٢٣
﴿ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ ﴾
• رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ
• رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ
• فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا
آللهم اكشف الغُّمة عن البلاد والعباد يا سميع الدعاء
***
اضمحل اهتمامها بأختها الغريبة بعدما رن هاتفها ، فأبتسمت بسعادةٍ ترد على صديقتها تحادثها وهي تلعب بشعرِّها و تمشي أسفل الأشجار البرتقالية المتساقطة اوراقُها ، لقد حط الليل كروحٍ عملاقةٍ كئيبة برأي جون الذي تشوش كل شيءٍ في عينيه واصبح يقف على خيطٍ رفيعٍ بين الوعي و اللا وعي ، ينظر من الشرفة المفتوحة الى الأفق العظيم ، و ينظر الى أخته الصغيرة تمشي وهاتفها في أذنها تقفز هنا وهناك على المستنقعات الصغيرة وتلمس الريح وجهها ، يتخيل اشياءً من سالف عمرٍ أغبر ، و لا يدري ما الحقيقة و ما الواقع بينهما ، تشوش نظرهُ مجددًا ، لكن شعورٌ ما جعله متيقظًا رغم كل شيء ، رغم الحُمى و الأرق ، شعورًا مقلقًا ، يخبره ان عليه ان يفعل شيئًا ما ليوقف شيئًا ما، ان شيئًا سيئًا يوشك على الوقوع - او حتى أنه وقع ، لكنه لا يدري ما هو هذا الشيء حتى ، في غمرة أفكاره، استطاعا الحُمى و الأرق السيطرة عليه من جديد ليضيع مرةً اخرى في دنيا الأحلام غارقًا في النوم و بالهذيان ، متمتمًا بكلماتٍ خفيضة ، قصيدة شعرية فرنسية لحِّن بكلماتها واقحم فيها لعنةً او اثنتين.
اغلقت اليانور سماعة هاتفها بعد ان شعرت بشخصٍ ما يراقبها لبرهةٍ ، و بحثت بعينيها ولم تجد احدًا ، سرعان ما تذكرت انها كانت تبحث عن آيلا ، وهمست بصوتٍ خفيضٍ تنظر الى الغابة التي يخيل للمرء ليلًا أنها حية تحمل في جوفها الأسرار "اين ذهبتِ يا ترى؟."
و استدارات دالفةً الى الداخل ، كان أمامها نايت يدفع بذراعيه داخل سترته يمسك بالمفتاح بين اسنانه ، التقطه بخفة و تجاوزها "الى اين انت ذاهب؟" سألته وهي تتفقد ملابسه بنظرةٍ خاطفة ، لم تكن كشيءٍ يرتدى لحفلة عشاء يغلب عليها الطابع الرسمي ، فتوقف للحظة ثم التفت اليها "الى البلدة مع البقية، لن نذهب معهم .. هل تأتين؟"
لم تفكر للحظة ، ركضت الى الأعلى صارخةً "سأحضر معطفي."
سبقها ، عم الهدوء ارجاء المنزل بعدما كان يضج بالضوضاء واصوات الجدال و أصوات الخطوات بسبب الدرجات الخشبية العتيقة، في طريقها الى الأعلى رأت في طريقها ليام متململٌ على مقعده ، و العمة اجاثا أمام المدفئة تحدق بأوراقها شاردةً ومتأملة ، تتمتم لنفسها و تضيق عينيها كشخص عرِّف شيئًا ، و بالطرف الأخر كانت عمتها إليزابيث الشاردة بريبةٍ هي الأخرى تحتسي شرابًا ولم تكن تعر ثلاثتهم انتباهًا ،كلٍ منهم كان له همه الخاص يشغله عن الأخر، وفكرت اليانور بكم يكون المنزل مسالمًا وهادئًا عندما لا يكون هناك من يهيج ليام ، نظرت الى باب الغرفة التي يتشاركانها ليلي و ايلا ، والتي كانت فارغةً الآن ، ثم تنهدت متمتمةً لنفسها "ربما ذهبت معهم." وحملت معطفها بين يديها تنزل السلالم مرةً اخرى ، تاركةً المنزل وراءها يغرق في الصمت مجددًا بعدما غادرته ، بالخارج رأت سيارة نايت ، في المقعد المجاور له كان لوكاس و بالخلف رأت كايلي تلوح لها.
***
بقيت إليزابيث تحدق بالنافذة منذ ان سمعت صوت الباب يفتح و يغلق ، ثم التفتت إلى ليام الذي اصبح اكثر هدوءً بعد ان تبدد نشاطه بالركض في الأرجاء ، يجلس على مقعد ابيها المعتاد الوثير ، ساقيه القصيرتين لا تصلان الى الأرض وكذلك ساعديه الذين لا يستطيعان الوصول الى مسند المقعد فبقيت كلتاهما فوق معدته، ينظر بعينين كسولتين ناعستين الى شاشة التلفاز التي تعرض مسلسلًا كارتونيًا.
اطرقت برأسها تفكر ، بينما انتباهها كان مسلطًا عليه بين فينةٍ واخرى خشيةً من ان يقع في النعاس و ينام فيقع، قضمت شفتيها و خرجت تنهيدة عميق من اقصى روحها
"ما خطبك يا بنية؟" أجاثا بعينيها الحكيمتين الودودتين ، رفعت رأسها عن أوراق التاروت التي كانت تتأملها في صمت موجهة بجل إهتمامها إلى الزابيث
"لا تشغلي بالك بي يا عمتي."
"من الصعب الا أفعل ، تعالي يا ليزي الصغيرة قريبًا مني." طاعتها اليزابيث ونهضت من الاريكة الطويلة التي كانت تشغلها لتجلس بالأريكة المقابلة لعمتها حاملةً معها فنجان قهوتها الذي ما يزال ممتلئًا ، تنظر الى النيران في الموقد تتصارع بعضها ببعض
"استطيع ان اخمن بعض الأشياء عندما انظر الى وجهك .. لكن لا يمكنني الحكم قبل ان اسمع ، أنا أصرِ ، تعرفينني عندما أفعل ..هيا تحدثي ولا تتعبي هذه المرأة العجوز."
