١٤ مايو/٢٠٢٠
صباحُ الخير يا مذكراتي..
إنه الــ١٤ من مايو، الـ٢١ من رمضان عام ٢٠٢٠ .. لا زلنا لم نَجِد لقاحاً لفيروس كورونا.
إنه اليوم الذي تخرجن فيه صديقاتي نوف وروان وتغريد من الكلية الطبية التطبيقية.
قد كَتَب الله لي التخرج لاحقاً، وكل تأخيرة فيها خيرة ، هذا ما أخبرني به أبي حين عاد الى السيارة وقال
" حلا .. انزلي وأجّلي الترم .. حاولت أفتح الجدول لك بس النظام قفّل ورفضوا حتى الرسوم "
في بداية هذا الفصل الدراسي .. تأخرتُ في دفع الرسوم مما جعل نظام الجامعة يُقفل ولم يسمح لي احد بفتحه مجدداً رغم أنني خرّيجة والأولى على دفعتي ..
لأنني لم أملك - واسطة - تؤهلني لإكمال فصلي الدراسي وأتخرج مع صديقاتي ..
في نفس اليوم الذي رُفض فتح جدولي بعذر - ان وقت التسجيل انتهى - علمت حينها أن احدى الطالبات قد قامت بفتح جدولها لأن والدها صديقٌ لأحد مسؤولي النظام الخاص بالبنين والبنات ..
كم كان حزني شديد وكم آلمني قلبي .. شعور الظلم قد داهمني، وأبي كان يشعر بالذنب تجاهي لأنه تأخر بإكمال الرسوم .. ولم يكن عليه ان يشعر بالذنب .. من يعاملون الطلبة بتمييز عن غيرهم ويتجاهلون خرّيجة تملك معدلاً عالي وشهاداتٍ لا تُحصى بينما يحطّون انظارهم على طالبة اخرى تملك واسطة هم من كان عليهم ان يشعروا بتأنيب الضمير.
لطالما كنت أملك ذكريات جامعية رائعة ولا تنسى ..
ولكنني لن استطيع نسيان ذلك اليوم في السيارة حين أدركت أنني لن اكون قادرة على التخرج فيه مع صديقاتي .. ذلك اليوم الذي كنت اكبح فيه دموعي كي لا يحزن أبي ..وبسبب كبحي لتلك الدموع تحوّلت الى انقباضاتٍ مؤلمة تعتصر قلبي.
وحين نزلت من السيارة دخلت الكلية .. تأملتُ المبنى الذي انعكست فيه الغيوم .. وتأملت الطالبات اللواتي استطعن دراسة هذا الترم .. بعدها إغرورقت عيناي بالدموع .. دموع خذلان من هذا المجتمع المبني على المصالح .. ومن هذا العالم الذي يقدّس المال والواسطة ..
وصعدت السلالم انوي التوجه الى الدور الثاني حيث يقبع مكتب رئيسة التمريض الدكتورة المصرية سماح، المتخصصة بالتمريض النفسي والتي فعلت الكثير لأجلي وكانت تسألني كل يوم عمّا اذا استطعت فتح جدولي ..
ولكنني لم اواجهها في المكتب.. لقد صادفتها وانا اصعد السلالم حال خروجها من دورة المياه بعدما توضأت لصلاة الظهر ..
فابتسمت لي ولكن وما إن رأت عيناي الذابله تبددت ابتسامتها وهي تقول باستياء
" يعني رفضوا يفتحو الجدول ؟ "
اردت قول نعم .. اردت القول انهم رفضوا لأنني لم املك واسطة تؤهلني لذلك .. اردت قول الكثير.. لكنني اكتفيت بإيمائة وانا اخفي عيناي المنكسرة.
وحين دخلت مكتبها جلست امامها واخبرتها بكل شيء، وكانت مستاءة من نظام عمل الكلية .. ولكنها لا تستطيع الاعتراض .. لا تملك القوة لتجابههم وتأخذ حق طالبتها.. او هذا ما كانت تظنه هي .. أما في منظوري ؟ كنت أرى قدوةً حسنه تملك حنية كحنيّةِ أمي .. وحين عانقتني كانت رائحتها عطرة خففت من شعوري القاتِل.. ولم أنسى كلماتها التشجيعية حين قالت وهي تنظر الي بعيونٍ قمرية ونظرة حنونه
" حلا انتِ أكثر طالباتي تميزاً وشغفاً ونشاطاً وفخورة لأنني ادرّس طالبة مثلكِ، انتِ طالبة نموذجية وتمثلين التمريض بالنسبة لي ! تجيدين اللغة الانجليزية وهذا سيؤهلكِ ويرفعك للمقدمة، لا بأس .. انتِ لا تعلمين ماذا يخبئ الله لكِ ..ربما زميلاتك قد تخرجوا قبلكِ ولكن ربما سوف يتم تعيينك وتوظيفك قبلهم! الله رحيم يا حلا وكل شيء يحصل في حياتك لسبب وحكمة،لا تحزني .. سأتواصل معكِ دائماً وإياكِ ان تحزني.. كل تأخيره فيها خيرة لذا احسني الظن بالله "
وعدتها آنذاك أنني لن أرى تأخر تخرجي من منظور سلبي، فقد لامس عمق كلامها شغاف قلبي،وودّعتها وانا اعانقها بشدة .
