٢٩
البارت اهداء الى الحلوة arwa4r 💕.
{رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ}
لا تنسى ااتصويت، و التعليق
*****
شعر بالصداع الإبليسي ينبض في رأسه يخبره بصراحة فجة ، أن اليومين التاليين لن يكونا سهلًا عليه، اغمض عينيه مع تناهي صوت الريح تضرب الزجاج ، تأمل الأشجار الحليقة المظلمة ببرود ، ملامحه خاوية بلا تعابير ، حتى مع محاولات الاريك له بأن يأخذ منه ردة فعل ، اي ردة فعل ، لأنه عندما يعطي بلايك ردة فعل فهذا افضل من الصمت، حتى لو كان ردة الفعل هذا هي ان يرعد و يزبد ، لأن تراكم المشاعر عنده تعني انفجارًا اقوى لا معاله ، على الأقل هذا ما تعلمه من سنوات عمره الطوال معه ، لكن منذ انه لم يتفاعل معه او يعطي ردة فعل حقيقية ، سكت الاريك اخيرًا
عندما توقفت السيارة خرج بلايك من المقعد و ضرب الباب بقوةٍ وراءه ، يأخذ نفسًا عميقًا يملئ صدره بالهواء النقي البارد، بعينين حادتين ينظر الى القمر الذي يحدق اليهم بدوره من خلف السحاب و يختفي حيث تحركه الريح برفقٍ شديد، كانت الساعة تشير الى الثانية بعد منتصف الليل. السكون يغمر المكان لا يقاطعه الا صوت الاريك الذي يعبث بأدراج سيارته، ثم اخيرًا خرج هو الأخر و ضرب الباب وراءه ، ينظر الى المنزل الذي لا صوت فيه ، وسار يسبق بلايك بالخطوات ، توقف الاريك عند عتبة الباب ينظر من فوق كتفه الى رفيقه "هل احتاج لأن أتي و اسحبك؟ هل تشعر بالغثيان؟."
"اغرب عني."
"اوه جيد انت بخير، لا تُطلِّ البقاء عندك في البرد...لا ينقصنا مريضٌ اخر ، ان كنت تفهم ما اعني." واطلق قهقهةً اخرى لتغيضه ، جعلت بلايك ينظر الى البقعة التي كان يقف فيها بحدة قبل ان يختفي جسد الاريك تمامًا و يغلق الباب وراءه ، بقي بلايك للحظةٍ يشعر بالدوار من السّكر، كان الهواء النقي يعيد الصحوة الى رأسه برفقٍ عذب، فجلس على درجةِ الباب ، يشعر بنفسهِ ثقيلةً في صدره، يتذكر ليلة و الأنسُ يغمّرُّه، كان كل ما حوله صامتٌ ، لكن صوتًا في داخله اخبره ان ينهض، ان يحاول كما وعد نفسه بصرامةٍ ان يحاول ، نظر الى القمر مرةً اخيرة و ما يزال يشعر بالدوار "اللعنة.." و شعر بضياءه يزيد من صداعه، فنهض متعرقلًا ، امسك بالجدار ، و ساق نفسه الى الداخل ، كان من الصعب على عينيه التين لم تعتادا الظلام بعد أن تميزا ما حوله، فراح يرتطم بالطاولات القصيرة والأثاث ، يلعن مهسهسًا ، وعندما بدأ يقنط وصل اخيرًا الى الدرج ، تشبث بالدرابزين ، و صعد السلالم بقنوطٍ بارد واصرار
من جهةٍ اخرى تصلب ستيفان في مكانه وهو يسمعه يهمس باللّعنات و الشتائم من اسفل انفاسه ، هو الذي خرج من سريره كأسًا من الماء و توقف في الرواق ليشربه ، التفت وراءه يبحث عن مصدر الضوضاء ، و العرق لسببٍ ما بدأ يسيل باردًا على ظهره ، فشاهد جسد بلايك يبزغ مع الدرج غير منتبهٍ له ، يبدوا على وجه صاحِبهِ الغم ، و بين شفتيه ما يزال يتدفق سيل اللعن و الشتم لسببٍ ما، ولعل السبب كان السكر كما اخبر ستيفان نفسه، حينها حطت العينين المظلمتين على وجه أخيه ببرودٍ صقيعي، نظرته ارسلت القشعريرة في عاموده الفقري حتى اخر فقره
لا يدري ما سر هذا الشعور المقيت الفجائي الذي انتباه ، و بإصرار ضعيف قاومه وهو ينظر في عيني اخيه الأكبر "بلايك، ما الذي تفعله هنا."
محى عن وجهه النظرة السابقة وحل محلها اخرى اكثر استخفافًا لم تفلح سوى في زيادة ارتباك ستيفان الذي لا يفهم سر شعوره او لماذا اخوه نزق معه "سؤال قيم ، أسألك اياه أنا."
اجابه بتلقائية و حسن ظن
"الماء." ورفع الكأس التي يحجبها الظلام ليراها ، لم يلقي لها بلايك بالًا وسار مجددًا يتابع طريقه، يقترب بخطًا متهادةٍ في العتمة "وأنا خرجت لأفكر بحياتي وبنفسي وبكل شيء حولي ، و احزر ماذا؟ لقد اكتشفت شيئًا."
بترقبٍ جف حلق ستيفان، وهو يتراجع خطوةً الى الوراء و سأله "وما هو؟."
"انني لا ابحث في الأمور جيدًا، لا ادري لماذا..هل هو ايماني بقيمة الولاء و لمن يفترض بهم ان يدينوا لنا بالولاء، هذين الشيئين القيمين كما تعرف، أم انه بسبب مشاكل غضبي... الصغيرة ، التي تعرفها جيدًا ايضًا ، تلك المشاكل التي تجعلني احطم و اسحق كل ما هو حولي ..... ومن حولي كائنًا من كان ، على ايةِ حال ، في كلا الحالتين افترض انني استطيع التصرف الآن ما دمت اكثر وعيًا."
و بالكاد امسك لسانه من النطق بعصبية بكلمةٍ اخوى اكثر صراحة، مخبرًا نفسه بالتريث والصبر والتماسك ولو على حساب نفسه- التي كانت دائمًا اكثر من يتضرر بسببه
امتقع وجه ستيفان في الظلام للحظةٍ قصيرة، قبل ان يستعيد نفسه مجددًا ، وخرج صوته متحشرجًا ساخرًا ، محافظًا على اللامبالةِ الظاهرية على هيئته، رغم شعوره بالبرد المقيت يتسلل الى اطرافهِ عنوةً "ما الذي يفترض بهذا ان يعنيه؟."
سكت بلايك، شبح ابتسامةٍ قاسيةٍ يأخذ مكانه على شفتيه دون ان يعطي ردًا حقيقيًا، و وضع يده على كتف اخيه وهمس وهو يتجاوزه"عد الى سريرك وخذ قسطًا من الراحة...... يا أخي."
