قُبلة العِفريت| 1
〘 أوساكا، سنَة 1516. 〙
عقِبَ هُروبِ العفاريتِ خارِج العالم السُّفليّ، منذ ألفِ سنة، وسعيِ بعضِهم للانتِقامِ مِن الحرَس، أولئِك الَّذين حكَموا عليهم بحياةٍ أبديَّةٍ تحكُمها العُبوديَة، باتَت الأرضُ غيرَ مُناسِبة للعيش، بالأصحِّ أخطَر مِن أن ينجو فيها البَشر.
ليس جميعُهم بذاتِ السُّوءِ الَّذي تصوَّروه، إذ أغدَق عليهم البعضُ بطيبتِهم، ومدُّوا يدَ العونِ للحَرس مِن أجلِ قمعِ الطُّغاةِ مِنهم، وإعادتهم إلى حيثُ ينتَمون، لكنَّهم كانوا أقوَى مِن أن تقتدِر عليهم قواهُم، ولو احتَشدَت كلُّها، فأجسادُ العفاريتُ تتقوَّت على الشرّ، والتنزُّه عنه مُضرٌّ بطبيعتهم، ومعناه التحوُّلَ إلى بشرٍ لا حولَ لهم ولا قوَّة!
بيكهيون هُو أحدُ العفاريتِ الطَّاغيَة، الَّتي تتصدَّر قائِمة المَطلوبين، رغمَ أنَّ لا أحدَ على علمٍ بملامِحه الحقيقيَّة لقُدرتِه على ارتِداء الوُجوه البشريَّة، أيُّ وجهٍ تُحاصِره مُقلتاه الزَّرقاوين كغديرٍ نقيّ وتمسُّ يداه جسده، هِي قدرةٌ خاصَّة يتمتَّعون بِها، ولكنَّها تتلاشَى بمجرَّدِ ما تخورُ قواه، أو بمُجرَّد ما يُصاب، واليومَ خِلالَ مُطارَدة التَّحالُف لُه؛ النينجا إضافةً إلى بني نسلِه، أُصيبَ بسهمٍ نصلُه مِن الذَّهب الخالِص، كانَ يشعُر أنَّ جسدَه يحترِق، مع ذلِك واصِلَ الرَّكض فوقَ أسقُفِ البيوتِ قصيرةِ القدّ، حتَّى بلَغ الغابَة، هُناكَ حيثُ أضلَّ مُطارِديه.
خالَ الجميعُ أنَّه قد نَجح في الانتِقالِ إلى غيرِ رُقعةٍ رغمَ إصابتِه البليغَة الَّتي جعلته ينزِف دماءً سودَاء، ما إن تُلامِس العشبَ حتَّى يذبُل. وما إن خالجَ الاطمِئنانُ صدرَه الَّذي غلاهُ السُّخط لإيشاكِهم على إمساكِه، حتَّى ألقى بجسدِه أرضًا مُستنِدًا على جذعِ أقربِ شجرةٍ إليه، فقضت خُضرةُ وريقاتِها نحبَها، ثُمَّ تساقَطت مِن أغصانِها، كمطرٍ مِن ورقِ الخريف، تمامًا كما تساقَط جفناهُ رويدًا رويدًا.
بعثَته إلى الحياة أنامِلُ ضئيلةٌ سارَت على وجهِه ناصِع البياض، أقلّ ببضعةِ درجاتٍ مِن خصلاتِه المُحاكِية لثلج الشِّتاء.
- أنتَ مُصاب، سيِّدي.
ناجَته بقلقٍ وبصرُها مُعلَّقٌ على السَّائِل المُنبثِقٍ مِن شقِّ الثَّوبِ في صدرِه.
- أتسمعُني؟
امَّحت الغشاوةُ من مُقلتيه، فتجسَّدت أمامَه صبيَّة يافِعَة، ذات شعرٍ بُنيٍّ طويل، وعينان حُلوتان كالشَّهد، تلتحِف كيمونو شاحِب الزُّرقَة، تغزوه زهور السَّاكورا الورديَّة.
- سأُحضِر حكيمَ القرية، تماسَك قليلًا.
