Chào các bạn! Vì nhiều lý do từ nay Truyen2U chính thức đổi tên là Truyen247.Pro. Mong các bạn tiếp tục ủng hộ truy cập tên miền mới này nhé! Mãi yêu... ♥

٢٦

‏رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ

رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنتَ مَوْلانَا

١٧٠ فوت = البارت الجديد
تعليق، تعليق بين الفقرات
****


تناهى الى مسامعها وهي تنزل السلالم صوت عذبٌ للموسيقى، معزوفة إلى إليزا لبيتهوفين مما اوحى لها عمن هو مستيقظٌ بالفعل ، كانت الساعة الفيكتورية العتيقة تشير الى التاسعة والنصف صباحًا ، ولأول مرةٍ منذ زمن تتكاسل ميريدث بالإستيقاظ ، مما جعلها تبتسم في داخلها تحسد اجاثا سرًا على قدرتها العجائبية في التأقلم للمرة الألف

"صباح الخير اجاثا." قالت ميرديث، وهي تنظر من النافذة وراء المرأة الاخرى حيث الريح تهز الشجر "الشتاء اقترب.."

"صباح الخير عزيزتي، اوه اجل ان الوقت يركض." قلبت أحدى اوراق التاروت التي تحدق بها ، وسحبت واحدةً اخرى تضعها بجانبها دون لمسها ، راقبت ميرديث ما تفعله بلا اكتراث، لطالما آمنت أجاثا بجانب العديد من الأشياء الخارقة للطبيعة يالتنجيم وقراءة الطوالع، وسرًا تعتقد ميرديث انها تستخدم الأوراق كحجةٍ لربط الحيوات ببعضها او لتفرض رأيها، فمبجرد ان تقول إمرأةٌ انها تريد ان تزوج ابنتها لأجاثا، تخرج الأوراق للفتاة وتخدعها بأنها ستقابل رجلها المناسب في المكان ذاك في الساعة تلك، و تنظم في الآن ذاته لقاءً سريًا لا يعلم ايٌّ من الطرفين انه مفتعل ، والغريب انهم حقًا يصبحون مع بعضهم في النهاية ، و يستمرون لسنواتٍ طويلةٍ ايضًا وربما للأبد

فعلت هذا مرةً بإليزابيث و زوجها المتوفى، و لا تستطيع ميرديث ان تقول انها كرهت ذلك، في الواقع كان الأمر يسليها

"منذ متى وانتِ مستيقظة؟."

"منذ ان اتت الفتاة الفرنسية وقدمها مكسورة مع اخوها الى هنا، لكن ليكن بعلمك، هذه المرة حقًا يجب ان تكوني فخورةً ببلايك، هه! سعيدة انني راهنت على الطرف الرابح مرةً اخرى، لأول مرةٍ البليد يفعل شيئًا جيدًا من طيب خاطر." وقلبت الورقة تنظر لها بمحيًا عابس ، صورة البرج جعل من محياها يكدر فتنظر لها بنظراتٍ تلاشت التسلية منهما

فزعت ميرديث وطار النوم من عينيها "ماذا؟."

رفعت نظرها عن الورق ، تلاشت رغبتها بالمرح قليلًا
"نسيت انك لا تعرفين شيئًا، حسنًا. الفرنسية الصغيرة كسرت قدمها و ديريك احضرها من -الله هو وحده يعلم- أين..هذه المرة الأولى التي ارى فيها زوجة الفتى ديريك، لماذا هي نحيلة هكذا؟."

"اجاثا!."

"حسنًا حسنًا سأكف عن العبث، اجلسي يا عزيزتي وسأخبرك بكل شيء." رمت الورقة جانبًا متطيرةً منها

جلست ميرديث على اقرب كرسيٍّ لها مشدودة الأعصاب ، تنظر فزعةً للعجوز الأكبر سنًا و التي نظرت لها بجدية نادرة

"عندما قلتُ للفتاة الحلوة ليزي ان اخوها بلايك سيصلح الأمور كنت محقة، انا اعرف بلايك جيدًا يا ميرديث، اعرفه اكثر مما تعرفينه او حتى تعرفين نفسك، هذا البليد يذكرني بزوجي الراحل لسببٍ ما، دائمًا ما يفعله يكون خاضعًا لتوقعي ، ولا احتاج لورقةٍ او اثنتين لتخبرني عما سيفعله ، عندما اتت الفتاة آيلا التي كسرت قدمها من المستشفى، جلس معها ابًا لإبنته، صارحها انه اخذ جون من امهم عندما انفصلا وانه قد اخبره بأنها ميتة.." نظرت بخواءٍ الى المرأة الأخرى تضيف "مع العلم انه لا يفترض به قول هذا، ربما يتحمل جزءًا من الذنب بهذا الخصوص قليلًا، لكن ادوارد لم يترك له خيار، هو الذي قرر ان المرأة يجب ان تموت في عيني الطفل وقتل آمله بكلمةٍ واحدة منه، ولم يكن علينا نحن -المذنبين أيضًا- الا المجاراة، لننهي مأساة الطفل ربما.. أخي قاسيٍّ احيانًا، لكن لنعترف ان هذه المرة ارتدت عليه كذبته ، ولو انه لم يتحمل تبعاتها...بعد."

كانت الصدمات تتوالى على ميرديث الواحدة تلو الاخرى، وفغرت فاهها للحظة، قبل ان تهمس "فعل ماذا البليد!. افسد كل شيء."

"لا، لم يفسد كل شيء، انه يضع الأمور في نصابها منذ البداية، اراد ان يكون واضحًا معها، رأيتم ما حدث عندما اخفيتم عن جون امر امه، بلايك تحمل الملامة كلها منذ البداية ولايزال، وقرر انه لن يكرر غلطته التي اقترفها بحق جون مع آيلا، بهذا القدر فقط. هذا افضل من ان تدخل عليه الفتاة من اللامكان تزبد وترعد كما فعل جوني الطيب عندما عرف انكم تكذبون عليه."

"اجاثا، تكلمي معي قبل ان تصيبني سكتةٌ قلبية، ماذا حدث بالضبط؟."