لمس ستيفان الجدار يثبت نفسه، والتفت وراءه ليجد بلايك كان قد اختفى، لا يدري الى متى كان باقيًا في محله يحدق بالبقعة التي كان يقف فيها اخوه الغاضب، والذي كان بدوره يلقي تلميحًا اليه ، يخبره بصراحةٍ متحفظه انه يشك به
وضع الكأس على الطاولة القصيرة ، و مشى كمن يثقله مشيه الى غرفته ، و العرق باردٌ يتصبب من جبينه، بينما راحةُ يده تتعرق ايضًا ، دفع باب غرفته، جسد زوجته كان نائمًا على السرير مائًلا باتجاهه ، صدرها يعلو و يهبط بسلام ، غير واعيةٍ بالعاصفة النفسية التي اضاع زوجها نفسه فيها.
****
ملئ كأسه بالويسكي على الطاولة الماهوجنية القصيرة ، حيث ألِّف مكانها تمامًا في الزاوية قرب الساعة العتيقة، اصبحت عينيه الآن معتادتين على الظلام قليلًا، لكن ليس بالقدر الكافي الذي يسمح له بسكب الويسكي دون ان يريق الشراب على السجاد الفاخر او ان يلطخ ما حوله ، ارتشف كأسه الاولى ببطءٍ شديد ، ثم سكب لنفسه كأسًا ثانية ، ومشى يشق طريقه في الهدوء لولا ارتطامه مرةً او اثنتين بالأثاث حوله ، حتى وصل اخيرًا لباب غرفة ليلي وآيلا، واسند ظهره عليه ، يرتشف ما تبقى في الكأس قبل ان يفلته ليقع بلا ضررٍ على السجاد "ايلا.." قال بصوتٍ ثقيل، افزع ايلا المستيقظه تحدق يالسقف منذ النصف ساعة بسرحان ، تحاول مقاومة رغبة البحث عن قلادتها الضائعة في هذا الليل، رفعت رأسها من الوسادة، تنظر الى الباب ثم الى ليلي التي بدورها فتحت عينيها، عندما ادار بلايك المقبض رمت ايلا برأسها على الوسادة واغمضت عينيها بسرعة، تهدأ ضربات قلبها وانفاسها، لانها لم تكن قوية كفاية لتنظر الى عينيه، لم تكن تطيق صبرًا لتكيل به ولتلعنه، لكنه كان ايضًا يثير شفقتها بالقدر نفسه، كيف لهذا الرجل ، ان يثير غضبها و شفقتها في الآن ذاته؟ كيف ترحمه و تشعر بنفسها تنتمي اليه، و تكرهه و تمقته في الآن ذاته؟
كانت تعيسةً من التفكير في اليوم الذي سيعرف فيه انه ظلمهم كلمهم، هذا اليوم الذي تتوق اليه لتنظر الى عينيه وتقول له 'نعم، امي كانت دائمًا البريئة يا هذا." لكنها ايضًا لا تتشمت به ولن تفعل، لان هذا يكسر قلبها الف مرة. مسحت دمعة تسللت من اهدابها بعنف، ثم دست يدها اسفل الغطاء مجددًا
لسببٍ ما كان يفشل بادارة القفل، و سمعته يلعن بصوتٍ واضح ، وعندما فتحت عينها مجددًا كان قد نجح اخيرًا بفتح الباب ، لا شك من ان ليلي قد استيقظت تمامًا من ضوضاءه المزعجة و لكنها لم تعطي اشارةً على ذلك بعد ، تراقب بصمتٍ من سريرها ما يحدث
شعر بلايك بتماوج الرؤية واختلالها في عينيه، لعن مرةً اخرى وانقبض فكه في غضبٍ باردٍ و قنوط ، جلس على مرتبة السرير، لانه لحظتها احتاج للاستقرار للحظة قبل ان يسقط بطوله ، بعينين المعتادتين للظلام راح ينظر الى وجهها الساكن امامه
"اعرف انك مستيقظة." ففتحت عينيها تنظر الى وجهه المظلم ، غاضبةً وقانطة، منه ومن نفسها ومن كل شيء
"و كنتِ تبكين ايضًا." تحدث وكأنه يتكلم عن موضوعٍ اخر لا يهم، غير مكترث، لكن اصابعه التي تلمست مسرى دموعها الجافة برقةٍ وعطف كانت تقول عكس ذلك، لفت ايلا وجهه عن اصابعه مشيحةً بوجهها عنه ، فسخر بلايك ناقمًا "لا ادري لماذا يبدوا المشهد مألوفًا، فعل هذا جون عندما كان طفلًا.. يتهرب ، كما تفعلين انتِ الآن."
كان دورها لتسخر ايضًا
"الم يخطر ببالك ان تهربه كان بسبب ربما؟."
"بلى ادرك ذلك، عندما لم يعيي توقفت عن محاولة الاثبات، وهو ضل يهرب لفترة، لكنه في النهاية كف عن الهرب ونسى الأمر، كما ستفعلين انتِ يومًا ما."
"هذا ما تظنه انت" تحدّته ، عينيهما للحظةٍ طويلة بقيتا تحدقان ببعض ، على محيا بلايك ألِّفت ابتسامةً ساخرة مستمتعة. جعلتها ترفع حاجبها وتفكر بصفعه مرةً اخرى لتمحي هذه النظرة من عينيه، لكنها فضلت حياتها أكثر
كمن يبدوا كما لو انه ادرك ما تفكر به، عبس وجهه ، ثم لفه الى الجهة الاخرى ينظر الى سرير ليلي التي ادرك انها مستيقظةٌ ايضًا بسببه او بسبب ضوضائهما ، لكنه لم يكترث حتى ، مسح بكفي يديه على وجهه الذي فجأة غشيه النعاس، ثم نظر مجددًا لآيلا التي تنظر الآن الى يديها ، و ضع يده على رسغ يمينها التي ضغط عليها بقوةٍ اليوم، والتي ايضًا صفعته بها، متجاهلًا انتفاضتها ، ضغط عليها مجددًا بحزمٍ كيلا تسحبها، وبرقةٍ كي لا يؤذيها ، وقال يفكر بكلماتٍ مناسبةٍ يتفوه بها
"اسمعي ، أنا .. اسمح لغضبي بأن يأخذني على حين غرةٍ احيانًا ، لكن هذا لا يبرئك ايضًا من حقيقة انك لعبتي بعياري كما لم يفعل اي احدٍ من قبل، ما حدث لن يتكرر مجددًا، اعدك ، لا شيء سأقوله يمكنه ان يخفف من سوءِ ردة فعلي تجاهك وما قلت ولو قليلًا، لكنني فقط اريدك ان تعرفي انني اسف، ولن اسمح لنفسي باذيتك ابدًا مجددًا.. فلتنامي الآن." كلمته الاخيرة كانت امرًا يرفض فتح اي باب نقاش، نهض بلايك وخرج من الغرفة مغلقًا الباب وراءه، وبقيت ايلا تنظر الى ذلك الباب ، رفعت جسدها من على السرير، تتلمس برفق اثار اصابعه الخفيفة على يدها، يدها التي صفعته فجأةً اثر نوبة غضبها ، سالت الدموع بهدوءٍ من عينيها.
