ذكرى ٢٧ نوفمبر/ ٢٠١٨
ذكرى ٢٧ نوفمبر ٢٠١٨
صباح الخير يا مذكرتي، لقد خطر على بالي للتو ذكرياتي في قسم العناية المركزة .. أولائك المرضى اللذين لم استطع نسيانهم واخراجهم من بئر ذكرياتي .. و لا أجرؤ على نسيانهم مهما حييت ..
في ذلك اليوم كان في عام ٢٠١٨ بعد لقائنا بالمريض راشد، شرعنا بالقيام بما أتينا لأجله .. ألا وهو على كل طالبة منا ان تشرف على حالةٍ معينه ..
كانت مريضتي الأولى سعودية الجنسيه تدعى جواهر .. فتاةٌ في العشرين من العمر مثلي انذاك .. ولكنها لم تنعم بالصحة مثلي .. هي من ذوي الاحتياجات الخاصه .. ورئتيها متوذّمتان ..
(الوذمة الرئوية هي حالة تُسببها السوائل الزائدة في الرئتين. يَتجمع هذا السائل في الأكياس الهوائية العديدة الموجودة في الرئتين، مما يُصعّب التنفس.)
هي لا تتكلم .. لا تتحرك .. فقط تحدّق بالفراغ .. طوال مراقبتي لحالتها اكتشفت شيئان،هذه المريضه لا تعامَل جيداً .. قدماها مزرقّتان بسبب عدم تمرين اطرافها ووضع البالونات اسفلها كي لا تتقرح .. والشيء الثاني هو ان ممرضتها لطيفه .. ولكنها لا تتحدث لغتها ..
هذا ما اعطاني الدافع الحقيقي تجاه كوني طالبة تمريض سعودية .. هي ان مرضى وطني بحاجة لعناية تمريضيه فائقه .. ولشخصٍ من ترابهم يتحدث معهم باللغة العربيه .. يواسيهم .. ويؤنس وحشتهم .. يخبرهم انه سيدفع دمائه وعرَقه ولاءً لوطنه ولمرضاه ..
العاملين في المستشفيات السعودية اغلبهم اجانب لا يتحدثون لغتنا .. رغم اني اجيد اللغة الانجليزيه .. ولكن هذا لا يشمل المرضى .. العجائز والاطفال والأميين .. بحاجة لطاقم صحي عربي .. كي يعلمون انهم ليسو وحيدين في بلادهم . واننا هنا بجانبهم.
لقد فهمت العديد من الاشياء حين زرت وحدة العناية المركزه .. ألا وهي ان على الطالب ان يسأل الممرضين والأطباء العديد من الاسئله، لأن لا احد سيعيرهم انتباهاً ولن يعتبرو انهم موجودين حقاً ..
لهذا قررت ان اختار الممرضة المعينه .. اخترت الممرضه الاندنوسيه لأنها كانت تشبه ممثلةً كوريه احبها بالإضافة الى ان معاملتها للمرضى جذبتني تجاهها وابتسامتها الملائكيه اذهلتني.. عكس التجهم الذي واجهته من زميلاتها ..
لذا وقفت بجانبها وتحدثت معها بالانجليزيه حول حالة المريضه جواهر واغرقتها بالعديد من الاسئله .. ورغم انها كانت مشغوله مع مرضى اخرين ولكنها شرحت لي العديد من اسئلتي .. لقد كنت ممتنه لتلك الممرضه .. فهي الوحيده التي لم تعقد حاجبيها بإنزعاج من طالبة ترغب بالتعلم ..
يُقال ان الاذكياء يملكون خطاً قبيح، لانهم يركزون بالمحتوى وينسون جعل خطهم اجمل، لذا اتمنى الا تتنمري على خطي يا مذكراتي.. شكراً وعفواً .
حين انتهيت من كتابة تفاصيل حالة المريضه جواهر وبعدما طبّقت حالتها التمريضية قمت بإرسال الورقة لدكتورة دعاء وقامت بمدحي ذلك اليوم، كونها شخص صعب المراس ودائمة العبوس ودائماً ما تخيفنا اثناء شرح المحاضرات بسلامة المرضى وانهم عرضة للموت اذا اخطأنا او اذا تكاسلنا عن الدراسه، ولكن لطالما كانت غايتها نبيله.. هي فقد تريد ان تخّرج ممرضين متمرّسين يضعون اولوية المرضى قبل كل شيء .
بعدما تلقيت مديحاً ثمين من دكتورتي التي لطالما كانت ترعبني،كنت اتمشى بالأورقه واستوقفني صوت لرجلٍ مُسِن .. لقد كان يتعلثم بكلماته الغير مفهومه ويواصل الأنين.. لقد كان صوته يصدح ارجاء الرواق .. واكثر ما صدمني .. هو ان لا احد يعيره السمع .. كما لو انه غير مرئي ..
لهذا قمت بسحب صديقتي حنين معي وذهبنا اليه.. اخبرت الممرضه التي تشبه الممثله الكوريه وقلت لها عن خطبه ولكنها قالت لي انه فقط مخدّر لهذا يواصل اللعثمه ..
ولكنها لم تعرف ان ما كان يقول هو : يا الله.. ألطف علي يا الله .. انا بردان .. غطّوني .. غطّوني ..
كان فقط يريد ان يتم تغطيَته لأنه يشعر بالبرد .. لم يكن يتلعثم .. صحيح كونه مخدر ولكنه لم يكن مخدراً كلياً .. ولاننا بفصل الشتاء تعجبت .. لماذا لم يقم الممرضين الاجانب بتغطيته ؟ .. لماذا كان هناك العديد من المرضى اللذين كانوا بحالةٍ يرثى لها ؟ ..
لهذا اقتربت من سريره وساعدتني حنين بتغطية جسده المرتعش .. ورغم انه لم يفتح عيناه .. لقد دعى لي بصوته الاجش المتعب .. فقط لانني قمت بتغطيته .. فقط لانني فعلت ما يلزم .. لو ان الممرضين والاطباء اللذين في تلك المشفى كانوا عرب .. لما عانى في الانين والصراخ فقط ليغطيه احد ..
اوشكت على البكاء ذلك اليوم .. ولكنني لم افعل .. لقد كبحت ذلك الشعور بشعور اخر .. هو انني سأصبح ممرضة تستمع لشكوى مرضاها وتكون عوناً للضعيف..! مهما حدث .. مهما فشلت .. سأنهض واصبح ممرضة لأعتني بمن كُبِتَ صوته.
Bạn đang đọc truyện trên: Truyen247.Pro