"اوه اجل.. الفتاة كسرت قدمها عندما كانت تتمشى بالأمس وعثر عليها ديريك واخذها الى المستشفى، ثم عاد بها الى هنا ، وهي بخيرٍ الان ، وعلى الأغلب نائمة."

"كيف كانت ردةُ فعلها؟."

"صعدت الدرج تبكي، ولعلي سمعتها تلعن بلايك..لا اعرف اختلط علي الأمر لأن تركيزي منصب على ان امنع بلايك من كسر اي شيءٍ امامه."

"اه ياللهي، وتقولين انه فعل خيرًا! هل يعقل ان يحادثها وهي في هذه الحالة...طيب ماذا عن بلايك؟ ماذا كانت ردة فعله؟."

"اراد كسر الاثاث لكنني امسكته في اللحظة الأخيرة، فخرج لينفس عن غضبه بالركض، ثم عاد قبل ساعةٍ وصعد الى الأعلى..هل تعرفين ماذا يعني هذا البرج المشؤوم؟."

لم تجبها ميرديث ، وقالت اجاثا تتابع "يعني الكبرياء المكسور، وهذا الناسك يعني البحث عن الحقيقة، و الميزان يمثل العدالة التي ستحل قريبًا..هذا واضحٌ الآن."

"ما الذي يفترض بهذا ان يعنيه؟."

"ليس بضرورةِ شيئًا، لكنه ربما يكون شيئًا."

حلت لحظة صمتٍ قصيرة، كانت كاميلا المستيقظة للتو و الواقفة في الممر بفنجان قهوة تنظر بصمتٍ الى العمة اجاثا وما قالته، كاميلا لم تفهم شيئًا من الحديث الدائر بينهما، ولم تهتم، لكنها سمعت ما قالته بخصوص الاوراق، وهذا جعلها ترتشف قهوتها بصمت ، كسرت ميرديث لحظة الصمت بينهم بالنهوض دون كلمةٍ، تجاوزت كاميلا الواقفة والتي بدورها مشت تتابع طريقها في صمت الى الأريكة الاقرب من المدفئة تحت نظرات اجاثا التي تضمر شيئًا ، قالت لها "اخبريني، هل تناولتِ شيئًا قبل شربك للقهوة.؟"

نظرت كاميلا بلا اكتراثٍ لها وقالت لتجعلها تصمت "اجل."

"جيد، لا نريد ان يصيبك عسر هضم يا عزيزتي."

نظرت لها بامتعاض وجاملتها "اقدر لك اهتمامك يا عمتي."
بدورها نظرت لها اجاثا قبل ان تسحب ورقةً اخرى من التاروت، موجهةً جل انتباهها الى المرأة

من جهةٍ اخرى كانت ميرديث تشق طريقها الى غرفة ايلا بعجل وهي تكيل شتائمًا بإبنها ، وهمست "الله وحده اعلم بماذا جعل الطفلة تمر به."

فتح ايفان باب غرفته المشتركة مع اخيه، يدعك عينيه بكسل، و يشعر بالجوع و بصداعٍ خفيفٍ في رأسه من الشرب و كثرة النوم ، امامه مر جسد جدته تسير بخطواتٍ واسعة على غير عادتها

"ما الأمر، يا جدتي؟"

"اتأكد من انها حية ولم تغادر بعد ان فعل خالك البليد ما فعله."

"هاه؟." نظر بعجب وبلا فهم، قبل ان تخطر في باله آيلا، ليعتدل بوقفته ويتبع جدته ، توقف على بعد عدةِ خطواتٍ منها اما الباب المنزوي في الرواث، وفتحته تدلف الى الغرفة المعتمة، و شعر ايفان بتيار الهواء البارد يضرب وجهه ويجعله يستفيق تمامًا ، تقدم ببطءٍ يرقب من المساحة المفتوحة والتي لا تعطي سوى رؤيةٍ جيدةٍ لسرير المقابل للنافذة، سرير ايلا الذي جسات جدته على طرفه ، بم يهم ايفان ما الخطب بعد ، وعتمة الغرفة لم تساعده على تبين هيئتها على السرير ولا على قدمها المصابة، كل ما استطاع رؤيته هو الشعر الاسود على الوسادة وتكور الجسد اسفل اللحاف ، يد جدته امتدت بترددٍ لتلمس الوجه النائم ، كان خدي آيلا أحمرين، و دموعٌ جافة تركت اثرها على بشرتها الناعمة ، وجعلت اثار الدموع هذه الشعر يلتصق بخدها

استيقظت ليلي اثر الضوضاء الخفيفة التي سببها فتح الباب، كانت قد نامت فترةً كافيةً بالفعل، لم تستوعب عندما رأت ظل رجلٍ ضخمٍ امام الباب، لكنها امعنت النظر لتحد ايفان بلا ملامح ينظر الى الطرف الاخر ، الذي نظرت له لتتبين ما الامر، بمجرد ان رأت جدتها فهمت ما يحدث، و قررت الانسحاب فجأةً من بينهما، فنهضت من على السرير تسحب هاتفها وترتدي شيئًا فوق قميص بجامتها العاري ،ومشت تضغطت زر الانارة بجانب الباب ، تدفع جسد ايفان الذي لم يتزحزح اصلًا "نحتاج الى بعض الخصوصية إن لم تكن منتبهًا، هنا فتيات ينمن."

متجاهلًا ما قالته، سأل بإهتمام "ماذا حدث؟ عن ماذا تتحدث جدتي؟."

نظرت ليلي وراءها الى جدتها المنتظرة لردٍ منها على سؤال ايفان بحاجبين معقودين ، وقالت "ايلا تقول انها ضلت الطريق ليلة امسٍ وتعثرت والتواء كاحلها وضربت رأسها، من عثر عليها لاحقًا هو ديريك الذي اخذها الى المستشفى القريب، و صباحًا اتوا الى هنا.."

وضعت ميرديث يدها على شعر ايلا تبعده عن عينها تهمس بصوتٍ خافت "يا فتاتي المسكينة، استيقظي..."
فتحت ايلا عينيها على النداء الرقيق وعلى اللمسات الحانية، التي جعلتها تسترخي تحتها راغبة بالمزيد، همست بصوتٍ مبحوح "جدتي.."

"نعم يا فتاتي ،جدتك هنا يا صغيرتي، انا اسفة لما اضطررت لعيشه بالأمس ...... وما عشته صباحًا ايضًا."