"ايلا." همست ليلي، ولفت ايلا وجهه بعيدًا، تمسح ما خرج من عينيها
"ماذا حدث؟."
"لماذا انتِ مستيقظة؟ لا شيء هيا لنعد الى النوم."
"لا، انتِ تبكين، استطيع رؤيتك جيدًا من هنا، في المرة القادمة جربي اسدال ستائر النافذة كيلا اراك، هيا اخبريني ما الخطب."
"لا شيء مهم، شجار صغير مع أبي..لنعد الى النوم."
احست بها تتهرب من الحديث، ولم تكن ترِد ان تزعجها ، فقالت غير مقتنعة ، تحاول ايضًا منع نفسها من السؤال "حسنًا، كما تشائين.. ان احتجتي شيئًا، سريري بجانب سريرك اصلًا، لا تترددي بإيقاظي."
ابتسمت ايلا في الظلام رغم ان ليلي لم تكن تراها ، وهمست "شكرًا."
*****
ضوء بعيد غشي المنزل، عندما توقفت سيارة ديريك في مكانها، ترجل ايفان اولًا ، يمد بجسده حتى لامست اصبعه اوراق الشجرة المائلة، يشعر بألمٍ خفيفٍ بأطرافه ، ملئ رئتيه بالهواء العذب الذي جعله اكثر يقظة ، ثم نظر الى شاشة هاتفه ليجد الساعة هي الثانية والنصف بعد منتصف الليل، لم يكن يستطيع حساب كم ساعة يستطيع ان ينام غدًا قبل ان يوقظه احدهم -وهذا وارد جدًا- ، فالتفت الى داخل السيارة، كان ديريك مركزًا النظر على شاشةِ هاتفه يكتب شيئًا ما بأصابع رشيقة، ثم اغلق الهاتف و فتح حزام الأمام، ينظر الى انعكاس النافذة الأمامية الى انعكاس أخيه "لا اصدق انه نام هنا ايضًا."
"اصبح منظر استلقاءه في اي مكان و النوم معتادًا." رد ايفان
"جوني، هيا استيقظ، لقد وصلنا الى المنزل، لن تموت اذا بقيت مستيقظًا لنصف ساعة حتى تصل الى سريرك."
فتح جون عينيه ونظر بغير فهمٍ امامه الى وجه ديريك، الذي للحظةٍ في الظل كان يشبه وجه احدٍ اخر ، فبقي للحظةٍ ساكنًا في مكانه، قبل ان يسمع صوته مجددًا يقول شيئًا ما ليستوعب هويته، دعك جون عينيه ، و فتح الباب يخرج هو الاخر ، يمشي يسبقهم متجاهلًا الاثنين
لم يلحظ ايهما ايًا من ذلك بسبب الظلام، و تبعاه وهما ما يزالان يتحدثان بصوتٍ منخفض ، صعد جون السلالم الى غرفته، دلف فيها واغلق الباب خلفه دون ان يقفله كما اعتاد، خلع معطفه و قميصه ورمى بهما جانبًا ، ومشى الى الحمام ، يضرب الباب وراءه و يجثو على قدميه قرب المرحاض مخرجًا كل ما بجوفه فيه ، تقيأ جون كل ما ببطنه ، وشعر مع كل مرةٍ ان شيئًا من روحه ينتزع منه ، بعدما انتهى نهض من على الارض ، وذهب الى المغسلة يغسل البقايا من فمه و يغسل وجهه، الماء البارد جعله يشعر بشعورٍ افضل ، وهمس يتذمر "لم يكن علي ان اشرب بعد كل شيء."
خرج من الحمام يلتقط بنطال بجامته الملقي ارضًا ، وارتداه، ثم جلس على السرير ، يشعر ببعض الجوع و الدوار يعود ليصيبه مجددًا ، فأخذ ادويته دفعةً واحدة و اتبعها بالماء ، ثم دس جسده اسفل الاغطية و ترك نفسه للنوم
***
صبيحة اليوم التالي، جرت ايلا ليلي معها الى الخارج، تكرر لها للمرة الثالثة بإنجليزية حاولت جعلها واضحةً قدر المستطاع "انها قلادة أمي، و أضعتها."
"مابها قلادة أمك؟."
"لتو اخبرتك بأنني اضعتها ، بحق الله، الا تسمعينني؟"
"ولماذا اضعتِها؟." كررت ليلي ، بلا فهم و قد بدأ النعاس يتلاشى من عينيها
"ياللهي العزيز." هسهست ايلا، و جرت ليلي معها تحاول ان تعرف اين ذهبت ذلك اليوم، وهي تهمس بلعناتٍ تصبها على ايفان وفضوله السبب الاول لكل ذلك ، كان الهواء البارد الذي يصفع وجنتيهما جعل من ليلي اخيرًا مستيقظةً تمامًا وتعي ما حولها بعدما جرت ايلا من سريرها فورما ادركت ان الساعة هي الثامنك صباحًا
"اتعلمين؟ انتِ وجدي ستتوافقان تمامًا، لا احد يستيقظ في الثامنة في الاجازات الا هو..على كلٍ، كيف هو شكل قلادتك نسيتها."
"انها تشبهُ عملةً ذهبية نقش عليها نقش وردة ، كأنها ذابلةٌ قليلًا."
نظرت ليلي حولها ، تدس يديها في جيوب معطفها و تدفن انفها في فراء المعطف "لنأمل ان السيل لم يدفنها، كانت تمطر سابقًا، او انه هتّان؟ لا يهم، الارض طينية و اوراق الشجر تغطي كل مكان."
"علي أن اجدها، انها تعني الكثير لي ، ولجون ايضًا، اخر ما تبقى لنا من والدتنا."
"لا عليكِ سنجدها، اعدك..لو اننا فقط احضرنا ليام ليحفر هنا وهناك، هذا سيسهل المهمة."
ابتسمت ايلا رغمًا عنها وهي تنظر الى بقعةٍ مألوفة، كان المكان كله يبدوا مألوفًا ، ولا شيء يميزه عن غيره من الأمكنه، فكان من الصعب التأكد اين اضاعتها بالضبط ، حتى لو حاولت ان تمر في كل الاماكن التي كانت فيها ذلك اليوم، بقعةً بقعة، فلا فائدة تذكر ، لانها لا تعرف اين كانت اصلًا، فكل شيءٍ يبدوا متماثلًا على نحوٍ يثير السخط
تنهدت "ارجوك ياربي، لا اريد ان اضيعها."
"لا عليك، سنجدها سنجدها، اين كنتِ بالضبط؟."
