٣٠
٣٠٠ صوت = بارت جديد
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾
طقطق الحطب في المدفئة ، كان كل يومٍ يمرُ اكثر رمادية من الذي سبقه ، حيث ان الشتاء بدأ بطرق الأبواب بحقٍ هذه المرة ، و بدأت الندف تتساقط بنعومة في منتصف أكتوبر الغابر، الأشجار البرتقالية بدأت تتعرى من اوراقها ، من النظر اليها تتهاوى على الأرض مع كل هبة هواءٍ لتسقط على الأرض الموحلة يثير حزنًا عميقًا في صدر ايلا ، ربما لأن المشهد كان مألوفًا الى حدٍ ما ، لكن اكثر من ذلك ، كان لون الأوراق يذكرها بشعر أمها الناري، الخريف نفسه كان تجسيدًا لجوليا ، يشبهها بكآبته و حلاوته و رقة لياليه الطوال، ظهرت الكآبة جلية على وجهها المليح المرهق ، تحت انظار العمة اجاثا الفطينة كعادتها ، قالت تخز الإبرة في الصوف دون ان ترفع نظرها الى الفتاة الجالسة قبالتها "اخبريني ، هل سئمت من مقابلتي الى هذه الدرجة؟"
رمشت ايلا بلا فهمٍ لأنها قطعت عليها حبل أفكارها ، لكنها قالت بسرعة "لا أبدًا ، صدقيني ، انا فقط مشغولة البال بأمرٍ ما."
"بل أنت مهمومة، هيا اخبريني ، لا تعلمين ما هي الخدمة التي من الممكن ان اقدمها لك بمجرد الاستماع اليك فقط ، أحيانًا كل ما يحتاج المرء اليه هو الحديث ليخرج ما بداخله لأحدهم ، كل ما بداخله ، ابوك فعل هذا، صدقي او لا تصدقي ان هذا البليد أيضًا يحتاج الى من يستمع اليه بين فينةٍ و أخرى ، وانا اضحي بنفسي ليفرغ طاقته بي ، ربما كنت سأعيش عمرًا أطول لو لم يفعل ، لكنه يثير شفقتي ، ماذا عساي افعل عدا ان اوليه اذني لساعتين؟ انه لا يخبر لا جدك و لا جدتك بأي شيء ولا حتى زوجته ، لكنه يخبرني أنا ، فتاي جوناثان يفعل ذلك أيضًا ، رغم انه في الفترة الأخيرة لا نجلس مع بعضنا كما اعتدنا... ليكن ، هاه. هاتِ ما لديك؟"
لم تتمالك ايلا دهشتها وهي تقول بنصف ضحكةٍ ساخرة "بلايك يتكلم معك؟ هل لديه شيء ليقوله اصلًا"
"بل لديه الكثير من الأشياء ، عندما يتحدث لا يصمت حتى ، يشتكي من ادوارد ثم من ميرديث ثم أحيانًا من ابناءه ، واحيانًا أخرى يلتزم الصمت ساعات طوال دون حرفٍ ينطق به ، لكن بطريقة ما كان ذلك الصمت شيء جيد لكلينا.." نظرت اليه اخيرًا بشبحِ ابتسامةٍ على محياها ، واردفت بصوتٍ خافض "في السنوات السابقة، كان لا يتحدث معي الا عن جوليا الجميلة، لا ادري هل من الجيد ان اقول لك هذا ولا ، لكن حتى بعد طلاق والديك كان ما يزال يتحدث عنها، بلايك احبها اكثر من اي شيءٍ اخر في حياته ، كانت سلواه، هل اخبرك سرًا؟ لقد احبها اكثر مما احب اي شيءٍ في حياته، لم يحب كاميلا كما أحبها ولن يحب احدًا كما أحبها، اعرف هذا. حتى وان لم يقل وانكر ، الا انه لا يزال.."
وسكتت اجاثا ، كأنها ترى شيئًا ما لا يراه احدٌ غيره ، حبست ايلا أنفاسها في صدرها ، لم تستطع ان تمنع ملامح الدهشة من ان تظهر على وجهها ، ارادت ان تطلب منها ان تعيد ما قالته وترفع صوتها ولو لمرةٍ واحدة، ارادت ان تتأكد ، لكن اجاثا فجأةً اخفضت عينيها مجددًا الى حظنها تكمل حياكتها و كأنها لم تقل شيئًا
بابتسامةٍ ساخرةٍ قالت ايلا بعصبية، سئمةً من تغاضيهم الدائم عن اخطاءه "من يحب لا يتخلص من حبيبه، هذا على الاقل ما اعرفه."
"نعم نعم معك حق، لكنك اصغر من ان تفهمي ما يحدث، انتِ فتية و حلوة ، ولا يجدر بك ان تتأذي من التفكير بهذا الأمر."
تجاهلت ايلا هذه الجملة و اصرّت
"ماذا؟.لا يزال ماذا بالضبط؟"
"لا يمكنني ان اقول شيئًا لا اعرفه، السنوات كانت طوال، اشياء كثيرة تتغير، و بلايك رغم ما بيننا من شفافية، الا انه ما يزال متحفظًا اكثر عنها. احيانًا يا حلوتي البريئة اشعر انني اعرف هذه المرأة وكأنها تربية يدي ، من كل ما سمعته من جون عنها او من بلايك، لكن انتِ ، افترض انك لا تشبهينها كثيرًا ، انتِ بلايك اخرى في نظري ، كلاكمها تتخبطان يمنةً و يسرة ، اخبريني، هل آذاك بما قاله؟"
لم ترد ايلا لأنها فهمت انها مهما اصرت عليها فلن تتكلم، اجاثا تقول ما تقوله في الوقت الذي تريده، حتى وان عنى هذا العبث بأعصاب ايلا البائسة.
عوضًا عن ذلك ثبتت ايلا نظرها في النيران المتصارعة بشرود حقيقي ، نعم آذاها، آذاها كما لم يفعل اي احدٍ من قبل، و كلام اجاثا عن حبه آذاها ايضًا ، يؤلمها التفكير في أنه كان يحميها من ظنونه، كان ليكون كرهه على قلبها أسهل ، قالت لنفسها "لقد تأخر كثيرًا ، فظنونه الواهية نفسها هي التي افسدت حياتهم كلهم...فات الآوان بالفعل، ولا فائدة من النحيب."
"لا تقولي شيئًا الآن ، نعم قد يفعل بلايك الكثير من الحماقات التي لا استطيع ان احصيها ، لكنه في داخله رجلٌ طيب، نعم كبرياءه العظيم هذا و عناده و برودته يظهرونه عكس ذلك، الوم ادوارد على ذلك، رغم ان ادوارد كان اكثر من يعاني من بلايك و عناده ، الا انه من زرع كل هذه الصفات السيئة فيه..كانت حالته مستعصيةً اكثر عندما كان مراهقًا، لا يمر اسبوع الا و الاثنين متشاجرين و يأتي بلايك لينام في منزلي او ان لم يفعل الى منزل احد اصدقاءه. كان كثير اللعن على الدوام و ذو مزاجٍ سيء ، واغلب وقته يشعر بالصداع، في احيانٍ كثيرة كانت ورقة ادوارد المفضلة هي ايقاف بطاقاته الإتمانية و قطع المصروف عنه، لكنه يجد حلًا ما ، دائمًا ما يفعل ذلك، وإن لم يفعل فأنه يفضل العيش في عوزٍ على ان يطلب المال من ابيك او يأخذه مني وينكس رأسه، هكذا كانت حياة الاثنين ، يعيشان في شدٍ و جذبٍ لا ينتهي. هذا زرع بين الاثنين حواجز كثيرة لم يستطعا تجاوزها الا بعد ان بلغ بلايك الرشد اخيرًا. لا بد انه شيءٌ ما في جيناتكم بعد كل شيء."