غشت الدموع عيني ايلا مجددًا و دفنت وجهها بالوسادة للحظة، تستجمع نفسها و تستسلم لأصابع ميرديث الحانية داخل خصلات شعرها "ابوك..رجل صعب يا بنيتي، حاولت اخبارك ذلك ، لكنك بالفعل اكتشفته."

كانت تتحدث عن بلايك كما لو كان رجلًا شريرًا سيؤذيها، لكن ايلا عرفت بداخلها انه لم يكن ليفعل ذلك بها، ما جرحها حقًا بخصوص بلايك ليس انه منع جون عن امه فقط، بل عن جهله بالامر برمته، من الصعب على ايلا التي اختارت ان تصدق امها منذ البداية ان تشفق على الرجل الذي فعل بهم كل هذا، بمن شتت عائلتهم دون قصدٍ منه، كانت تخاف منه بقدر شعورها بالشفقة ناحيته. تصرفاته، و ما فعله، وكلام ميرديث عنه، جعلها توقن بأنه رجلٌ قاسيٍّ ومتوحشٌ للذين يخذلونه ، بقدر تمامًا ما يمكنه ان يكون ابًا محبًا ومراعيًا وداعمًا لأبناءه وعائلته.

وايلا تخاف من اليوم الذي سيعرف فيه بأمرِّها ليقصيها بعيدًا ، تخاف من ان يأتي دورها اذا ما فشلت بجعله يرى فداحة خطأه، تخاف من خسارته وخسارة جون بسبب افعاله هو.

"لا ،لاتبكي ياصغيرتي.." كانت ميرديث عاجزةً عن الحديث، الصمت بدا لها مقيتًا ، وتكره العجز الذي تشعر به ناحيتها "هل يؤلمك شيء؟."

تمالكت ايلا نفسها، تبتلع غصتها وتترك نفسها لحظاتٍ لتهدأ، لا ترغب بوجود شخصٍ يطبطب عليها رغم حاجتها لذلك، وهزت رأسها نافيةً اخيرًا ، دون ان تحاول التكلم، لأنها تعرف ان صوتها سيخرج مرتجفًا من داخلها

"ماذا تريدين ان تأكلي اذن؟ لا تقولي انك لا تريدين شيئًا لأنك ضربت رأسك ولويتي قدمك وقضيتي ليلةً بطولها بالمستشفى، بالطبع عليك ان تأكلي شيئًا.."

رفعت ايلا رأسها عن الوسادة ، لم تكن تشعر بالجوع لكنها ايضًا لم تكن تشعر بالشبع

"سوف اعد لكِ اي شيءٍ تشتهينه، فقط اخبريني."

"أي شيء؟." سألتها بحاجبٍ مرفوع ، وهزت ميرديث رأسها بتأكيد، سعيدة انها نجحت بتغيير وزاجها ولو قليلًا "بالطبع اي شيء."

ترددت ايلا للحظة، ثم قالت اخيرًا "اريد كعك الليمون، اشتهيه منذ ان اتيت الى هنا..واعتقد انني اريده الآن اكثر مما سبق."

رددت ميرديث بإستغراب "كعك الليمون؟..حسنًا ما دام هذا ما تردينه، غالبًا استطيع ان افعل شيئًا بخصوص ذلك" تمتمت جملتها الاخيرة ، لا تدري كيف تدبر امر صنع كعك الليمون الذي لم تحاول صنعه يومًا ، لكنها قالت بجدية تطبع قبلةً على جبين ايلا "المهم ان تكوني سعيدة."

سحبت ايلا اللحاف حتى عنقها، وراقبت المرأة تغادرها بعجلٍ تسحب معها ليلي، تحاولان الاثنتين اكتشاف طريقة صنع الكعك من الإنترنِت

قالت لايفان الذي اتكئ على طرف الباب ، بعد ان نظر وراءه يتأكد من رحيلهم "أجد انه من المفاجئ انك لم تفتح فمك، منذ انك ترغب كثيرًا بإبعادي ان هنا منذ اليوم الأول."

لم يجب للحظة ، لغايةٍ في نفسه، اقرّ موضحًا موقفه
"هذا ما يتوقع من العائلة فعله تجاه بعضهم، يحمون بعضهم البعض، ماذا تتوقعين مني اصلًا؟ انا افعل اي شيء لأجل عائلتي ولا اسمح لأيٍّ كان ان يؤذيهم."

"لماذا اذن لم تفعل، لماذا غيرت رأيك؟ .. لماذا لم تقل بلايك رغم معرفتك انني هنا لأفسد حياته ربما، من يعلم ماذا سأكتشف بعد كل شيء."

"افعلي ذلك ، اكتشفي ما تريدين ان تكتشفيه لترضي فضولك ونفسك، سأتستر عليك، لكن المؤكد انك ستخرجين بشيءٍ من هذا، والمؤكد ان هذا الشيء لن يرضيك في كلتا الحالتين، بل سيحزنك اكثر."

"انا مستعدة للخسارة منذ اللحظة التي وطئت فيها قدمي القصر. نادرًا و نادرًا جدًا ما تنكشف حقيقة بأكملها عبر الأشخاص ، ونادرًا ما لا تبقى أمور خفية نتيجة التورية أو الخطأ. هكذا قالت جين أوستن ، علي ان اكافح أنا لأعثر على الحقيقة بنفسي ، انا ولا احد غيري."

"ماذا لو لم توجد حقيقةٌ من الأساس؟. او ما تظنين انه حقيقة؟"

"أليس أفضل من الا يعرف أحدٌ بالمرة ، فرصة تبرأت أمي سانحة أمامي ، بعيدة ، لكن سانحة ، وانا اؤمن بوجودها مهما كان رأيك بالأمر."

نظر لها بصمتٍ دون كلمة، و ولاها ظهره مغادرًا ، لكنها استوقفته "ايفان؟."

التفت لها، رفعت ايلا الغطاء الى صدرها مرةً اخرى، تهمس وهي ترتفع عن السرير قليلًا "شكرًا لك..لعدم اخبارك لبلايك والجميع."

"لنأمل الا اندم على ذلك يا ايلا، اكره ان اندم كثيرًا، وانتِ مدينة لي بإخباري كل شيء عندما نعود للندن."

