Chào các bạn! Vì nhiều lý do từ nay Truyen2U chính thức đổi tên là Truyen247.Pro. Mong các bạn tiếp tục ủng hộ truy cập tên miền mới này nhé! Mãi yêu... ♥

٢٨

١٩٠ فوت ، تعليق بين الفقرات، تعليق

‏﴿وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾
‏﴿وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا﴾
سبحان الله بحمده، سبحان الله العظيم.

*****

آلم بها كربٌ عظيم يضغط بثقلِّه على قلبها، لم تكن آيلا الا فتاةً صغيرةً احتاجت لمن يحنو عليها و يحبها. أحتاجت لعائلة هي التي قضت حياتها في منازل الجيران بالعطل عندما تخرج جدتها لأجل العمل ، تراقب بصمتٍ دفء العائلة التي لم تحصل عليها. لطالما ارادت عائلةً حقيقية ، ارادت ابًا و أمًا و اخوة ، و تتذكر جيدًا الفضاعة التي احست بها عندما عثرت على أمها ميتة دون ان تدرك انها ميتة ، ما تزال تتذكر ان قلبها كان يضغط عليها كما يفعل الآن بالضبط ، تتذكر الغصة العالقة ، و الدموع السائلة دون توقف. تتذكر انها طرحت سؤال : "لماذا؟ لماذا أمي؟ و لماذا أنا؟." دون توقفٍ على عرابها كثيرًا حتى صفعها لتستعيد وعيها ثم عانقها و بكيا معًا.

كانت حياة آيلا تغرق في الوهم ، و رغم تجاوزها آلم فقدان والدتها فقد تضاعف لديها خوفها من فقدان جدتها ، لأنه حين يحدث ذلك، ستكون وحيدةً حقًا في هذا العالم الموحش. ألم الفقد و ألم الخوف من الفقد كان دائمًا الشيء الموحش نفسه ، وكلاهما يحمل ذات القدر من الفضاعة

توقفت عن السير تمامًا ، لا تريد تكرار سناريو الضياع في الغابة ، لأنه عندما حدث ان تصفع اكثر رجلٍ تخافه في حياتها في غمرةِ غضبها كان شيئًا جديدًا وصادمًا جعلها غير مستعدةٍ لتعلم من اخطائها. نظرت الى الاعلى ، الى الأشجار التي تبدوا منحنيةً و الى الغيوم في السماء ، احست بالبرد يلفح عظامها و بيدها ما تزال تؤلمها من الصفعة. كان من الحكمة ان تبقى بعيدةً حتى تستجمع نفسها ، ربما فاي محقةٌ بعد كل شيء ، ايلا تضغط على نفسها وهذا الضغط يولد الانفجارات كما فعلت قبل نصف ساعةٍ عندما رفعت صوتها على بلايك.

تساءلت في صمتٍ عما سيحدث لاحقًا؟ لكن الاجابة نفسها بدت مخيفة و مضحكة. فقبل ثمان ساعاتٍ كانت ترتعد خوفًا من ان يعرِّف بلايك انها كذِّبت عليه هو وجون و يرسلها بعيدًا ، ومن المثير للسخريةِ ايضًا انها فعل نفس الشيء معها ، كلاهما كذب على الأخر ، كلاهما استخدم اساليبه الملتوية ليكسب الاخر ، ما فرقها عنه حقًا؟ لعلها ابنةُ أبيها حقًا

شدت شفتيها بغضب "لا، انا لست مثله.. انا ابنة أمي." يصعب عليها الاعتراف بتشابه فعلتهما، لكن فعلتها لا تتقارن بفعلته، بلايك اقترف ذنبًا لا يمكن له ان يغتفر ، وبلايك ايضًا لم يكن مضطرًا للكذب كما فعلت هي.

احتضنت جسدها تنظر الى السماء مجددًا ، تغمض عينيها و تنهاهى الى مسامعها صوت الريح تعبث بالشجر. و قررت العودة الى المنزل حينها ، لا مكان اخر ليستقبلها، ليحدث ما يحدث

انتابها برودٌ داخلي وهي تفتح الباب، لكنها لم تجد بلايك أمامها. و مشت ايلا الى الداخل ناحية المدفئة تجلس على الأريكة الاقرب اليها و تحتضن قدميها ضد صدرِّها بعد ان خلعت الحذاء لتبقى بالجوارب فقط ، منتظرةً بصمت اقتراب اي احدٍ منها ليكسر خلوتها، او ان يعصف بلايك بها هو الأخر

حدقت بالنيران الساحرة. النيران التي لطالما جذبتها و الهمتها 

و دون ان تشعر كان كأس نبيذٍ يمتد لها "افترض انك تشربينه وبحاجةٍ له الآن." نظرت الى الاعلى و لمفاجئتها كانت كاميلا، و التي كانت تنظر اليها شزرًا في اول مرةٍ تقابلتا فيها ، اخذت ايلا النبيذ منها بتردد ، تحدق بالسائل الأحمر الذي اخترقت رائحة الحلوة أنفها
"لن تجدي من يوبخك ان كان هذا قصدك، لا احد هنا ولم ارى زوجي منذ غادر السرير صباحًا."

لم تجد ايلا ما تقله ، لكنها همست "شكرًا." وابقت نظراتها على المرأة التي ذهبت لتجلس على الأريكة

"على الرحب و السعة." اخذت كاميلا رشفةً من نبيذها وحدقت بالنيران ، و بالمقابل نظرت ايلا لها بدورها بعدما واتتها الفرصة اخيرًا ، كانت امرأةً جميلة ، شعرها الأسود مرفوع بإتقان الى الاعلى، كانت ملامح وجهها حادةً ورموشها كثيفة طبيعيًا ، ترسمان ظلالًا على وجنتيها عندما ترمشان

تلاقت اعينهما، وابتسمت كاميلا بعذوبة "اخبريني يا .. ايلا ، كيف هو جوناثان؟ لم اره منذ وقتٍ طويل."

كان ان تنعته بجوناثان، يشي بوجود علاقةٍ رسميةٍ بينهما، خطر في بال ايلا التفكير بالمثلث أمامها، علاقة جون و ابيهما السيئة تجاه بعضهما، و علاقة جون بزوجةِ أبيهما الرسمية كما يبدوا، لطالما اثارت هذه المرأة تساؤلاتها منذ سمعت عنها من جدتها ، التي اخبرتها انها قطعت التقصي عن بلايك منذ سمعت انه بعد انفصاله ووالدتها عاد لزوجته الأولى في غضون اشهر

"انه بحالٍ افضل." قالت ، تنظر الى النيران مجددًا ، سارحةً للحظة ، بعينين متوسعتين شاردتين بقدر انتباههما لما يدور حولها قاسيةً ، صدمتها السابقة جعلتها اكثر صلابة ، اكثر تعطشًا لشيءٍ ما لا تدري بعد ما هو ، لكنه مألوف و غريب، كررت بصوتٍ خافت "نعم ، انه بأفضل حال."