التفَّت يدُه حولَ مِعصمِها، وببقايا قُدرتِه اجَتذبها حتَّى انطَوت قدماها وجثت على الثَّرى، مُطلقةً تجاعيدَ ألم... وزمجرَ بنبرةٍ مبحوحَة:
- غادِري مِن هُنا أيَّتُها البشريَّة، قبل أن أجعلكِ تُغادرينَ الحَياةَ بأسرِها.
احمِرارُ عينيه الطَّبيعيِّ بالنِّسبة لعفريت عرَّفَها عن ماهيَتِه، وأنَّه ليسَ مِن الفِئة الطيِّبة حتمًا، فاختَلج بُؤبُؤاها بشيءٍ مِن الخوف.
- أردتُ مُساعَدتك فحسب.
- لا أحتاجُ مُساعدًة مِن بنِي جِنسِك الضُّعفاء، أنا الَّذي إن شِئتُ بإبهامِي أخسِف بكم الأرض... ساعِدوا أنفُسكم أوَّلًا.
دفَعها عنه ما جعَلها تفقِدُ توازُنها وتضطجِع الأرض...
بدَا وأنَّه يمنحُها الفُرصَة هُو الَّذي لا يمنَحُ الفُرَص إطلاقًا، وكانَ عليها انتِهازُها.
اقتَفت دربَ الوجَل واندَثرت مِن أنظارِه، لكنَّها عادَت بعدَ حينٍ تحمِلُ بينَ يديها تِرياقًا أعدَّته بنفسِها، مسحوقُ العِظامِ المنقوعِ في شرابِ اليَقطين، حدَث وأن سمِعت الحكيمَ ذاتَ مرَّةٍ وهُو يُلقِي على طلبتِه درسًا حِيالَ الجِنس الَّذي أُدغِم في حياتِهم، مُفسِّرًا ما يقتُلهم، وما يشفيهم.
قرَّبت الجرَّة مِن فمِه ولكنَّه أزاحَ وجهَه عنها بنُفور، فقالت:
- لستُ أُضمِر لكَ بإصراري أيَّ سوء، هذا الشَّرابُ سيُساعِدك على التَّعافي سريعًا صدِّقني.
وفي ظلِّ إعراضِه عنها ارتَأت اختِلاقَ كِذبة بيضاء.
- ثمَة بالقَرية بعضُ الحرَّاس يبحثونَ عن عفريتٍ مُصاب، لن يستغرِقوا للعُثور عليك سِوى بضع ساعات إن أطلتَ البقاء هُنا، عليكَ التَّفكير بعقلانيَّة.
تسلَّل الإحباطُ إليها وكأنَّه يختبِئ في صمتِه، حتَّى أنَّها تجرَّأت على سرِقة المقادير لئلَّا تُثيرَ الشُّكوكَ حولَها مِن أجلِه.
يبدو وأنَّ حيلتَها قد انَطلت عليه، فها هُو ذا يُعلِن عن استِسلامِه بكبرياء.
- سأقتُلك حالَما أصِحّ.
ابتَسمت وكأنَّه ألقى للتوِّ نُكتة.
- فلتصحَّ أوَّلا.
لم يقوَ على دفعِها مرَّة أُخرى، ذلِك لأنَّ جُلَّ قُواه خارَت، فتلقَّى منها المعونَة رغمًا عن استِنكارِه، مُتوعِّدًا إيَّاها بالهَلاكِ، إن هُو استَرجع شتاتَه بفضلِها.
مرَّت السَّاعاتُ عليهِما دونَما انقِطاع، وقد لدَغت بعضُ الأفكارِ السَّامَّة عقلَ تشو، اللَّيل على وشكِ الهُبوط، ولا تَدري ما إذا كانَ عليها تركُه هُنا أم اصطِحابِه إلى القَرية، ليسَ بإمكانِها حملُه إلى هُناكَ حتَّى.
في الأخير اصطَفت المُكوثَ بجوارِه، والمبيتِ اللَّيلة في الخَلاءِ، مائِلةً نحوَ حُضنِه الدَّافئِ، كُلَّما انبَلج فيهِ الوعي أبصَرها، وتوعَّد بقتلها.