راقبته يغادر دون اغلاق الباب وراءها، فلم يكن منها سوى ان تحتضن جسدها مجددًا و تستجمع نفسها، تفكر بأشياء طيبة ، لأن التفكير بما تحب كان مهربها بالإضافةِ إلى الأدب عن مساوئ الحياة، هذا ما علماها اياه أمُها الحبيبة وعرابها الذي اشتاقت له كثيرًا كما اشتاقت الى جدتها والى فرنسا ، لذلك كان اول شيءٍ خطر في بالها هو كعك الليمون الشهي الطيب، الذي تعلم جيدًا انهم لن يجيدوا صنعه كالذي تصنعه جدتها على ايةِ حال. لكن شيء أفضل من لا شيء.

****

القت ميرديث نظرةً اخيرةً على شاشة هاتف ليلي حيث احد المواقع الالكترونية تعرضُ فيديو عن طريقة صنع الكعك، و حسمت اخيرًا امرها "نادي اليزابيث فقط يا عزيزتي."

"الامر يزداد حماسًا، هل هذا يعني انك لا تعرفين كيف تصنعينه."

"لا، بمجرد ان رأيته تذكرت ان إليزابيث تجيد صنعه، تعلمت ذلك لأجل جون عندما كان صغيرًا..الصبي لم يكن يرضى بما تصنعه لكنه كان قد احبه في النهاية."

"ما أمر جون؟." قالت كلوديا بإهتمام، وهي تدلف الى المطبخ ، كان الجميع نيامًا عندما تفقدتهم ، امها وابوها وابناء عمومتها، الا ايفان الباقيٍّ مع العمة اجاثا ينظر في شاشة هاتفه ، كانت اختها جالسةً على الكرسي وتوليها ظهرها، لكنها بسرعةٍ استدارت ترد عليها "كعك الليمون، نحاول صنعه لنبهج ايلا قليلًا."

كانت كلوديا تتذكر كعك الليمون الذي كانت دائمًا تشم رائحته في منزل جديِّها منذ سكن جون معهما، كانت تتذكر الليالي التي تجلس فيها بجواره يتشاركان صحنًا او عندما تحاول جدتهما مكافئتهما بهذا الكعك عندما يفعلان شيئًا جيدًا، الذي رغمًا عنها احبته ايضًا، لم يكن جون يتحدث عن طفولته معها ولا عن فرنسا ولا عن والدته ولا مع اي احد، دائمًا ما كان يبقى صامتًا يغرق في كئابته المعهودة، بسبب خالتها و أحيانًا امها، لم يكن شخصًا كثير الكلام، رغم انه كان كذلك قبل طلاق والديه. لكنها تتذكر جيدًا اول حديثٍ حقيقيٍّ بينهما وحدهما ، وهو الحديث الوحيد الخاص ايضًا. قال لها بلهجته الفرنسية يومها ان هذا الكعك يذكره بالمنزل، ان عمتهم تحاول ، لكنها لا تفلح ولن تفلح بأن تصنع ما تصنعه جدته الفرنسية، وانه في كل مرةٍ يأكله يشعر بنفسه ليس في هذا المكان لفترةٍ قصيرةٍ قبل ان يعود الى هنا مجددًا، هذا اخر ما تذكرته قبل ان يهرب جون في اليوم التالي و يستقل القطار. تتذكر جيدًا عمها بلايك الذي انهار على اول كرسيٍّ قريبٍ منه. تتذكر احداث المنزل الذي بدأو يستنفرون بحثًا عنه قبل ان يدركوا انه اصلًا ليس في المنزل ، كان طفلًا بالسابعة وقتها. والله وحده يعلم ماذا قد يفعل اي طفلٍ بالسابعة فجأةً ودون سابق انذار

تتذكر انهم استجوبوها واستجوبوا ايفان و ديريك ونايت والجميع، واحدًا تلو الاخر مرارًا وتكرارًا، ذات الاسئلة تطرح مئات المرات ومن قبل اشخاصٍ مختلفين، ضابط الشرطة الذي اتى وهو يدخن يسأل و يستجوب ايضًا، لكن لم تحل صبيحة اليوم التالي حتى اتصل عراب جون بوالده، الذي ازبد وارعد مرةً اخرى في سماعة الهاتف يوبخ ابنه

في النهاية اكتشفوا انه بطريقةٍ ما، استقل القطار وذهب الى ادنبرة لوحده. والرجل الأخر، اصر على بلايك ان يبقى جون عنده لأسبوعٍ او اثنين، ولم يشاء ان يغلق السماعة حتى وافق عمها الذي انهار مجددًا على الاريكة يدفن رأسه بين كفيه و يتنفس الصعداء

بالطبع منذ ذلك الحدث، تغيرت الأمور جذريًا في المنزل، اصبح الأمر اكثر حدةً واكثر صرامة، لم تكن المرابية تفارق ايًا منهم والجميع يضع عينه عليه، وهي عرفت في قرارةِ نفسها، انه لن يعاود الكرة مجددًا ، ليس لأنه لا يستطيع، بل لأنه لسببٍ ما فقد الأمل حقًا

"اريد ان اشاهدكم وانتم تصنعونه، لطالما انتابني الفضول ناحيته."

عندما اخبروا اليزابيث بالأمر، كانت كلوديا تعرف بقرارة نفسها ان ذات الأمر خطر في بالها، بصمتٍ اخرجت المكونات وعدة النواقص، نصف ساعةٍ وكانت كل النواقص موجودة

صنع الكعك استغرق ما يقارب الأربعين دقيقة، اخرجته اليزابيث من الفرن و غمرت رائحته الطيبة المنزل كله.

"رائحة طيبةٌ يا عمتي." قالت ليلي بحماس

"حقًا؟ اعتقد انني بسبب المزاولة الدائمة صرت اتقنه ايضًا..لكن لنأمل ان يكون لذيذًا"
اخذت السكين ، و ببطءٍ ورفق حاولت ان تقسم الكعك، لكنها شعرت انه يجب ان يبرد اولًا ، وسألت اخيرًا "لمن صنعناه؟.. هل اشتهيتماه يا فتاتيِّ الحلوتين؟."