"سعدتُ حقًا لسماع هذا..اخوك دائمًا ما كان ... ما هي الكلمة المناسبة يا ترى؟ 'طفلًا صعبًا' ، مشاغبًا ان صح القول ، لا يحتمل كما يكونون الاطفال في عمره ، لم نتأقلم مع بعضنا انا وهو كما يجب ، ولأن بلايك ايضًا لا يعرف كيف يتعامل معه اخذته اليزابيث لعندها .. و بطريقة ما كان هنالك حاجز ينشئ بيننا مع مرور السنين..وإن سألتني ، لا اعرف لماذا لم يحاول ايٌّ منا تجاوزه...دائمًا ما افترضت انه احب امكما لدرجة انه رفض استبدالها بي ، ظنًا منه ان زوجي تزوجني كبديلةٍ لها، ربما لهذا السبب علاقتنا سيئةٌ انا وهو..لنأمل فقط الا نصبح هكذا انا وانتِ."

ارتشفت القليل من النبيذ مجددًا، تدير الشراب في فمها، قالت كاميلا جزءً من حقيقة المشهد الذي تراه أمامها، كانت تعرف جيدًا انه من السهل عليها ان تصنع صدعًا بينها و بين بلايك كما فعلت بينه و بين جون، لكنها ايضًا ارادت ان تعرف اولًا ما وراء هذه الفتاة الفرنسية الصغيرة.

رفعت ايلا حاجبها ، تعرف جيدًا ان جدتها ذكرت شيئًا عن ان شخصية جون التي لم تكن هكذا اطلاقًا، كان النقيض من كل ما قالته، كان مسالمًا طيبًا بريئًا تمامًا كما هو الآن، لربما كان ما واجهه في طفولته جعلته عكس ذلك تمامًا، ازداد احتقانها ضد بلايك اكثر، لكنها في الآن ذاته ترى كاميلا ليست أقل براءة من بلايك، كلامها متهمان كأي احدٍ اخر، الا انها ولسببٍ ما كانت هي ما كانت تفكر به دائمًا حين تحاول تقصي احداث الماضي، نظرت لها ايلا بعينين غامضتين ، وضعت قدمًا فوق الأخرى "حقًا؟ هذا غريب، لأن أمي اخبرتني العكس تمامًا..كان طفلًا ودودًا و طيبًا ، اكثر من أي طفلٍ اخر، لكن لعل هذا شيءٌ في الأمهات بعد كل شيء، دائمًا ما يرين اطفالهن مثاليين."

اخفضت كاميلا كأس النبيذ، تنظر لها بلا تعابير، كانت هذا ما تنتظره ايلا منها، تنتظر اي ردة فعلٍ عندما تذكر والدتها او الماضي

بوجهٍ كالحٍ ردت كاميلا
"أمك قالت هذا؟."

"نعم، ماما أخبرتني بالعديد من الأشياء، الكثير والكثير ، لدرجةِ لا اعرف من أين ابدأ بالضبط."
لو كانت كاميلا ذكيةً بما فيه الكفاية، لفهمت ما تقصده ايلا التي كانت بدورها تكذب فقط لتحصل على مرادها بزراعة الشك بدورها في صدر المرأة

لم تكن تنوي ان ترحم احدًا عندما جاءت الى هنا، و بلايك ذكرها بذلك جيدًا ، تعلمت درسها من كذبه عليها ، و قررت انها لن تتهاون مرةً اخرى او تضعف، كان هذا ما جنته ايديهم، و هي بدورها كانت تضيع الوقت باللهو هنا و هناك مسحورة بفكرة ان يكون لديها عائلة 'ليس بعد اليوم.' اخبرت نفسها، وهي تدفع بالشراب في فمها، وتضع الكأس على الطاولة "اتمنى لك يومًا طيبًا." و نهضت واقفة

ثم ابتسمت وكأن لا هم فوق رأسها ، ترد بتكلفٍ قبل ان توليها ظهرها "أامل ذلك ايضًا، اعني ان نكون انا وانتِ على وفاق." وغادرت دون ان تنتظر ردًا من كاميلا التي تجمدت في مكانها

ضغطت ايلا على شاشةِ هاتفها بأصابعٍ رشيقة تحجز اقرب موعدٍ الى مقاطعة غارد الفرنسية، المقاطعة التي تقبع فيها مدينة أوزيس مقصدها الحالي، ارادت الاختفاء لتصفي ذهنها، ارادت ايضًا ان تقفل هاتفها وتبتعد عن بلايك اغاضةً له ، أكدت الحجز ، وارسلت رسالة الى فاي تكتب فيها "انا قادمة، بعد يومين. سواء كنتِ في البلدة ام لا ، انا قادمة."
وارسلت الرسالة.

***

سمع صوت هدير السيارة يكسر صمت الغابة ، لكن بلايك لم يلتفت ، بقي يحدق بالبحيرة الساكنة حيث تعوم وريقاتٌ برتقاليةٌ تساقطت من الاشجار ، وسمع صوت باب السيارة يفتح ثم يغلق بقوةٍ و بخطواتٍ كسولةٍ تسير ناحيته ، لم يلتفت هذه المرة ولم يحرك ساكنًا ، من جهةٍ اخرى كان الاريك معتادًا على نزاقة صديقه و سوء مزاجه ، في ايامٍ كثيرةٍ كان بلايك يلتزم الصمت و لا يتحدث الا بكلمةٍ او بكلمتين ، واحيانًا يصل الامر له بالايماء و الهمهمة و النظرات الفارغة التي تقشعر منها الروح ، كان عبدًا خاضعًا لسوء مزاجه ، ولكن في الآن ذاته يعرف الاريك جيدًا ان لبلايك اسبابه و حربه النفسية مع نفسه حيث لا يوجد الا نفسه وفقط ، بين ما هو صحيح وما هو غير صحيح ، بين محاولته للنسيان منذ ثمانية عشر سنة و بين محاولات التأقلم الفاشلة ، كان الجميع يعوز لقتامة مزاجه الى الشقيقة التي تصيبه في احيانٍ كثيرة ، لكن الاريك وحده يعلم ان الشقيقة في احيانٍ كثيرةٍ ايضًا ما هي الا شماعة لأفعاله، فمشى وجلس على المقعد الخشبي بجواره "افترض ان شيئًا حدث."

مرت لحظة صمتٍ طويلة ، اخذ فيها الاريك ينظر الى السماء حيث هبت الريح فوقه تحمل اوراق الشجر ليتساقط بعدها الى البحيرة و ينظم الى البقية يدور في حلقات ، قطعها بلايك اخيرًا وهو يتمتم "انا لا افهم."