"هذه هي المشكلة يا ليلي، انا لا اعرف اين كنت بالضبط، كل ما اتذكره هو الاشجار فوقي تهتز بفعل الريح، و الشعور بالحصاة التي وقعت عليها تنغز ظهري، لا شيء اكثر."
"ياللهذا.." تأففت ليلي وهي تركل الحصى، كان جمع كم اوراق الشجر الكثيرة فكرة اولية، تراجعت عن التفوه بها عندما استوعبت المساحات الشاسعة و كم الجهد المبذول المقابل ، فما كان منها الا ان تنحني وتبحث في المكان الذي تقف به كما تفعل ايلا.
اخذت ايلا تنظر حولها بعبوس، ضربات قلبها تتسارع من فكرة الا تعثر عليها ابدًا مجددًا، فكرة فقدانها للأبد بدت مأساوية و تحمل نبأً غير مستحبٍ في جوفها، إن ارادت ان تنطر للموضوع من منظر روحاني. كما ستفعل العمة أجاثا مثلًا، لكن ايلا رفضت بالتفكير بالأمر مجددًا، وتذكرت لمحةً من ضوءٍ اعمى عينيها ، كان تلك سيارة ديريك عندما عثر عليها، فهتفت بفهم وحماس "كنت عند الاسفلت."
"الاسفلت؟ ياللهول يا ايلا، انه ليس بهذا الاتجاه اصلًا."
"اخبرتك انني لا اعرف اين ابحث ولا اميز شيئًا، انتِ بوصلتي هنا."
"لنأمل فقط ان الامر يستحق ونجدها، هيا."
كان الارض ما تزال رطبة في موضع و طينية في موضعٍ اخر، زلقة للغاية ، تغطيها اوراق الشجر البرتقالية ، و بعض المستنقعات، لحسن حظهما انهما كانا يرتديان احذيةً برقبةٍ طويلة ، تذكرت ايلا انها كانت تزحف في موضعٍ قريب متجاوزة الشجيرات حتى وصلت الى الاسفلت. فذهبت الى تلك الشجيرات عينها تبحث فيها، بينما ليلي ما تزال تركل الارض ، تبحث بتمعن بعينيها، و تترقب حركات الورق على الارض بفعل الريح تأمل ان تكشف ورقةٌ عن القلادة تحتها، و تخمن ايضًا ان الطين قد ابتلع القلادة ربما، لكنها لم تجروء على قول ذلك بصوتٍ عالٍّ.
ادخلت ايلا يدها بين الشجيرات القصيرة، دخلت حصاة في يدها جعلتها تتأوه، فسحبتها سريعًا ، لكنها لم تتحرك من مكانها ، مصرةً على ان القلادة هنا في مكان ما بين هذه الاشواك والاوراق.
سمعت صوت هدير سيارة لكنها لم ترفع رأسها ، متأكدة انها كانت هنا سابقًا
"ماذا تفعلن عندكن؟." قال ادواود ، الذي فتح النافذة ينظر الى ليلي ثم الى جسد الفتاة الاخرى بين الشجيرات
رفعت ايلا رأسها و وريقة دخلت في شعرها ، فوجدت ادوارد و ايفان الذي كان يقود ، وينظر اليهم هو الاخر
اجابت ليلي "ننقب عن الذهب يا جدي."
لم يفهم ادوارد الى ماذا ترمي، و قطب حاجبيه ينتظر تفسيرًا ، قالت ايلا بسرعة تنهض على قدميها وتنفض بنطالها "اننا نبحث عن قلادتي التي اضعتها عندما ضعت سابقًا، وانا اعتقد انني اضعتها هنا."
"لا بأس يا فتاتي، سأشتري لك واحدة جديدة، عودا الى العزبة بعيدًا عن البرد والطين."
"لا لا بأس، اشكرك، لكنها مهمة و قيمة جدًا بالنسبة لي، لذلك اريدها هي بعينها."
"حسنًا ليكن، سأرسل احدهم ليبحث معك."
ابتسمت ايلا بإمتنانٍ الى العجوز، و شعرت بنظرات ايفان يحدق بها من اسفل نظارته الشمسية، قبل ان يحرك السيارة ويذهبان
"اتساءل، من اين يأتيان؟."
نظرت ايلا وراءها الى السيارة. و التفتت مجددًا تهز رأسها، دون ان ترد ، قضيا الصبيحة تسيران اسفل ظلال الاشجار محدبتين الظهر، تقلبان الاورق و تغرسان احذيتهما بالطين بحثًا عن المفقود، لكن ذلك لم يفلح، فجلست ايلا على جذع الشجرة المقطوع الذي كانت تجلس عليه سابقًا مع جون وزفرت بتعب "كيف سأعود بدونها؟."
جلست ليلي بجوارها، تدفن انفها المحمر في فراء معطفها ، وسألت "تعودين الى أين؟."
"فرنسا، بعد يومين من الآن."
"لماذا انتِ ذاهبة؟." سألتها بتفاجئ، واضافت "ولماذا تخشين العودة بدونها؟." كان سؤالها الاخر بدا فظًا حتى تحت وقع مسامعها، فغطت فمها بسرعة ونظرت باعتذارٍ الى ايلا.
التي لولا ردة فعلها ما كانت انتبهت من الاساس، فقالت بسرعة "لا عليك، افهم ذلك، مالذي يجعلني اخشى العودة بدونها وليس هناك من يحاسبني على اهمالي؟، الامر ليس كذلك او كما تتصورين، بالرغم من ان جدي اصلًا ينتظرني لكنه لن يحاسبني، الا انني ايضًا سأحاسب انا نفسي، هذه القلادة اقدرها واعزُّها جدًا، اكثر من اي شيءٍ اخر. ولا اريد او اتخيل ان اعود بلا قلادتي.. يحزنني انني حصلت عليها مؤخرًا وها أنا ذا افقدها سريعًا."
"سنجِدها." اصرَّت ليلي ، تنهض بحزم ، فابتسمت ايلا بوجهها مقدرة. امضيتا الوقت تحت اشعة الشمس الباردة واسفل الاشجار، تتفقدان الانحاء، ومعهما، كما وعد جدهما ادوارد، انضم اليهم عمال الاسطبل الثلاثة معهما مراهق ابن العائلة التي تهتم بالفيلا اثناء غيابهم عنها، كان البحث مظنيًا، لكن ايًا منهم لم يعثر على أي شيء
قال المراهق، يحك ما وراء رقبته "لا بأس، فلتعودا أنتم الى الداخل، ونحن سنكمل البحث ونجدها."
مع كل الوقت التي قضيتاه خارجًا، لم يكن منهما الا الاستسلام والتسليم و العودة يجران اذيال الخيبة.
