Chào các bạn! Vì nhiều lý do từ nay Truyen2U chính thức đổi tên là Truyen247.Pro. Mong các bạn tiếp tục ủng hộ truy cập tên miền mới này nhé! Mãi yêu... ♥

٣

(باريس ، فرنسا)

استطاعت ايلا ان ترى من النافذة التي تجلس بجوارها الليل يهتك الصبح والغيوم تطفو حبلى بالمطر في السماء،  وقد حل المساء ليلكيًا شفافًا ، كوب القهوة امامها ساخنٌ يتدفق البخار منه . وتمامًا مقابلًا لها يجلس السيد المحامي بيير يتحدث منذ ساعة عن حقها بوراثة الملايين التي خدع جدهُا -المزعوم- جدتها واخذها تاركًا الاخيرة حَبلى ووحيده لتربي ابنتهما الوحيدة جوليا.
صار لونُ السماءِ في ذات المساء داكنًا لدرجةٍ اثارت فيها الاحساس المشبع بالكآبة ، وأحست بروحها ايضًا تشتهي البكاء والنحيب أسفل سريرها ، لا شيءٍ سوى لانها تحس بكمٍ لا يستهانُ بها من المشاعر السوداء والثقل وقد حط فوق كاهِلها

كان السيد الشاب بيير ما يزال يروي باسهابٍ الحقائق الفضيعة والمخزية في الان ذاته الى حد لا تستطيع تحمله لكلٍ من ماضيّ جدتها و هذا السيد 'آندريه مانويل' الجالس بسكون وصمت ، و قد تضمن الحديث امها في مواضع كثيرة  ، وفي كل مرةٍ يذكر فيها إسمُ جوليا كانت شفتيها تصبحان معًا ملتصقتين كخطٍ رفيعٍ يعتلي وجهها لأنها دون شعورٍ بات تقضم كلتاهما بالتناوب كردِ فعلٍ لا ارادي نجح دون نيةٍ منها بأن يشتت بييّر تمامًا.

والاسوأ ان جدتها تبدوا متصالحة تمامًا مع كل ما يُقال ، لا تدري إن كان الأمر أحد دراساتها الفلسفية لكنه يزعجها بطبيعة الحال ، إن كل شيءٍ لا تفهمه يثير فيه شعورًا بالحمق والغضب ، راقبتها تحتسي قهوتها ذات الرائحة اللاذعة في الانف تمامًا كطعمها ، و كأن لا هم فوق كاهلها ينوح ، بل وكأن الموضوع لا يمت لها بأي صلةٍ لا من بعيد ولا من قريب
اما الرجل الاخر المدعو بمانويل -وقد عاد مجددًا من سيارته- يجلس على كرسيه الالكتروني مقابل جدتها وما بينهم سوى الطاولة والعديد العديد من الجدران اللامرئية العالية.
يتبادلون النظرات الصامتة بينهما او فيما يبدوا كحديثٍ خاصٍ لا يجسران على البوح به علانيةً ، كالحاجز حط يفصل بين الرجل وجدتها من صوب وهي المحامي في الجهة الأخرى .

تجاهلت ايلا السيد بيير ولا شيء يتردد في اذنها سوى كلمة "شقيقيكِ" التي نطقها ، ان هذين الشخصين المجهولين التي تحمل دماءهما نفسها في عروقها ولم يحدث وان قابلتهما طوال حياتها ، يشكلان معًا الصلة والروابط العائلية الوحيدة بالاضافة الى جدتها من والدتها ،هما الامنية التي نفثت بها امام نيران ليلة رأس السنة مرارًا وتكرارًا دون كللٍ أو ملل.

لطالما كانت ايلا فتاةً وحيدة داخليًا واجتماعيةً خارجيًا ، ضدان يتصارعان في جسدٍ واحد، شمس طفولتها غربت تمامًا أسفل جبلٍ عملاقٍ كان هو موت أمها وانزواء جدتها في اعمالها الاضطرارية لتستطيع الصرف على كِلتِاهما، لا زالت تتذكر تلك اللحظات عندما تقضي الاعياد وحيدةً تحتضن جسدها قرب مدفاءةِ بيت الجيران عندما لا يكون لجدتها خيارٌ سوى تركها هناك ، هم كانوا ودودين تِجاهها وطيبين ، لطالما كانو كذلك .. لكن رغم ذلك ورغم الكثير تحس ان مكانها ليس معهم ، كانت تريد ان تكون في بيتها مع جدتها تأكل كعك الليمون الشهي الذي تعده. وامها تضحك احدى ضحكاتِها النادرة الحزينة وتحكي لها حكاية بينوكيو -ككل سنة- لكي تجعلها تكف عن تلاوة الكذبات لتحصل على المزيد من الكعك.

اهٍ من ذلك الكعك ، اطيب شيءٍ من الممكن للمرء ان يتذوقه ، لا شيء يمكنه منافسته ، فجاةً شعرت بنفسها تشتهي اكله .. فبللت فمها برشفةِ قهوةٍ بددت اللعاب في فمها واعادة لها احساسها بالواقع ، و مسحت دمعه حاولت المناص من عينها ، ثم رفعت رأسها كما تفعل دائمًا بعد كبت اي عاصفة تهب داخلها

راح الرجلين وجدتها يراقبون اصغر حركةٍ تقوم بها بكل تركيزٍ وحذر ، وكانها من هؤلاء المرضى النفسيين الموشكين على اذيت انفسهم او اي احدٍ اخر وهذا اثار حفيظتها ، مجددًا مررت لسانها على شفتيها مما افقد بيير تركيزهُ مرةً اخرى في تحديقه هناك، كان قد انتهى من كلامه كما يظهر وحط الجميع في صمتٍ مقفر

لا احد يجرؤ على فتح فمه بمن فيهم ماريّا التي تبدو الى حدٍ ما ساكنة ومسترخية وواقعة تحت اطنانٍ من الافكار المبهمة ، وربما يعود السبب للقهوة الفرنسية بالنبيذ الوردي التي احتستها ، حتى وجنتيها غمرتهما حمرة السَكر المحببة ، لكن المشروب رغم ذلك لم يفلح بأن يخمد عينيها المتيقظة والمتحفزة لمحاولة احباط ايٍّ من احاديث بييّر ان لم ترق لها

تكلمت ايلا اخيرًا بنبرة لا تقبل اي تنازل  "جدتي.. اخبريني عنهما ، عن امي وعن...ابي."