"لا تفهم ماذا بالضبط؟."

"لا افهم لماذا تاؤل كل محاولاتي الى الفشل، كل جهدٍ ابذله يضيع سدًا."

"ماذا تعني بهذا؟"

ونظر الى جانب وجهه حيث ملامحه الحادة جامدة كتمثال جرانيت ، اخفض نظره الى يده في حضنه ليرى دمًا جافًا "اللهي، ماذا حدث؟."

"ايلا اخبرتني انها تكرهني الآن ، هي ايضًا تظن انني .. ما هي الكلمة اللعينة التي استخدمتها؟ اشتريت والدتها. ياللنكتة القاسية اللعينة التي اعيشها كل يومٍ بسبب خطئٍ لعينٍ لم اقترفه، اريد ان اكسر فك ستيفان الآن واخذ ايفادته حقًا كما يجب هذه المرة ، لكن قبلها احتاج لأن ألكم جون و ليساعدني الله ان اكتفي بهذا القدر .. لأنني غاضبُ منه الآن كما لم اكن يومًا."

كان بلايك جادًا في كل كلمةٍ يقولها ، عرف الاريك ذلك ، وهتف بسرعةٍ "رويدك." مستعدًا للإمساك به الآن قبل ان يقوم بأي شيءٍ جنوني "اولًا ما اللعنة التي فعلتها لتكرهك المسكينة بهذه السرعة؟ ثانيًا ، لن تلمس ستيفان ، سيطر على غضبك ولو لمرة ، ثم ماذا فعل جون هذه المرة."

"تقول انني اشتريت امها او شيءٌ ما لتغادر دون حرف. وهذا الهراء مصدره جون لأنني اسمع منه هذا دائمًا رغم انني دائمًا اخبره عكس ذلك واقسم له مرارًا وتكرارًا انه هراء ، من الصعب ان يخرج شيئًا قد دخل رأسه الصغير الغبي، اما ستيفان..."

و سكت بلايك ، ينظر بصمتٍ الى البحيرة البرتقالية بسبب انعكاس صورة الاشجار على سطحها ، فكه متصلبٌ للغاية ، وحاجبيه الآن مقطبين وفي عينيه نظرةٌ غاضبةٌ و باردة ، لكن في وجهه شيءٌ اخر استطاع الاريك ان يألفه جيدًا ، راى شعور المرارة الصرف ، الذي ذكره بالسنة التي غادرت فيها جوليا حياته، حيث كان يقضي ايامه في الاستلقاء و العمل والرياضة و التدخين و الشرب واحيانًا محاولة استمالت ابنه الذي يرفض رؤيته او يبكي مما يجعله يعود الى دوامة اكتئابه مرةً اخرى ، ملامح وجهه في لحظةٍ اصبحت فارغة ، و قرر الاريك التزام الصمت بحكمةٍ يعطيه كل الوقت الذي يحتاجه ، و في الآن ذاته يترقب حركته التالية بحذر

بعد ان طال الصمت ، تحدث الاريك اخيرًا "اتفهم، انت ترى انك المظلوم الوحيد هنا، لكن يجب ان تحكم عقلك ولو لمرة والا تترك غضبك يفسد كل شيءٍ كالمرةِ السابقة ، انظر ان جون مثلًا فقد امه -سواءً كانت هذه غلطتك ام غلطتها- و اخوه الذي لا يعرف احدًا اخر سواه في سنةٍ واحدة، ماذا كنت تتوقع على ايةِ حالٍ ان تكون ردة فعله عندما عرف انها كانت حيةً طوال الوقت؟ بالطبع كان ليزبد ويرعد ، انه ابنك بعد كل شيء، هذا شيٌ في جيناتكم بالنهاية ، ان تتوقع الا يبدي اي ردةَ فعلٍ تجاه كل هذا هو الهراء الحقيقي. لست عارِّفًا و لم أمر بأيٍ مما حدث لكم لكنني اعرف ان الزمن كفيل بترميم الجروح ، اترك الامر له ، و لا تجبره كما فعل عمي ادوارد او تجبر نفسك على اي شيء ، لان ذلك حدث سابقًا و لم يترك اثرًا ، لا احتاج لان اخبارك بأن العلاقات تبني نفسها بنفسها لأنني افترض انك تعرف ذلك اصلًا.
أما ايلا، ايًا كان ما اخبرها به جون حقًا ، يجب ان تدرك بأنها عاشت في كنف والدتها ، والله وحده يعلم بماذا لقنتها او بماذا لم تلقنها، وماذا عاشت في فرنسا وماذا فعلت وما كان مجتمعها ومعارفها، لا نعرف بالضبط ما هي قصتها الحقيقية ومن هم الشخوص الذين تربت معهم ، او حتى اذا كان هنالك شخوصٌ حقًا، لأنها لم تسأل عن احدٍ او تتكلم عن احد كما تقول اليزابيث الا جدها الذي يحتضر اصلًا ، الا يخبرك بهذا عن شيء؟ عن والدتها التي كانت تظنها فرد عائلتها الوحيد بالاضافة الى جدفها وقد تركتها قبل ان نخرج نحن من العدم ، انها فتاةٌ بلا عائلة و على شفير فقدان اخر فردٍ من عائلتها وهو جدها ، و قد اصبح لديها فجأةً عائلة..!
بالطبع شكل الامر خيبت املٍ كبيرة ان تكتشف ان علاقة والديها مزرية لهذه الدرجة، ناهيك عن علاقة ابوها بأخوها الذي هو من أمها ايضًا ، انت يا بلايك يجب ان توسع نظرتك وتصبح مراعيًا، عليك ان تضحي و ليس لأجل نفسك ، بل أخرج نفسك من المعادلة كليًا، لأكون صادقًا معك، انا انصحك بألا تتوقع الكثير منهما، لأنه فيما يبدوا فهذين الاثنين يحبان والدتهما اكثر ، و في كل مرةٍ سيختارانها ضد اي احد سواءً كانت هي الطرف المذنب ام لا."

"هنا يكمن تساؤلي يا الاريك."

"ماذا؟."

نظر له بلايك اخيرًا ، بوجهٍ فارغ "ماذا لو لم تكن مذنبةً اصلًا؟ انا اسأل نفسي منذ قال لي جون ما قاله ، في تلك الليلة التي اخذ اغراضه و ذهب فيها الى المطار ، اخبرني 'انت لا تعلم أي شيء وأنا متأكدٌ من أنك لم تحاول معرفة اي شيءٍ حتى ، كان دائمًا ما تراه هو ما يحدث ولا شيء عكس ذلك' ومنذ ذلك الحين لا انفك في التفكير بالأمر، كل كلمةٍ نطق بها كانت ترن في رأسي في كل مرةٍ اغمض فيها عيني، حاولت التغاضي كثيرًا لكن الشك بدأ يؤرقني ، حديثه لم يكن حديث الرجل الغاضب فقط ، كان هناك ثقةٌ اونستها في كلامه، ماذا لو كان محقًا يا الاريك؟ ماذا لو كنت الشخص المخطئ بعدم البحث حقًا وراى الأمور..كيف سأتعايش مع كل هذا حينها."