لاحقًا، انضم الى فرقة البحث الصغيرة ليام و كريستوف الذي يمشي وراءه بملل ، واستغل الفرصة ليبدد طاقة الطفل بالذهاب مع الرجال ليجلس هو بعيدًا ويراقبهم بملل او يعبث بهاتفه، رغم ان الرجال تعبوا ، والمراهق استسلم، الا ان ليام ضل يجول يمنةً ويسرة، يبحث عن الكنز الذي اخبروه انهم يبحثون عنه
مشى ايفان ناحيته، يدس يديه في جيوبه "عن ماذا تبحث يا ولد؟."
"عن كنز الجنية.؟"
"من ناحية انها جنية فهي كذلك حقًا، تعال يا فتى لا تقترب من الازفلت فقد يدهسك ديريك او نايت بسياراتهم، هيا معي، لنبحث هناك."
كان مترددًا بالاتصال بديريك يسأله عن اين فقد ايلا، لكنه تراجع في اللحظة الاخيرة عندما رأى ابتسامة كريستوف العارِّفة، صرخ بصوتٍ عالٍ للوغد الواقف بعيدًا "ماذا؟."
"ماذا ماذا." كرر كريستوف بصوتٍ خافت دون ان يتعب نفسه بالصراخ بعصبية كإبن عمته ، كانت نظرته تخبر ايفان بكل شيءٍ اصلًا، والذي انزعج من التلميح الصارخ ، فأشاح بوجهه ، يكتب بأصابع رشيقة الى ديريك يخبره فيها عن الأمر، متعللًا ان ليام سيكون سعيدًا لو عثر عليها بنفسه.
ارسل الرسالة ودس الهاتف في جيبه، يلحق بليام الذي اقترب من كريستوف ليربط له حذاءه، انحنى كريستوف وهو ما يزال مبتسمًا الابتسامة الساخرة على شفتيه " لكن، من يلومك؟ انها جميلة الجميلات، اجمل امرأة رأيتها في حياتي."
"ما الذي يفترض بهذا ان يعنيه؟."
"لا يفترض بأنه يعني شيئًا بعينه، هل تعتقد انني المح لشيءٍ ما؟." تغابى كريستوف مغيضًا
"لا تتجرء على ان تقول بصراحة ولا ان تلمح حتى."
"هل هذا تحدي؟."
"اعتبره ما تعتبره" عاند ايفان
"هل تحبها؟ ام تريد ان تثير اعجاب الحسناء فقط؟." قال كريستوف مبتسمًا مجددًا ، وقفز ليام يسأل "من من؟"
رد ايفان بسرعة عليه "لا احد."
فإنفجر كريستوف ضاحكًا "ياللروعة، هذا اجمل يومٍ رأيته في حياتي، أنا وانت سنتسلى كثيرًا يا ليام.. هيا لنبحث عن قلادة الفتاة معًا، علينا ان نعثر عليها لنشهد على حبٍ جديد، العمة اجاثا ستكتب كل ممتلكاتها بإسمي عندما تعرف انني اساهم في خدمة قضيتها الأسمى..سأكون اثرى منكم جميعًا."
"تبًا لك."
"انتبه للسانك، ليام يحفظ الشتائم بسرعة."
اهتز هاتف ايفان، ورفعه متجاهلًا ليام وكريستوف يجد ردًا من ديريك ، يخبره عن انه عثر عليها عند الشجرة القديمة قرب الاسفلت، والتي كانت تبعد عنهم ما يقارب مسافة الستين مترًا ، فاستدار متجاهلًا النكت السمِّجة الى تلك الشجرة يتفقدها، يتبعه ليام وراءه وثبًا ، و كريستوف وراءهم يقهقه.
تأمل ايفان الشجرة للحظة، وتفقد رسالة ديريك يستدير حولها ، نظر الى حصاةٍ حادة وجذعٍ ممتد بعمق في الارض، قفز من فوق الطمي، وانحنى هناك، كان الجذع مغطًا بالطحالب ، لكن بقعةٌ ما كانت ممسوحةً حديثًا، بقعة معينة تاخذ شكلًا ناحلًا ما يكفي لذراعٍ بشرية ، تلمس الارض يبعد الاورق ، وكشف عن دمٍ بائتٍ على الحصاة الحادة "انظر على ماذا عثرت." قال لكريستوف، الذي حمل ليام كيلا يغرق في الطمي، و قفز الى حيث ايفان منحنيًا ثم انزله ارضًا، ينظر الى الدم الجاف "لا بد انها سقطةٌ مؤلمة. ياللمسكينة."
ونظر حوله يبحث عن القلادة مردفًا "ما دامت سقطت هنا، فغالبًا القلادة هنا ايضًا."
ركزا على البقعة التي هما فيها، لكنهما ايضًا لم يعثرا عليها ، رغم انهما دخلا الطمي ايضًا و تلطخت احذيتهم وبناطيلهم وهم يفتشون عنها، الا ليام الذي رفعه كريستوف فوق صخرة
اعتدل كريستوف بوقفته، متألمًا من ظهره المنحني لوقتٍ طويل، وقال وهو يدعك رقبته بغير اكتراث "لا اثر لها، ماذا عسانا نفعل اكثر من ذلك؟."
ثم نظر الى وجه ايفان العابس ، وكاد يسخر لكن ايفان سبقه يتمتم بإمتعاض "كان هذا بسببي."
"ما هو الذي بسببك؟."
"انا تسببت بإضاعتها.. لنقل اننا خضنا شجارًا صغيرًا انتهى بها الأمر تغادر بعيدًا، ثم حدث انها ابتعدت اكثر من اللازم و اضلت الطريق وحدث لها ما حدث."
"ولكن..لما عساك تتشاجر معها هي؟."
"انها قصة طويلة، انسى الامر، ظننت انها تؤذي جون."
"ماذا؟."
"اخبرتك، كان سوء ظن مني." وسكت ايفان يلف وجهه بعيدًا و يتنهد ، كان هذا دور كريستوف ليتنهد ايضًا ، يهز رأسه و يلومه "انت لا تتغير ابدًا، ما سيؤذي جون حقًا هو ان يعرف انك تسبب المتاعب لأخته، كف عن سوء ظنك وشكوك لمرة وحتى ان لم تكف، فأبقها لنفسك وكف اذاك عنها."
"سيكون احضاري لهذه القلادة اللعينة هو الاعتذار المناسب..لكن اين هي اصلًا؟." قال نصف الحقيقة ، لكنه كان يعنيها حقًا ، اراد ان يعيد القلادة لها كعلامةٍ على حسن نيته ما دامت هي حسنة النية ايضًا ، رغم انها اكدت انها ليست كذاك اصلًا في فورة غضبها، مما يجعل الامر عائدًا له، فقطع لها وعدًا وامهلها مهلة ، لتكشف ما تريد ان تكشف، مبرأةً أمُها، إن كانت بريئة، بشرط الا تؤذي احدًا او لا تتصرف بلا علمه.
ركل حصاة بقوة، ونظر الى الاعلى فإذا بالسماء تهيج و تبرق
"لا فائدة، هيا لنعد." حمل كريستوف ليام على ظهره ومشيا معًا ، عصفت الريح ، و عجلا بمشيهما.