نظرت كلوديا بخفةٍ الى ليلي التي قالت بسرعة "شيءٌ كهذا..لكننا نريد الآن ان نأخذ منه الى آيلا."

"دقيقتين حتى يبرد، سأصنع شايًّا معه."

دخلت ميرديث اخيرًا التي جذبتها رائحة الكعك المألوفة، وقالت برضى تنظر اليه "تبدوا الرائحة طيبة، لازلت تصنعينه كما تفعلين عندما كان صغيرًا."

"من الصعب نسيانه، منذ انه ما يجعل الاطفال يهدأون، تعرفين عندما يوبخهم أبي؟ كان هذا ما يبهجهم."

"ابوك هو ابوك، ماذا عسانا نفعل به، المهم انني اريدك بكلمةٍ يا ليزي..لحظة من فضلك، دعي ما بيدك."

قالت كلوديا تمسك السكر بدلًا من عمتها "لا تقلقي يا عمتي، انا سوف أعد الشاي."

داعبت اليزابيث وجنتها"لطفٌ منك يا حلوتي." ومشت وراء امها ، ونظرت كلوديا اخيرًا الى اختها ، تهمس "ماذا تخفين! كان هذا واضحًا..اخبريني."

"اوه لا شيء كبير، آيلا لوت قدمها بالأمس و تعاني من عوارض الاكتئاب، غالبًا عمي بلايك وبخها ايضًا بما انني سمعت جدتي تواسيها، هيا بنا ، اصنعي شايًا والحقيني الى غرفتي."

***

كان المكتبة يغشيها الغبار في اطرافها، وغالبًا العائلة المهتمة بالمنزل لم يكونوا يولون انتباهًا لها بالقدر الذي يستلزمه الاهتمام بمكتبةٍ كهذه، كانت الكتب الثقيلة تغطي الجدران، و المدفئة يملئها الرماد منذ اخر مرةٍ اشعلت النار فيها، بدلالة الا احد قد نظفها بعد.
رائحة الغبار الخفيفة جعل اليزابيث تجعد أنفها ، وتتكفت تنظر بتحسرٍ الى الأثاث الغالي "على الأقل ليغطوه.. سيفسد الورق هكذا."

"اليزابيث، بلايك أخبر ايلا بأمر أنتِ تعلمين من." دون سابق انذارٍ أعلنت ميرديث، غير متأكدةٍ من ملائمة قول ذلك ونعت جوليا بلفظٍ مجهول، الا ان لسانها اعتاد ذلك منذ انهم كانوا يتحدثون عنها إن اضطروا الى الحديث عنها بهذا اللفظ، لا بإسمها، لطالما كانت جوليا بالنسبةِ لهم في احاديثهم العابرة هي "تلك المرأة." أو "انت -يا من احادثك- تعرف من."

خوفًا من ان يسمعهم جون او احد الصبية فيعلق السؤال عنها في بالهم، مما سيسبب مشاكل بكلتا الحالتين، تراقب ميرديث بهدوءٍ ناقمٍ الذهول يعتلي معالم وجه ابنتها، قبل ان تستوعب الأمر وتفغر فاهها بصدمة "ماذا فعل؟." لمست اليزابيث مقبض اول كرسيٍّ قريبٍ منها، صامتةً للحظة ونطقت اخيرًا بأكثر سؤالٍ وجدته ملائمًا "اخبرها ماذا بالضبط؟."

"اخبرها اننا اقنعنا جون عندما كان صغيرًا بوفاتها، حدثها بضرورة ذلك..حين افكر بالأمر لا امانع هذا حقيقةً، اريد ان نكون واضحين معهم ولو لمرة، لكنه قرر ان يختار اكثر اللحظات الغير ملائمة ليجعلها مأساوية.. بالأمس الفتاة المسكينة ذهبت للتتمشى في الغابة القريبة، سقطت وضربت رأسها بحجرٍ و لوت كاحلها.."

"ياللهي..اين هي؟ هل هي بخير؟."

اكلمت ميرديث "اغمي عليها طوال الليل يا إليزابيث، تتخيلين الرعب بالطبع عندما تستيقظ وحدها في الغابة المشؤومة و الطقس عاصف، لحسن الحظ ان ديريك هو من عثر عليها واخذها للمستشفى، اتتخيلين ان اخوكِ البليد، الذي لن افهمه يومًا مهما حاولت أن افعل، قرر ان اللحظةّ مناسبةٌ تمامًا ليعترف بأخطاءه أمامها؟."

"اهٍ منك يا بلايك." ضغطت اليزابيث على النقطة بين حاجبيها وانفها، و قالت "وكيف كانت ردة فعلها على كلامه؟."

"لا ادري كيف حاول او يظن انه حاول ان يبرر لها، لكن اجاثا تقول انها صعدت غرفتها تعرج وهي تلعنه، من يلومها؟ انا العنه ايضًا."

"وهو؟."

"قرر انه الوقت المناسب ايضًا ليكسر الاثاث، مثلما يفعل دائمًا عندما يغضب، اما يزال يذهب لذلك الطبيب النفسي ليعالج مشاكل غضبه؟ اشك بأن الطبيب يعطيه العقاقير الخطأ..لنتصل بمحاميٍّ يتولى القضية و لنتصل بمصحة تتولى اخوك."

"اولًا كان هذا عندما كان في الخامسة عشر، واعتقد ان الرجل لم يصف له اية عقاقير اصلًا، وثانيًا لا وقت للمزاح بهذا الموضوع بالذات، اصبحتِ كعمتي اجاثا يومًا بعد يوم."

"لا احد يرف كيف يصمد في هذه العائلة الا اجاثا، لهذا تبلغ التسعين."

ومشت تاركةً ابنتها وراءها تتنهد.

***

صورت ايلا قدمها، وارسلت الصورة الى فايَّ كمزحةٍ صغيرة، لم يكن لديها اي مزاجٍ للمزاح، لكن اثارة جلبةٍ في فرنسا وهي هنا في ادنبرة بدا مثيرًا للاهتمام، افضل من اللاشيء

كانت دقائق حتى وصلها الرد من فاي تكتب بحروفٍ كبيرة "ما اللعنة؟." ثم رسالةٌ اخرى تليها "اخبرتك الا خير من الانجليز الملاعين منذ حرب المئة عام."