اخفضت إليزابيث رأسها ، تلعب بأصابعها الطويلة في حظنها وتتأملها، تداعب خاتم زواجها ، وهمست
"الأمر انني تشاجرت مع بلايك قبل ساعتين او نحوه..يالهذا ، متى كانت اخر مرة اخبرتك فيها انني تشاجرت معه."
"يخيل لك انه مضى وقت طويل على ذلك، لكن في الحقيقة كنتما تتشاجران وتتنازعان دائمًا بخصوص فتاي الطيب جون."
"حقًا؟ لم اكن أدرك .. دائمًا مما يخيل لي أن اخر مرةٍ تشاجرنا فيها حقًا كانت عندما كنا صغارًا." وافلتت خاتم زواجها ، تنظر الى الجمرات الصغيرات اللاتي بدأن يخمدن في الموقد
"اخبريني .. ماذا فعل غليظ القلب هذه المرة؟"
"ككل مرة .. الأمر هو أنني هذه المرة اعترف بأنني احمل بداخلي مخاوفًا كالتي عنده.. إن ايلا ستذهب لفرنسا لزيارة جدها المسكين يا عمتي."
"حقًا؟ لم أعرف بهذا .. وما رأي بلايك؟"
"لم يقل شيئًا بهذا الخصوص..لكن لنقل انه ابدا امتعاضًا او لا ادري ، اصبح من الصعب علي التكهن بماذا يفكر.."
"و لكن .. ما المشكلة لديك من ذهاب ايلا اصلًا؟"
"لنكون على بينة، انا ليست لدي أي مشكلة مع ذلك .. بل أريد ان يذهب جون معها، حسنًا انا اعلم بمخاوف بلايك لكن هذا كان قبل اشهرٍ حتى ، أي في تلك الفترة المشؤومة عندما قرر جون ان يغادرنــ.." اطبقت شفتيها عندما لم تستطع الكلمة الخروج من فمها دون تلعثم ، بسبب ليام الذي ينظر اليهما الان بانتباه و بسبب انها هي نفسها لا تتقبل هذه الحقيقة ، كانت اجاثا تفهم ما تعنيه تمامًا ، وقالت بحذر متجاهلةً ليام الذي بدا ينظر اليهما بإنتباهٍ "انتِ تخشين الا يعود جون مجددًا اذا ما ذهب؟"
"شيءٌ كهذا يا عمتي.. لكن عليه ان يذهب ، حقه ، جون ليس ذلك الطفل الذي كذبنا عليه فيما مضى وابقيناه امام انظارنا.. في قرارة نفسي اعلم ان هذا هو الشيء الصحيح ، دائمًا ما اريد له الشيء الأفضل ، انه ابني بعد كل شيء ، انا ربيته كما لو انه من صلبي ، انا من اعتنيت به و كنت معه في كل لحظات حياته ، لا بلايك ، الذي حاول ان يكون موجودًا في حياته لكنه لم يكن حقًا موجودًا ، مجرد ظل يقف في الزاوية ، يظن انه اذا دفع رسوم دراسته انه اسقط الحمل عن كاهله ، افهم عقليته المعقدة اكثر من أي شخصٍ اخر لكنني لم اعد اعذره و لا اعرف ما الذي يفكر به، انه يحتفظ بجواز سفره معه و يحتفظ بفرصة ان يغفر لي جون حقًا كذلك.. انا يا عمتي، اتفهم الخطاء الي اوقعنا فيه أبي جيدًا ،لقد كنت هناك عندما اخبر أبي جون ان أمه ميتة ولم اوقفه ، وانا من بقيت طوال الليل فوق رأسه اكفكف دموعه و امضيت طوال عمري اسمعه يذكرها دائمًا امامي بحزن طفلٍ فقد أمه ، و لم اقل شيئًا ،والآن جون يعاقبني على جريمتي.. لم أفعل أي شيء بإرادتي ، لم يكن لدي خيار وانتِ تعرفين..."
انفجارها على حين غرةٍ صدمها هي نفسها ، لكن اجاثا لم تنبس ببنت شفة ، بقيت تنظر اليها بعينيها التي يخيل للمرء أنهما تعرفان كل شيء، الى ان هدأت و استجمعت قواها لتنظر اليها مجددًا
"هذا هو اخوك .. انه يخشى فقدانه مثلك تمامًا ، انتِ مخطأة بحقه كما هو مخطئ بحق ابنه.. من الصعب على المرء ان يتفهم الاخر عندما يظن ان الاخر هو السيء في القصة و انه هو نفسه المعصوم منها ، جميعنا يمكن ان نخطئ احيانًا يا ليزي الحلوة ، لسنا ملائكةً ولسنا معصومين .. المهم هو نعطي الفرص و نفعل ما هو صحيح ، بلايك ايضًا يفعل ما يعتقد انه صحيح ، لا يمكنك ان تلوميه على خوفه ، انه يحب ابنه كأي واحدٍ منهم ... اعرف هذا.."
"ما فائدة حبه اذ لم يجعله يتلطف به.."
"ها أنتِ مرةً اخرى تظلمينه مجددًا وترفضين اخراجه من الصورة التي وضعته بها ، من السهل القاء الملامة على الغير و رمي كل شيءٍ في وجوههم عند اول فرصة ، لا تفعلي انتِ ذلك معه .. اخوك يحتاج وقتًا مع نفسه ، اعطه الوقت الذي يريد ولا تضغطي عليه ، كلتينا نعرف ما يحدث عندما يضغط احدهم على بلايك ، بلايك لا يسمح لأحدٍ بأن يضغط عليه اصلًا."