قطب الاريك حاجبيه
"اعتقدتُ انك رأيت ذلك بعينيك."

عاد للصمت الثقيل مجددًا بحط بينهما ، قبل ان يهمس بصوتٍ لم يسمعه الاريك "هذا ما افترضه."

غرقا في الصمت مجددًا، و عاد بلايك ليصارع نفسه وافكاره ، فكرة تأخذه و تعيده ، وجهه تصلب بعدما نبض الصداع قويًا في رأسه و شعر بإنقباضةٍ في قلبه ، تخبره ان شكه وراءه شيء. ومضات كثيرة خطرت في بالِّه. والاحتمال كان مرعبًا جدًا ، لكن بلايك كان متعطشًا للحقيقة. نهض واقفًا ، و صاح الاريك "الى أين؟."

"بعيدًا، حيث لن اقتل احدًا."

****

في ضوء الشمس، كانت ذرات الغبار كأنها تطفو بالهواء برفق ونعومة، تأملتها كلوديا في صمتٍ متناسيةً الكتاب الثقيل في حضنها، كانت في صدد النهوض وترك الغرفة المغبرة وراءها ، لكن الباب دفع فجأةً و رأت ابوها يطل برأسه عاقد الحجبين "كنت ابحث عنك، ولم اتوقع حقيقةً ان اجدك هنا."

"تراء لي ان اتفقد المكتبة هنا."
دلف ستيفان الذي جعد انفه من رائحة الغبار الطفيفة "وهل لاقت استحسانك على الأقل؟."

"لا، حقيقةً." واغلقت الكتاب بحزم، تنهض لتضعه في مكانه بين الكتب الثقيلة، ثم التفتت لتجد والدها يضع يديه في جيوب بنطاله ينتظرها ، واردفت كلوديا
"ماذا كنت تريد يا ابي؟."

"هل هناك اي فرصةٍ لنتجول معًا مثلًا؟."
كانت تعرف الا مجال للهرب، محاولةُ ضغطٍ ثانيةٍ من والدها لمعرفة اسباب اكتئابها و عزوفها عن الأكل طيلة الشهر الماضي، كانت تدرك جيدًا مقدار القلق الذي تسببت به له، وهذا الرجل الطيب لا يستحق ايًا مما فعلته به، لا مفر، ادركت ذلك جيدًا ايضًا كما تدرك واجبها لطمئنته ، فقالت في محاولةٍ لتمحي القلق من صوتها
"لما لا؟..دعني فقط احصل على معطفي من غرفتي و سأُوافيك في الحال."

"جيد..انتظرك خارجًا." واستدار دون كلمةٍ اضافية، مشت كلوديا وراءه و صعدت الى الاعلى الى غرفتها، تنظر الى الغرف الموصدة في طريقها. اخذت معطفها وارتدته وعادة ادراجها الى الاسفل، كان الطقس باردًا لكن السماء صافية، مشت الى والدها الواقف بعيدًا بجوار احد الأشجار، يحدق بشاشةِ هاتفه دون ان يرمش ، و بمجرد اقترابها رفع رأسها يبتسم لها ، دس هاتفه بجيبه بعجلٍ و مد ذراعه لها لتمسك بها، عندما احتضنت كلوديا ذراعه كما تفعل معظم الوقت قال لها "افترض ان أبي كان محقًا بعد كل شيء، مجيئنا الى هنا كان فكرةً جيدة..انتِ تبدين افضل مما كنت عليه منذ وصولنا."

"نعم، احيانًا يحتاج المرء ان يبقى في معزلٍ لتصفية ذهنه، واظن انني وجدت ما عثرت عليه حقًا هنا."

"هل تقولين هذا لتبقيني بعيدًا عن شؤونك، ام انك صادقة؟ في كلتا الحالتين انا باقٍ، لأن هذا ما يفعله الأباء لأبناءهم، انا معك لأتاكد من ان طفلتي تذهب في الاتجاه الصحيح وسأبقى معك كذلك حتى اخر يومٍ في حياتي، يمكنني ان ادعي انني لا اهتم بشؤونك ان اردتِ ، لكنني بالطبع افعل."

"اقدر ذلك طبعًا يا أبي.."

نظر امامه ، واعيٍّ الى انها لا تريد منه ان يرى وجهها تمامًا، دائمًا ما كانت مشاعرها تنعكس بسهولةٍ على محياها العذب، لذلك عندما تكون في موضعٍ حرجٍ فإنها تخفي وجهها لكي لا يقرأه الناظر ، كانت دائمًا واضحةً وشفافة وكانت تعي هذا جيدًا.
كان جذع الشجرة المقطوعة الكبير أمامهما ، فسحبها اليه وهو يتنهد و جلس اولًا يسحبها لتتبعه ، لف وجهها اليه "اذن اخبريني، الأمر ليس شجارًا مع اختيك ، والذي بالمناسبة قد استجوبتهما ولم يفعلا اي شيءٍ لك -كما تدعيان، وقد صدقتهما- لهذا ، بما ان الطريق اصبح مسدودًا أمامك، الا تحبين ان تخبريني بالحقيقة اخيرًا؟."

تحررت من قبضته، والتفتت بعيدًا ، فأمعن النظر بلغةِ جسدها جيدًا ، لا يريد ان يفوت اي ردة فعل ، وببطءٍ قال "هل تحبين أحدهم؟."

التفتت اليه بعينين متوسعتين "ماذا؟."

"اوه، هذا ما ظننته.. من هو؟."

"لا اعرف عماذا تتحدث يا ابي."

"عندما تكذبين ، تتجنبين النظر في عيني، كما تفعلين الآن بالضبط، كما ان اذنيك حمراوين استطيع رؤيتهما جيدًا يا حلوتي."

نظرت الى عينيه اخيرًا ، ورأى فيهما ستيفان التعاسة التي لم يتوقع يومًا ان يراها فيهما "لم يعد الحب مشكلتي يا أبي، مشكلتي في أن انسى امره الآن لأجل نفسي."

لم يتوقع هذه الاجابة منها،و قال يجزّ على اسنانهِ "هل آذاك الوغد؟."

ابتسمت كلوديا، لا تتخيل يومًا ان جون قد يؤذيها بقصد، على الأقل ليس بالقدر نفسه الذي اذاها فيه بدون قصد "انه اكثر الأشخاص خيرةً يا أبي، لا يفعل شيئًا كهذا ، لا لي و لا لغيري."