حين وصلت الى المنزل كنت طبيعية.. ربما لم اضحك ولكنني على الأقل لم أبكي .. وفي صباح يومٍ جديد .. حين رأيت تحديثات صديقاتي في الكلية ..بينما انا مستلقية على سريري اتأمل السقف .. اطلقت سراح تلك الدموع التي كبحتها .. وأردت ايضاً افراغ شعوري الذي حبسته طوال هذا الوقت كي افتح صفحة جديده وعهداً جديد ..
وهو أن احسن الظن بالله دائماً.. وأن أؤمن أن الله يملك خزائن رحمة لا تُعدّ ولا تحصى، واشعر كما لو أنه يقول لي : انا معك فمن يخيفكِ؟انا فوقك فمن يعلوك؟انا اعطيك فمن يمنعك ؟ ..حينها أدركت السر خلف كل هذا .. حين يكون الإنسان جنينا في بطن أمه وتنفخ فيه روحه سيُكتب عمره ورزقه ووفاته ..وان الخير فيما اختاره الله، وقلبي إطمأن .. لا بأس ..
الفصل القادم سأتخرج مع أعز صديقة علمتني أن الصديق رحمة الله بنا. ملاك الرحمة حنين 💛
وسيأتي العوض ، العوض الذي لانعلم مداه ولا نستوعب حجم تدبيره، فقط نؤمن به كيفما كان ، وعلى اي شاكلة أتى ، فقط لأنه من الله، وفِي أقدَار الله فَـرحٌ مُخبّئ، سأنظرُ للسّما وأرى عُلاهاوأرمي الحُلْمَ حتّى مُنتهاها
وأنتظر التّحقّقَ في يقينٍ فإني قد رجوتُ له إلٰها
ولن أحزن ، فبعد كُل ليل مُظلم سيأتي فجرٌ مُشْرِقْ، ولايمكن للنجوم أن تلمع بدون الظلام
رسالتي لنفسي الحالية والمستقبلية في هذه المذكرات التمريضية:
"ثِقي يا أنا بأنَّ اللهَ سَينصرُكَِ نصراً عظيماً ، و سيجبُرُكِ جبراً لَم تحلمي به ، وما هذا التَّأخير إلّا لحكمةٍ ليختارَ لَكِ أنسَب الأوقات التي تكونين فيها سعيدة جداً ، وتتمنين لو أنَّ لكِ جناحان تطيرُ.. وأطمئني ..هنالك الكثير من الأيام الجميله التي تنتظرك ولم تعيشيها بعد .. خوضي الحياة بـ حُب و بـهجةً تملأ أيامكِ إن تعثرتِ انهضي وإن انجزتِ استمري وإن هُزِمتِ حاولي مجددًا إياكِ والاستسلام واليأس ثقي بالله وبأقداره المُصرفه لكِ إنها الخير لكِ دائمًا مهما كانت تبلغ من الأسى والحزُن، لا تفقدي عزيمتك مهما تعثرتِ في طريقك، لا تنسي أن الله وضع فيكِ ما يعينك على تخطي أزماتك، لا تركّزي على سقوطكِ وتنسي تحقيق أهدافك، كل ألم وسقوط وخيبة ليست عبثاً في حياتكِ هي بصيرتكِ وحكمتكِ ومصدر إلهامكِ ، كوني صاحبة بصيرة ايجابية و إرادة قوية ،فلا شيء يمرُّ في حياتكِ عبثاً ، حتى تعثراتكِ الصغيرة يا حلا كانت لأجل أن تعلمكِ شيئاً ما كل صعوبة تمر عليك اليوم، هي من قصة نجاحك غداً "🍃🕊
Bạn đang đọc truyện trên: Truyen247.Pro