"الا تظلمينني هكذا؟ انت تقولين جيناتكم، ان تشبهيني به هو الذي كانت افعاله مهما كانت قائمةً على عناده كما تقولين، بينما ان لا املك اي خيارٍ اخر، انه لا يعطيني اي خيارٍ اخر."
نسيت ايلا انها تتحدث معها وحبست انفاسها عندما ادركت انها انفجرت فجأةً، كان هذا دور اجاثا لتسرح بعينيها الفطينتين التين تنظران في اعماق جوف المرء و ترى ما خلفه. في اللحظة الطويلة خيل لآيلا أن المرأة فطنت لما تعني وكشفت أمرها.
"هذا ما قاله بلايك اصلًا في تلك المرة التي غادر فيها الى فرنسا دون ان يخطط الى الرجعة، بلى اقارن بينكما ، اعي الفروقات نعم ، اسبابكما مختلفة لكن طريقة تفكيركما واحدة..من الجيد ان تعرفي هذا لتفكري بطريقة اخرى وتجدي زاويةً اخرى تنظرين منها ، انتِ ترين اخطاء بلايك الآن وتعرفينها، فلا تكرريها."
"كيف ذلك؟."
"انتِ اخبريني." و نفضت القطعة الحمراء من حظنها بعدما انهتها "انتهينا اخيرًا قبل الشتاء..هيا ، جربيها." و ناولتها لآيلا التي اخذتها باستغراب ، كانت الكنزة التي وعدتها اجاثا انها ستحيكها لها في لندن، تفاجئت ايلا من انها ما تزال تتذكر ذلك ، فرغم شعورها بالحنق من هذه المرأة التي ترفض لفض ما بجوفها الا انها ابتسمت بإمتنان، لأن شيئًا ما تحرك داخلها، دفئ معهود كدفئ أمها وجدتها ، و شعور غير مألوف بالمنزل يحيطها، مع معرفتها بالألم القابع في صدرها ينبض الا ان التفكير بأنها تعيش في منزلٍ واحد مع هؤلاء الاناس الطيبين الذين يكونون عائلتها، بأخيها يغط بالنوم كما عرفت عنه، مسالمًا وهادئًا ، في عمتها اليزابيث الطيبة ، وجديها ، اخوتها ، بل كل فردٍ فيهم ... وحتى بإيفان الذي اتضح ان بداخله شيء من الشهامة بعدم كشفه عن أمرها. الكثير من الاشياء تشعر روحها الباردة الوحيدة بأنها مفعمة بالحياة وممتنة، لكن غشاوة الحزن ما تزال تقبع ثقيلةً على صدرها.
اصرّت المرأة مجددًا "جربيها."
"شكرًا لكِ." قالت ايلا بصوتٍ خرج مرتجفًا من أعماقها، كأنها توشك على البكاء، وتعني لكلا الأمرين ، رغم انها لم تقتنع بكلام اجاثا كله، لكن معرفة ماضي بلايك قبل أُمها كان شيئًا احتاجت لسماعه لتفهمه ، لأنها تريد من أعمق نقطة في قلبها ان تفسر تصرفاته العصية عن التفسير ، خلعت كنزتها البنية الواسعة على مراءً من اجاثا و ارتدت الحمراء التي كانت تحتضن جسدها في الأماكن المناسبة ، كان ملمسها يشبه شال جدتها ، ليس ناعمًا ولا خشنًا، لكنه يعطي احساسًا غامرًا بالدفئ المحبب ، كررت ايلا "احببتها."
نظرت لها اجاثا باستحسانٍ تقيمها ، ثم هزت رأسها برضىً
"جيدةٌ جدًا."
****
ما يزال البحث عن القلادة يسير على قدمٍ وساق ، صار الأمر كتسليةٍ حقيقية للطفل ليام التي كانت جدته ايزابيلا ممتنةً لها، كان يغادر عندما تنتصف الشمس السماء ليصبح الجو أكثر دفئًا ، بطبقات ملابسه الكثيرة حتى اصبح شكله ككرةٍ تتدحرج.
يتبعه كريستوف الذي يسخر منه لينتبه له او ليتلصص على ايفان الذي بدوره صار اكثر حذرًا منه. غير ذلك، كان جايمس قد انسحب الى غداءٍ عملٍ مع رفاقه من اسكوتلندا. كما فعل ويليام الذي ذهب ليقدم دورةً ما في احدى المراكز الصحية، و بلايك قد قرر أن يقضي الصبيحة في الدور الأرضي يشرب القهوة و يلعب الشطرنج مع أبيه، كان ستيفان ايضًا بلا اثر، مما اثار استغراب ميلاني لأنه لم يخبرها ولم يترك كلمة واحدة.
واما كلوديا التي سئمت من اختفى جون المفاجئ اشغلت نفسها بمساعدة كاترينا بتوضيب غرفتها و طي ملابسهم استعدادًا للعودة الى لندن كما اخبرتهما أمهما.
لا اثر لجون في اي مكان، لذا توقعوا انه خرج مع البقية او ما يزال نائمًا. كانت اليزابيث قد ذاقة ذرعًا منه بالفعل وكانت على وشك مداهمة غرفته لتجره خارجها في حال كان لايزالزفبعا، لكن اجاثا امسكت بها واشغلتها لتمسك بخيوط الصوف لها ولتلقي عليها النميمة.
غاصت قدم ديريك بالطين و جعد انفه متمتمًا "يالهذا، ما كان عليك ان تذهبي الى هذا الحد يا ايلا."
ردت ايلا التي لم تكن بافضل حالًا منه، تصارع لتبقى واقفةً على قدميها "لم تكن لدي ادنى فكرة."
فمد يده القوية و سحبها من الارض الطينية التي كانت تقف فوقها بسهولة وكأنها لا تزن شيئًا "اعتقد اننا اخطئنا، هيا من تلك الجهة."
ساق الطريق امامهما يدعس على الجذوع الطويلة والصخور، قفزًا حتى وصل لبقعةٍ مستقرةٍ اكثر ، ونظر حوله، غالبًا الى الجو القاتم، ثم الى الارض الطينية التي تغطيها الاوراق البرتقالية المتطايرة والعالق بعضها بهذا الطين
كان يائسًا من ان يعثروا عليها، لكنه لم يعلن الأمر مراعيًا لحزنها ، ركل الحصى ومشى الى الطريق الازفلتيةِ مرةً اخرى وقال فجأةً عندما خطر الأمر في باله"ماذا لو كان بالمستشفى.؟" توقفت ايلا في مكانها بتصلب بعينين متوسعتين "لم يخطر هذا في بالي."
"سأرسل احدهم ليتفقد الأمر، لنأمل ان تكون هناك امنةً بعيدةً عن هذه القذارة." تمتم ثم نظر بكسلٍ الى ليام السعيد بالتنقيب عن الذهب كما يقول له كريستوفر ، الذي الآن تلاشت التسلية من عينيه وصار سئمًا من مداراة ابن اخيه كي لا يغطس ببركة وحل.
دفنت ايلا انفها في معطفها ورفعت نظرها الى السماء مرةً اخيرة "اعتقد انني لن اعثر عليها."
"لا تقولي هذا، سنجدها." طمئنها
"لا، انا اعرف ذلك، انها ليست هنا. لقد مشطت المكان كله ولا يوجد اي اثر، اذ لم نجدها هنا طوال هذا الوقت فيعني انها ليست موجودة اصلًا، املي الأخير ان تكون في المستشفى والا من الاستحالة ان اعثر عليها هنا."
للحظةٍ امتن لأنها تدرك هذه الحقيقة، ثم شعر بالأسى ، رفع هاتفه يتصل بسائقه ليتفقد الأمر، استمعت ايلا للمحادثة في صمت و امل ، ثم اخفضت رأسها الى الأرض الطينية مجددًا عندما خطرفي بالها ايصال التذكرة الذي وصلها يرسالةٍ نصيةٍ وانتبهت لها صباحًا عندما استيقظت "لنأمل ان يعثر عليها قبل ان اذهب."