***
كانت السماء من وراء النوافذ التي تعكس اضاءة الداخل قاتمة ، لكن النظر اليها محببٌ للناظر ، تبدوا الغيوم متماوجةً في الأفق البعيد تحت ضوء القمر المتسرب ، وظلال الأشجار كانت تتراقص مع النسيم البارد ، وقف ايفان امام النافذة يستشعر برودة الجو ، عابس المحيا اكثر من ذي قبل ، لا يستطيع ان يختلِّط بأحدٍ حتى رغم انه اجبر نفسه مرةً واثنتين ، كان باله مشغولًا ، يفكر بضيق بكيف يفاتح جون بالأمر ان اضطره كذلك ، او خاله ، لكن مع ذلك ، شيءٌ ما جعله لا يستطيع متابعة التفكير بذلك حتى ، كان الامر مربكًا للغاية و صعبًا بالقدر ذاته ، الأمر اشبه بإنتزاعِ حلوىً من طفل.
و جون بدا سعيدًا للغاية معها عندما رأهما أخر مرةٍ في قلب الغابة معًا ، مدى تأثيرها عليه يجعله ناقمًا و عاجزًا، و رغم انه يعرف انها كاذبةٌ صغيرة ، لكن نبرة صوتها و نظرات اعينها بقيا يطاردانه منذ ان فارقها بالغابة. ضم شفتيه معًا ، و قرب الكأس من فمه دون ان يرتشف منه شيئًا
"ماذا لديك هنا.؟" قال كريستوفر الذي وضع يده على كتفه ينظر الى البقعة التي ينظر اليها ايفان ، التفت اليه ايفان دون ردة فعل ، بملامح وجهٍ جامدة ، واعاد بنظره الى الافق الداكن قائلًا "اخبرني .. مع انك احمق قليلًا لكنك من الاشخاص القلة الذين اعرفهم يفعلون ما هو صحيح مهما كان."
"اوه حقًا؟ لا ادري هل أهان الآن أم أمدح.. لكن تابع ، ماذا لديك؟."
رمى بكل ما في الكأس بجوفه ، ثم وضعه بالصينية التي تحملها النادلة المارة بقربهما و قال "لا اعرف .. هل تعتقد انه يمكن السماح بما قد يفسد شمل عائلة كاملةٍ ربما وانظر الي .. انا فقط افترض ، المهم ان يفسد شملٌ ما فقط لغرض احتمال تحقيق عدالة صغيرٍ جدًا صادف ان هذا الشمل قد يكون ربما مخطئًا بحق أحدهم، واحد بالمئة او اثنان بالمئة ربما ، لكن لا اكثر."
"لا اعرف عماذا تتحدث." قطب كريستوفر حاجبيه بغير فهم "عماذا تتحدث اصلًا؟."
"لا عليك ، اعتقد انني احتاج لشراب ، جد لي شرابًا قويًا في هذه السهرة المملة.."
****
مستلقيٍّ على ظهره ، صداع رأسه كان قد خف الآن ، و نظر عميقًا في سقف الغرفة المقبب ، يسمع صوت صدىً في اذنه يهمس "أبي.." شبح ابتسامةٍ كان يرتسم على شفتي بلايك ، وهو نفسه ادرك ذلك ، ليهز رأسه مبتسمًا حقًا هذه المرة.
لطالما كانت علاقة الأب بالبنين موضع حيرةٍ لدى بلايك ، فقد كانت علاقته مع ابوه في فترة مراهقته و شبابه عاصفة ، نزاعٌ يتبعه نزاع ، كليهما كان متنعتًا و صلبًا في اراءه ، وكلاهما كانا يتحديان بعضهما بالعناد، حتى علاقته بابناءه يشوبها احيانًا بعض النزاع الذي لاحظ شبهه بنزاعاته مع ابيه في سالف عمر، لم تكن تعني الأبوة له شيئًا. حتى بعدما رزق بديريك و ببعده بجاسبر ، الذي لّان اخيرًا عندما وضع الصغير الاخير في حضنه.
كانت الأبوّة شيئًا معقدًا بالنسبة اليه ، فهو بسبب أبيه و غضبه ايضًا غادر البلاد لبلادٍ أخرى ، تاركًا وراءه أبنيه ، كان قد تزوج من إمرأةٍ اخرى واصبح لديه أبنين أخرين ، كان يثير سخريته انه عندما كان بلا عائلته و لا اوامر أبيه كان سعيدًا في البلاد الأجنبية مع زوجته الصهباء وابنيه الذين غمراه مجددًا بالأبوّة. هذا جعله يفكر جيدًا ، من السخرية ان اليزابيث تتهمه انه تعامل مع ابنه كما تعامل ابوه معه ، فرض سلطته و سيره كما يريد. لكن بلايك يعرف جيدًا انه لا يشبه ابوه في السابق ، بيد ان ادوارد تغير كثيرًا بعد ان عاد هو من فرنسا قبل بضعةِ سنواتٍ بسبب مرضه الذي جعل الرجل العظيم يتهاون ، لم يعرف بلايك ايضًا كيف كان شعوره تجاه ذلك ، هو لم يكره ابوه ولم يظن يومًا انه كرهه ، هو فقط كرِه تصرفاته معه. هذه التصرفات التي جعلت مشاعره تفيض و ينفجر في وجوههم. كان التفكير بالأمر غريبًا ، فمنذ زمن لم تدخل فرنسا و ذكرياتها في عقله ، بدا الأمر وكأنه دفنها بعيدًا كما دفن جوليا
ربما يكون بلايك نادمًا على اشياءٍ كثيرةٍ لا يستطيع ان يحصيها بأصابع يديه ، لكن ان يكون ابًا ليس أحداها ، نظر إلى النافذة المفتوحة التي تتحرك ستائرها تزامنًا مع الريح ، واحتضن وسادته ، سمع صوتًا عند باب غرفته لكنه لم يلتفت بلا اكتراثٍ للمتطفل الذي دفع باب الغرفة لينتشر الضوء فيها ، كان الضوء مزعجًا لناظريه رغم انه لم يكن ينظر مباشرةً اليه لأنه يولي وجهه للجهة الأخرى ، أنيرت الأنوار و اغلق الباب ، و نبض صداع خفيف في رأس بلايك من الضوء المفاجئ ، فإضطر أن يفتح عيونه مجددًا و يلتفت للقادم "ما اللعنة؟" فتفاجئ من القادمة
"انت اللعنة." قالت عمته اجاثا متمتمةً بصوتٍ خفيض سمعه و جعله ينظر لها ممتعضًا ، يهمس لنفسه "هذا ما كان ينقصني."