****
كان الجو الكئيب يشجعهم على البقاء في أسرتهم، عندما فتح ستيفان عينيه بكسلٍ راى زوجته ما تزال مستلقيةً بجانبه ، همس بصوتٍ خافت "ميلاني؟." لكنها لم ترد ، نظر الى النافذة فإذا بالمياة تنزلق على الزجاج كما العروق الناشزة، و البرق يغشي الأبصار، نهض ستيفان من على سريره، يمشي بأطرافٍ باردةٍ ليقف قبال النافذة يحدق بالسماء الغاضبة.
همس لنفسه "لا بد من انه يعني شيئًا." كان ردة فعل بلايك تجاهه تثير جنونه و شكوكه، وهز رأسه بعصبية يحاول منع نفسه من لكم الجدار "اللعنة عليه..بماذا يهذي؟" لكنه ايضًا اطبق فمه، عندما خطرت له فكرةٌ خطيرة، عن ما اذا آيلا، تلك الفتاة شبيهة أبويها، قد تعرف شيئًا؟ لكنها كانت بريئة جدًا، او هذا ما يخيل له، بعينيها الحادتين السواداوين العميقتين، و نظرته الساخرة القاسية، و التي لا تعلوا محياها سوى ثوانٍ قصار، سواءً بقصدٍ او بلا قصد، تلك النظرة اللئيمة التي تشبه نظرة ابوها، بحاجبين مقطبين عندما تنام، تذكر اول مرةٍ رأها جيدًا عن قرب عندما كانت تغط بالنوم واضطر الى فصل حاجبيها بإصبعه، اخذ يتفكر للحظات، كانت بقدر شيطانية هالتها، هنالك لمحة بريئة في محياها، لا يدري اين بالضبط يألف وجهه و يشبهه بوجه أمها الصهباء، لكن الناظر الذي يعرف أمها وأبوها سيدرك جيدًا انها مزيج من الاثنين، وكأنها اخذت افضل ما لديهما، عكس جون الذي لا يشبه ايًا من والديه اطلاقًا ، بملامح مختلفةٍ عن الاثنين وعن اي احدٍ فيهم، لسببٍ ما.
بمجرد النظر الى محيط المنزل، وارخى السمع، ادرك ان الجميع فضل قضاء ظهريته اسفل الاغطية. او ربما يشربون الشاي تحت، المهم ان لا احد سيتسأل اين هو ان لم يظهر نفسه، لانه لم يكن يرغب برؤية احدٍ الآن، وخاصةً بلايك، لا يهم ان شك الاخر، فشكه لا يهم ما دام ستيفان يسيطر على نفسه، همس بصوتٍ خافت "علي أن اعرِّف." و استدار عائدًا الى سريره.
****
تلقفت كاترينا كأس القهوة التي مدته لها الخادمة، استنشقت رائحتها العذبة واغمضت عينيها مستلقية،منذ ان اتت الى هنا، ضلت طوال الاسبوع في منزل رفيقتها الذين ذهبوا اهلها وتركوهم لوحدهم، و صباحًا عادة الى الفيلا لأنها عرفت انهم سيعودون الى لندن غادًا، شاهدت صورة مألوفةً خرجت لها فجأة من احدى الحسابات بعدما نشرها احد معارفها، نظرة الى الرجل الأسمر وسيم المحيا بحاجبٍ مرفوع، كان يجلس على كرسي المقهى يضع معطفه فوق كتفيه ويمسك بفنجان القهوة بيده اليمنى بينما اليسرى تقبض على جهازه اللوحي، وصديقه صاحب الحساب من الطرف الاخر يوليه ظهره ويمسك الكميرا لتلتقط صورة وجهيهما ، مبتسمًا ابتسامةً عريضة، بحذرٍ تجاهلت الصورة قبل ان تضغط اعجابٍ عليها، دائمًا ما يحدث هذا، دائمًا ما تعجب بصور ليس من المفترض عليها ان تعجب بها عن طريق الخطأ، لذلك تكره استخدام جهازها اللوحي بيدٍ واحده
"من هذا؟."
فزعت كاترينا وسكبت القهوة على فخذها "اللعنة."
تركت الكوب وامسكت فخذها تضربه بخفةٍ لتخفيف الآلم "هل انتِ بخير؟." قالت كلوديا، تسحب المناديل وتناولها لنا
"ألم تسمعي من قبل بآداب الإستئذان؟."
"انتِ لا تعترفين بهذه الآداب، لما علي أنا ان افعل.." هزت كتفيها ببساطةٍ ، و جلست قرب النافذة ، تتأمل بصمت المطر المتساقط
"ماذا؟ اليس حبيبك موجودًا لتتأمليه بصمت؟."
نظرت كلوديا لها ببرود وبلا اكتراثٍ وتجاهلتها، تفتح النافذة قليلًا للتسمح بالرائحة العذبة للمطر بالولوج
نظرت لها كاترينا بطرف عينها، كانت تحس بها وتتفهم مشاعرها و شخصيتها، و تصرفها معها بنزاقةٍ جعلها تشعر بالسوء قليلًا ، قالت "انه شخص كنت اعرفه من الجامعة، كان بيننا اصدقاء مشتركون، لكنه تخرج قبلي."
نظرت لها كلوديا بلا فهمٍ، ثم حطت عينها على شاشة الجهاز اللوحي "حقًا؟..لماذا تنظرين الى صورته للتو؟."
"الا انظر؟ ظهرت امام وجهي منذ ان حدثها بحسابه..وكنت احتسي قهوتي على ايةِ حال، ويدي الاخرى زلقة من المرطب." ثم اخفضت نظرها الى الرجل ذي الملامح الناعسة وشد انتباهها انها كانت قد ضغطت اعجابًا فلعنت مرةً اخرى "تبًا تبًا تبًا."
نظرت لها كلوديا بعجب "ماذا؟."
"اللعنة علي." تابعت كاترينا وهبت قافزة، تمسك الشاشة بحذر و تلغي زر الاعجاب ، تصلي بصمتٍ انه لم ينتبه لها، ما جعلها مطمئنه ان الصورة حدثت من حساب صديقه اصلًا، غالبًا لن ينتبه ، ولن ينتبه صديقه اذا ما الغت زر الاعجاب. هذا ما حاولت ان تقنع نفسها به
"كاترينا، هل هو مجرد صديق، اريني اياه!" سحبت الجهاز منها ونظرت الى الرجلين، عرفت كاترينا انها كانت تعني الشاب الأخر الذي التقط الصورة ، فزمت شفتيها براحة واختها تتمتم "انه لطيف." ودخلت حسابه تتفقد صوَّره، صورة منزلٍ صيفي، البحر ، ميامي، كلبٌ آلماني، وصور عائلية واخرى مع من تبدوا كحبيبته "اتعلمين؟ يبدوا لي كشخصٍ لطيف حقًا، انا اتفاجئ انك تعرفين اناسًا هكذا."
