتفاجئة أضحكنتي.
«أيستلزم علينا إكمال الكيمياء اليوم؟»
سأل عمير ناقلًا نظره بيني وبين أنس، فوجه هذا الأخير سؤاله لي.
«ماذا ترى أنت براء؟»
من منظوري أم منظور الكمال خاصة أمي؟
من منظوري.
«ليس لدي مشكلة.»
«رائع، الآن أمنكم من استطاع تناول الغداء الشهي جدًا هذا؟»
«لا.»
قالها أربعتنا بنفس اللحظة.
«إذًا فلنذهب الآن لتناول الدوناتس في غرفتنا!»
أنهى جملته بغمزة، إنه يثير ريبتي.
أنس
«انتظروا..»
وضعت يدي أوقفهم عن دخول الغرفة.
«إنه يلقي الشعر!»
أشرت لعمير بيدي أن يصمت حتى لا يسمعنا.
هذا الصوت القوي.. لنوح؟
نوح
اتجهت بعد الغداء إلى الغرفة مباشرةً حيث كنت مراكمًا عليّ دروسًا كثيرة بكل مادة، لم أحبذ غرفة الدراسة لأنني توقعت تواجد البقية بها تبعًا لوعد أنس لبراء، فغرفتنا سيسودها السكون.
بدلت ملابسي سريعًا ثم جلست على السرير واضعًا وسادة أمامي، قررت البداية بالأحب إلي، جلبت كتاب الرياضيات والدفتر خاصته ووضعتهم على الوسادة، أغلقت هاتفي ووضعته أسفلها لكي أكون أمنت كل سبل التشتت، وبدأت.
حل اسئلة المصفوفات والمحددات مسلية جدًا، تشبه لعبة ما.
كانت الدروس التي تليها معقدة قليلًا، تخطيتها بنسبة ما بتذكر شرح المعلمة، بغض النظر عن ثلاثة تمارين لم أعرف حلهم.
حمدًا لله أنه بدأ تركيزي بالصحو في المحاضرات.
لقد صرت أكثر وعيًا بذاتي، تركيزي حاضرٌ في اللحظة، وأقوم بما يتوجب علي القيام به في الوقت المحدد له.
حينما فرغت من الرياضيات، وقبل أن أشرع في مادة أخرى، رأيت أن استريح لربع ساعة حتى يصفى ذهني ويقوى على بدء موضوعات جديدة.
ارحت ظهري على الوسادة ورائي، امسكت بهاتفي، قادتني يدي حيث المكان الذي كنت أخزن به النصوص التي ألقيها، وجودي هنا لشهرٍ مع الأحداث التي سبقته أنساني أنني أحب الإلقاء وأتمتع به.
كان بادئ الأمر أنني أجمع نصوصًا وأشعارًا تروق لي لأنني كنت أحب أن أخصص جلسة لقراءتهم، ثم لاحظت أنني حينما أقرأهم بصوتٍ عالٍ يتضاعف اندماجي، وبعد ذلك انتبهت لأن لفظي للأحرف مع علو وانخفاض مستوى الصوت حسب الجملة والشعور الذي تبثه.. كان عظيمًا!
كل ما يجعل للمشاعر صوتًا.. عظيم.
بقيت أمارس الإلقاء بالخفاء إلى أن سمعتني أسيل، أذكر أنني في يوم سمعت همسًا بالخارج فاقتربت من الباب لأسمعها تقول لماري:
«أتسمعين ما أسمعه؟ نوح يبدو وكأنه خارجٌ من أحد كرتونات سبيستون!»
فتحت الباب على حين بغتة منهم فوقعا على الأرض وكأنني أمسك بهما متلبستين وليس العكس، حينها أدخلتهما غرفتي وأغلقت الباب خلفي، وأخذت ألقي أمامهما وأساعدهما على نطق الأحرف معي، وأعتبروا الأمر أضحوكة وأخذوا يرددون ببلاهة! لدرجة أنني سمعت ماري ذات يوم تقول أمام أمي:
«قتلوني لأنني أنا ولست أنا.»
تعجبت أمي لقولها وسألتها أين سمعت هذا الحديث فأخبرتها ماري أنها اخترعته.
كانت طريقة سخريتهم تضحكني! لو كانت هذه السخرية من أحد والداي لبات الأمر أزمة لي، ولكن منهما كان الأكثر إمتاعًا.
أفقت من شرودي على صوت زجاجة المياه التي سقطت على الأرض بجانب السرير، انحيت ملتقطًا إياها، ارتشفت منها ثم وضعتها واقفةً على الأرض حتى لا تفزعني ثانيةً.
عدت بعيني إلى الهاتف، أحب هذا النص.