"الى لندن؟ لا بأس سيرسلونها، ويمكننا حتى ان اردتِ ان تتنظر ساعةً او اثنتين حتى يعثروا عليها..افترض اننا لسنا مستعجلين للعودة. على اية حال الامر يعتمد على الطقس."
"لا، لم اعني لندن، اقصد عندما اذهب الى باريس ، لا اريد ان اذهب بدونها."
"باريس؟" قال بتفاجئٍ وهزت رأسها بشفتين مزمومتين "علي زيارة جدي." وضحت بسرعةٍ عندما رأت تعابير وجهه التي ذكرتها تمامًا بتعابير وجه بلايك عندما سمع بالأمر، عابسة و غير راضية، كانت هذه الكذبة تخرج بسلاسة من بين شفتيها وكأنها حقيقة من كثرة ترديدها، كانت تعي تمامًا بتسلية كم ان الكذب صار مهارةً تحترفها، فهي لم تتصل لا به ولا بجدتها. و كليهما لا يعرفان انها قادمةٌ الى فرنسا و لا تخطط لإخبار الاثنين حتى ترتب امورها، تحتاج لأن تبقى وحيدة في اوزيس بلدتها المفضلة. تريد ان تمشي في الليل الطويل بالازقة التي لا تنام. ان تنظر الى ضوء القمر يحدق في وجهها، ان تعيش احد ايام طفولتها حتى وإن عنى ذلك ان تعيشه لوحدها دون امها. هذه المرة، ايضًا و لأول مرةٍ ، قد يذهب جون معها.
"هل حدث شيء؟."
"لا، لكن صحته لا تسمح له بالسفر حتى، وانا ءامل أن يستطيع رؤية جون في اقرب فرصة."
لم يعلق ديريك، لأنه يعلم ان جواز سفر جون كان في منزل والده، الذي كان يفكر بجدية بسرقته لولا وقوف جاسبر في وجهه في اللحظة الاخيرة، فكر في اخوه الذي اخبره ان يدع الأمر يمضي لأنه يفكر بشيءٍ ما. لا يستطيع ديريك ان يتنبئ بأفكار جاسبر ولا افعاله. لكنه يعرف ايضًا انه لا يتصرف بحماقة. لذا قبل الأمر والتزم الصمت.
"بخصوص هذا..." قال بتردد ، ونظرت ايلا له ، لكن ليام قفز بينهما صائحًا "ديريك احملني."
"لن افعل، انت فوضى تامّة."
كان بنطال ليام مغطًا بالطين وانفه محمرٌ من الركض والقفز ، وانفاسه متلاحقه و نظراته متحمسة ، عبس ديريك ورفعه بيدٍ واحدة ليبعدها عن الارض الطينية "اين عمك عنك؟. لماذا لا ينتبه لك؟."
نظر ليام حوله يبحث عن كريس بعينين متحمستين ثم قال بأنفاسٍ متلاحقةٍ مثارة "اختبئت عنه لتوبخه جدتي."
قهقهت ايلا من تعابير وجه ديريك المصدوم، فنظر لها ليام بفضولٍ اخيرٍ كمن يستكشفها لأول مرة.
"من انتِ مجددًا؟."
"ايها العفريت، انها الجنية التي تبحث عن ذهبها." اخبره ديريك ينفضه و يضعه فوق بقعةٍ جافة "ايلا اسمها، ولا تناديها بالجنية."
"ايلا." قال ليام بأدبٍ لأول مرة ، وانحنت ايلا لمستواه "اهلًا بك يا ليام، شكرًا لأنك تبحث عن ذهبي." لم تفهم نظراته لوجهها ، لكنه مع ذلك كان ظريفًا جدًا و لم تستطع ان تمنع نفسها من تقبيله بقوة. ابتسم ليام كعادته عندما يُقبل. لكن مع ذلك يبدوا كمن يكتم شيئًا عنهما، كما ادركا، وكان عن آيلا ايضًا.
هبت الريح باردة و اقشعر بدنها ، فقالت باستسلام "لماذا لا نعود؟ حتى ليام ملابسه بللت."
"فكرة جيدة، هيا." حمل ديريك ليام مرةً اخرى كما فعل، و قاد الطريق يقفز فوق الصخور البارزة والجذوع المتعرجة تتبعه ايلا التي واحهت صعوبةً في عدم تلطيخ ملابسها هي الاخرى، عندما خطيا على ارضٍ امنةٍ مجددًا ترك ديريك ليام ليسير أمامهما قفزًا.
وجدوا نايت وليلي جالسين عند درجات الباب "هاه، ما الأخبار؟." صرخ نايت اولًا ، وهز ديريك رأسه سلبًا.
"ضاعت القلادة وضاع كريس وهو يبحث عن ليام."
ضحك نايت متشفيًا "كريس كان يسأل عنه للتو."
خلع ديريك حذاءه وحذاء ليام الملطخين بالوحل وركنهما جانبًا ثم رفعه مجددًا كي لا يلوث المكان، عندما دلفوا الى الداخل شهقت ايزابيل بقوة "ليام! ماذا حدث؟."
"قبضنا عليه وهو في هذه الحالة."
"اين كان كريستوفر عنه!."
هز كتفيه بمعنى انه لا يدري، وغمز لليام الذي ضحك بإثارةٍ وتواطئ، اخذت ايزابيل ليام من ديريك وهي تتذمر و توبخه وتتوعد كريس، صعدت ايلا مباشرةً الى غرفتها. لتغيير ملابسها التي انتابها البلل.
دقائق وتبعتها ليلي ترتمي على سريرها وتراقب ظهر ايلا العاري "لا ارغب بجمع ملابسي."
نظرت ايلا حولها، كان كلا جانبيها هي و ليلي فوضويًا، الملابس متناثرة في كل مكان و الحقيبتين مرميتين
فتمتمت بضجر ترتدي قميصها "اعتقد اننا بجدية بحاجةٍ لأن نوضب المكان."
و جلست على طرف السرير تدلك كاحلها الذي اثر عليه دخول البرد الى حذاءها.
"هل ما زلت على خطتك بالذهاب الى باريس؟"
"بالطبع، لا شيء يمنعني."
"وعمي؟." بقي السؤال معلقًا في الهواء، و اخذت ايلا تفكر به ، ثم هزت رأسها بلا اكتراثٍ تستلقي هي الاخرى على ظهرها "ما به عمك؟."
"هل سمح بذلك؟."
"هل احتاج اذنًا منه؟"
"اجل، كما افترض... انه — لا يحب ان يبقى جاهلًا."
"رفضه او قبوله ليس خيارًا مطروحًا." اجابت ايلا، وعندما شعرت بتوتر الجو فجأةً طمئنتها قائلة "انه يعرف اصلًا، قبل يومين او نحوه اخبرته انني انوي الذهاب لكن لم اخبره انني ذاهبة بعد يومين."
"هل انتِ غاضبة منه؟."
"لا اعرف." همست بصوتٍ خافت وبقيت تحدق بالسقف المقبب.
"اعتقد ذلك."
***
فتح عينيه بكسلٍ و عمي للحظة من الشمس التي كانت مسلطةً عليه، لم يستطع جون رفع رأسه الثقيل من الوسادة، كان الاعياء والكسل يثبتانه في مكانه، لكن يديه كانتا ترتجفان عندما حاول مد يده ليمسك بهاتفه متفقدًا الساعة. فاعادها مرةً اخرى فوق صدره. حاول ان يتذكر متى نام بالضبط او ماذا فعل ليلة امس.