"انتِ حتى لا تعرفينه، هل اغراك بصور الكلب؟."
ابتسمت كلوديا تجيب "في الواقع شيء كهذا، لكنه يبدوا كرجل عائلة، و دود وممتع..ليس نوعك المفضل."
"قد اقدم لك معروفًا واعرفكما ببعضكما." قالت كاترينا تهز كتفيها بلا اكتراث، و عادة كلوديا الى الصورة الاصلية، تنظر الى الشاب الاخر الذي يضع معطفًا فوق كتفيه، دخلت الى حسابه وقالت لأختها "هذا هو نوعك المفضل
، ما اسمه؟ اه كريستيان." وارتها الشاشة ، كان حسابه عبارةٍ عن صوره مسافرًا لبلدانٍ كثيرة، مطاعم، و سياراتٍ رياضيةٍ فارهة ، الويسكي و السجائر ، و لا صور عائلية، فقط هو ورفاقه او ربما يكونون اخوته. لكن لا شيء يشير لذلك ، تابعت كلوديا غير منتبهةٍ لتعابير اختها "هذا نوعك المفضل، الفتيان السيئون الكلاسيكيين بالافلام، وُسماءٌ و اثرياء و اوغاد، هل انا مخطئة؟."
محت كاترينا تعابيرها وسحبت الجهاز اللوحي منها، تجلس بجوار اختها لتريا معًا بشكلٍ افضل "ماذا عنكِ ايضًا؟ دعينا نرى ذوقك." من قائمة الاشخاص الذين تتابعهم، تفاجئت كلوديا انه وجون يملكان حسابيِّ بعضهما، ارتها الحساب بابتسامةِ انتصار
"كيف حصلتِ عليه؟."
"لا شيء يفاجئ بهذا، اننا نتابع بعضنا منذ انشاءنا حساباتنا ، نتشارك دائرة المعارف نفسها أنا وهو اساسًا، لكن حسابه بلا فائدة لأنه اصلًا لا يستخدمه منذ زمن..وهو حساب خاص على ايةِ حال و مقفل." كان يملك في حسابه خمسًا وعشرين صورةً فقط، واحدة له و لديريك في الملعب مرتديين اقمصة ريال مدريد، واخرى له عندما كان بالجامعة، مكتبة الجامعة، ثلاث صورٍ له مع اصدقاءه ، صورة غلاف كتابٍ قديم ورث بالفرنسية، صورة متجر كتب في الحي الصيني بلندن ، صورة اخرى للقط دانتي ، باريس ممطرة ، لم يكن في حسابه شيء يسترعي الخصوصية، لكن هذه الخصوصية كانت ما يميز جون دومًا، اختياراته لاقتباسات الكتب التي صورها ونشرها كان القاسم المشترك بينها هو الحزن الهادئ الغير ملموس، تأملت صورةً تجمعه مع شابٍ اخر، اطول قامه، بعينين خضراوين مبتهجتين.
قالت كلوديا "اترين؟ لا شيء هنا ليُرى، اعتقد انه ترك الحساب منذ سنتين او شيءٍ كهذا ، ليكن، هذا هو ذوقك، المكتئبين، حسنتُه انه وسيم جدًا."
وصغطت على حساب الشخص مع جون، والذي اثار فضولها رغم رغبة كلوديا بتفقد الصور بدقةٍ اكثر، كان حساب الشاب ما يزال نشطًا ، اكثر شيءٍ مكررٍ كان صورةٌ لمقود سيارةٍ قديمةٍ كلاسيكية سوداء، في اكثر من موضع كان هنالك صور قليلة لجون ضمن اشخاصٍ اخرين ، وصورةٌ حديثةٌ له اخذت في باريس قبل شهرين او نحوه ، جالسين الاثنين متقابلين في بارٍ معتم يتوسطهما لوح الشطرنج ، وتبدوا المعركة بينهما ضارية
"من هذا يا كاترينا؟."
"لا اعرفه حقيقة، في الواقع اعرفه، لكنني لم احتك به يومًا ، لدينا معارف مشتركون. نسيت ما اسمه ، لكنه ذو أصولٍ أجنبية، حتى اسمه غريب، ما أنا متأكدة منه أن خاله يكون صديق عمي بلايك من فرنسا، لكنه ليس بفرنسي حتى." ونظرت الى اسم حسابه تحاول ان تألف الحروف "او نعم تذكرت، اسمه دينيز — اوغلوا او شيء ما. انه محاميٍّ."
"من هو دينيز هذا؟.ماذا يعني دينيز اصلًا؟" دخلت اليانور التي سمعت ما يدور بينهما ، و ذهبت لتقف وراءهما ترى صورة الشاب
"انه وسيم." أردفت "لكن أليس طويلًا اكثر من اللازم؟ من اين تعرفنه؟."
"لا نعرفه حقًا، فقط دخلنا الى حسابه للتو." وخرجت من الصورة التي كانوا ينظرون اليها لتتفقد باقي الصور، كانت صورةً اخرى في مطعمٍ بحري، الليلة قمرية، و ستة اشخاصٍ يجلسون حول الطاولة، احدهم دينيز ، جميعهم ألِفوا وجه جون المبتسم بكسل بينهم، و جميعهم نظروا الى الفتاة سوداء الشعر بجانبه والتي بسبب انعكاس ظل ضوء الكاميرا لم يكن وجهها واضحًا تمامًا ، كان تاريخ الصورة قبل سنةٍ او اكثر بقليل ، نظروا الى بعضهم بفضول.
"هل اسأل جوني عنه؟"
"ارجوك لا تفضحينا، ماذا ستقولين؟ من ذلك الوسيم الذي عثرنا عليه في احدى حساباتك؟."
"سأجد شيئًا ما لأقوله." هزت كتفيها بلا اكتراثٍ ورمت بنفسها على الأريكة، تنظر الى النافذة المفتوحة التي يتسرب منها البرد "الن تغلقنها؟ سنصاب بالزكام."
"اخبري هذا لمن فتحها." تمتمت كاترينا، ونهضت الى غرفتها لتتفقد فخذها بعد الحرق.
***
لم يفتح عينه، لكنه حس بالبرد و صوت المطر يطرقان سقف الغرفة برفق، تنفس بعمقٍ وانقلب جانبًا، لم يحس بحرارة جسد زوجته بجانبه، ففتح عينه مستغربًا لكنه سرعات ما اغلقها بغير اكتراث عندما داهمتهما نوبة صداعٍ اخرى جعلته يسحب وسادتها الباردة و يضعها فوق رأسه يضغط عليه، كان جسده منهكًا ، و التفكير لوحده كان اشبه بعذابٍ جهنمي لا يستحقه، مع كل صوت يتسلل الو مسامعه كان صداعه يشتدُ اكثر فأكثر، فتح الدرج بجانبه يفتش عن اقراصٍ منومة، لكنه استوعب انه لم يكن بمنزله، وان الدرج كان فارغًا تمامًا و لم يستخدم، لم يستطع ان يرفع رأسه من الوسادة، ولعن لأنه لا أثر لكاميلا عندما يحتاجها، كان يتذكر ان اليزابيث سابقًا احضرت معها اقراص صداعٍ مع فنجان قهوة، لكنه لا يتذكر اين وضعها، و غالبًا ربما حملتها معه. فمجبرًا سحب هاتفه الذي تكاد تفرغ بطاريته، ضغط على رقمها ، وانتظر لثوانٍ قبل ان تجيب مستغربةً "بلايك؟."