مشككًا استنكر ستيفان "لماذا انتِ تعيسةٌ اذن؟ ساعديني لأفهم الصورة."

اغمضت كلوديا عينيها، تسخر من نفسها وتلعنها ، في اللحظة التي تفتح فيها فمها ستصبح مثيرةً للشفقة في ناظري والدها، بالاضافة الى انها لا تعرف ما هو رأيه عن هذه العلاقة دون غيرها نظرًا للأحداث التي وقعت في الشهر المنصرم، او حتى ما قبله بأكثر من سبعة عشرة سنةٍ او نحوه، كان طريقها مسدودًا حقًا، و كانت في موقفٍ مخزيٍّ و مذل ، لكنها تمسكت بأخر ما تبقى من كبرياءها وهي تهمس "لن تنجح علاقتنا يا أبي، هذا فقط، لأننا لا نناسب بعضنا..هذا أفضل لكلينا في النهاية، لأجل 'المصلحة العظمى' كما يقول جدي دائمًا."

"لماذا تفترضين هذا؟ ما الذي يجعلك تظنين انه ليس مناسبًا لك والعكس؟ ما دام اثر فيك كل هذا التأثير يعني انك لازلتِ تحبينه جدًا..فقط اخبريني."

امتلئت عينيها بالدموع ، ونظرت الى الاعلى تقاومها وهي تهمس بصوتٍ خرج مرتجفًا من أعماقها
"احيانًا اظن انني احبه اكثر من حياتي نفسها، لا استطيع ان اتنفس دونه، هل يبدوا كلامي مجنونًا يا أبي؟." هزت رأسها واخفضت عينيها ، تمسح دموعها العالقة برموشها بطرف اصبعها
استدار بكامل جسده ليقابلها ، و قبض على وجهها بيه كفيت مثبتًا اياه ومجبرًا اياها على النظر اليه اخيرًا "كل دمعةٍ من عينيك تسوى كل ما لدي، لم تهوني يومًا في عيني ولن تهوني، من هو هذا يا كلوديا؟ من هذا الذي احزنك وابكاك؟ اخبريني بالعوائق أمامك لأسحقها سحقًا.. على الاقل اريد ان اعرف."

ابتسمت ، بعينين غائمتين قالت "جون."

في البداية ظن انه لم يسمعها ولم يفهم ما قالته، لكنها عندما افلتت وجهها عن كفيه استوعب اخيرًا و تغيرت ملامح وجهه، كان دورها لتترصد ردات فعله، راقبت تعابيره تصبح كالِّحةً. ثم جمد وجهه اخيرًا بلا ايةِ تعابير و لا ردات فعل "منذ متى؟."

"لا ادري منذ متى..منذ زمنٍ ليس بقصير يا أبي..لا اتذكر حتى."

بعد لحظةِ طويلة، انهى معاناتها مع الصمت و سأل اخيرًا اول شيءٍ خطر في باله
"وهو ، هل يبادلك الحب؟."

"لا اعتقد، لا يحبني كما احبه، ولا يعرف يمشاعري حتى."
لانت ملامح وجهه بعدما كانت كالِّحة، ارتاح في اعماقه عندما ايقن ان لا شيء يجمع بينهما، لكن الدموع في عينيها غيرت رأيه بهذا الخصوص ، اشفق عليها و أنقبض قلبه ، لولاه ربما لكانت ابنته سعيدة ، اخبر نفسه هذا، و حينها اظلم وجهه.

مشاعره كانت مختلفةً مؤخرًا، مع احساس الذنب المتفاقم منذ ظهور ايلا من العدمٍ كشبحٍ منتقمٍ يذكره بالمرأة الصهباء الفاتنة والتي دماءها تلطخ يديه معنويًا حتى مع محاولاته بأن يقنع نفسه بالعكس. كان في السابق يعاني من تبعات سوء العلاقة بين الأب وإبنه، يحاول ان يصلح بينهم و يفشل دائمًا كما فشل اي شخصٍ اخر حاول ان يفعل ذلك قبله وبعده ، والآن عليه ان يعاني ايضًا مع وجود ابنةٍ لم تعش في كنف عائلتها كأي طفلةٍ طبيعية ، اللوم دائمًا ما كان يقع عليه دون ان ينطق احد بشأنه إن تغاضوا او تناسوا او حتى قرروا ان اللوم يقع على جوليا وحدها، كان يحس به ثقيلًا على صدره ، بهذا الحمل الثقيل يسحقه شيئًا فشيئًا ويتركه بلا هواء

بينها هو يغرق في افكاره الخاصة، اخذت كاميلا تتأمل في والدها مقطب الحاجبين بصمتٍ، تستشفي ردات فعله ، التي كانت عكس ردة فعل والدتها التي عندما عرفت بأمر مشاعرها اول الأمر غيرت مدرستها، حتى حدث وأن ارسل بلايك في وقتٍ لاحقٍ جون لمدرسةٍ داخلية لسببٍ ما، و عادة هي لمدرستها السابقة ، لكن بعد فوات الآوان طبعًا

"هل انت غاضب؟ هل ستخبرني ان ادع الأمر فقط؟."

قاطعت حبل افكاره وهي تنظر اليه بلا اي تعابير. مالا يعرفه ستيفان ان كلوديا تشك بأمرِّه بالفعل، وقد حسمت أمرها بالتقصي

"هل تدركين ان مشاعرك هذه مؤذية يا كلوديا؟ انها علاقة سامّة تنهكك حتى قبل ان تبدأي فيها." اخفضت عينيها تنظر الى يديها التي في حظنها ، وتابع ابوها ببطء "لهذا لما لا تتحدثين اليه؟ ليس نهاية العالم، اخبريه بما تشعرين حقًا ، افضل من الاعتكاف بالغرفة والسرحان."

فتحت عيونها بوسعها ورفعت رأسها تنظر اليه "ماذا؟."
كان ستيفان يبتسم ابتسامته الطيبة المعهودة ، برفقٍ يؤكد لها "اخبريه، تشجعي فأنتِ ابنتيِ انا."

شلتها المفاجئة من ردة فعله و سألت "الا تمانع؟."

مص خده من الداخل للحظة ثم قال "لا يوجد أب لا يمانع اي علاقةٍ عاطفية لإبنته، انه شيءٌ نكتسبه في اللحظة التي يصير فيها الرجل أبًا، لن تفهمي ابدًا ، لكنني هنا اقدم تنازلات فقط لأنني احبك اكثر من حياتي نفسها، انني اضحي هنا، انتِ طفلتي الاولى لهذا دائمًا ما ستكونين مميزةً بالنسبةِ لي..."

عانقها و دفنت رأسها في صدره تعانقه بقوة ، عندها تلاشت ابتسامة ستيفان كما لو انها لم تظهر اصلًا.