لكن كل شيءٍ يبدوا ضبابيًا في ذاكرته وغير واضح، الاصوات مبهمة ، الوجوه مطموسة او مضببة ، حتى ملمس الاشياء كان مجهولًا، لم يكن يتذكر شيئًا الا البرد القارص يرجف جسده، شد البطانية فوقه اكثر ، و رفع رأسه من الوسادة. اخرج قدميه من السرير و شعر بالدوار يعيق حركاته عندما نهض، استعاد توازنه بعد دقائق ومشى بخطواتٍ متعثرةٍ الى النافذة ينظر الى دكانة الطقس الكئيب.
لسببٍ ما ، بدا وكأنه لم يعد مهتمًا لإغلاقها. ففتح الدفة الأخرى ليرى المشهد بشكلٍ كامل و هب الهواء صقيعيًا يلفح وجهه ، اغمض عينيه للحظة يواجه الريح، يستنشق هذا الهواء المنعش ، قبل ان يعود الى سريره يجلس عليه و يأخذ هاتفه. ينظر الى الساعة. ثم تركه جانبًا و تناول عوضًا عن ذلك ادويته الثلاث ليبتلع اقراصها دفعةً واحدة. ثم عاد و وضع رأسه على الوسادة. ناويًا ان يستحم بعد دقائق ثم ينزل الى الاسفل يبحث عن شيءٍ يسد به جوعه، كان مستغربًا ايضًا من الهدوء المريب في ارجاء المنزل مع هذه الصبيحة الباردة، لعل البرد ابقاهم في اسرتهم أو انهم بالاسفل حول النيران.
دون ان يستوعب كان النوم قد جرفه في دوامةٍ غريبةٍ مفاجئة ، ووقع رأسه على الوسادة دون حراك، يديه فوق صدره محمّرةٌ مفاصلهما من البرد، تعلوان و تنخفضان مع كل نفسٍ يأخذه، آنّ القط في الزاوية بصوتٍ خفيض ، و قفز على السرير يدخل نفسه في السرير بين البطانية و جسد صاحبه الدافئ.
***
في الغرفة الهادئة حيث لا صوت الا طقطقةُ النيران، حرك بلايك حصانه عنوةً، و اخذ رشفةً من الويسكي يبقي الشراب في فمه للحظات يراقب حركة ابوه التالية، كانت الغرفة غامرةً بالدفء اللطيف، النيران تأكل بعضها، و الاضاءة مخفضةٌ قليلًا حيث شكلت المدفئة مصدر الضوء الأهم، من خلف رأس والده شاهد جذع شجرةٍ يضرب الزجاج بفعل الريح و يتوقف فجأة، فابتلع الشراب الذي كان يبقيه في فمه ثم اعاد بنظره الى اللوح عندما جاء دوره
حرك قطعةً اخرى سريعًا ، بدا وكأنه لم يفكر بالحركة حتى، لكن حركته نفسها كانت عنيفة، يدرس كل قطعةٍ وحركةٍ متوقعةٍ على حده بعينين خبيرتين، و ادوارد لم يكن اقل منه خبرةٍ على ايةِ حال، فهما كانا منافسين دائمين في الشطرنج.
عند النظر لأول مرةٍ يعتقد المرء انه متقدم عليه، حتى حرك بلايك فيله و حشر ملك ادوارد وضعًت الفيل في مربع الفرار ، لم يكن امام ادوارد اي خيارٍ اخر، كانت اغلب القطع مقصية متناثرة في الطاولة التي تتوسطهما، عندما ادرك وضعه فتح عيونه بتفاجئ، لأنه معتادٌ على لعب بلايك الذي يركز دائمًا على الهجوم الذي قد يكون اهوجًا في احيانٍ كثيرة. لم يخطر في باله انه كان يدُّس قطعه في منطقتهِ طوال الوقت ليحاصر ملكه، لأن هذه الحركة عكس كل ما يؤمن به بلايك و تخالف حتى طريقة تفكيره نفسها.
اخيرًا حرك بلايك حصانه واسقط الملك قائلًا بنصف ابتسامة "مات الملك يا أبي."
عاد ادوارد ليسند ظهره على مقعده المبطن مبتسمًا بإستسلام
"انت تتحسن، هل هذه ثاني مرةٍ تتغلب علي؟"
"بل الرابعة، لكنك دائمًا تنسى او تتناسى" اخذ رشفةً اخرى من الويسكي بابتسامةٍ ساخرة. و احتفظ بالكأس في يده يحركه ويراقب تماوج المشروب مع الثلج.
"لكن علي ان اعترف، هذه الحركة كانت صادمة، لم اكن انوي الخسارة امامك. وهذا يحسب لك."
"لنقل انني بدأت اغير طريقة تفكيري."
"و كيف هذا؟ ان تغيره فجأة في لحظة نحاول نحن تغييره منذ اربعين سنة."
"هذا لأنكم تحبون فرض رغباتكم علي، هناك فرق بين ان اكون راغبًا حقًا وان اكون مجبرًا، ادرك انك تعيه على ايةِ حال."
"نعم نعم ، كيف عساي الا ادرك."
صف القطع في مكانها ، يمسك ملكه الذي سقط منذ قليلٍ يتأمله للحظة ، ووضعه على اللوح في مكانه بعنايةٍ فائقة "هل احتاج ان اسأل ما الذي تفعله بالضبط؟"
"ربما لانني مللت من المحاولة صرت اسمعهم ما يريدون سماعه، الجميع، أمي واليزابيث وحتى مع كامل احترامي انت ايضًا ، انني اعطيكم ما تريدون دون ان أؤثر على ما اريد انا، احاول ان اوازن بيننا كما ترى."
"اشرح لي وجهة نظرك ، ولنأمل انني ولأول مرةٍ قد اقتنع بها."
"سواءً فعلت او لم تفعل خيار التراجع ليس مطروحًا."
بنبرةٍ خطيرةٍ قال ادوارد
"مهما كان الأمر، انا لن اسمح لك بأن تؤذي حفيدي ، ولا ايلا.."
كان دور بلايك ليلقي الاتهامات ، وكأنه كان ينتظر هذه اللحظة طويلًا
"لا تظن انه يفوتني ان اهتمامك بآيلا فقط لأنها تسلي جوني وتبقيه سعيدًا. لأنك تشعر بالذنب لما حدث له ، انت لسببٍ ما تلوم نفسك، و انت راضيٍ عنها ما دامت تقوم بهذه المهمة على اكمل وجه، لكنك غاضبٌ مني لأنني افسدت الأمر، اليس كذلك؟."
"اولًا؛ انت مخطئ ، انها حفيدتي ايضًا مثله تمامًا وانا قطعًا اهتم لأمرها ، ثانيًا ، انها تصلح ما افسدته انت بمجرد بقاءها هنا، كيف لي الا اكون ممتنًا؟ و لست انا من طرد أمها وهي حبلىً بها."
"طيب، ماذا عمن قال ان جوليا ميتة لطفلٍ في الخامسة من عمره؟ انت من اغلق الباب وراءها دون عودةٍ لأجله ، هل انا الملام دائمًا يا أبي؟ بربك كن منصفًا، لستُ الوحيد الواقف هنا..الست من اخبرني الا مكان لجوليا في حياتنا بعدما فعلت مافعلته؟ وانا لا انزِّهها هنا ولا اعذرها او اسامحها لكنك من كان يحرضني على ذلك طوال الوقت.."
"لا ارفض ادانتي في هذا الموقف، مع العلم انك من اوحى الي بذلك ، قلتَ الا رجعت لها وانا وافقتك، فلا مكان لها بعدما فعلته، انت اخبرتني انك لا تريد لا رؤية وجهها وسعدتُ بذلك، لكنك تماديت عندما قلت انك لا تريد رؤية الفتيين ايضًا، هل تظن انني سأرسلهما معها؟ ماذا عساي ان افعل لطفلٍ فقد ليس فقط والدته واخيه بل و أبوه ايضًا، يبكي طوال اليوم ولا يتكلم او يأكل ، لكنك بالطبع لا تعرف عن هذا، انا اضطررت لأن انهي الموضوع لأجله ، الطلقة الواحدة تكون في الرأس لتكون القاضية ولا انكر انني اطلقتها، كان من الواجب فعل ذلك حتى انظف وراءك لحين ان تعود الى رشدك، لكنني ارفض ادانتي في ما فعلته انت الآن، لم يكن عليك لا ان تخبرها ولا ان تضغط عليه."