ابتسمت ايلا مرغمةً و اتصلت بها "قبل ان تقولي اي شيء، انا من لوى كاحلي بنفسي..بغباء ركضت على ارضٍ زلقة." اخفت التفاصيل متعمدةً تسمع ، الطرف الاخر يتنهد براحة "هل احتاج لان اخبر جدتك بشيءٍ كهذا؟."

"اعتقد انها سترى بنفسها عندما اعود الى فرنسا."

دخلت ليلي وكلوديا واليزابيث التي تحمل الكعك بحذر، كانت تفهم قليلًا بالفرنسية واخفت نظراتها القلقة عن ايلا مما سمتعه

"معلًا، هل هذا يعني انك ستأتين الى فرنسا؟."

"نعم نعم، بعد اسبوعين، لعلي سابقى شهرًا او شيئًا كهذا، احتاج لتصفية ذهني واخبرك بما لدي، ابقي الأمر سرًا عن من هم عندك، افضل ان نتقابل في أوزيس يا فايَّ، هل هذا مناسب لك؟." كانت اوزيس بلدةً صغيرةً في الجنوب الفرنسي، تحديدًا في مقاطعةِ غارد حيث تنحدر اسرة فايَّ و يعيشون الى الآن ، في هذه المدينة عاشت ايلا بعضًا من اروع العطل تحت السماوالات الفرنسية الخلابة، في الدير القريب تساعد الاخوات احيانًا ، و تستلقي مساءً في المكتبة عند المكتبية العجوز او يذهبن هي وفاي و يأكلن السمك المدخن او الخبز المحمص والمغطا بزيت الزيتون مع جبن الفيتا ، كانت اوزيس بلدةً حيةً بكل ما فيها، كأي منطقةٍ في فرنسا، كانت ساحرة و يخيل للمرء انها احدى الخالدة منذ القدم.

"لا بأس."

"عظيم، لنتفق على التفاصيل لاحقًا، حسناً؟..وداعًا، بلغي جدتك تحياتي."

قالت اليزابيث "صباح الخير، صغيرتي..هل عزمتي على الذهاب الى فرنسا؟."

فهمت ايلا ان اليزابيث عرفت بما دار بينها وبين بلايك صباحًا، و لم يفتها الحذر ولا الذنب الذان يلوحان في عينيها الجميلتين، وقررت ايلا ان ترفق بالمرأة الطيبة

"احتاج لتسوية بعض الامور في الديار." اعطتهم اجابةً مبهمة لتغيض بلايك ايضًا، لا يستحق ان تتساهل معه وتفضل ان يسمع بالأمر من احدٍ غيرها، بما انها اخبرته في وقتٍ سابقٍ انها باقيةٌ لأسبوعين، ففكرة معاقبته وتجاهله وتمديد فترة بقاءها هناك نكايةً به بدت مرضية.

"الرائحة تبدوا طيبة."

"كان هذا الكعك هو ما يجعل جون راضيًا عندما كان صغيرًا، وعندما كبر صارحني انني لا اصنعه بالطريقة الصحيحة- على الاقل لا اصنعه كما تفعل جدتكما، لكنه ايضًا اخبرني ان علي ان اقلل من السكر واعوض كميته بالفانيليا ، وان استخدم ايضًا قشر الليمون في الخليط."

رمشت ايلا بذهول، وتمتمت بشبح ابتسامة "هذا صحيح..جدتي تصنعه هكذا."
و اخذت اليزابيث ملعقةً صغيرة، تقربه من فاهها، فتحت ايلا فمها واخذت اللقمة ببطءٍ تتذوق الطعم المألوف ، ابتسمت بحنين "نعم..جدتي تصنعه هكذا."

"لنأمل انه يجعلك تشعرين بشعورٍ جيد بعد هذه الليلة السيئة يا حلوتي." واعطتها الصحن ، اخذت ايلا لقمةً اخرى متلذذة بالطعم الطيب ، وواحدةً اخرى تتبعها، لم تكن تعي انها بدأت تأكل بشرهة غير معهودةٍ منها وهي تهمهم متلذذةً حتى تنبهت لأبتسامتهم ونظراتهم المتواطئة

خجلت وهي تحاول ابتلاع اخر لقمةٍ اكلتها "معذرةً..انا جائعة."

"لا بأس ، هذه ردة فعلٍ طبيعية يفعلها المرء الطبيعي عندما يتذوق طبخ عمتي اليزابيث." ليلي ابتسمت تهون عليها

و قالت كلوديا "مارأيك، هل تريدين الخروج ام نحضر لك ما يسليك؟ هناك كتب في المكتبة." ونظرت الى عمتها اليزابيث ليست متأكدةً اصلًا من صحة المعلومة، لكنها ارادت ان تفعل شيئًا يساعد قليلًا.

"لا رغبة لدي بالقراءة، افضِلُ الاستلقاء شكرًا لك."

كانت تفكر بالعروج بكاحلها الملتوي على جون بغرفته، لتلقي نظرةً صغيرة محاولةً ان تعرف بها ردة فعله عن رسالة جدهم التي لا تعرف ماذا عسى ايمانويل ان يكتب بها. والان بما انها تتذوق هذه الكعك الشهي الطيب، الذي يشبه كعك جدتها. جعلها ترغب بالمضي قدمًا ، فبقدر ما هي خائفة من ردة فعله بقدر ما هي راضية انه عرف، حتى رغم انه عرف بطريقة بلايك الهوجاء ، لكن لسببٍ ما. كانت تشعر بقدمها ثابتةً على الأرض مجددًا.

***

فتح باب غرفتهِ عنوةً ، وبدوره اخفض جون الغطاء عن وجهه ليجد ان هوية مقتحم الغرفة هو عمه ويليام يسير حانقًا ناحية النافذة "حان الوقت لتستيقظ، اخبرتك مراتٍ عدة انك هنا لتبقى خارج المنزل لا على السرير، لو اردتك ان تبقى على السرير كنت ابقيتك في المستشفى."

"حبًا بالله يا عمي." ثم همس جون لنفسه "لماذا لا يطرق احدٌ الباب في هذا المنزل."