«كانتْ تَقاليدُ القبيلةِ أن تَموتْ
نصَبوا شِراكَ الموتِ حولَكَ عَنكَبوتَ
فلا تَفِرْ.. ولِمَنْ تَفِرْ؟»
تلعثمت في آخر جملة، أخذت أرددها وحدها حتى يعتادها لساني، ثم بدأت مرة أخرى.
«فلا تَفِرْ.. ولِمَنْ تَفِرْ؟
كلُّ السهامِ الآنَ ألمحُها مُصَوَّبةً إليكْ
فارفعْ يديكْ كلُّ الحقائقَ..»
كيف لي أن أنطقها هكذا! إن أتيت بفتى في العاشرة من عمره سيعلم أن كلمة الحقائق هنا مضافة تنطق بالكسر!
«فارفعْ يديكْ كلُّ الحقائقِ قد تَعَرَّتْ
فاذهبْ لموتِكَ راضيًا ما دُمتَ مَيِّتْ»
يا لفخامة عبد العزيز جويدة!
أكملت غوصي بين الأشعار والنصوص، إلى جذبتني كلمةٌ في أحدهم.
كيف كان غائبًا عن خاطري.
«كانت حقيقة رهبة بشري من ذكرى وغدٍ مضوا ولا محال لرجعوهم، كانت قلقًا دفينًا بكلِ ذات إدراكها العقلاني التام أن لا رجوع بما مضى لم يكفيها حاجزًا للقلق، نحن الهاربون دومًا مما يشكلنا وكأننا نهاب ذواتنا لا الماضي ولا الذكرى.»
سردته دفعة واحدة دون أن أتلعثم في أي موضع، بامتزاجٍ جلي بين كلماته ووتيرة صوتي الذي أخذته بجولة خالية إلا من لحنها، أخذت أردده مرارًا بنشوة عارمة، مهما أعدته يبقى شعوره طاغيًا، لقد وضعت به كاتبته مشاعرًا عميقةً لا تُفنى.
انتفضت.
في ظل اندماجي، وقبل أن أكمل الكلمة التي كانت على شفتي، وجدت عمير يسقط أمام الباب قبل أن يظهر البقية خلفه ساقطين عليه.. وكان من بينهم براء.
لقد سمعوني.
تأوه عمير بألم ورمى بهم إلى جانبه، ثم وثبوا يستقيمون في وقفتهم، مشى عمير ناحيتي بتعرج وألقى بجسده على سريري قائلًا:
«لا عليك كنّا نلمّع مقبض الباب ليس إلا، يمكنك إكمال ما كنت تفعله هيا.»
«نعم نعم هيا تناسى وجودنا، اعطه ظهرك يا عمير!»
نفذ عمير أمر موسى الذي وقف جانبي بظهره، وأصبح عمير نائمًا في نهاية سريري مقابلًا لي بظهره أيضًا، وأنا أنقل عيني بين الإثنين صامتًا.
تسارع ردود فعلهم جعلتني غفلت عن الشعور بالإحراج، لقد كنت مندمجًا لأقصى حد.. مؤكد كان صوتي مريعًا ومتأثرًا حد الضحك.
«لقد كنت رائعًا بقدر لا يُصف نوح.»
يبدو أنه لم يكن كذلك، أنس الوحيد الذي يبدي ردود فعل ناضجة بينهم.
«لديك موهبةٌ نادرة.»
وبراء أيضًا.
«شكرًا لكم حقًا..»
قلت بابتسامة بلهاء.
«هيا!»
قال موسى بصوتٍ جعلني انتفض ثانيةً.
«اجلس مغلقًا فمك!»
انتفض أنس أيضًا فمسك بالوسادة التي أمامي وأوقع عنها الكتب ليرميها بموسى.
يبدو أن الإستراحة ستطول.
«أخبرني موسى، منذ متى وأنت تمارس هذه الهواية؟»
جلس أنس على سرير عمير موجهًا سؤاله لي، وجلس بجانبه براء.
لم انتبه من قبل أنني أمتلك هواية.
«أنا لست أمارسها بالمعنى الحرفي.. فقط يمتعني الأمر فأكرره، تقريبًا منذ سنة ونصف.»
«كونك تكرره لأنه يمتعك هذه هيَ الممارسة.»
قال لي براء لأشرد به قليلًا محاولًا تذكر شيئًا أعجبني به منذ مدة..
لوحته!
«على ذكر المواهب، لوحتك كانت أكثر من رائعة براء!»
«نعم هذا صحيح.»
«اتفق معه وبشدة!»
أردف موسى وعمير بعدي وكان هذا الأخير قد مل من نومته هذه فنهض جالسًا.
«يمكنني رسم لكل واحد منكم واحدة إن أردتم.»