فلم يكن من ماريّا سوى اخراج زفرةٍ عالقة وهمست اسفل انفاسها "علمت ان هذا اليوم اتٍ لا محالة، ابيك .. اه من ذلك الرجل الغاضب على الدوام ، لا اعلم ماذا اقول عنه بالضبط ، علاقتي معه جيدة .. اذكر بانه اكثر الرجال الذين قابلتهم في حياتي صلاحًا ، كان كما تعلمين انجليزيًا وكعادة هؤلاء القوم صارمًا، احب امك كثيرًا وتوج حبهما بالزواج واطفالٍ اصحاء ، جايك وجوني اسمهما ، جوليا قالت لي بأنه يظنها قد خانته .. انه راءها مع رجلٍ اخر لا تدري من هو ،و ايضًا في غمرةِ سخطه شكك بان طفليها هما طفليه ايضًا ونعتهم من فرط غضبه باشياء قبيحة.
لقد قام بدفع كل شيءٍ في وجهها وطردها من منزلهم بعد ان حرص على ان تعود مباشرةً الى فرنسا ، ملك المال والسلطة لان ينهي كل شيءٍ سريعًا ، ولم يكن يعلم بانها حاملٌ بكِ ولا يزال لا يعلم،
انتِ لستِ موجودةً بالنسبةِ اليهم ، وهي ميتةٌ بالنسبة لهم على أيةِ حال
الحقيقة ان قصة طلاق والديك لا تزال في الظلال ، كل ما يجب ان تعرفيه ان جوليا اخفتهُ عنك لسببٍ .. إن بلايك يا صغيرتي -والذي يكون ابوك- رجلٌ قوي ، وإن علم بوجودك فانه كان سوف يأخذكِ باسم القانون منها كما فعل مع جايك وجوني قبلًا ، ولن يكون لها حيلةٌ ازاء ذلك ، اخبرتكِ بأن فقدانكِ كان خوفها الاعظم .. لانها جربت ان تفقد فلذتيّ كبدها من قبل ، ولن تجازف بان تفعل المثل بك ، لاحقًا سمعتُ بانه عاد لزوجتهِ الاولى بعد اشهرٍ من طلاقه وهنا انقطعت اخباره عني." كانت تقرب الفنجان الى فمها لحظتها فبدت حركتها بطيئة كمشهدٍ سنمائيٍّ تتبعهَا الثلاثة

فضمت ايلا شفتيها مجددًا واعادة بنظرها الى السماء الداكنة ، الخيوط في رأسها بدت تتشابكُ شيئًا فشيئًا ، وصارت تملك اجابةٍ لم تحلم في يومٍ ان تحصل عليها،
الاول انها الان عرفت لماذا تتعاطى والدتها ادوية الاكتئاب بشراهةٍ اثارت فيها الاحساس بالعجز... إلى أن حدث ما حدث.... الثاني متشعبٌ لأمرين ، احدهما انها لا تعرف بماذا تحس تجاه والدها
ا بالمقتِ لأنه تسبب بكل الوجع لأمها؟ أم العفو تحت فكرة انه قد يكون في ضلالة؟ لكن هذا لا يبرر له عدم سؤالها، ان كان غضبه هو ما تسبب لهم بكل هذه المعاناة فهذه كانت غلطته التي لن تغفرها، مع ذلك يضل
موقفه بالنسبةِ لها محير ولا تستطيع ان تدرك اهو اسودٌ ام ابيض.

والاخر أمر اخوتِها ورغبتها الملحة برؤيتهم ، ليس من حق اي احدٍ ان يمنعها عنهم او ان يمنعهم عنها ، هذا هو كل ما تحتاج لمعرفته

ظهر الاساء على ملامح آندريه وهو ينصت لكل هذا ويحدق بكوب القهوة حيث ما تزال الابخرة المتطايرة تبوح بحرارته ، يعاني من عذاب ضمير ابوّته المتأخرة جدًا واحساسه بالذنب والدونية لكل خطايه الدنيئة ، لربما هو حقًا يستحق الموت وحيدًا ومتروكًا كما قيل له، نظر الى ماريا امامه .. ماريا التي تعد اول اكبر ذنبٍ في حياته وبداية كل شيء ، و دون ان يفكر وجد نفسه يحاول الثبات امام عينيها الغائمة

"اذًا؟ كيف حالك يا ماريّا."

"كما ترى انا بصحةٍ جيدة." واخفضت نظرها تتفحص الجسد المنتكس على مقعده الالكتروني

فابتسم واردف "ربما تكون هذه ما اعتدتي تسميته بالعدالةِ الالهية."

"الله عادلٌ يا سيد مانويل ، لكن صدقني مهما بلغت بي الامور اقصى حدودها لن اتمنى لك الموت ابدًا ، انت في النهاية والد ابنتي و جد احفادي الثلاثة."

"على ذكرِ ذلك هذا يوصلني الى نقطةٍ مهمة .. ، تمامًا مثل ايلا عزيزتي ، انتِ و حفيديّ الاخرين لكما جزءٌ من وصيتي."

قالت ايلا تشد على اسنانه وبكامل اللباقة التي تعلمتها من جدتها "أُاكد لك يا سيدي انا لست عزيزتك."