ازاح الستار عن النافذة، ودخلت اشعة الشمس مشعةً وبهيجة، لا تأبى الخضوع لا لغيوم ولا للبرد. كان جون يشعر بشيءٍ غريبٍ بقدر ما هو مألوف في صدره خلفته رسالة جده الفرنسي، لم يستطع جون ان يميز هذا الشعور، لكنه عرف انه حلوٌ ومرٌ في الآن ذاته، ضدان متناقضان اخران يتصارعان في صدره حيث يشعر بقلبه ينبض مرةً اخرى بقوة. كان آلمٌ هادئ ينزوي شيئًا فشيئًا بمجرد ان يحاول ان يغرق نفسه في النوم ، وكان الشعور بالنعاس محببًا، ففي النوم لا شيء يمكنه ان يؤذيه، كل الأفكار السيئة تتبخر، ولا يبقى من هذه الأفكار شيء حتى يستيقظ مرةً اخرى وتتجمع في رأسه مجددًا. لكن جون لم ينم منذ غادره بلايك، كان فقط مستلقيًا على سريره يستشعر البرد يزحف في الغرفة ويحتضن قطة الذي يسئم ويتركه ثم يعود له مجددًا و يقرر ان يغادره بعد خمسة دقائق ليقرر ان يستلقي في مكانٍ ما أخر ، على غير العادة يشعر برأسه مشوشًا ولكن ليس بهذا الافكار، كان فقط مشوشًا ويشعر بنفسه مضغوطًا لسببٍ ما، وكأنه في سباقٍ مع الزمن ليعقد صفقة او يقابل الملفات حيث الارقام والجداول التي يمقتها تقبع

قال ويليام "ماذا يفعل هذا هنا؟."
قطب ليام حاجبيه يحاول ان يتذكر سبب وجوده في الغرفة الغريبة، قبل ان يهتف بسؤالٍ اخر كان هو اجابة وجوده هنا "اين بلايكي؟."

"بلايكي من ايضًا؟ اخرج حالًا، جدتك تبحث عنك في كل مكان."

استلقى ليام مجددًا يوليه ظهره ويغطي نفسه باللحاف ، وابتسم جون ، الذي ارتفع من على السرير ينظر الى وجه عمه المصدوم بإستمتاع "اعتقد ان احدهم يمر بمراهقةٍ مبكرة."

"بل اعتقد انه لا يجدر به ان يجلس مع والدك اكثر،افسد عقله، اتسمعني يا ولد؟."

اخفض ليام الغطاء قليلًا عن وجهه ثم رفعه مجددًا متجاهلًا عمه

"انظر لهذا، ايها الصعلوك."

تبسم جون الذي كما هم ، بل واكثر من اي احدٍ اخر ، لن يفهم سر الانجذاب الغريب الذي يشعر به الطفل تجاه بلايك.

اقترب ويليام يضع يده على جبين جون الذي اغمض عينيه من فورِّه "اخبرني ابوك انهم اضطروا ليأتوا بطبيبٍ لمعاينتك بالأمس، كيف هي اعراض الحمى الآن؟ اتشعر بدوار؟. ليس من مصلحتك ان تكذب."

"لا. انا بخيرٍ الآن."

"ارني ماذا وصف لك شميدت."
ونظر الى الادوية على الطاولة المنخفضة، يحاول ان يألف ما هو جديد منها، تمتم جون
"لا ادري حقيقةً، كنت نائم."

"بلايك يقول انه اخذ منك شيئًا، كيف يفعل ذلك ويخل بالوصفة الطبية!."

قلب شون شفتيه للهوينةٍ ثم اعترف عندما راى ملامح الضيق على وجه عمه "انا حصلت عليها، كانت لأنام."

تفاجئ ويليام ونظر له بحاجبين معقودين، للحظةٍ ذكره وجهه بوجه بلايك اغلب الوقت عندما ينظر اليه، مصدومًا وحانقًا وغاضبًا وربما خائب الظن، خليطٌ من كل هذه المشاعر الغريبة والكريهة، لكن رؤيتها بوجه ويليام المسالم كانت شيئًا اخر تمامًا "من سمح لك؟ هل وصفها لك طبيبك؟ لأنه لو فعل فيفترض بي ان اعرف."

"لا، انا حصلت عليها بنفسي، سئمت من الأرق واردت ان انام."

"انت لم تكن مصابًا بالأرق يا جون، نعم هذه الأدوية قد تصيبك بالكسل والنعاس لكن ليس دائمًا، انت كنت تنام جيدًا بها وبدونها، اعرف ذلك."

"اردت ان انام اكثر...اطيل مدة نومي."

"هذا ليس خيارًا تملكه ايها الاحمق، ما فائدة ان تنام اربعًا وعشرين ساعة؟ هذا اشبه بإنتحار يا جون..ولن اسمح لك بأن تؤذي نفسك هكذا، ابدًا." رفع اصبعه في وجهه، واغمض جون عينيه مرةً اخرى، شرح الأمر لويليام واخباره انه يفعل ذلك ليشعر بشعورٍ افضل لن ينجح سوى بجعل نظرات الشفقة تطارده مجددًا
زفر ويليام بغضب، الذي كان حانقًا من صمت جون ، لعله ادرك الان انه يقدر رداة فعل بلايك ، عندما يزبد ويرعد ويضرب الارض تحته و لا يصمت ، تمنى تمامًا لو كن جون مثله

"لا ادري لماذا تفعل هذا، لماذا تعتقد ان النوم هو المهرب لكل مشاكلك، حزر ماذا؟ لا الهروب ولا النوم هما الحل، فالحل يكمن في المواجهة والتكلم واتخاذ القرار ، لا حبس نفسك في الغرفة والاستلقاء ، لقد خيبت ظني يا جون، سأتصل بالسيد شميدت لاعرف ماذا كنت تأخذ ايها الأبلة، وغير ملابسك وانزل حالًا ، لا اريد ان اجدك نائمًا."