"لم اطلب منك يومًا ان تنف فوضاي، و اخفاء الحقيقة نوعٌ من الكذب ايضًا في حال لم تكن تدري، ولا يقل سواءً عنه حتى."
"انه واجبي ان ارشدك لطريق الصحيح عندما تضل لأنني أبوك، و اذا كان الكذب ضروريًا لحمايته ، بل لحمايتهما وحماية العائلة كلها فليكن."
"الكذب لم يكن يومًا الا خطيئة مهما كانت اسبابه."
"لستَ متدينًا حتى على ايةِ حال، ما الفرق الذي يشكله الأمر لك؟ انظر الى الصورة كلها ، كان يمكن تفادي الكذبة الاولى و اجبار جون على البقاء صامتًا لمصلحتها، انه يحبها و لا يريد ان يؤذيها رغم كل شيء، هنا مربط الفرس، لكنك الآن تؤذيهما و تؤذي نفسك ، ما الذي يجعلك تتحدث مع الفتى في فترة نقاهته حتى؟"
"هنا يكمن خطأي، لكن كما ارى قد ابتلع الأمر جيدًا، ما حدث لاحقًا هو تداعيات الكبت المستمر ، الا ترى؟ انه ناقم وغاضب، و انت بمحاولة جعله يبقي الأمر لنفسه تجعله اسوأ، انه ليس أنا ليتحمل ذلك مع الأسف.
اريده ان يزبد و يرعد و يضرب ، ليفعل ذلك ، لن ابقيه في ظل الكذب، نعم انا مذنبٌ لعين فوق كل شيء ، ادرك ذلك تمامًا ، لكنني اصلح الأمور هنا، وهذا هو الفرق."
كرر ادوارد ببرود "لا اريد ان يتأذى حفيدي." وكان الامر الآن كتهديدٍ صريح، لا تعجبه النبرة التي تحدث بها بلايك ولم يفته انه يتهمه او يشك بأمرٍ ما، لكنه يفضل ان يلعب ويدور على ان يتحدث صراحةً على غير عادته، وهذا ما اثار اعصاب ادوارد.
"لا تقلق، لن اخلف ورائي فوضىً اخرى لتنظفها."
"بلايكي." قال ليام العائد توًا من غرفته بعد حمامٍ سريع ، شعره ما يزال مبلولًا. توقف سيل النظرات الحاد عند دخول اليزابيث تتبعه والتي احست بالجو المشحون ونظرت لهما بشك ، همهم بلايك بضجر و اشاح بوجهه اخيرًا عن ابيه مستقبلًا الطفل الذي قفز في حظنه.
قالت اليزابيث بتردد "هل تريدان قهوة؟."
رفع بلايك الويسكي بيده يريها اجابته، ونهض ادوارد قائلًا "ارسليها لي عند اجاثا."
تجاوزها والدها بقيت اليزابيث واقفةً في مكانها بلا حراك، نظر اليها بلايك حينها بكسلٍ وقالت بعصبية "ماذا حدث؟."
"ابوك يكره الخسارة كثيرًا، والأسوأ انه يكره الاعتراف بها." ثم شرب رشفةً اخرى ، و ولى انتباهه لليام المبتسم
لم تعرف اليزابيث هل كان يسخر ام انه جاد، لكنها اثرت الصمت وقررت انه من الاسهل دراسة رداة فعل والدها على اخذ افادة بلايك ، فاستدارت مغادرةً لكنه فجأةً اوقفها عندما تذكر فجأةً "هل جون بخير؟."
تصلب في مكانها بتفاجئٍ والتفتت اليه باستغراب "ماذا؟."
"في اخر مرةٍ رأيته فيها كان محمومًا، ثم كان يشرب، لذلك اسأل."
ابقى عينيه عليها ، حتى هزت رأسها "سأتفقده." وتركته وذهبت.
التفت بلايك الى ليام الذي بطريقةٍ ما صار يستلطفه سرًا "هاه ماذا تريد؟."
"انا اليوم هربت من كريس لكي توبخه جدتي."
"و انا لا ازال اصدق ان جدتك ما تزال تصدقك."
"وذهبنا اليوم لنبحث عن الكنز مجددًا، انا و ديريك و كريس وايلا..لم نعثر عليه، وحزنت ايلا."
"ما هذا الكنز؟."
"كريس يقول انه قلادة اذا عثرتُ عليها فعندها لن يرسلني الى أمي و أبي."
قطب بلايك حاجبيه وهو يعتدل بجلسته "هل القلادة لآيلا؟."
"اجل."
"هل تشبه العملة النقدية؟ وهناك نقشٌ ما عليها..لا اتذكر ما هو، لكن يفترض بأن يكون نبتة."
"اجل اجل."
شرد بلايك في النيران مجددًا بصمتٍ جنائزي حسنما حلت ذكرى واضحة و مزعجة بقدر وضوحها عن هذه القلادة، ملمسها البارد ضد بشرته عندما يتعانقان، لونها المتناقض مع الملابس الداكنة التي ترتديها صاحبتها في احيانٍ كثيرة. ملمسها متكومةً على التسريحة في المرات القلال التي تخلعها فيها. تفاجئ من اندفاع كل هذه التفاصيل عنوةً الى ذاكرته. وتذكر تمامًا كيف كان شكلها
حبس ليام انفاسه من جذع الشجرة التي ضرب فجأة الزجاج بفعل الريح ، و فتح عيونه بوسعها عندما قال بلايك دون ان يشيح بنظره عن النيران
"اعتقد انني اعرف اين اعثر لك على القلادة..هل ستعطيها لها ويكون سرًا بيننا؟."
****
بدأت عملية الاستنفار لحزم الحقائب عندما قرروا ان يعودوا الى لندن بسببِ عملٍ طارئ خرج لجايمس ، نايت يرمي ملابسه بالأرجاء بغرفته وايفان ينظر اليه شزرًا من على السرير، فاحت رائحة القهوة في ارجاء المنزل قبل العشاء. واصوات صرخاتٍ خفيفة لليام الهارب و كريس الذي يتوعده، مع توعد جايمس بدوره له إن لمسه، الضوضاء بدات محببة ومألوفة لمسامع هايلي التي تعيشها كل يوم منذ ان اتى ليام ليسكن معهم عكس كاترينا التي تأففت و سدت اذنيها بصوت الاغاني المنبثق من سماعاتها.
حتى ادوارد الذي قرر ان يتجول في المنزل و يتفقد احفاده تحاشى الاقتراب من صراع كريستوف من طرف وجايمس وحفيدهِ من طرفٍ اخر.
ذهب الى غرفة نايت اولًا ووبخه وسط ابتسامات ايفان المستمتعة والذي قرر ان ينسحب بحثًا عن شاحنٍ يشحن به جهازه اللوحي لأنه نسي شاحنه او اضاعه.
صادف جاسبر أمامه يمسك بكوب قهوةٍ ويمشي ببطءٍ مركزًا على شيءٍ في شاشة هاتفه
"لا يراك جدي وانت تمشي هكذا، انه يتصيد الأخطاء. هل اجد عندك شاحنًا؟."
دس جاسبر هاتفه في جيبه وهو يسمع الصرخات المزعجة. وقال بإهتمام "انني احتاجه، لكنني اعتقد انك ستجد واحدًا في سيارة ديريك، المقعد الخلفي، كانت اليانور تستخدمه اخر مرةٍ وتركته وراءها."