تنهد المسن وتصلب جسد المحامي الشاب بتأهبٍ لا داعٍ له ، لا بد من ان الاجتماع العائلي -المتأخر جدًا- يضغط على كاهلهِ أكثر مما كان من المفترض ان يحدث.

"انا اتفهم ذلك و اقدر لك مقتك واحتقارك لي ، صدقيني افعل، انا بنفسي امقتني اكثر من اي شيءٍ ، لقد ارتكبتُ العديد من الاخطاء في حياتي وفقدت ازاءها معظم الاشياء ولربما كل شيءٍ ، وقريبًا جدًا سأُعيد امانةَ التراب ، ان السرطان يا ابنتي ينهش لحمي وعظمي كل يوم بلا كللٍ وملل ، وهذا لن يمنعني من ان افعل كل شيءٍ واي شيءٍ لأُصحح اخطائي..لا استطيع ربما لكنني أامل عكس ذلك ، ان كان الله رحيمًا بي كما ارتجي ان يكون ، فأنا اريد ان اقابل جوليا دونَ حملٍ يجثم على كاهلي ، ماريّا .. هل تسامحينني؟"

"من الجلي والواضح انني لا املك شيئًا اقوله لك حقيقةً ، لكن يجب ان تدرك ان السبب الوحيد لإبقائي لك في منزلي حتى هذه اللحظةِ انني اريدك ان تفعل ما توجب بك ان تفعله من قبل .. سوف تساعد ايلا بأن تكمل دراستها الجامعية وتحصل لنفسها على حياةٍ افضل، بهذا القدر فقط ، مستقلة كما ينبغي لها ان تكون، هذا فقط ما اسمح لك بان تفعله ، لا شيء اكثر أو أقل.. يمكن اعتبار الأمر تنازلًا مني لأجل مصلحتها."

بنبرةٍ حزينةٍ لم تتخيل يومًا ان تسمعها ولم تعتدها بعد همس بصوت خافت "اتفهم."

"جيد."

وغرقا في الصمت مجددًا ، يستمعان لمعزوفة ترنمت بها الرياح بصوتٍ شجيٍّ في أروقة الأزقة ، وراح المطر أصفر يهطل على النافذة بوقعٍ هادئ بينما الريح تسحب الأوراق المصفرّة على طول الشارع كلوحة متحركة .

"ماريّا .. أنا آسف."

"أعلم."

"الا يوجد شيءٌ لتقوليه اذًا حيال ذلك؟."

"على الإطلاق.. لكن مع ذلك اخبرك يا سيد مانويل ، انا لست حاقدةً ولا ناقمةً عليك ، ليس بالطريقة التي تتوقعها على آيةِ حال.. و إن كان هنالك سماح فسيكون لأنك فقط اتيت الى هنا لاجل ايلا ، بل لأجل أن توفر لها حياةً افضل"
ونظرت الى المعنية بطرف عينها وتابعت "حتى لو لم تكن الاخيرة راغبة في رؤيتك ، ولها كل الحق في ذلك."

حط الجميع مجددًا في ذاك الصمت المثير للاعصاب ، بيد ان مانويل يبدوا وكأنه حرفيًا طافحٌ في ندمهِ وعارهِ اذ ان الدموع عالقة في رموشة ، وهو يرفع رأسه بكبرياء في محاولة لمحو اي اثر ضعفٍ واضح ، والتفت اليها هامسًا بصوتٍ أجش "ماذا عنكِ؟ الا تعتقدين ان هذا العجوز الكافر يستحق العفو؟."

قالت ايلا دون ادنى تفكير وباصرارٍ شديد "انا ارغب بمقابلتهم..ان اردت السماح فإجعلني اراهم."

مما جعل ماريّا ترفع رأسها بغير إستيعاب

"سأفعل..سترينهم من جديدٍ اعدكِ ، شاء ذلك الرجل ام اباء."

ثم صدح صوت الرعد مزمجرًا كنبؤةِ شؤمٍ تحذرهما لم يلقيا بالًا لها.

***

في وقتٍ لاحقٍ من المساء ، كانت ماريّا في غرفتِها ترتدي قميص نومِها الأبيض الطويل وتعبث بأكمامهِ بسرحان في ضوء المصباح الخافت والوحيد ، المنزل كله غارقٌ في الظلام والسكون مما يعني بلا شك ان ايلا ما تزال في مكان ما في احد الزوايا تفرط بالتفكير بما هي مقدمة عليه ، كانت ماريّا مدركة بحزنٍ شديد واسى حقيقيين أن حفيدتها تلعب بالنار ، وليست أي نار

انما اعنف كوابيس جوليا ستتحقق بمجرد ان ينهي المحامي ما يعتقد انه ضروري للقيام بخطوة كاقتحام حياة عائلة سالفاتور من جديد ، امالت رأسها تنظر من خلف ستار النافذة  الشفيف ، الريح تأخذ الأوراق الصفراء والبرتقالية بعيدًا ، تسحبها في دوامات وتراقصها مبتعدة بها الى نقطة لا تستطيع رؤيتها حتى وان حاولت امعان بصرها ، من جهة أخرى هناك صوت صغير يافع ترفض الخضوع والاستماع له يهمس لها بان حفيديها جون و جايك سيعودان من جديد لحياتها وسوف تستطيع لمسهما وشمهما من جديد كما اعتادت ان تفعل في صغرهما ،  أمل ضعيف وصغير لكن لطيف يبعث البهجة في روحها ويدفئ قلبها ؛ ان احفادها الثلاثة سوف يجتمعون اخيرًا تحت سقفٍ واحد تمامًا كما يفترض بهم ان يكونوا ، استندتْ على الوسائد خلفها ونظرة الى السقف حيث هبوب النسائم اللطيفة القادمة من النافذة المفتوحة يحرك الستائر ويرسم ظلالًا غريبةً . وهنالك تلك الرائحة المنعشة النفاذة التي تعقب المطر.