اجاثا التي من البين انها سمعته جيدًا ، تجاهلته ، و جلست على الكرسي الذي كانت اليزابيث تجلس عليه قبل ساعات ، تجول انظارها بالغرفة أولًا ، حتى حطت على النافذة "لا عجب ان المكان هنا متجمد.... ليزي تقول إن رأسك يؤلمك."
كان يعلم أنها ستسخر منه عندما يفتح فمه ، لكنه سمح بذلك و اجابها "نعم."
"جيد."
لم يرد بلايك عليها ، وقالت بعد لحظة صمت طويله تتأمله فيها "اتعلم؟"
"لا اريد أن اعلم" قاطعها بلا دماثة
"ولكنك ستعلم على اية حال ، اخرس ودعني اتحدث هنا.. قبل نصف ساعة كنت ادافع عنك أمام اليزابيث الطيبة ، المسكينة لا يكفي انها ترمم اخطائك إلا انك أيها البليد لا تقدر ذلك.."
"لا اعلم ما الذي قالته إليزابيث لك بالضبط ، لكن ليكن بعلمك يا عمتي..."
"اعلم اعلم .. وإلا لم أكن لأدافع عنك، صحيح انك بليد تنفر المرء منك ، الا انني لا اجد نفسي الا انني افضلك عن اخوتك الطيبين.. من يصدق! لطالما احببتك اكثر من البقية ايها الوغد."
"اعذريني .. لكن هذا يفاجئني قليلًا." ابتسم بلايك قليلًا و رفع رأسه أخيرا عن الوسادة ، يرتكز على ظهر السرير و يحتضن الوسادة بين ذراعيه
"و يفاجئني أنا أيضا ، صدقني .. و كشخصٍ يحبك ، ويفهمك جيدًا ، اريد فقط ان اخبرك إلى ما اعتقد انه الطريق الصحيح.. استطيع ان أرى كم انت فخور و سعيد بآيلا من عينيك كما تكون فخورًا بأيٍّ من أبنائك ، من يلومك.. جميع ابنائك بلا استثناء طيبون ، وهذا ما يفاجئني لأكون صادقةً معك كما أكون أنا دائمًا."
"اشكر لك صراحتك المطلقة" سخر
"لا تقاطعني يا قليل الأدب .. اين كنت؟ اوه اجل .. كنت استغرب من مدى طيب نسلك رغم ان مصدرهم هو أنت ، ليكن ، المهم هو .. انني سعيدة لك ، و فخورة بك أيضًا ، ربيتهم جيدًا ، صدق او لا .. حتى جون كان مهذبًا منذ الصغر ، لم تتعب معه اليزابيث ولو للحظة .. لطالما كان مرهفًا وحساسًا فتاي الطيب."
"اعلم.."
"يؤسفني ما أل إليه الأمر بينكما و اعرف انه يؤسفك أيضا ، لربما تعتقد ان الوقت تأخر بالنسبة إليكما ،لكنه لم يتأخر ابدًا ، لا تستمع لأي شخصٍ يحاول ان يحشو رأسك بكلمةٍ عنه ، انت تعرف انه شخص خيّر ، تعرف ذلك في قرارة نفسك ،وتعرف أيضا انك تريد ان تصلح الأمور بينكما أكثر من أي شيءٍ اخر ، لأنه ابنك وانت ابوه ، لتفكر للحظة بعلاقتك بإدوارد سابقًا و كيف صلح إدوارد اخطاءه معك .. افعل ما فعله ابوك ، ابوك فعل خيرًا فاقتدي به ولو لمرة ، كن أبًا يا بلايك ، كن أبًا لأبنك ، لم يفت الأمر بعد و لا اعتقد انه سيفوت ابدًا."
"تدركين ان ما بيننا مختلف.."
"لا ليس كذلك ، اقولها لك ، رغم ان ادوارد كان طاغيةً حقيقيًا لكن حتى انت و طباعك السيئة النزقة غفرت له.. غفرت لأبوك أيا كان ما فعله." نهضت دون ان تسمح له بكلمةٍ أخرى ، وقالت قبل ان تغلق الباب "أنظر اليك أيها لبليد جعلتني افوت موعد نومي و اتجمد في غرفتك.. اياك بعد كل هذا الا تتصرف ، كن أبا." اكدت لها جملتها الأخيرة بنبرةٍ غامضة و خرجت
عاود بلايك الإستلقاء على ظهره و حدق بالسقف ، الإضاءة كانت تخز عقله ، لكنه تجاهلها و اخذ يفكر بصمت
هو يدرك انه عاجلًا ام اجلًا سيكون عليه التحدث مع جون وتسوية ما بينهما ، لكنه في كل مرةٍ يتراجع ، هذه المرة عمته لم تترك له خيار بعد ان القت محاضرتها الطويلة عليه ، والتي تفجائ كم كانت تعني له ، عبس قليلًا ، و نهض من السرير ، يلتقط قميصه من على الارض و يرتديه ، سكب لنفسه الويسكي ، و شرب الشراب الكحولي دفعةً واحده ، ثم سكب له مجددًا ، يعلم انه من السيء ان يشرب شيئًا و الشقيقة تأكل نصف رأسه ، لكنه تجاهل الأمر و سكب لنفسه كأسًا ثانٍ فثالث ، احتضن الكأس بين أصابعه بصلابة، و اخرج رسالة ايمانويل التي اعطيت له من جايمس يضغط عليها قليلًا حتى انه جعدها بغير قصدٍ، و خرج من غرفته ، نظر حوله الى السكون الذي يعم البيت كله ، صوت عمته يتردد في رأسه، وفكر في الضبط فيما سيقوله له ، ساق نفسه الى غرفة ابنه، امسك بمقبض الباب باليد التي كان يحمل فيها الرسالة وادار القفل لترتطم كتلة هواءٍ ثلجيةٍ بوجهه جعلته يجفل لثانية ، الغرفة تقبع في ظلامٍ حالك ، باردة ومظلمة ، تحسس الجدار يبحث عن مفتاح الانارة وعثر عليه بصعوبةٍ ، كان النائم على سريره والملتف ببطانيته كما الشرنقة غير واعٍ تمامًا بوجوده ، صوت شخيرٍ خفيف وتنفس عالي صدر منه جعل بلايك يفرج عن شبح ابتسامة ، متذكرًا انه كان ينام هكذا عندما كان طفلًا.