****

حاولت اليزابيث ان تقنع ايلا بتناول العشاء معهم، لكن ايلا كانت تبتسم بتعبٍ مزيف و تتعذر بقدمها ورأسها ، مستلقيةً فقط على سريرها و مستندةً على ظهره تقضي جل وقتها تطالع كتابًا احضرته ليلي لها من المكتبة عن الشعر اللاتيني والذي وجدت كلماته عذبة وحلوة ، كان محياها بلا تعابيرٍ مع ذلك ، تنظر الى اسطر القصيدة الغزلية بجمود ، دون ان تقرأ حرفًا حقيقيًا منها ، توالت عليها زياراتٌ صغيرةٌ طوال اليوم لغرفتها ، من جايمس و زوجته و ليام الذي كان ينظر اليها فقط من طرف الباب و يفر هاربًا ، نصحها ويليام بالمشي ولو بالغرفة ، متذمرًا من انها وجون سيفقدانه عقله ، وجون من جهةٍ اخرى كان مختفيًا عن الانظار بالاضافةِ الى ايفان و ديريك ، عدا عن ذلك كان نايت يحاول اقناعها بأن تأتي معهم الى المنطقة القريبة لوجود مهرجانٍ من نوعٍ ما ، ولكنها ايضًا تعذرت بقدمها كثيرًا ثم بالصداع بعدما اخبرها انه سيحملها على ظهره. تبسمت و اكدت له "لا، اخبرتك انني افضل معانقة وسادتي الان.."

"انتِ من سيندم." كان جادًا فيما يقول ، انتبهت الى ظل رجلٍ كبيرٍ يقف بالقرب من الباب ، كان ادوارد ينظر له بلا تعابير ، وسأله "هل تزعجها يا ناثانيل؟."

التفت نايت بدوره اليها بثقةٍ
"هل ازعجك يا ايلا؟."

"قليلًا."

"خائنة."

افسح ادوارد له المجال ليخرج من الغرفة دون حرفٍ اضافي ، فجر نايت اذيال الهزيمة يخرج وقال وهو يمر من جانب جده "كنت اسليها ليكن بعلمك.."
اغلق ادوارد الباب وراءه ، ثم نظر الى ايلا يقترب منها ببطء، كان يبدوا محياه مختلفًا و شاردًا لسببٍ ما "هل تسمحين لي بالجلوس؟."

اعتدلت ايلا تفسح له قليلًا ليجلس هو على طرف السرير، في البداية ينظر الى الباب الموصد ثم جالت عينيه في الغرفة كلها كأنه لأول مرةٍ يراها ثم اخيرًا حطت عينه عليها تتفحصها ببطء ، نظرته ذكرتها بنظرات ايمانويل، شيءٌ فيهما كان متشابهًا لكنها لم تستطع ادراك ما هو ، امسك بيديها على الغطاء يضغط عليها ، كان حجم يده كبيرًا مقارنةً بيدها الصغيرة الغظة "أاسف لما حدث لك في الغابة، انها قلة اهمالٍ مني اولًا لكن الخطئ منك ايضًا انتِ التي خرجتِ دون ان تخبري احدًا، مان من الممكن ان يحدث ما هو أسوأ يا ابنتي!."

"اعتذر، لم اظن ان نزهةً صغيرة ستكلف كل هذا. لكن ايًا من هذا ليس خطأك، انا من قررت الخروج للمشي لوحدي وأنا من اضاع الطريق."

"كيف تشعرين؟ كيف هو رأسك؟."

"بخير."

"حقًا؟ الم تخبري ناثانيل انك مصابةً بالصداع..علينا ان نتصل بالطبيب حالًا."

بسرعةً ردت "لا، قلت هذا لأنني لا اريد مغادرةً غرفتي، اريد البقاء لوحدي اليوم."

نظر لها مرةً اخرى بذات النظرة التي رمقها فيها اول مرةٍ تقابلا ، كان يحفر في اعماق روحها بعينيه ، يجردها من كذِّبها بنظرةٍ واحدة دون ان يظهر ذلك، ولم يكن يظهر انه يمانع كذبها أو انه يستنكره حتى ، بدا وكأنه يتفهم كل ما تفعله او تقوله دون ان تحتاج الى التبرير و الكلام ، مع ذلك ، قال "هل هذا بسبب والديك؟ بسبب ابوك بالأحرى."

لم تقل ايلا شيئًا لأن وجهها قال الكثير بالفعل ، لم تكن ايضًا تعرف اذا ما كان ادوارد يعرف بما اخبرها به جون أم لا ، لكنها افترضت ان بلايك لن يخبره ولا جون الذي اظهر ندمه لها سابقًا ولا يبدوا كشخصٍ مستعدٍ لأن يتكلم بالأمر مرةً اخرى لأي انسانٍ اخر.

"نعم، انه بسببه ، عرفت ذلك.. انه شيءٌ في بلايك دائمًا ما استصعبه ، زوجتي تخبرني انه نسخةٌ اخرى مني، لكن بلايك ما هي الكلمة التي تصفه؟ لا اعرف ، كلماتٌ كثيرة تصفه و معظمها لا احب ان اتفوه بها امامك ، يعجزني ان افهمه.. هو الذي يتصرف عكس ما يشعر ، هل سيغير ما سأقوله لكِ شيئًا؟ لا ادري ، احب ان افترض هذا طبعًا ، رغم انني لا اتفائل دون خطة وخطة بديلة. خذيها كقاعدةٍ في عالم الأعمال الذي ربما ستدخلينه يومًا ما. لكن عليك ان تعرفِ ذلك ، تعرفي انه يحبك كأي من ابناءه، انه يريد ان يكون صريحًا معك، لهذا اخبرك بأيًا كان ما اخبرك به ، انه يفعل اي شيءٍ لحمايتك انتِ و اخوتك. لأن هذا ما يفعله الاباء. لن تفهمي ما يفعله ، و لا، انا لا ابرر اخطاءه او ادافع عنه ، توقفت عن فعل ذلك منذ زمنٍ بعيد جدًا، وانا نفذت مني التبريرات بالفعل.. هل ستكرهين ان اخبرك ان تتعايشي مع الأمر وتدعينه يمضي؟ هذا خيارك بكل تأكيد ، لكنه الخيار الوحيد هنا."

كان يخبرها بالعديد من الاشياء التي تعرفها، كانت تعرف اشياءً هو نفسه لا يعرفها ، صورة ان بلايك فعل بأمها ما فعله لأنه يظن انها خائنة كانت واضحةً تمامًا امامها كما هو واضح بالنسبةِ لها انه اخبرها بنصف الحقيقة ليحميها ، لكنه اراد ان يحميها بإستغفالها ، من جهةٍ اخرى. كان يبدوا ان بلايك قد اقترف العديد من الفضائع بالفعل. لكنها لم تنسى ولن تنسى الطريقة التي تحدث فيها معها بالغابة ، ابقت ايلا وجهها جامدًا دون تعابير واخفضت رأسها ، ضغطت اصابع ادوارد على اصابعها برفقٍ "اخبريني، ماذا عساي افعل لأجلك يا فتاتي؟."