"شكرًا." تجاوزه و نزل الى الاسفل، دون ان يرتدي معطفه. مشى ناحية سيارة ديريك المتوقفة بعيدًا ، والهواء البارد يصدر صوتًا عميقًا بدا وكأنه يخرج من قلب الغابة الداكنة في هذه الليلة القمرية. كانت الاشجار تهتز ببطءٍ و الاوراق تدور في دوائر وسط الظلال. لحسن الحظ كام باب السيارة مفتوحًا، ووجد ايفان المفتاح عليها. اشعل الأنوار وتفقد مقعد السائق و من بجواره، ثم تذكر ان جاسبر اخبره انه سيجده بالمقعد الخلفي، فنزل وفتح الباب الخلفي.
كان معطف ديريك مرميًا مع بضع قطع ملابسٍ اخرى.
رمى بالمعطف بعيدًا ، و جلس على المرتبةِ وانحنى الى الاسفل يبحث عن الشاحن المنشود. كانت يده تلمس كتب طينٍ جافة. تساءل بداخله عن سبب وجودها. ولأن ظل رأسه يحجب كامل الرؤية سحب كشاف هاتفه ليتفقد الأمر جيدًا. عندها رأى الشاحن المنشود، لكنه ايضًا عثر على ما هو افضل من ذلك، وسط تلك الكتل الطينية كانت السلسلة الذهبية تلمع باستحياء على بعد عدة سنتمتراتٍ قصيرة عن الشاحن، مد يده والتقطها ينفضها من الطين المتيبس. و عرف انها هي المنشودة. بنقش الوردة الذي غشيه الطين الآن.
"ايفان هل انت ذاهبٌ الى مكانٍ ما؟."
سمع صوت ويليام العائد لتو، فرفع رأسه بسرعةٍ واغلق الأنوار "لا. كنت ابحث عن شاحن." ثم خرج من السيارة و اغلق الباب وراءه. دس القلادة في جيبه و سار بجوار ويليام الذي تذمر "اكره هذا الطقس." عندما دلفوا استقبله الدفئ المحبب. و ركض ليام اليه ليخبره بما فعل اليوم هو الأخر.
مشى ايفان بشرودٍ الى الاعلى، ينوي ان يشحن جهازه ثم ان يعطي ايلا قلادتها. لكنه توقف في مكانه عندما رأى امه مخطوفة الوجه تخرج من غرفة جون.
"أمي ما الأمر؟"
"انه لا يتحرك."
لم يفهم ايفان ، و قبض على يدها المرتجفة "ما خطبك؟."
ثم سمع صوت ادوارد يصرخ من الغرفة و يلعن "نادي ويليام."
صوته جعل كل المنزل فجأةً يلتزم الصمت، حتى بلايك خرج من الغرفة التي كان فيها يتكئ على الباب مقطب الحاجبين يراقب وجوههم المستغربة.
لب ويليام النداء بسرعةٍ، و عصف متجاوزًا ايفان الواقف بلا فهمٍ في الممر. و الذي بدوره شعر بوزن أمه يخف فجأةً وبها تتهاوى قبل ان يحكم بقبضته عليها و يسحبها جانبًا "امي تمالكِ نفسك."
وضعها على الكرسي الاقرب في غرفة كاترينا المفتوحة. التي بدورها بتفاجئٍ سألت "ايفان ما الأمر؟."
"اعتني بأمي"
و ركض يتبع ويليام الى غرفة جون، بمجرد دخوله صدمته موجة ريح صقيعيةٍ ضربت وجهه ادرك انها قادمةٌ من النوافذ المفتوحة. لعن اسفل انفاسه ، كان جده بوجهٍ شاحبٍ يراقب بعينين قلقتين ويليام المنحني على السرير يقيس نبضات قلب جون عن طريق رسغه، تحرك ايفان واوصد النوافذ. ما تزال الغرفة اشبه بثلاجةِ موتى. لم يدري ماذا يفعل ، لكنه مشى الى السرير ليقف بجوار جده ، و مد يده الى يد جون الحرة القابعة فوق صدره يلمسها دون أن يشعر
"منذ متى وهو هكذا؟." بضيقٍ قال ويليام، يجلس على طرف السرير ، كانت نبضات قلبه بطيئة.
"وجدناه هكذا لتو." اجاب ادوارد بعصبية وتوتر، كان وجه جون يبدوا طبيعيًا لإيفان. ذات الظلال الداكنة اسفل عينيه. و الرموش الطويلة التي ترسم ظلالًا على وجنتيه ، و شعره الذي يغطي جبينه، كان يبدوا مسالمًا و بلا اذى. كحاله دائمًا.
"ما الذي يحدث." دخل الاريك اولًا. يتبعه جايمس و كريس وحتى ليام الذي كان يسترق النظر من وراء ساق جده
"هذا ليس طبيعيًا، ليس من المفترض ان يحدث هذا." تمتم ويليام، ينظر بعصبيةٍ الى الادوية على المنضدة المنخفضة، و فتح ادراجها يفتشها، وأمر ايفان "فتش التي عندك. اخرج لي كل الأدوية التي تجدها."
قال ادوارد بغير صبر "ما الذي يحدث؟."
دخلت كاميلا لحظتها تتجاوزهم و كتفتت يديها تنظر بقلق و ترقب من زاويةٍ بالغرفة. كانت الضوضاء الصادرة قد جعلت ليلي تحبسُ انفاسها و تمسك بيد ايلا بقوة. التي هي بدورها لم تفهم سبب هذا الهرج والمرج. سحبتها ليلي معها الى غرفة كاترينا المفتوحة حيث وجدت عمتها و اختها جالستين، كاترينا كانت تداري عمتها بقلة صبرٍ و عينها مثبتةٌ على الباب بترقب تحاول ان تعرف ماذا سيحدث وبمجرد دخول الفتاتين سألت ليلي
"هيه ما الأمر؟."
"هاتيا كأسًا لعمتي، و دواء الضغط في غرفتها. سريعًا." امرتهما كاترينا بحزم كما لو انه لا خيار اخر لديهما الا التنفيذ. فما كان منها هي وايلا الا ان تلبيا على عجل.
ترك بلايك ما بيده وصعد السلالم يتبعهم مع أمه بلا فهمٍ حتى وجدهم في غرفة ابنه، شحب وجهه و عصف الى الغرفة "جوناثان! هل هو بخير؟."
"الأحمق، انه نائم فقط، لكن نومه ليس طبيعيًا، ربما يكون محمومًا قليلًا من النافذة المفتوحة. وانا اشك انه عصاني و اخذ منومًا. ابحث عندك يا ايفان، لا شك بأنك ستجده." بعصبيةٍ زمجر ويليام ، يتوعد جون بداخله. سحب ويليام كيس الادوية وجمعها كلها فيه والقى به جهة ايفان الذي التقطه ، راقبت كاميلا ذلك الكيس بأنفاسٍ مخطوفة. و هزت بقدمها بغير صبر.
"جهز السيارة، علينا ان نأخذه الى المستشفى لنجري تحليلًا. اريد ان اتأكد. لا تقلق يا عمي، سيكون كل شيءٍ بخير." تهاوى ادوارد بطوله على كرسيه وهب جايمس اليه، بينما الاريك ضغط على كتف بلايك و خرج ليجهز السيارة
"أبي خذ نفسًا عميقًا، سآتي بك علاج الضغط، تمالك نفسك ارجوك."
مشى بلايك شاحب الوجه وجلس على طرف السرير. يدفن وجهه بين يديه. يحاول ان يلتقط انفاسه المتسارعة وان يهدأ نبضات قلبه، يسمع صوت جايمس الهامس لأبوه يسأله و يمده بالقوة ، صوته جعل من بلايك يسترخي ولو قليلًا ، ثم التفت الى جون الراقد بسكونٍ، ظلال داكنة حول عينيه ، رموشه الطويلة ترسم ظلالًا ، و وجنتيه البارزتين محمرتين. كان اقرب الى الأموات من الاحياء.