تقدم الى السرير حيث بجانبه منضدة منخفضة يقبع فوقها عدد من الاوراق التي نقشت عليها خربشاتٌ مجهولة بخطٍ غير واضح ، هاتف مغلق بين فينة واخرى يشتكي من قلةِ شحنه بصمت ، محفظة ، ديون إمرأةً تبدوا مغمومة تصفحه وهز رأسه من أول صفحتين ، بجواره كتاب اخر ارجواني اللون تلقفه لأنه بلا عنوان ولأنه اثار فصوله ، و جهاز التحكم عن بعد الذي التقطه ايضًا واخفض درجة حرارة المكيف ، و جلس على طرفِ السرير بعد ان وضع كأس الويسكي على الطاولة المقتضة بأشياءٍ مجهولة ، تركيزة انصب على الادوية المبعثرة فوق الطاولة وداخل درجها الشبه مفتوح ، احداها اقراص اميجران التي يستخدمها شخصيًا لمجابهة الشقيقة ، اثنين للحساسية التي يعاني منها جون تجاه البندق ، واحد للحُمى و الاخر علاج إكتئاب ، بقي نظرة مثبتًا عليه دون ان يرمش وتلاشى شبح الابتسامة التي كان يعتلي شفتيه قبل قليل ، تناوله في يده وقد انتابه الفضول عمّا يأخذ ايضًا من أدوية ، فتح الدرج ووجده مبعثر بعشوائية كحال المنضدة ، بالداخل وجد صورة جوليا التي كان يحملها جون معه في المطار منزوية اسفل دفترٍ صغير ،مع انها كانت تبتسم بالصورة ابتسامتها تلك المعهودة الحالمة وكأنها تعيش لحظات اخرى لا يراها غيرها ، لكن عينيها اصبحا فجأةً كشبحين عابسين يتتبعان تفاصيل وجهه ، تحملان نظرةً خيل له أنها لائمة ، وكأنها تلعنه و تقول له بمقت "انظر الى ما فعلته يدك ..كل هذا بسببك."
اغلق الدرج من فورِّه ودفع بمحتوى الكأس في حلقه وترك الكتاب البلا عنوان جانبًا ليأخذ مكانه على الطاولة بلا اذى، ثم التفت ناحية جون ، سحب البطانية من فوقه بغير رقة من فرط عصبيته ووجد وجنتيه محمّره ليجفل مجددًا ، رفع يده الى جبينه يرفع شعره الأشقر من على وجهه لكنه تفاجئ به مبلولًا و بجبينه ساخنًا ، فشتم نفسه عندما ادرك بأنه قد استغرق منه وقت طويل ليدرك بأن شخيره الخفيف لم يكن سوى بسبب عدم مقدرته على التنفس جيدًا من الأساس ، وكان النائم يهمس بصوتٍ خافت بكلماتٍ مبهمة وغير مفهومة خرست تمامًا عندما وضع بلايك يده على جبينه ، العرق يتصبب منه ويرتجف في مكانه كورقة هشة في مهب عاصفة ، و السرير حوله رطب ، حتى انتبه لملابسه التي رأها سابقًا عندما صادفه يقف على الشرفةِ تحت وابل المطر "ايها الأحمق." كتم لعنةً كان سيخرجها ، وفتش في جيوبه عن هاتفه ليدرك بأنه ليس معه ، اخد هاتف جون ليجد قفلًا على الشاشة و بطاريته تكاد تفرغ ، رمى بالهاتف وخرج من الغرفة الى غرفته ، ليلتقط هاتفه و يعود ادراجه وهو يبحث في قائمة اتصاله ، وقف في منتصف الغرفة لا يدري ماذا يفعل عندما تذكر بأن طبيب العائلة قد يكون بلندن ، لكنه مع ذلك اتصل عليه ليسأله عن رقم أي احدٍ يعرفه قد يأتي ، جلس على طرف السرير مجددًا واستقرت يده على جبين النائم تمسده له ، اصابعه الطويلة تحاول ان تحلَّ عقدةِ حاجبيه العابسين.
عندما فتح النائم نصف عينيه ، قابله احساسٌ مبهم لا يستطيع سبر غوره ، نظر للسقف بضع لحيضاتٍ حتى اعتادة عينه على الضوء الخفيف فأعاد اغلاقهما بتعبٍ واضح ، كان يشعر بخديه يشتعلان وبصدره ثقيلًا وبالكاد يستستهل التنفس ، بل ولكأن التنفس أشبه بمحاولة سحب الهواء اسفل الماء ، شيئًا مستحيلًا اعجازيًا ، لكنه ضل يفعله مع ذلك ، امتدت يدٌ مجهولة تتلمس وجنته المحمرة ، المشهد ضبابيٌّ للغاية لأن الدموع تشكلت في عينه اثر التقاء الضوء بشكلٍ مفاجئٍ بحدقتيه ، لكنه مع ذلك استطاع تمييز شعرٍ اسود تخللته شعيراتٌ بيضاء قليلة ولحية تحيط شفتين حازمتين ، فتح عينه مجددًا وضيقهما وهو يلتفت برأسه ليتأكد من هوية الزائر المجهولة الى الان ، وكم كان ظنه في محله رغم كونه قد كذّبه بصبر ، والده همس بشيءٍ له ، على الارجح يخبره ان يلتزم بمكانه ، ليس وكأنه يستطيع الحراك على ايةِ حال فالمسكنات قد انهكته كليًا ، و ربما كانت فكرةً غبية ان يتكاسل عن تغيير ملابسه ، اغمض جون عينه مجددًا ، يشيح بوجهه بعيدًا.