نهضت من على سريرها تغلق النافذة وتسحب الصندوق الذي ضلت تتئأمله منذ ان اخرجته من مخبأه السري ،
كان الصندوق مزخرفًا برسومٍ لزهور و حشائش ، ‏صندوقٌ قديم ذا لونٍ معدني باهت ، تقشّر طلائه ، وظهرت بقع الصَّدَأ متفرقةً عليه , كرشّة ماء على زجاج نافذة ، فتحت الصندوق ونفحتها رائحة القِدم والغبار الذي لم تدري كيف دخل ، لكنها مع ذلك رائحةٌ طيبة، تلك الرائحة المألوفة لعبير الذكريات المرة واللذيذة في آنٍ واحد ، يشبه لحدٍ ما رائحة المطر

كان يحويّ في جوفه اوراقًا كثيرة  ، رسائل عابرة لم تتخطاها بعد .. ، في القعر تحديدًا هناك تقبع مجموعةُ صورٍ يضمها خيطٌ بنيٍّ سميك رُبِط كأنشوطةٍ تمنع هروب اي صورة من ملامسة الاخرى ، معًا يشكلون دفترًا سميكًا هو الاخر ، أغلقت الصندوق مجددًا وخرجت من غرفتها ، الرواق معتم وبارد .. لكن ضوءٌ خافتٌ تسرب من غرفة الجلوس ورائحة شايٍّ معدٍ حديثًا وصلتها

نزلت الدرجات وهي تحمل الصندوق و تحتضنه برفقٍ كما لو انها تحمل طفلًا رضيعًا

و وجدت ايلا في مكانها الذي لم تغادره على اريكة بمحاذاة النافذة تراقب زخات المطر تهطل بلطف على الزجاج وكأنها تداعبه ، سارحة في الفراغ وحزينة .. فنجان الشاي بالنعناع طيب الرائحة كان الدليل الوحيد على كونها تركت مكانها لخمس دقائق على الأقل لتحضره

"لماذا لم تنامي بعد؟"

"لا  رغبة لي.." لم تلتفت حتى وهي تنفث باجابتها المقتضبة

"انتِ غاضبة مني؟ ا لأنني لم اخبرك؟"

"انا فقط لا ارغب بالحديث ، جدتي .. لطفًا اتركيني وحدي."

"اذا فعلت ذلك لن تنفك عن تجاهلي او تجنبي .. وانا لست مستعدة للعب معك لعبة القط و الفأر ، اتفهم غضبك وحنقك لكن يجب ان تدركِ امرًا واحدًا فقط ، بل هو اهم شيء ، ان كل شيء فعلناه كان لحمايتك ، لا أخفي انني لست موافقة كليًا على ما تريدين فعله لكنني اتفهمك ولن أمنعك."

تنهدت مجددًا وهمست باستسلام وخضوع "ان اردتِ استطيع ان اساعدك بشكلٍ ما ، سوف اخبرك بكل ما تريدين ان تعرفيه .. فلا فائدة من خفاء أي شيء بعد الان بما انك عرفتي معظم الأمر ولن تصمتي على أيِّ حال."

رفعت حاجبيها بشكٍ واعتدلت بجلستها "كل شيء؟"

"كل شيء حبيبتي ، اعدك"

"حسنًا انا أستمع." و اردفت "انت قلت كل شيء وهذا يعني حرفيًا كل شيء ، لا إخفاء للحقائق او تمويهات أيا كان نوعها." ثم افسحت لها على الاريكة لتجلس بجانبها واعتدلت بجلستها ، كان الجو مشحونًا لحد ما ، وانتظرت ايلا بقلةِ صبرٍ جدتها ان تبدأ الحديث ، بعد وهلة خيّل لكليهما بأنها امتدت امدًا طويلًا ، لملمت ماريا شتاتها وقالت

"والدك رجل انجليزي من عائلة غنية ، يدعى بلايك سالفاتور ، في الفترة التي قابل فيها والدتك كان يمر بحالةٍ صعبة بعد ان تبرأ منه ابوه و طرده من منزله و عمله لأنه قد تطلق من إبنة عمه التي اجبر عليها ، فخسر كل ثروته ، وهنا في فرنسا بلايك وجوليا احبا بعضهما وتزوجا ، والدك ترك ثراءه وسلطة عائلته وعاش في بيروج قريتنا القديمة المعزولة ، كان يعمل ساقٍ في الحانة كبداية ليعيل نفسه وزوجته الجديدة ، ولم يتوقع اي اتصالٍ من والده على ايةِ حال .. وكنت انا سرًا اعيلهما بمساعدة جوليا ، هو رجلٌ صارمٌ وذو كبرياء عظيم وكان يرفض اي مساعدة للعيش ، ضل في بيروج لعدةِ أشهر في البداية ورفض كل الطرفين الصُّلح اذ ان والده اخبره ان يعود لزوجته ويطلق امك لكنه بطبيعة الحال رفض ، عاش الثلاثة، بلايك وجوليا وابنهما المولود حديثًا جايك في بيروج طيلة خمس سنواتٍ ربما ، لا اتذكر كم سنةً بالضبط، عندما علم بأن جوليا حامل مرةً اخرى قرر انه الوقت المناسب لترك القرية والذهاب هنا لباريس ، كان يجب ان يعيل عائلته بشكلٍ ما ، ان يعيلهم جيدًا ويجعلهم لا يحتاجون احدًا غيره ، وهذا ما تأكد منه اذ انه اقترض المال من صاحب الحانة التي يعمل بها وانتقل ثم حصل على وظيفة بمرتبٍ جيد بسبب شهادته العالية واحد معارفه القدمى ، الذي صار لاحقًا عراب جون، رجل طيب نسيت اسمه، اعتاد الثلاثة بلايك و جوليا وطفليهما زيارتي في بيروج ، الامور كانت تسير على خير وكانو عائلةً صغيرة محبة ، غريبة اطوار قليلًا لكن هذه كانت سمتهم المميزة ، بقي بلايك في عزلته بعيدًا عن وطنه وعائلته حوالي الثمانية اعوام ، وحينها اتصل به شقيقه الاصغر - لا اذكر ما اسمه ، بل واتى الى هنا ايضًا ، اخبره فيها ان ابوهما يسامحه ولا يريد فقط سوى رؤيته ، ليأتي بزوجته واطفاله ويعيشوا هناك معهم وليعِد لنفسه حياته القديمة دون اي تنازلات ، ابوك وامك ذهبا الى لندن وعاشا هناك ، كانت جوليا عندما تتصل بي تخبرني بأنها سعيدة وترسل لي صورًا لأبنيها في الفيلا الضخمة التي يعيش اربعتهم فيها ، كل شيءٍ بدا لي مثاليًا وكاملًا ، ابوك يحب امك ، تصالح مع عائلته وعاد لحياته الطبيعية ، وسيضل طلاقهما لغز كبير بالنسبة لي ، خصوصًا وان جوليا لم تفتح فمها بهذا الشأن ابدًا ، اعتقد انها لم تفهم ايضًا، عندما عادت كانت حاملًا بك و قررنا ترك قريتنا والانتقال لباريس كي يضيع اثرنا لكي لا يجدك بلايك بطريقةٍ ما ويأخذك انتِ الاخرى منها كما فعل بجوني و جايك."