"حجزت تذكرتي بالفعل يا جدي، انها بعد يومين."

تصلب فك ادوارد للحظةٍ ونظر لها "لماذا؟"

"اريد ان ابقى بعيدًا لفترة، لدي ما اريد ان اقوم به، وجدي كما اخبرتك ينتظر زيارتي بالفعل..سأكون ممتنةً لو رتبت لرحيلي..سأعود طبعًا لاحقًا." اكدت له عندما رأت نظرته الغريبة

بعد لحظةِ صمتٍ قال
"بالطبع، كما تريدين."

اخذ وجهها بيديه و قبل جبينها، ثم نهض واقفًا و غادر متمنيًا لها امسيةً طيبة، وضعت ايلا يدها على صدرها ثم فتحت عيونها بوسعها عندما استوعبت انها فقدت شيئًا مهمًا ، فغرت فاهه ثم رددت بالفرنسية "اللعنة." مرارًا وتكرارًا ، فزت من سريرها ونظرت الى النافذة ، كان الظلام قد بدأ بالفعل يخيم ، السماء برتقالية تميل الى العتمةِ مع كل لحظة ، و شاهدت سيارةَ نايت تبتعد بالفعل ، شفتيها ارتجفتا عندما ادركت انها اضاعت قلادة والدتها.

بصعوبةٍ بالغتٍ وصلت الى السرير، تجلس على طرفه و تدفن رأسه بين يديها تحاول اقناع نفسها ان القلادة لن تغادر مكانها، حينما يصبح الصبح ، ستذهب لتبحث عنها حيث تركتها. اخذت تفكر "ربما في المستشفى؟ لا، ربما اوقعتها في الغابة." و ضيقت عينيها تحاول تذكر اين بالضبط كان المكان الذي اتجهت اليه. شعرت بغصةٍ في حلقها اجبرتها على الاستلقاء على السرير ، تتمتم تقنع نفسها "سأجدها."

كانت الحانة مزدحمة منذ انها عطلة نهاية الأسبوع ، لكن اصوات الرجال كانت خفيضةً وبين فينةٍ واخرى صرخة سكير متسلية او احدهم يلعن بصوتٍ عاليٍّ، رحت الساقية المتعبة من العمل تبذل جهدها من وراء البار، كانت الحانة نفسها دافئة، مليئة بالعوائل و الاصدقاء والمعارف ملتفين حول بعضهم ، يخيم الهدوء لحظات قبل ان تثور الضجة لحظاتٍ اخرى ، كان المساء الخريفي باردًا ينذر بنهايته واقتراب الشتاء ، وكانت رائحة الكحول تعبق من المكان مختلطةً مع رائحة الصنوبر تعطي جوًا حميميًا في المكان

"ان تأخذوني لتشربوا أمامي تسلية رائعةٌ حقًا." سخر جون ، الذي كان امامه عصير تفاحٍ احضره له ديريك كسخريةٍ نزقة، بينما الاثنين -ديريك وايفان- منذ ساعتين يتحادثان عن امور الأعمال التي فقد اهتمامه جون بها وقرر تمضية وقته بالعبث بهاتفه او تأمل مشهد العوائل حتى سئم الأمر اخيرًا

"لا ترد عليه، انه يعرف انه ليس عليه احتساء الكحول لكنه يفضل التغابي." قال ايفان، يشرب من كأس البيرة الكبير ، و يرمق جون بطرف عينه، والذي بدوره قلب عينيه ، ونهض واقفًا

"الى اين؟."

"اتفقد الارجاء، تابعا الثرثرة عندكما واتركاني وشأني."

"ابقي هاتفك مفتوحًا اذن."

عندما خرج من الحانة، دفن وجهه في وشاحه الرمادي اثر نسمةِ هواءٍ باردة حركة شعره ، كان الشارع حيًا ، يسمع اصوات ضحك الاطفال وركضهم وازواج يمكسون بايدي بعضهم ويتحادثون ، مراهقين هنا وهناك يتهافتون وعجائز يجلسون او يسيرون ببطء ، دس يديه في جيبه منظمًا الى فوج المشاة ، ذاهابًا في طريقه معهم لا يدري الى اين الوجهه لكنه اراد المشي فقط ، وفي طريقه حصل على زجاجة بيرة جعلته يبتسم

لف الوشاح ليغطي اذنيه و أنفه ثم مضى دون ان يلتفت وراءه، جلس على اول كرسيٍّ وجده أمامه ، وحين رفع رأسه ادرك انه ابتعد عنهما اكثر مما يجب ، لكن جو الساحة الدافئ ابقاه في مكانه، راقب بعينين وجلتين الجموع تتفرق وتتجمع ، و ابقى عينيه على اخوين ، الصغير كان متحمسًا و مذهولًا اما الكبير فكان نافخًا صدره فخورًا بشأن شيءٍ ما و يتبجح على الاصغر فيما يبدوا كمحاولةٍ لإثارة اعجابه.

ابتسم جون نصف ابتسامة. ينظر اليهما امامه يتوقفا و يتحدثان مع رفاق الطفل الأكبر ، كان والدهما في طرفٍ اخر يجلس على كرسي و يتحادث هو الاخر مع اصدقاءه ، ضم جسده جون ، يتكئ مشيحًا بنظره عنهما عندما خطر في باله صورةٌ اخرى مشابهة لأشخاصٍ من الماضي ، كان هو احدهم. واخذ رشفةً من بيرته

***

ترك الاريك البيرة عندما ادرك انه اسرف اكثر مما كان يتوقع، محاولًا ان يبقى صاحيًا، طالما ان بلايك قرر انه الان هو دوره ليسكر هذه الليلة -وهذا ما وجده استثنائيًا- لذلك تنازل بصمت، ينهض ليحضر لنفسه فنجان قهوة ، عندما عاد وجد ابن عمه متكئًا يراقب البيرة التي تملئ نصف الكأس فقط ، رغوتها تغطي شاربه الخفيف دون ان يدرك ، جلس الاريك "اتعلم، امامنا مسافة اربعين دقيقة لنصل الى المنزل ، ليس علينا ان نكثر الشرب."

"لنطلب فقط تاكسي."