تزامنًا مع معاودة هبوب الرياح وارتطام رذاذٍ خفيف بنافذة الشرفة المشتركة التي إستحلت الجدار كله ، ردّ الطبيب بنبرةٍ كسولة غلب عليها النعاس "شميت يتحدثُ."
اعاد صوته بلايك الى الواقع ليثبت نظرهُ مجددًا على الفراش حيث يستكن الجسد وقال "مساء الخير ، عذرًا على الإزعاج في هذه الساعة ، إن جوناثان مريضٌ للغاية ، كم يلزمك الأمر لترسل شخصًا ما للفيلا في إدنبرة؟"
"اه سيد بلايك المعذرة ، انا في إدنبرة ايضًا لكن سيستغرق الأمر مني نصف ساعةٍ لأصل، أمل الا يكون السيد جوناثان مريضًا للغاية ، ا هو عن قلبه؟"
اقترب منه وتفحص جبينه مرةً اخرى "لا، يظهر أنه نام أسفل تكييفٍ بارد وهو مبتل ، يواجه صعوبة في التنفس و جسده ساخن ، يهذي تقريبًا."
"هل يسعل؟."
"لا يظهر لي."
استلم منه المزيد من الاسئلة تتبعها التعليمات وتقدم الى المنضدة المنخفضة ، لم يستطع ان يمنع نفسه من السؤال حالما حطت عينه على الطاولة
"مؤخرًا .. هل أوصيت بأي أدوية له؟ حساسيّة او منومات .. شيءٌ من هذا القبيل؟"
غرق الطبيب في صمت ثم رد بعد وهلة "في الواقع .. لا..لقد تفقدت ملف السيد جوناثان منذ اخر مرةٍ و لم اجد انه يأخذ شيئًا كهذا.. لكن يمكنني ان اسأل اذا اردت."
"نعم افعل ذلك ، حسنًا اشكرك مجددًا، سأكون بإنتظارك."
اقفل الخطّ وهمس بسخط "اهٍ منك ايها الولد المهمل."
"هيا جوني استفق." هز جسده و لم يتلقى ردًا ، فتذمر بهمس "اين ويليام عندما نحتاجه؟"
عاد تركيزة الى الجسد الساكن ، فرفعه ليقف على قدميه "هيا جوناثان، استيقظ ، ساعدني هنا .. علينا أن نخفض حرارتك."
فتح جون عينيه بلا فهم حتى استوعب ان الذي امامه ابوه و همس يدفع يديه
"اتركني."
شد بلايك على شفتيه بصرامة "جوناثان."
مما جعل الجسد يتصلب بضعف ويكاد يتقهقر من ملامسة قدمه العارية الرخام البارد ، فاستغل تهاونة اللحظي وسحبه الى الحمام
"القليل فقط وسوف اعيدك الى السرير مجددًا ، اعدك."
لم يكن مستوعبًا الى اين يتم سحبه ، ولم يستطع فتح عينيه بسبب الاضاءة التي غشيتهما ، فسالت الدموع من عينيه في محاولته لمجابهت الضوء ، لكن قبل ان يذهن لما الذي يحصل بالضبط كان بالفعل داخل كبينة الاستحمام يهطل عليه ماءٌ بارد كالثلج من كل الجهات ، قفز من مكانه بذعر يبتغي الخروج منها لكن بلايك سحبه مجددًا الى الداخل وثبته
"اللعنة."
"ابقى قليلًا فقط ، يجب ان نخفض حرارتك."
ثلاث دقائق مرت وقد استسلم جون بضعف لإنهمار الماء عليه ، حتى استعاد وعيه و وقف بعبوس اسفل الماء ، اُغلق الرشاش اخيرًا لأنه بدأ يتجمد ، وتهاوى جسده تمامًا على كتف ابيه يرتجف ويلهث وقد ارتخت قدماه لفينةٍ أُخرى ، ابعد جون نفسه ، فسحبه بلايك لخارج الكبينة يربت على رقبته من الخلف
"ها نحن ذا ، لن تنام مبللًا على السرير مجددًا .. اذهب وغير ملابسك ، هيا."
تلقف ملابسه من الخزانة وهو يرتعد من فرط البرودة ، و اختفى جسده خلف الحاجز الخشبي ليغير ملابسه ، اختلط صوت اصتكاك اسنانه بعضها ببعض وصوت عطساته المتتالية ، بينما بلايك غادر الجناح الى جناحه الخاص لأنه هو الأخر بدا يبرد من البلل
"اللهي .. بلايك ماذا حدث؟" إليزابيث قفزت من مكانها عندما رأت جسده مقبلًا ، وهو حك الجلد خلف رقبته
"الذي يحدث انني أتجمد." تجاوزها ودخل غرفته ، بينما هي تتبعت قطرات الماء الى غرفة جون الذي وجدته يتأفف من البرد و يندس في سريره مجددًا
"اوه ياللهي ، جون ما خطبك؟"
دفن جون وجهه بالوسادة دون ان يغطي نفسه ، ومشت اليزابيث اليه تجس جبينه "هل انت متعب؟."
"لا.." غمغم بصوتٍ مكتوم ، رأت الفراش رطبًا و قالت بغضب "نمت و انت مبلل! هل فقدت عقلك؟ انهض من السرير هيا."