"اقراص الصداع يا اليزابيث." و اغلق الخط دون ان ينتظر ردًا منها ، متناسيًا عن عمد انهما متشاجرين ، همس لنفسه "ماذا تريد بعد، فعلت ما ارادته هي، ولنرى اذا كانت ستصمت." وانقلب مجددًا على بطنه
رغم غضبها الشديد عليه، لم يهن على اليزابيث ان تبقيه منتظرًا ، فأخذت الاقرص و كوب ماءٍ ، واعدت له شطيرةٍ من اول شيءٍ رأته أمامها، ثم صعدت الى حجرته.
طرقت الباب ودخلت دون ان تتلقى ردًا منه، كان يوليها ظهره العاري كالمرة السابقة و يدفن رأسه بالوسادة، اقتربت منه ، ووضعت الصينية جانبًا تسحب الوسادة منه، لكن يدها توقفت فجأة "ياللهي، ماذا حدث ليدك.!" فتح عينيه عابسًا، ينظر الى يده التي تذكر بأنه لكم بها الشجرة ودخلت النشارة الى اصابعه، كان الدم جافًا على اطرافه، فقد لفها بضمادةٍ فقط بغير اهتمام حقيقي. جر الضمادة لتغطي جلدًا اكثر، ورفع رأسه من على الوسادة "حادثة صغيرة" قال ، و سحب الأقراص ليأخذها، لكنها خطفتها منه "بلايك، الشطيرة اولًا."
"لا مزاج لي ورأسي سينفجر، هاتِ الاقراص."
"لست في موضع يسمح لك بأمري هنا، كل اولًا وستأخذ ما تريد لاحقًا."
استشعر تحاملها عليه ، مما بجعل شعوري العجز والقنوط بنتابانن مجددًا
"انا فعلت ما اردته، فعلت كل شيءٍ بطريقتك.. ليكون بعلمك، ايًا كان ما ستؤول الأمور عليه، فهذا ما اردته." وحشر الشطيرة في فمه يأخذ لقمة، و يبتلعها ثم يعيدها على الصحن ويمد يده مطالبًا بالأقراص
لم تفهم اليزابيث، و تذمرت بضيق "بلايك ماذا فعلت مجددًا؟"
كانت يده ما تزال ممدودة تطالبها بالأقراص التي تضعها وراء ظهرها، وبدا يشعر بالعصبية و بالصداع يشتدد مع كل كلمةٍ تنطق بها "اعطيته لجوازه، واخبرتها عن أمها..او ربما نصف شيء لكنها لم تفهم اصلًا، او ربما فهمت، لا استطيع التفكير، هاتِ الاقراص والا اخذتها بالقوة."
تفاجئت اليزابيث، بقدر ما كانت سعيدة بخبر جواز السفر بدا كما لو ان ماءًا باردًا سكب عليها فجأةً ، فغرت فاهها تهز رأسها "انت لا تصدق." ارتفع بلايك من على سريره و بدا فرق الطول بينهما واضحًا، و بسهولةٍ انتزع الاقراص منها دون مقاومةٍ تذكر من اليزابيث ، فتح العلبة واخذ قرصين ثم ابتلعهما تحت انظارها
"هذا ما اردته، ما اراده جون."
"لوهلة كنت فخورةً بك ، لا ادري لماذا لا تستطيع ان تفعل جميلًا دون ان تتبعه بمصيبه." هزت رأسها ، تخطف الاقراص منه لانها تعلم انه بعد خمس دقائق اذ لم يبدأ المفعول سيبتلع قرصين اخرين. نظر لها بحاجبٍ مرفوع "هذا انا بعد كل شيء، بماذا تدعونني بالضبط؟ العاصي؟ شيء كهذا..وكفي عن ابراء اي احدٍ ضدي، لأنك لا تعرفين ما فعل الولدان."
مد لها الصينية حيث الشطيرة التي لم يأخذ منها الا قضمة، وتناولتنها منه بلا كلمةٍ اضافية، استلقى على سريره مباشرةً يعيد وضع الوسادة فوق رأسه المظلم ، ومشت اليزابيث الى الباب لتخرج ، لكنها توقفت للحظةٍ مكانها وقالت "بلايك؟."
لم يرد أخوها ، فهمست بصوتٍ واضح "مع ذلك، شكرًا لك، فعلت الشيء المناسب، مهما كانت نتيجته."
اغلقت الاضواء وارصدت الباب وراءها، وضعت الصينية فوق الطاولة القصيرة، ومشت الى غرفة جون ، دخلت الغرفة كما دخلت غرفة والده من قبله
عكس غرفة بلايك، فقد كانت غرفة جون يغشيها البرد ، من التكييف و من النافذة التي ابقاها مفتوحة ليلًا ، وعلى غير عادته ، كانت فوضوية.
"ايها المهمل، بلل المطر الاثاث." مشت اليه ، تنظر الى وجهه الساكن بلا حراك، وضعت يدها على وجنته الخشنة من الشعيرات القصيرة النابتة والتي لم يحلقها ، وهمست بصوتٍ خافت "جوني، حبيبي استيقط."
لم يحرك جون ساكنًا، وكأنها لم تلمسه، حتى مع محاولتها ان تنكزه اقوى، كان نومه عميقًا جدًا، و ظنت اليزابيث ان السبب يعود الى سهرة متأخرًا مع ايفان وديريك، فتنهدت و اخذت جهاز التحكم تخفض التكييف ونهضت لتغلق الستائر ، بجانبه كان ما يزال جواز سفره متموضعًا مع كتبٍ اخرى، لكنها تجنبت النظر الى الطاولة القصيرة بسبب الادوية المتكومة، التي كان وجودها بحد ذاته يكسر قلبها.
***
في هذا البارت كشفنا حدثين محوريين، الذكية تستوعب القاسم المشترك بينهم🥰
ايفان؟
كريستوف؟
ستيفان؟
بلايك؟
كلوديا وكاترينا؟
توقعاتكم عن الشخصية الجديدة دينيز؟
وعلاقته بجوني؟ + دينيز ذكرناه قبل ، لكن لم يكن له وجود ملموس بالرواية بعد
اهدا البارت كان نتيجة لفعاليتنا بالانستغرام اللي فازت فيها اروى ، باركوا لها 🥰💕
Bạn đang đọc truyện trên: Truyen247.Pro