"هذا يجعلني حزينة وراغبة في البكاء أكثر."

تأملت حفيدتها بصمتٍ حزين. في السابق كان لها شعرٌ أحمرٌ غنيٌّ كما أشجار الخريف بالخارج ، كشعرِ أمها، مُشع و صحي ، لكنها بتسرعها المعتاد جعلته أسودًا ، وهذا يجعلها تتخيل احيانًا نارًا عظيمة استحال حطبها غبارًا اسودًا تذروه الرياح  ، عينيها زرقاوتين غامقتين وعميقتين كالمحيط،  تحملان في جوفهما مجرةً متلئلئة لا نهاية لها تحدقان الآن في نقطةٍ عمياء في السقف ، ومن الواضح أنها لم ترتاح سوى سويعاتٍ قلال طوال الليل ، اذ ان التعب رسم بخطوطه المشوهه عليهما ، لقد منحها الحزن مظهراً مستضعفاً ومتعطشاً. إذا كان أي شيء ، فقد جعلها أكثر جمالاً فقط

جمال فريد من نوعه إعتاد ان تلتف رقاب السياح لأجله في كل مرةٍ يرونها تسير سارحةً في الشارع ، غير آبهةٌ بوجودهم أو ربما لم تنتبه فقط

"يا حبيبتي الحلوة ، سوف اريكِ شيئًا من المؤكد بأنه سينجح بإثارة إبتهاجك."

"ما هو؟."

فتحت ماريّا الصندوق تنظر الى صورةٍ فيها عينين صغيرتين ظريقتين يفصل الخيط بينهما ويتصل تقاطعيًا مع اخر قسم انف من بالصورة وفمهِ ، وسحبت الصور من القاع

يظهر المشهد في قريةِ بيروج حيث منزلهم القديم ، تحديدًا في السهلِ القابع مقابلًا للمقبرة ، و في يومٍ صيفي منعش كان الطفل يركض بأرجلٍ مقوسةٍ و أمامه اخوه يسبقه ، بشرتهِما الناعمة تشعُ بنورٍ باهت ، وفي الزاوية ظَهر ينتمي لرجلٍ عريضٍ فاحم الشعر و منحني بجذعهِ يفتح ذراعيه لأول الواصلين ، لم تكن ملامح من بالصورةِ واضحةً تماماً ، لكنها كانت حيةً للغاية ، وكأن اللحظة تمر امامها من شريط فيديو عالي الجودة

الصورةُ الاخرى من نفس اليوم واللحظة، كان الأكبر فيها يبتسم بمكرٍ طفولي وينظر الى الاعلى حيث غشت اشعة الشمس عينيه ، حيث الاصغر يقذفه الرجل عاليًا في الفراغ ويلتقطه بساعديه القويين الاسمرين ، وعلى وجهه الصغير دموعهُ تلاشت لتستحيل ضحكات ، كانت تتذكر تلك اللحظة جيدًا.
كيف يمكن لجايك ان يكون شيطانيًا و بريئًا هكذا؟

وجون ، هذا الطفل الظريف المسكين دائمًا ما يكون الضحية .

الاخرى لجوليا يحضنها نصف جسد بلايك بينما بذراعه الاخرى يحمل جون المغمض لعينيه كعادته في كل صورةٍ عائلية يلتقطونها ، وعند قدميهما يقف جايك يحدق بحذاءه في ملل ، لم يكن ايٌّ منهما ينظر الى آلة التصوير ، و هذا دائمًا ما يحبط جوليا ويثير ضحكات زوجها

ابتسمت ماريّا وهمست لحفيدتها  "تعالي هنا."

تركت ايلا الفنجان ونهضت واقفة لتجلس بجوار جدتها لتحشر نفسها جيدًا بجانب جسدها تستمتع بالدفئ المحبب المتسرب اليها ، و دفنت ماريّا أنفها يدورها في شعر ايلا واخذت بحفنةٍ منه متمتمةً بإمتعاض "ليتك لم تصبغي شعرك."

"كانت فكرة فايَّ وتعرفين كيف هي."

"في الواقع احبه اكثر هكذا.... على كلٍ كنت اريد ان اريكِ شيئًا."