"اهٍ منك، لماذا تفعل بي هذا؟."
كانت كاميلا تراقب عمها بقلق حقيقي ثم نظرت الى زوجها، لكن تركيزها انصب على الكيس في يد ايفان. الذي راح يفتش الغرفة عن اي ادويةٍ كما اخبره ويليام ان يفعل. عندما تركه ليسكب لجده كأس ماء ، اقتربت ببطء وجلست على طرف السرير الأخر حيث الكيس ، تنظر الى جون تارةً ثم الى علبة الدواء المعنية التي تستطيع رصدها من حيث تجلس تارةً اخرى. تنبهت الى وجود القط ينظر اليها من بين الاغطية حيث يحشر جسده. فسحبته في حظنها تداعبه قليلًا، غرغر القط مستمتعًا. ثم افلتته واستغلت جسده لتسحب علبة الدواء وتضعه اسفل الوسادة. نظر ايفان حانقًا من القط الذي ظن انه يلعب "اغرب عن هنا." واخذه ليركله خارج الغرفة ثم تبعه الى غرفة كاترينا ليجد امه، كانت كاترينا جالسةً على ركبتيها أمام امه تضغط على يديها المرتجفتين"لا تقلقي سيكون بخير."
جثى بجانبها وامسك يد امه الباردة "اماه.. انه بخير بالفعل، فقط نائم بعمق الأبله لأنه اخذ الادوية الخطأ."
عادة ايلا اولًا الى الغرفة معها كأس الماء الذي ناولته الى كاترينا "ما الأمر.؟" بدا ان ثلاثتهم انتبهوا الى وجودها الآن فقط. ينظرون الليها وكأنها كائنٌ عجيب. قطبت ايلا حاجبيها و بفهم استدارت مغادرة الغرفة تبحث عن الاجابة بنفسها، هب ايفان وراءها يمسك بمعصمها بقوة "اسمعي... انه بخير ، فقط حمى خفيفة."
"انا الوحيدة التي سأحكم على ذلك، اريد ان ارى بعيني اترك يدي."
زفر بحمقٍ من عنادها وتبعها، كانت الغرفة الآن اقل زحامًا واكثر هدوءً مما تركها ايفان، رأت ايلا والدها جالسًا على طرف السرير ينكس رأسه المظلم محدقًا بقدميه، على الطرف الاخر كان ادوارد جالسًا على كرسي يفتح ازرار قميصه الاولى بينما كاميلا جالسةٌ امامه على طرف السرير الأخر ممسكةً بكأس ماء بقلق وتهمس له تطمئنه ، عينها فوق كل شيءٍ حطت على الجسد الذي يشغل السرير بسكون، رأسه الاشقر كان مألًا بعيدًا عن جهتها، مشت بخطواتٍ مرتجفة و يد ايفان حولها. رفع بلايك رأسه فجأة و شهد عيونها المغشية بالدموع والأسى ، ما كان منه الا ان يمد يده و يسحبها ليجرها لتجلس بعدما خذلها جسدها عن التحرك.
بصوتٍ هامسٍ قالت "ما خطبه؟."
"انه نائم فقط بسبب الحمى." قال ما استطاع ان يفهمه من ويليام بحذرٍ، يخشى أن يؤذيها. و يكره ان يراها حزينة هكذا، يدها المرتجفة امسكت بيد جون تصغط عليها، كمن تمده بالقوة او كمن يستمد القوة منها، ثم دون مقدماتٍ اجهشت بالبكاء ، لأن شكله كأن مألوفًا لدرجةٍ صادمة، كانت حالته تشبه الحالة التي عثرت فيها على أمها ميتة دون ان تدرك انها كانت ميتة. بكت ايلا بقوة، و دفن بلايك رأسها في صدره يعانق جسدها المرتجف دون ان يفهم ما كانت تهذي به، لكنه رغم ذلك عانقها بقوةٍ آلمتها. نظر ايفان اليها بلا تعابير. ثم استدار مغادرًا تاركًا اياهم وحدهم.
عندما اخذوا جون ، بعصبيةٍ ارادت ايلا ان تتبعهم، لكن ويليام وجايمس نهراها الذي وجدا انها ستشكل عائقًا بعصبيتها. فما كان من بلايك الا ان يبقى معها دون ان يقوى على مفارقتها. ازبدت وارعدت بين احضانه وهو محكمٌ الامساك بها ، حتى صرخ فجأةً بوجهها بعد ان ذاق ذرعًا "توقفي حالًا." تصلبت ايلا في مكانها، عيونها متوسعة. تجريان الدموع منهما بقوة. تنظر الى وجه بلايك بصدمة، والذي كرر بصوتٍ ارق يكوب وجهها بين يديه ينطق كل كلمةٍ ببطءٍ لتفهمها "بكاءك لا يحدث اي تغيير، انتِ لن تذهبي الى اي مكانٍ لأنك ستكونين عائقًا لهم، كفي عن ذلك. وتمالكي نفسك.. انا سأبقى معك."
اخفضت ايلا رأسها وبقيت على طرف السرير جالسةً في مكانها دون حراك ، شعرها يغطي وجهها، و بلايك يجلس مثلها. تفقدته كاميلا للمرةِ الأخيرة بحذر ثم خرجت من الغرفة. تعود للانتباه الى عمها. كانت الساعة تشير الى الثانية عشر بعد منتصف الليل بالفعل وقتها. كلاهما كانا جائعين لكن لا رغبة لهما بالأكل. و بلايك بعدما صرخ في وجهها لم يشاء ان يجبرها ، فدفع بحسده ليدخل على السرير الفارغ الان من جسد جون ، و سحب ايلا اليه كما سحبها اول مرةٍ يضع رأسها على صدره "نامي الآن..عندما يصل منهم خبر سأوقظك."
"لا اريد." رفعت رأسها عن صدره لكنه دفعها مجددًا
"هذا ليس طلبًا يا ايلا."
مجددًا سالت الدموع من وجنتيها "هل عندما اقول لكِ لا ستبكين دائمًا؟ هذا يعتبر غشًا، اين ذهبت ايلا المقاتلة العنيدة؟"
لم ترد عليه، و شعر بالبلل يلطخ قميصه، فمسح على شعرها الناعم هامسًا "ما دمتِ وضعت اسلحتك وسئمتِ القتال نامي الآن..انا سأنتبه لك وسأنتظر خبرًا منهم."
كانت يده الاخرى تمسح على ظهرها برفقٍ ليوقف ارتجافها، واسرع منا توقع سكن جسد ايلا اخيرًا، دون ان تنام.
****
اخبرها دينيز بهدوء الواقف بطوله يحجب بينها وبين القصر الوضاء "تمالكِ أعصابك يا كلارك."
فرفعت رأسها من بين يديها ، كان كحلُها قد سال قليلًا من عينيها يأخذ مجرى الدموع العالقة في جفونها من فرط الغضب "اتمالك أعصابي!؟ انا بنيت كل هذا وها هو يأخذ الأسم مني."
"انه حقك بالوراثة منه ، لا يستطيع اخذه..تعلمين انه يقول هذا و لا يعنيها حقًا.."
"الا تستطيع حقًا ان ترى؟ انا لن اسمح بذلك ابدًا." وركلة البورش بكعبها بقوة ، كان القصر الكبير تخرج منه الأصوات عالية، صوت الموسيقى و الاحاديث والضحكات، عكس حالها هنا في ظلال الحديقة تشعر بالخيانة تنتابها ، كان اثر الشجار النفسي ثقيلًا عليها، لكن هازال بطبيعتها كانت امرأةً استحقاقية و قوية و فوق كل شيءٍ انانية، لا ترى ابعد من اهدافها ولا يهمها الا اهدافها، شكلّ وقوف والدها امامها يسحب منها اسم شركتها الناشئة الجديدة كونه يمتلك حقوقها صدمةً قويةً لديها، لا تدري كيف فاتتها اهم ثغرة وابرزها بهذا الغباء الفادح.