"لا احب ترك سيارتي في اي مكان كما تعلم، لذا استجمع نفسك الآن." لم يرد بلايك ، ورفع رأسه للساقي يطلبه ان يعيد ملئ كأسه ، تنهد الاريك و تمتم "امامك خمسة عشر دقيقة ، اشرب ما ستشربه لأنني بعدها و ليمدني الله بالقوة سأجرك جرًا للسيارة." شرب ما في فنجانه ، ثم نهض واقفًا يقحم يده في معطفه واخرج محفظته ، يدفع اكثر من الحساب المطلوب في حال طلب بلايك شيئًا اخر او قرر ملئ كأسه مجددًا وهذا غالبًا ما سيحدث ، لكنه لأنه حدث استثنائي سمح له الاريك بترك نفسه كما يحب ان يفعل طالما الأمر فيه مواساة له

"سأعود لك. اخبرتك خمسة عشر دقيقة ثم سأجرك."

هز بلايك كأسه دون ان يرد ، و استدار الاريك خارج الحانة ، يأخذ نفسًا عميقًا ، دس يده في جيوبه يبحث عن ولاعة ، و اقحم السجارة بين شفتيه يشعلها ، اغمض عينيه للحظةٍ يسحب نفسًا ثم نفثه بهدوء ، كان يحب التدخين في الهواء الطلق لأن في اعتقاده انه يؤذي احدهم اذا دخن في الأماكن المغلقة ، نظر الى السماء الجميلة المزينة بالنجوم ، ومشى بهدوء يعيد اقحام يديه في جيوبه معيدًا الولاعة ، تنهد مستمتعًا بهدوء الليلة و محاولًا تحاشي التفكير باحتمال جر بلايك السكير الى السيارة ، في احيانٍ اخرى كان ليستمتع بالأمر، لكن ليس الليلة.

من البعيد رأى احدهم ، وظن انه يعرفه ، عندما امعن النظر فتح عيونه ، ثم اقترب منه ، قطع المسافة بينهما متجاوزًا الاطفل الذين ينظر اليهم جون بشبح ابتسامةٍ حزينة "جون، ماذا تفعل هنا؟."

رفع جون رأس بتفاجئ وتمتم "الاريك."

اقترب منه وجلس بجواره ، يطفئ السجارة مع معرفته ان جون لا يدخن "ماذا تفعل بالبرد؟."

"اردت استنثاق هواءًا نظيفًا ، وانت؟."

"مثلك بالضبط ، هل اتيت مع احد؟ اقول هذا لانني اعرف انه لا يجب ان تقود بنفسك، اخبرني ويليام، واحب ان افكر انك لم تأتِ لتشرب كيلا اضطر الى اخبره، هل انت ثمل؟."

ابتسم جون ، وهز راسه سلبًا ، يخفي البيرة "لا، اتيت مع ديريك وايفان، الذين تركتهما في الحانة في اخر الشارع.."

"وانا اتيت مع ابوك ، الذي بقيت له اثنا عشر دقيقة لينهي كأسه..ولقد رأيت البيرة ، لكنني لأنني العم الرائع سأسمح لك بشرب رشفتين فقط."

"ففط رشفتين؟."

"فقط رشفتين، وهذا قرار نهائي..اخبرني، ما الذي يدفعك لتشرب؟."

"هل يحتاج الرجل سببًا ليشرب؟."

"ليس حقًا، لكن في حالتك ، انت الذي لا يفترض ان تشرب وتنتبه لطعامك في فترة نقاهتك، افترض ان هناك سببًا ، ناهيك على انني كنت مع والدك ، و بالطبع انا اعرف ان هناك سببًا..اتعلم انه تلقى ثاني او ثالث 'صدمةٍ' في حياته هذا اليوم؟ لكن ليكن سرًا بيننا..صغيرتنا الفرنسية فعلت شيئًا عمي نفسه لم يفعله."

رمش جون بغير استيعابٍ، والتف جسده بالكامل ناحية الاريك يطالب منه بالمزيد "ماذا حدث؟ ماذا فعلت ايلا؟."

"لنقل ان ما قلته لها كان ردة الفعل عليه قوية بشكلٍ صادم، صادمٍ للغاية."

"دفاعًا عن نفسي كان زلةُ لسانٍ انا نادمٌ عليها اشد الندم، نعم ، ربما الأمور بيني وبين بلايك ليست عظيمة ، لكنني اعرف كم ارادت ايلا ان.." سكت ، وقال ببطءٍ "يكون لديها عائلة ، وهذا ما لم ارد اخذه منها بفتح فمي بكلمة ، حتى لو كان يعني ذلك ان تعيش حياتها في كذبة ،لم اكن لاسمح لنفسي او اسامحها ان فعلت ذلك ، وهو ما فعلته، للحظةٍ فقدت اعصابي و تفوهت باشياءٍ من المفترض الا اتفوه بها ، الاريك عليك ان تفهمني ، انا لم اقصد ذلك. و ليس هذا لأنني اراعي بلايك مثلًا ، بل لأحمي سعادة ايلا واعطيها العائلة التي اردتها دائمًا."

"اتفهم يا فتاي الطيب، ليس ايًا من هذا خطأك ولن يكون يومًا، بل هو خطأ من يفترضون ان عليك ان تلتزم الصمت ، لا اشجعك على التمرد، لا تليق بك النزعة التمردية على اية حالٍ لأنك افضل من ذلك بكثير ، افعل ما تمليه عليك نفسك وما يشعرك بتحسن ، لكنني اامل فقط ان تترفق بأبيك لأن هناك اشياءً لا تعرفها ، ثم اياك ان تدعوه ببلايك بالمناسبة لأنه ليس بلايك بالنسبة لك بل ابوك..انتهت الخمسة عشر دقيقة بالفعل ، يجب ان احضر والدك قبل ان يسكر ويقرر ان يغير ديكور الحانة فينتهي بنا المطاف بقسم الشرطة..ابحث عن رفيقيك الآن ، واياك والشرب." ربت على كتفه ، ونهض دون كلمةٍ اضافية ، نهض جون بدوره واخذ الطريق المعاكس الى حانته، ثم توقف الاريك في مكانه ، يسأل الرجل المتكئ على عامود الانارة يراقب الشاب الأشقر يبتعد "هل سمعت بنفسك؟."

و لم يرد بلايك

****

كل الحب للمصممة الغلاف الجديد ، وحدة من القراء -ما اعرف حسابها هنا ولا كان منشنتها-
شكرًا على الـ ٢٣٠ صوت تقريبًا واعتذر على التأخير، كانت مشاغل الحياة (كعادتها) أقوى مني

٧٠ الف قارئ، تهاني الحارة لنا 😣💕

كيف البارت؟

حدثك المفضل؟

شخصيتك المفضلة؟

تقييم البارت من ٥؟

توقعاتكم؟ -اعتمدت على كم توقع طلع لي في استبيان الانستغرام، حبيتهم مره ساعدوني اكتب البارت هيهي-

لا تنسون التصويت وترك تعليق ، ليلة طيبة (بتوقيتي)

Bạn đang đọc truyện trên: Truyen247.Pro