فتشت ماريّا بين الصور التي لم تلقي لها ايلا بالًا في البداية وقالت
"هذا هو بلايك..والدك." كانت عينيه نصفُ مغمضتين ، يجلس بشكلٍ مسترخٍّ ومريح على مقعد خشبي وخلفه واجهةٌ لمحلٍ مجهول  ، و عند قدميه يظهر نصف وجه طفلٍ يحاول انتشال الهاتف من يده ، ولم يكن يظهر ان اثنيهما قد انتبها الى انه يتم تصوِّيرُهما

علقت ماريّا موضحة "ان امك لها عادتها الغريبة تلك بالتقاط الصور فجأةً وبكل سرية."

كانت ايلا تبتسم بشدة من لطفِ الصورة ، وسحبتها تمعن النظر في الطفل ذي الحركةِ الخرقاء ثم وجه بلايك وقالت معلقةً بنظره تقيمية مطولة "انه وسيم."

"ثلاثتهم كذلك..انظري هنا ، هذا جايك ، هو الاكبر."

لهذا الطفل شعرٌ أسودٌ ونظره عنيده ، لون حدقتيِّه تشبه حدقتيِّها وحدقتيِّ أُمهما ، وتظهر يد والده في الخلفية تمسك به ، و كان اكثر شبهًا بأبيه من أمه
"اكثر الاطفال شيطانيةً ، مشاغبٌ جدًا ومجنون..جوليا لا تستطيع السيطرة عليه ، لطالما احتاجت الى وجود زوجها فوق رأسه ليتأدب."

"انه ظريفٌ جدًا ، كيف تقولين شيئًا كهذا."

"الجميع يقول هذا في اول مرةٍ يراه فيها ، في النهاية هم يتراجعون عن كلامهم صدقيني."

"ماما انك تبالغين .. فقط انظري اليه ، اللهي ما الطفه."

"انظري هنا .. اه هذا جوني حبيب قلبي."

"ولكن ... لماذا يبكي في الصورة؟"

"اه جايك سحق حشرته دون قصد، شيءٌ معتاد. احتجنا للكثير من كعك الليمون لجعله يسكت ، حتى ان بلايك عزم على ان يبحث عن حشرةٍ اخرى وهو يلعن ويشتم في النهاية انتهى بهِ الامر يقع في غرامِ ذبابة نسي امرها لاحقًا."

"يا اللهي كم هم غريبيِّ أطوار...لكن يبدون سعداء للغاية."

"بالفعل كانوا كذلك."

ابتسمت بإبتهاجٍ واصابعها تضغط على الصورة وكأنها تحفر في غمازةِ الطفل الأشقر الباكيّ ، لحظاتٍ فقط وانضمت اليه بالبكاء

"انا لا اصدق انكم اخفيتم عني وجودهم."

"اه حبيبتي. اخبرتكِ هذا كان ضروريًا .. الامور لم تعد كما كنت، هذه الصور ليست سوى ذكرياتٍ تلاشت ، لا تعلمين ما الذي حصل .. ولا انا حتى ، جوليا لم تخبرني بشيءٍ سوى انها لم تفعل شيئًا على الاطلاق ، وانها تريد فقط حمايتكِ ، مما يجعلني هذا اتساءل .. ولا تظني بي سوءً او انني أحاول منعك ، و لكن هل انتِ حقًا مدركةٌ لما انتِ مقدمةٌ عليه؟"

"اجل ، انا كذلك ، لا تدرين كم اتمنى لو كانت الامور مختلفة.." اعادة بنظرِها مجددًا لصورة تجمع الاربعة معًا بوجوهٍ حجب ضوء الشمس لونها الحقيقي ، وجعلها مضيئة وشاحبة.

ماريّا تعرف حفيدتها جيدًا كما تعرف راحة يدها ، ايلا في هذه اللحظة تحدق بصورةِ الثلاثة معًا بشرود . لطالما كانت تاخذ الأمور على محملِ الجد، حسَّاسة بطبيعتها ولكن شديدة البرودة إن ارادت. هي إن كرهت كرهت بكل خليةٍ تجسد كيانها ، أو عكس ذلك تحب بكل قلبها. لم يكن هناك ما يسمى بالمنتصف بالنسبةِ لها . كان كل شيءٍ أو لا شيء. و هي في هذه اللحظة التي تطالع فيها الصور بحسرةٍ أرادت كل شيء ، ومن الجلي انها لن تقبل بأي تنازلات.

****
(لندن ، بريطانيا)

وضع كأس النبيذ الايطالي جانبًا ، نبيذٌ أحمر كثيف المذاق ، قاني الحمرة كدمِ الغزال ، ومستورد مباشرةً من مزارع صقلية ، له أثر لاذعٌ محببٌ في الفم ويثير الرغبة بتذوقه مرارًا وتكرارًا ، إذ أنه بعد أن شربه دون رغبةً حقيقيةٍ للشرب انتهى بهِ الأمر بإفراغِ الكأس تمامًا ،
، ففي لحظاتٍ مماثلة تبدو الرغبة بالطعام والشراب لا نهائية ويحسب الإنسان أن بمقدوره شرب ما يشاء وأكل ما يشاء لساعاتٍ طويلة ، ورغم ما ابداه من استحسانٍ ورغبة منع نفسه من سكب المزيد بصرامة

و كان التعب قد أستبد به على ايةِ حال ومنعه من مواصلتِ سهرته ، مع ذلك قبل ان يصعد الى جناحة تأكد من سيرِ الأمورِ بسلاسة ، الجميع رَاضيٍّ ، بالأخص ، ابيّه ، و ابناءه -جميعهم- حوله يلهون وقد تغاضى كرمى لمناسبةِ الزفاف عن شربهم النبيذ بإفراط ، سيترك الأمر يمر بسلامٍ فقط دون ان يفتح فمه، ولا بأس ان إنتابهم الصداع و مرضوا على أثر ذلك في اليوم الموالي مقابلًا للبهجةِ التي يحسون بها ، علَّ ذلك يعلمهم شيئًا أو أثنين 