بمُجرَّد ما فرَدَ الصَّباحُ خصلاتِه الشَّقراءِ على المَعمورَة، خلَّفته وراءَها غافِيًا واتَّجهت إلى القَريَة، تُطمئِن أهلَها عن غِيابِها المُريبِ هذا، بالطَّبع بعد أن تحقّقت مِن جُرح صدرِه، وحيثُ عاثَ السَّهمُ فسادَه التأمَ بشكلٍ تامّ.
ما لبِثت بوادِر الاستيقاظ وأن انجَلت على مُحيّاه، بالتَّحديدِ حينَما انسكَبت فوضى مريرَة بمسامِعه، رغمَ بُعدِ مداها عن مرتعِه؛ للعَفاريتِ آذانٌ حسَّاسةٌ للغايَة. أشرَف بصرُه على المُحيطِ الَّذي يحتَويه، قبل أن تغزُوَ الذِّكرياتُ رأسَه، تلفَّت ذاتَ اليمين فذاتَ الشَّمال باحِثًا عمَّن أنقَذت حياتَه، لكنَّه لم يعثُر لها على أثَر، ذلِك لحُسنِ حظِّها، فما أرادَ رؤيتَها إلَّا ليُزهِقَ روحَها.
حينَما وثَب على قدميهِ بصحَّة وعافيةٍ اقتَفى الغَوغاءَ الَّتي توحِي بحربٍ طاحِنة، وربَّما مجزرةٍ مُريعَة، إلى نبعِها، فإذا بِه يُشارِف على قريةٍ لفَظت آخر أنفاسِها قبلَ مجيئِه بلَحظات، بالأصحِّ رُكامَ قرية صارَت كضريحٍ لأهلِها.
تجوَّل بينَ الجثامينِ المَنثورةِ على الأرضيَّة بِلا روح، مكسوَّة بالأترِبة، وبينَ حُطامِ المنازِل المُتواضِعة، حتَّى ثبَّطه بأرضِه أنينٌ طفيف، ذا وقعٍ صاخِبٍ بأذنيه فريدتيّ الشَّكل، خارِقتيّ القُدرات.
ورغمَ شحُوبِ ثِيابِها، وانتِهاكِ الدِّماءِ لنقائِها، إلَّا أنَّه استَطاع تمييزَها مُنذ النَّظرةِ الأولى، هِي فتاة السَّاكورا الَّتي هجرته صبيحةَ هذا اليوم!
جسدُها مرميٌّ على الأرضِ، عينُها اليُمنَى مُتورِّمَة، وجفنُ اليُسرى بالكادِ يلقف نفسَه، علِم أنَّه لم يبقَ لها سِوى رمقٌ لتُفارِق الحيَاة مِثل سُكَّانِ قريَتِها.
تبنَّى الرَّحيل، مُذ أنَّه يأبَى التدخُّل في شُؤونِ البَشر؛ هُو يهوَى قتلَهم، دفَع لِقاءَه خُطوتين، لكنَّه سُرعانَ ما ارتدَّ ناحيتَها، جثا حذوها، يُناظِر صفحتَها المُنطفِئة، ثُمَّ بقُبلةٍ انتَزعها مِن قبضةِ الموت، إذ نفَخ في شفتيها شيئًا مِن القوَّة الَّتي يكتنِزُها ردًّا لجميلِها ليسَ إلَّا.
ففي قُبلةَ العِفريت حياة!
-
هلاوز خفاشاتي 😍😂
هدية العيد الثالثة 🍬
كيفني معكم وانا هيك مدللتكم 😂
طبعا من الواضح الاغلبية فكروني رح اسحب على القصة دي سربرايز 🎊
ما رح تعدي 4 فصول والتحديث رح يكون يوم في ويوم مافيش 😎
شو رايكم بالفصل!
اكثر جزء عجبكم وما عجبكم!
شو تتوقعو يصير بالجاي!
تشو هون عمرها 16 سنة 😂👀💅
من زمان حابة جرب التصنيف الخيالي، حسيت بالغرابة مدري 😂😂😂
المهم سي يا بالفصل الجاي 👌🍀
Bạn đang đọc truyện trên: Truyen247.Pro