"وقعت عقدًا مع دورٍ في ايطاليا، بقي سبعة اشهرٍ على اسبوع الموضة في ميلان، هل تعلم ماذا يعني هذا؟ علي ان اجد ورقة ضغطٍ جديدة يا دينيز."
"يؤسفني ان اقول هذا، لكن من الصعب ذلك، ودعيني اخبرك ايضًا كمحاميك و ابن خالتك قبل كل شيء، ان الحرب القانونية ليست فكرةً جيدة وانتِ في موضع ضعفٍ حاليًا، انتِ غاضبةٌ الآن ولا تتمالكين نفسك، لماذا لا تصعدين الى غرفتك لتأخذي قسطًا من الراحة؟. ودعيني انا افكر بالحلول."
"لا اريد ان ابقى هنا لحظةً واحدة، علي ان اعثر لنفسي على منزلٍ وحالًا."
تنهد دينيز بملل "انظري ، لدي شقة في وسط المدينة ، في احدى الطوابق الاخيرة ، اشتريت عددًا منها بنفس المبنى و لم يؤجر منها الا ثلاثه، وهذه لم يسكنها احد بعد، ان اردتِ فهي لك حتى ترتبي امورك.."
مسحت الكحل بعدما انتبهت لسيلانه بحرج، ثم ابتسمت رغم وضعها المأساوي "دينيز، كيف عساي ارد جميلك؟."
"نحن عائلة يا هاز، ننتبه لبعضنا دائمًا." و عانقها بقوةٍ يربت عليها ، ثم فتح باب سيارتها لها "سأرسل لك العنوان، وساكلم احدهم ليرسل لك ملابسًا ايضًا، قودي بحذر ارجوك فلا نريد قضيةً اخرى."
"شكرًا لك يا دينيز."
اغلق الباب وراءها وبقي واقفًا لدقائق يراقب البورش السوداء تبتعد ، تنهد مجددًا يفتح هاتفه ويرسل لها الموقع، ثم دسه في جيبه يعود الى الداخل ليخبر الخادمة بأن تجهز حقائبها.
اخذت زخات المطر تتساقط كما العروق على الزجاج الأمامي، مما جعل مشاعر هازال اكثر سوءً من ذي قبل. لم تكن في مزاجٍ جيدٍ لسماع الموسيقى، لأن عقلها بدأ في عمل خطةٍ لرد اعتبارها، انتقام لن ينساه ابوها ابدًا، ليتذكر دائمًا مع اخوتها من هي هازال حقًا. وصلها الموقع من دينيز و قادة السيارة بسرعةٍ جنونية، كانت ناطحة السحاب معتمةً ، الساعة تشير الى الواحدة بعد منتصف الليل، نظرت الى المرآة الأمامية تمسح زوائد مكياجها واثار الكحل السائل، لن يرى احدٌ ابدًا هازال كلارك كسيرة، لا الآن ولا لاحقًا. ارتدت نظارةً شمسية.
رغم الظلام الحالك واخذت هاتفها خارجةً من السيارة، هب البواب ليأخذ مكانها على المقعد ويركن السيارة، بينما هي صعدت السلالم ودلفت الى البهو الكبير.
"اريد مفتاح شقة دينيز كوز آوغلوا."
"طبعًا السيد كوز آوغلوا اتصل لتو." مرر لها البطاقة الالكترونية وارشدها "الطابع الرابع عشر ، شقة ١٤٢."
دون كلمةٍ تجاوزته الى المصعد، نقرت الارقام بعجل ثم عندما اغلق المصعد وصارت وحدها خلعت النظارة لتنظر في انعكاسها مجددًا بالمرآة، عندما خرجت من المنزل لم تأخذ معطفها معها ، لذا كانت النظرات تلاحقها طوال الطريق، كان فستانها الأخضر من الساتان يعانق منحنيات جسدها البارزة بنعومة، وشعرها البني منسدلًا على ظهرها في تموجات. مثاليةً على كافة الاصعدة كما كانت دائمًا. حتى رغم كحلها الفوضوي ، اعادة وضع النظارة عندما توقف المصعد، وشقت الطريق مجددًا الى الشقةِ المعنية، عندما صارت وحيدةً اخيرًا لم تأخذ وقتها بدراسة الشقة، رمت بكعبها. ومشت حافيةً تخلع العقد من رقبتها ثم الفستان، دخلت الى غرفة النوم الفارغة.
و سقط فستانها بانسيابيةٍ من جسدها تركله هو الاخر بعصبيةٍ جانبًا، ارادت ان تركل وتضرب لكنها بقيت عاجزةً لحظتها في الظلام شاعرةً بالحماقة والعار.
فجلست على طرف السرير بملابسها الداخلية تحدق بالزجاج المضبب ، حيث بالاسفل ترقد المدينة.
كانت قد عادة منذ اسبوعٍ الى لندن، فبعدما اورثتها جدتها دون غيرها قبل سنة شعرت بأنها من اكثر الناس حظًا، قررت هازال ان تنشئ اخيرًا ماركتها. ڤال. التي كان للأسم قيمة عاطفية لديها، كان شيئًا رمزيًا يعني لها الكثير منذ كانت طفلة. حلمها طوال حياتها.
في السنة الماضية استطاعت هازال ان تترك انطباعًا عند معارف معارفها، استغلت نفوذها وقدمت خدماتٍ كثيرة، حتى تعاقدت اخيرًا مع ثلاث دور ازياء ومصممٍ مغمور صاعد لإستغلال عروضهم لعرض مجوهراتها.
لم تكن تريد ان تفوت فرصة نجاحها المستحق، لم يكن لديها الآن سواء ان تبدأ بتنفيذ تصاميمها وارسالها الى ميلان. ظنت ان سبعة اشهرٍ وقتٌ كافٍ.
حتى حدث انها تشاجرت مع ابيها وقرر في فورة غضبه ان يسحب الاسم الذي يملكه منها. كانت كل الحقوق له فإسم الماركة يعود بشكلٍ اساسي اليه لأنه سبق واشترى اغلب الاسهم منها فيما سبق. ان قرر روبرت أن يأخذ هذا الى معركةٍ قانونية فلن يصمد اسم هازال مجددًا أمام احد.
"لن اقول بعد كل شيء انه من الجيد ان اعود اليك يا لندن." سخرت ونهضت لتنظف وجهها من بقايا المكياج ، ثم سحبت نفسها داخل الشراشف.
تحدق في الزجاج بصمتٍ دون ان يرف لها جفن، لسببٍ ما تذكرت وجهًا مألوفًا محببًا. لكنها اغمضت عينيها و اختفى هذا الوجه كما ظهر، بنفس السرعة. انتابها البرد في تلك الليلة، بردٌ مألوفٌ ايضًا لا علاقة له بالطقس.
****
٣٠٠ صوت = بارت جديد
صباح/مساء الخير
عذرا على التأخير الذي كان سببه بشكلٍ رئيسي الشبكة اللعينة والامطار المباركة.
٦٥٧٩ كلمة بالضبط!! كونوا ممتنين يا رفاق هيهيي
المهم
تقييم البارت؟
بلايك؟
تلميحاته لادوارد؟
رأيكم بكلام اجاثا عن بلايك؟ وايش بالضبط تقصد بكلامها لآيلا؟
ايلا؟
ايفان؟
جوني؟
دينيز اخيرًا😂♥️
رأيكم بهازال وظهورها الأول؟ شخصيتها توقعاتكم لها؟'
جزئكم المفضل في الجزء كله؟
اسوأ جزء؟
لا تنسى التصويت
Bạn đang đọc truyện trên: Truyen247.Pro