نهض من فوق الأريكة المخملية وخلع بذلته الرسمية و حل ربطة عنقه التي خيّل له وكأنها تحاول خنقه ، وتوجه ناحية السرير بإنهاكٍ شديد. يدرك بأن حاله لن يختلف عنهم إذ ان الصداع سيستولي على رأسه تمامًا بمجرد ان يغمض عينه ويسترخي ،  ورغب بأن يدخن سيجارةً براحةِ البال التي تنتابه لسببٍ مجهول ، يمكنه إعتبارها كجائزة ظفر بها بعد ان تجاوز هذا الأسبوع المنهك ، لكنه لحظتها تذكر بأنه كف عن التدخين منذ أمدٍ طويل ، وانه لا يملك اصلًا سجائر في جناحه ولا في اي مكانٍ أخر ، مما جعله يقطب حاجبيه عابسًا. كان النور الخافت للفجر يتسربُ من باب الشرفة المشتركة الموّارِب ، استلقى على سريره دون ان يخلع نعليه واسدل رموشه الكثيفة ، كانت لحظاتٍ قليلةٍ ينعمها بالصمت والسكون حتى فُتِح الباب و سمِع وقع الصوت المعتاد والمزعج لأحذية زوجته ذات الكعوب العالية

"اوه عزيزي انت هنا! كنت أظن بأنك تنوي توديع ضيوفك."

زفر يسحب وسادةً لينقلب على جانبهِ ويحتضنها "كاميلا انا منهك ، وودعت من قرر منهم الرحيل بالفعل."
لوت شفتيها كعادتِها عندما تسمعُ شيئًا لا يعجبها وتمتمت "حسنًا كما تشاء." ثم راقبها بعينٍ مفتوحةٍ تدلف الى غرفةِ تغيير الملابس ، وأغمض عينه مجددًا وقد انتضمت أنفاسه لكن صوتًا خافتًا ايقظه مجددًا ، ضوضاء مستمرة لهمسات عالية بدت له بسبب الصداع صراخًا مجنونًا ، نهض من على سريره بتململ بغية ان يتفقد الأمر

عندما فتح الباب وجد عمته اجاثا بعكازها الخشبي الثقيل تقرع الارض في مشية بطيئة تهمهم لنفسها متجهةً لغرفتها "مرأة مقيتة ، كيف تجرؤ .. كيف تسمح لنفسها اساسًا ، اولادٌ بله ، و ملاعين."

قطب بلايك حاجبيه بعجب واتكئ على الباب
"عمتي، ماذا حدث؟."

كانت العجوز تبدوا فزعة من فكرة كونه قد استمع لها دون ان ينتبه ، و لوهلة فكرت ان كان بإمكانها ان تخبره ام لا ، بلايك ينظر له نظرة مستخفة اعتاد ان يلقيها في احيانٍ كثيرة للجميع بلا استثناء وينتظر منها ان تنتهي من عبورها من امام جناحه ليذهب للنوم مطمئن البال

"كاللص تمشي على اطراف اصابعك ماذا تحسب نفسك فاعلًا؟ .. لكن جيد انك ظهرت كنت ابحث عن احدهم ، اي احد."

"عجبًا." همس "ماذا حدث مجددًا؟"

"قل ما الذي لم يحدث ، امرأةٌ تضرب رجلًا ، اي عصرٍ نعيش فيهِ الآن .. تلك المخبولةُ ميلاني زوجةُ أخيك صفعت إبنك!"

"ماذا؟." اعتدل في وقفته ، ومن خلفه ظهر صوت كاميلا فضوليٌّ تهتف "ماذا يحدث عندك يا عزيزي."

"اخرسي انتِ." صاحت العجوز بدورها بصوتٍ عالٍ ، وتجاوزها بلايك الى الاسفل يبحث عنهم ، غير آبهٍ لحقيقةِ انه لا يرتدي بذلته الرسمية ولا ربطة عنقه، وتقريبًا النعاس طار من عينيه ، وخلفه بحركتها البطيئة تبعته عمته تحاول اللحاق به بعجله ، ومعها كاميلا الممتعضة والماقتة للسان عمتها الطويل جدًا

عندما نزل السلالم الطويلة وجدهم بالأسفل ، إليزابيث حانقة مكتفةً ذراعيها تحدّج ميلاني بنظراتٍ ماقتة ، والاخيرة في حضن زوجها تتصنع البكاء اذ انها تترقب ظهور عمها في اي لحظة

"ما الذي يحدث هُنا؟."

قالت العمة اجاثا "اخبرتك بان الافعى صفعت ابنك."

نظرت ميلاني بطرف عينها الى عمتها بعبوس ثم الى بلايك الذي تقدم ناحيتها يستفسر

"ميلاني؟."

"ابنك ذاك شتمني ، وامام ابنتي ايضًا."

"فعل ماذا؟"

"بلايك.. جون لن يشتم شتيمةً كهذه ابدًا." قالت إليزابيث تمسك بذراعه ، من الجلي انه بدأ يفقد اعصابه ، وهي تحاول بشدة ان تسير الامور على خير ، هذه المرة فقط ، فهمست له "الضيوف بالخارج ، لا تنسى."

كان نايت و ستيفان زوج ميلاني موشكين على الخوض في مجادلة كلامية حادّةً تفضحهم لولا انها ارسلته و جون ذي الوجنة المحمّرة الى الشرفة ، والان فقط كل ما رغبت به هو اخراجهما من هنا سالمين ، تلفتت حولها تبحث عن امها و ابيها لكن لا شك بأنهما ما يزالان يجهلان ما حدث

"للمرة الاخيرة ، انا اسأل ما الذي حدث بالضبط؟ واي شتيمةٍ هذه؟"

مجددًا ادعت البكاء تدس وجهها في صدر زوجها بعيدًا عن نظرات عمتها اجاثا المستخفة ، وقالت وسط شهقاتها "لقد نعتني بالعاهرة."