غادر ويليام دون ان ينظر لوجهه. اراد ان يؤكد له ان ما يفعله خطأ، واراد ان يكون صارمًا معه على غير العادة ليشعره بفداحة خطأه، اغلق الباب بقوةٍ وراءه، تاركًا جون يحدق بالمكان الذي يقف فيه بصمت، ثم نهض واقفًا، يمشي ببطءٍ تحت نظرات ليام الواعية لكل ما يدور حولها

ووقف قبال النافذة، ينظر الى الأفق البعيد و يفكر، كانت الرسالة تقبع مكانها على الطاولة، مطويةً بعشوائية وقد حبسها اسفل كأس الماء احياطًا، بينما يفكر بالشخص الذي كتبها وبدوافعه التي جعلته يفعل ما فعله.

سمع طرقًا خافتًا على الباب ، وتمتم "اخيرًا هناك من يطرق هنا." ثم رفع صوته دون ان يلتفت وراءه "ادخل...اللهي، افتقد هذه الكلمة كثيرًا."

"اي كلمة؟." سمع صوت ايلا المتردد والناعم، الذي يبدوا لسامع انه ناعس ، والتفت جون وراءه ، لوهلةٍ لم يستوعب ما على جبينها ، وفتح عيونه بوسعها "ايلا!."

"نعم نعم، حادث صغير لا يذكر." وتقدمت منه تعرج، وهي تحمل الكعك ، عندها لاحظ قدمها ايضًا

"ما اللعنة؟."

"لا تجزع، عندما تصرخ هكذا تصيبني بالرهبة.." اقترب منها يأخذ الصينية من يدها ، يضعها جانبًا و يساعدها لتجلسعلى طرف سريره "ماذا حدث." جر الطاولة الخشبية من جانب الأريكة ووضعها امامها يجلس عليها "ما اللعنة؟." مرر كلامه، ينظر الى قدمها ويمسك برأسها يتفقد جانبه "ماذا حدث ايلا؟."

"انه لا شيء صدقًا، لقد ضللت الطريق بالأمس و لويت كاحلي، الطبيب يقول بغضون اسبوعين استطيع ان اخلع عني هذه الضمادة، ولا اشعر بالألم حتى..انا خرقاء قليلًا في بعض الأحيان ولا استطيع موازنة نسي."

نظر لها جون بشكٍ و تنهد "عليك ان تكوني اكثر انتباهًا ، كان يمكن ان يكون الأمر اسوأً."

"لا اعدك بالكثير، لكنني سأحاول..انظر ماذا احضرت لك؟." واخفض نظره الى الصينية حيث انتبه الى الكعك اخيرًا ، رفع حاجبه ونظر لها مجددًا ثم ابتسم اخيرًا مستسلمًا
اخذت له قطعةً بالملعقة وفتح فمه ليأكلها ، وهمهم متلذذًا "نسيت حتى كم افتقده."

"العمة اليزابيث اخبرتني انك علمتها كيف تصنعه، واعقتد انها ابلت بلاءً حسنًا، انه مثله تمامًا."

"كلتيهما يصنعانه بشكلٍ جيد.." وافق ، واخذ ملعقةً اخرى بنفسه، تحت نظرات ايلا المبتسمة، التي تذكرت كيف كانت قبل ان تأتي الى هنا، عندما انقضت على الكعك وهم ينظرون اليها، رؤية جون يستلذ به هكذا كما تفعل هي. جعلها تبتسم اكثر

انتظرت الى اللحظة التي انهى فيهما مضغ اللقمة في فمه، ونطقت بحذرٍ
"اذن؟."

"اذن ماذا؟."

"جدي..ايمانويل..ماذا قال لك؟.وماذا تظن انت؟ لكن قبل كل شيءٍ تأكد بأنني لست هنا لأحكم عليك." وهمست بصوتٍ منخفض بإبتسامةٍ بريئة "لكنني طبعًا افضل لو تاتي معي لباريس."

طبع قبلةً على خدها ، ثم نظر الى عينيها "احتاج لوقتٍ يا ايلا، ليس فقط بالتفكير بجدك..انه اخر اهتماماتي الان، لدي اشياء كثيرة لأفكر بها قد تغير حياتي الى الأبد، انا في مفترق طرقٍ حقيقي هنا..." ونظر من فوق كتفها الى جواز سفره بنظراتٍ غامضة، لم تفهم ايلا عماذا يتحدث جون او لماذا يرمي، هو نفسه لم يرد منها ان تفهم شيئًا ، لكنه ايضًا اراد طمئنتها، وقبل ان يفتح فمه قالت بسرعة "طبعًا، لا اضغط عليك كما قلت اصلًا، لا اضغط ولن اضغط، احترم خياراتك يا جوني، لكن ليكن بعلمك فقط ، شيء اريد ان اقوله عن جدي واحتاج منك ان تسمعه : لا يمكن لأحد ان يغير حقيقة ما حدث رغم سوءه ، لكن ما حدث قد حدث بالفعل، اول على الاقل هذا ما قالته جدتي التي ربما مع مرور السنين انطفئ غضبها ولم تهتم، ليس له الحق في ان يطلب مغفرتك، لكن الصفح خيارك انت وخيارك انت وحدك..هذا كل شيء."

"اقدر ذلك.."

"هل لي بأن اقرأ رسالته لك؟."

"بالطبع."

نهض واخذ الرسالة يناولها لها، ثم جلس هذه المرة بقربها على السرير، يحتضن جانب جسدها بهدوء، جالت اعين ايلا على الكلمات المرتجفة ، التي سمعتها في اذنها بذات صوت ايمانويل المرتجف النادم، رسالته وكلماته الصادقة اثرت بها، وضعت رأسها على كتف جون ، تنظر الى الشطر الأخير من الرسالة دون غيره ، لم يفهم جون لمن يرمي ايمانويل بكلامه الاخير، لكن ايلا فعلت ، وهمست لنفسها "لا طبعًا، ليس بهذه السهولة يا جدي..عليه ان ينتزع فرصته انتزاعًا ان ارادها."



*****
اعترف ان الطريقة الملتوية لإكمال الشرط موتتني ضحك، اهني صاحبها واشكره على شغفه بالرواية😂😔♥️
* كيف البارت؟

* تقييم الاحداث؟

*جوني؟

*بلايكي؟

*ايلا ومخططها الصغير تجاه بلايك👈🏻👉🏻؟

*معندي شيء كثير اقوله واعتبروا اني سألت، لا تنسون تراجعون صفحتي بالانستغرام احتياطًا

Bạn đang đọc truyện trên: Truyen247.Pro