"مللت منكم." رفع رأسه عن الوسادة و سحبتها من تحته ، سحبت معها الفراش و الغطاء تحملهم ، ندهت على الخادمة و غيرتا المفرش معًا بينما هو عابس يجلس على الكرسي و يضع يده اسفل ذقنه
"لو اردت الا نلمس فراشك ما كنت لتنام تحت التكييف مبللًا." قالت اليزابيث التي تنهدت وهي تلمس جبينه واردفت "ياللهي ، حرارتك لا تزال مرتفعة، هل اكلت شيئًا؟"
"لا اشتهي شيئًا." نهض والقى بنفسه على السرير يدفن رأسه في الوسادة الجافة.
***
وفى الطبيب بوعده ، فكما قال بعد نصف ساعةٍ بالضبط كان يرتجل من سيارته ، ينظر الى ساعة معصمه بفخرٍ دائمٍ بإلتزامه المعروف بالموعد ، عدل من معطفه ، و مشى الى الباب الذي قبل ان يقرعه كانت الخادمة قد سبقته و فتحته "مساء الخير." رد بلايك من وراءه "مساء الخير .. تفضل."
قالت اليزابيث التي فهمت ان بلايك اتصل به "شكرًا لقدومك ، ادخل ارجوك."
"امل ان يكون السيد جوناثان بخير." اردف الطبيب أشيب الرأس ، و مشى يتبع بلايك و هو يتحدث مع اليزابيث بتهذيبٍ عن احوالها ، دلف الغرفة و شاهد جون الذي فتح عيونه بمجرد دخولهم ، ترك حقيبته الجلدية جانبًا و فتحها يبعثر ما بها ، بينما اتكئ بلايك على الجدار و تكتف ينظر اليهما بصبر "سأضطر لإفساد راحتك لدقائق يا سيد جوناثان. اصبر علي."
استمر فحصه لعدة دقائق من خلاله كان يتفقد ايضًا الأدوية على الطاولة و يقارنها بالبريد الالكتروني الذي وصله من المستشفى ، غمغم لنفسه وقال "احتقانٌ حاد بالحلق ، و حمى، هذا ليس شيئًا جيدًا لشخصٍ في فترة نقاهة، كيف هو سعالك؟."
"ليس قويًا."
"كان ليكون قويًا لو بقيت هكذا لوقتٍ طويل."انبه الرجل العجوز ، و اخرج دواءً من حقيبته يضعه مع كومة الادوية على الطاولة و يفرقه عنهم "ارجح من اعيائك انك لم تأكل شيئًا ، بعد ان تشرب حساءً لتأخذ منه الليلة ، لا تفوت وجبةً لأنك الوحيد الذي سيتضرر هنا يا سيدي ، و سأخذ هذه معي." سحب الحبوب المنومة من على الطاولة وهو يرمق جون بنظرةٍ مؤنبةٍ ونهض "كف عن اخذ اي شيء دون سؤال طبيبك، اتمنى لك الشفاء العاجل وان تنتبه اكثر على صحتك."
"سيفعل" اكد بلايك ، وتبع الرجل ليتحدث معه، وهو يقاوم رغبته بتوبيخ ابنه التي استشفتها منه اليزابيث بمجرد ان نظرة الى وجهه، وكذلك فعل جون الذي لم يهتم من الأستس وولى الباب حيث اختفيا الرجلين ظهره ينوي ان يعود الى النو، لكن اليزابيث لم تتهاون للحظةٍ في تنفيذ ما امر الطبيب به. امرت بدورها باعداد حساءٍ له و ذهبت لتشرف على الامر بنفسها ، في طريقها كان بلايك الذي تحدث مع الطبيب عائدًا مجددًا ، فأمسكت به قبل ان يتجاوزها "ستوبخه! كرمىً لي لا تفعل، نعم يستحق هذا لكن لا تفعل."
"ليزي، اعتقد ان الوقت مناسبٌ لأصبح ابًا بالطريقة التي اراها مناسبة لي ، في النهاية هذا ما اردتِه مني دومًا، لكن لا يحق لك التدخل بعد الآن...لا انتِ ولا اي شخصٍ اخر."
"هل اخبرتك عمتي!." قالت ، لا تدري ما شعورها ناحية ذلك، لكنها رفعت ذقنها بتحدي ، بالطبع لن تنكر الأمر
لكن بلايك اجابها بلا اكتراثٍ حقيقي "لا احتاج لأحد ان يخبرني ما افعل." واضاف بجدية "ولا رأي اي احدٍ يمكنه ان يؤثر بي، يفترض انك تعرفينني أفضل من هذا." افلت يده منها وتجاوزها الى الغرفة، بقيت في الرواق واقفةً تنظر للبقعة التي كان فيها ، تجاوزها ليام الذي كان يصعد السلالم يتبع بلايك كعادته الى غرفة جون الذي عاد للنوم اخيرًا ، بأنفاسٍ اقل صخبًا ، صدره يعلو و يهبط بهدوء ، وبقي بلايك ساهرًا الى جواره ينظر الى وجهه ، ارد ان يلمسه ، أن يضع يده على شعره ، أن يفعل شيئًا أبويًا ، لكنه لم يرد إيقاظه ، خاف ان يفعل سيئًا غير صحيح كما يفعل دائمًا دون قصدٍ منه فيثبت ان الجميع محق، وهو المخطئ، فتراجع وابقى يديه لنفسه.
***
عندما فتحت عينيها شاهدت ظلًا طويلًا منحنيٍّ نحوها اوقف تدفق الدماء في عروقها، حتى ستوعبت بعد لحظةٍ الرعب الطويلة انها الأشجار و ضوء القمر يجعلها تبدوا كما لو أنها ستجثم عليها في اية لحظة ، لسع الألم جانبيّ رأسها بقوة ، و شعرت بألم ساكن في اطرافها وظهرها ، سرعان ما اصبح لا يحتمل ، تأوهت آيلا و سالت الدموع من عينيها لا تذكر اين هي و ما الذي اتى بها إلى هنا ، إلى هذا المكان الموحش المستوحش الذي لم يكن كأي شيءٍ رأته في حياتها ، صورة ايفان ومضت في رأسها وتذكرت شجارهما ، حاجبيه المعقودين الغاضبين وفكه المتصلب وتلك النظرة الكريهة الماقتة في عينيه التي جعلت جسدها يقشعر، لعنته أسفل أنفاسها، و استرجع عقلها كل ما حدث تمامًا حتى اللحظة التي ضرب بها الحجر رأسها وجعلها حيث هي ملقاة ، تحسست رأسها بحذر ، كان الدم الجاف جعل شعرها يلتصق بوجهها ، زفرت الريح مخللةً الأغصان مما جعلها تجفل وترتعب في مكانها كطفلةٍ صغيرة.