"تجرأ وفعل ماذا؟" كاميلا اخيرًا تحدثت ثم التفتت الى زوجها "اخبرتك ان طويل اللسان ذاك قليل أدب ، لا يخجل ... يجب ان تأدبه يا عزيزي."

"بلايك ، جوناثان ...."

"إليزابيث أصمتِ."

جز بلايك على اسنانه وزمجر "مهما فعل ، هو إبني أنا ، إبن بلايك سالفاتور ، ليس لأيِّ احدٍ الأحقية بلمس ايٍّ من ابنائي ابدًا ، اتسمعين ؟ إن قل أحدهم أدبه أنا وحدي الكفيل بتربيته ، لا أحد اخر ، وأاكد لك بأن اي شخصٍ يلمس اي منهم سيندم اشد الندم ، وهو ان فعلها سيندم على ما قاله وسيتعذر منك ، أين هو الان؟."

سارعت تجيب قبل ان تفتح إليزابيث فمها "انه بالشرفة."
وابتسمت بإنتصارٍ وهي تشاهده يغادر بمشيته الغاضبة

قبل خمسة عشر دقيقةً بالضبط كانت تبحث عن ابنتها مع زوجها ووجدت كلوديا متكئة على طاولةٍ مقتضة في الحديثة تنظر سارحةً ناحية باب القصر ، تحديدًا للشاب الأشقر المنشغل بهاتفه ، نظرتها التي تعرفها جيدًا كما تعرف راحة يدها ، كانت بكرُها الجميلة اليافعة مغرمةٌ بجوناثان ، الابن اللقيط الذي لا تطيقه ، حبها السري الذي من المرجح انه سيكون متبادلًا ان لم تفعل شيئًا حيال ذلك ، خصوصًا وإن لاحظ عمها ان حفيدته تكن مشاعرًا عميقةً لحفيده ، هذا ذكرها بأمه تلك الفرنسية التي بطريقةٍ ما جعلت بلايك مغرمًا بها ويرفض الانفصال عنها حتى رغم كل ما حدث ، لذلك قررت انها إن لم تفلح بتأليب مشاعر ابنتها فإنها سوف تعمل جاهدةً لتنفر جون منها ، تركت زوجها واخذت كأس النبيذ من يده عنوةً وهو الاخر استأذن من الرجل الذي توقف ليحادثه وتبعها ، كان جون الآن يدلف الى الداخل ينوي التملص من واجباته الاجتماعية للذهاب لغرفته ، بعد ان ودع اخوه الأكبر ديريك بعناقٍ طويل وسلم على السيدة سالفاتور الجديدة ، سبقهُ نايت المنهك هو الاخر والذي كان تقريبًا يمشي وهو شبهُ نائم ، متعمدةً اصدمت به و سُكب النبيذ على قميص سترته الأبيض

فتمتم لها "معذرةً." مع انه مدركٌ جيدًا انها متعمدة ، لكنه فقط ان اراد للأمر ان يمضي على خير

"عاهر كوالدته." هسهست وسكبت باقي النبيذ على سترته ، بهدوءٍ مسح جون ما وصل فمه من قطرات ولعق اصبعه وقال يدس يديه في جيب بنطاله "العهرة هم من نصبوا لها فخًا ، الا تظنان؟"

فتحت فمها لوهلةٍ غير مستوعبة ما يتحدث عنه ، لكن يدها ارتفعت وطبعت بصماتِها على وجنته اليُمنى التف على اثرُّها وجهه

رفع جون يده يتلمس وجنته يتذكر وقع الإصطادم الذي جعل أذنه تصفرّ ، في ذات اللحظة فتح بلايك باب الشرفة ، خلفه إليزابيث تستعجل بمشيتها لتلحقه "أخي .. ارجوك ، كرمىً لي." ومن فوق كتفه استطاع ان يشهد ابتسامة المرأتين الشامتة

"سوف تعتذرُ حالًا من عمك و زوجته."

"لن أفعل .. لم افعل شيئًا يستدعي الأعتذار."

"جوناثان لا تثر أعصابي."

"بلايك ارجوك ، حبًا بالله، كرمىً لي." قفزت إليزابيث امامهما تضع يدها على صدر بلايك تدفعه برفق الى الخلف ونظرت خلفها "جون ، عليك ان تعتذر من عمك لأجل أبيك ، هيا أرجوك."

"لن افعل."

"قليلُ أدبٍ لم أقم بتربيتك كما يجب."

"بلايك..اخفض صوتك فضيوفك سوف يسمعون ، وانت يا جوناثان ، اصعد الى غرفتك الان." اخيرًا ظهر الجد ادوارد سالفاتور ، والد بلايك ، ليفض النزاع ، فورّ ان رأته إليزابيث ارتخى كتفيها براحةٍ غامره لكنها مع ذلك لم تخاطر وتبعد يديها من على صدر بلايك الصلب حذرًا من تقلبات الاخير المزاجية المفاجئة

"ايًا يكن الامر فهو ليس وقتًا مناسبًا له.. اصعد الى غرفتك يا جوناثان." امر مجددًا

"سنتكلم مجددًا." نفث بلايك واستدار مغادرًا يصعد السلالم خلفه كاميلا السعيدة ، ونظر ادوارد الى جوناثان الساكن لثانية قبل ان يستدير هو الاخر ، اعاد جون يلمس مكان الصفعة ثم انزل يده عازمًا وصعد الى غرفته .


***
كان فيه ٢٠٠٠ك زيادة بس قصيتها 🙂؟
كيف البارت؟
الشخصيات؟
الكوفر؟
انا ؟
جوني بوي؟
ال سالفاتو لا فرق الله شملهم؟
السؤال الأهم ، من البطل؟

Bạn đang đọc truyện trên: Truyen247.Pro