قال براء باسمًا بامتنان، فقال له موسى:
«مذهل! فلتوفي بوعدك إذًا!»
«اتفقنا!»
«شيء يجمع بين موهبة الرسم والإلقاء..»
انتبهت لهمس أنس الذي كان يزرع الغرفة ذهابًا وإيابًا شاردًا عن حديثنا، ليتني لم آخذ استراحة منذ البداية.
«فقط لا تجعل الأمر يخرج عن نطاق هذه الغرفة..»
قلت بتردد لأنس ليومئ دون النظر إلي مكملًا سيره وكأن جملتي لن تغير شيئًا..
«من أي محافظات أنتم؟»
قال براء بعد صمت حل على الغرفة لدقيقتين.
«من الإسكندرية.»
«من هنا بالأقصر.»
قال موسى ثم تبعه عمير، رفع أنس يده من آخر الغرفة معقبًا:
«بالقاهرة.»
«مثلي!»
قلت باندهاشٍ طفولي.. تبًا.
«وبالطبع لستم بحاجة لمعرفة محافظتي فجميع من بالصف عرفها بالفعل.»
قال براء بغصة جلية في صوته.
«لا عليك من هذا الموقف، ثم أن جميع من بالصف يعرفون أيضًا أنك رسّامٌ مذهل!»
«صحيح..»
وجودت كلمات أنس طريقها نحو براء حيث أنه ابتسم بامتنان له قبل أن يقاطعنا عمير.
«لحظة، هل ركبتم القطار؟! أنا أتوق لتجربته!»
قال وكأنه لم ينتبه لذلك إلا الآن، فتبعه موسى:
«كنت أود تجربته أيضًا، تحالف الحظ معي وكانت عربة أبي معطلة فركبته.»
عقب أنس على حديثهم والذي -لحسن الحظ- شتته عن تفكيره.
«كانت أجواء القطار رائعة بحق.»
عجبًا، لا أذكر شيئًا من الوقت خلال القطار، وكأنني كنت مغيبًا عن الواقع منذ نزولي من بيت خالتي حتى لحظة نومي على هذا السرير، مغيبًا إلا عن هلعي.
«أين الدوناتس عمير؟»
يبدو أن براء اعتاد علينا.
«أوه كيف نسيتها!»
هب واقفًا يتجه نحو خزانته.
«هل يوجد معك هنا مخزن دوناتس؟»
سألته.
«يمكنك قول ذلك، تعدهم لي جدتي وتعطيني كمية كبيرة يوم السبت وأنا قادمٌ إلى هنا.»
كنت ناسيًا أنه يذهب لعائلته في العطلات، همهمت له بينما جاء ووضع علبتين مليئتين على السرير بيننا، فاقترب الثلاثة الباقيين وأخذنا نتناول منه معلقين على مدى جودته، فيتفاخر عمير بصنيعة جدته.
بعد أن كنّا شبه فرغنا من الأكل، تبقى قطعتين في أحد العلب وفي الأخرى قطعة، أخذ كلًا منهم مكانه السابق وبحث بعض منهم على مياه فاعطيتهم خاصتي، مددت قدمي على السرير أمامي متجاهلًا وجود عمير، حيث أنني لم أغير جلستي على مدار الساعات الفائتة فآلمتني.
«يفترض بنا التحضير لمادة الأحياء.»
قال براء بتثاؤب وبطريقةٍ معاكسة لما يقوله.
حمدًا لله، لن تمتد الإستراحة لأخر اليوم.
«صحيح، جيد أنك ذكرتنا، فلنكمل الكيمياء غدًا.»
«براء وأنس، أنتما مملون.»
«ابق على وضعك أنت عمير ودع هذا الأحمد يثور عليك غدًا بصوته.»
«حسنًا سأبقى.»
«سأذهب إلى غرفتي الآن، ليلتكم سعيدة.»
قال براء ملوحًا لنا وهو يسلك طريقه خارجًا من الغرفة، فصاح به عمير بحماس:
«شرّفتنا زيارة فنان مثلك!»
براء
إنهم مسليين.
أنس
خطرت لي فكرة!
___________________________________
«كانت حقيقة رهبة بشري من ذكرى وغدٍ مضوا ولا محال لرجعوهم، كانت قلقًا دفينًا بكلِ ذات إدراكها العقلاني التام أن لا رجوع بما مضى لم يكفيها حاجزًا للقلق، نحن الهاربون دومًا مما يشكلنا وكأننا نهاب ذواتنا لا الماضي ولا الذكرى.»
هذا النص للكاتبة الرائعة، وملاذي الآمن:LaraSaied8
Bạn đang đọc truyện trên: Truyen247.Pro