لعنت أسفل أنفاسها مجددًا ، ثم أجبرت نفسها على مقاومة الخوف و على التفكير بلماذا هي هنا ، لماذا وصلت لهذا النقطة ، لن ينتهي بها الأمر كطفلة صغيرة بكاءه ، لأنها لم تكن كذلك يومًا ولن تكون ، "أمي.." همست ايلا ، ثم رفعت نفسها رغم الصداع الفتاك الذي ضرب رأسها ، رغم الألم و الدم الدافئ الذي عاد ليسيل بمجرد ان حركة رأسها ، كان الحصى الصغير يلسع راحتي يديها عندما حاولت ان تستند على الأرض لتنهض ، لكنها قاومته ايضًا و رفعت نفسها ، فدار العالم من حولها و شعرت بالغثيان و بطعم الدم معدنيًا في فمها ، و سارت ايلا بخطوات متعرجةٍ و مرتجفة في قلب العتمة ، كانت ضائعة في قلب اللا مكان ولا تدري إلى اين تذهب ، و حاولت الصراخ لكن حلقها كان جافًا جدًا ، فنظرت حولها بضياع فأذا به طريق معبد خلف شجيرات صغار ، مشت اليه تسحب قدميها سحبًا من فرط الألم و تمسح الدم الذي سال من جاب وجهها ليحجب ما أمامها ، تجاوزت الشجيرات الصغيرات ،و فور ان خطت على الأرض الأزفيلتية الرطبة غشي ضوءٌ قويٌ قدم من العدم عينيها.
***
كان ديريك مشغولًا بالتحديق بشاشةِ هاتفه يرى سالة وصلته من اخوه قبل ثلاثةِ ساعات، اثنتين من العمل ولاها انتباهه ، و عدةُ رسائلٍ اخرى من ابناء عمومته لم يستطع ان يرد عليها هي ايضًا عمومًا ، حدّق بالساعة التي تشير على الثانية عشرة بعد منتصف الليل تمامًا ، ورمى بهاتفه جانبًا "اريد النوم."
"طبعًا لأنك كنت تحدق بشاشة حاسوبك طوال اليوم.."
"هل يخيل لي أم أنك ... تؤنبينني يا زوجتي العزيزة؟"
"بل انا ممتنة ، هناك فرق ، سعيدةٌ انني استطعت فيها اشغالك عن شاشة حاسوبك لسبعة ساعات.."
"بوضعي أمام عجلة القيادة مجبرًا؟"
"تقنينًا نعم، لكن اعتبره هدفًا سأعتز به ولن اسمح لك بأن تحط من قدره.. كانت فكرةً سيئةً قضاء الأسبوع مع عائلتي .. لا ادري كيف فاتني ان ابي مثلك تمامًا مدمنٌ على العمل."
"هل جعلنا اسبوعكم سيئًا؟."
"لا، لم تكونا موجودين فيه اصلًا."
نظر امامه مبتسمًا دون ان يردف بحرف ، كانت عطلة اسبوعهما حافلةً للغاية ، من زياراتٍ الزاميةٍ لعائلتها الكبيرة ، جدتها من أمها الروسية ثم جدتها من ابيها ، التي وجدهما ديريك مثيرتين للأهتمام وللتسلية في الآن ذاته ، لكن مجارات هاتين السيدتين اللتين لا يطيقان بعضهما كانت اصعب مما يمكنه ان يحتمل ، من جهةٍ اخرى ، يعترف انه بمجرد ان يقابل حموه ، تدفق من الاثنين بتلاقائيةٍ أحاديثٌ عن العمل و التجارة ونقاشات طويلة تدوم و الاثنين يقفان بالرواق امام بابيّ غرفهما، مع ذلك وجد نفسه مستمتعًا في غمر نفسه في علاقات عائلة زوجته المعقدة و نزاعاتهم ، التي تظن انه لا يوليها انتباهًا ، لكنه في الواقع يفعل.
اخذ يدها، وقبّل باطِن كفِها "انا اعتذر منك لجعلي عطلتك جهنميةً اذن ، اعدك أنني سأوليك انتباهًا اكثر من الآن فصاعدًا."
"سنرى.."
نظر أمامه، و فتح عيونه بوسعها من الجسد الذي خرج من العدم أمامه، و قبل ان يصطدمان ، ضغط على المكابح بقوةٍ ، واحتكت العجلة بالأرض الإزفلتية بقوة ، سمع صوت صرخةٍ مكتومةٍ من زوجته و فتح عينه مجددًا ينظر أمامه.
"ديريك، ما الذي حدث؟." امسكت إبريل بساعده تضغط عليه بيدٍ مرتجفة
قطب ديريك حاجبيه معًا ، و فتح الباب ، كانت الريح تزمجر عاتيةً و خرج ينظر أمامه "هل هناك أحد!؟" صرخ بصوتٍ عالٍ ، و مشى الى الشجيرات الجانبية ، ضيق عينيه ليرى جسدًا صغيرًا على الأرض ، قفز من فوق الشجيرةِ و انحنى نحوها ، لم يتعرَف عليها للوهلةِ الأولى ، مشت ابريل اليه خائفةً لا تدري اين اختفى "ديريك اين انت."
"احدهن هنا." اجابها هامسًا ، و ابعد الشعر عن وجه الفتاة الفاتن المغطى بالدم المتيبس بجبينها، ورفعها عن الأرض
"يا اللهي ديريك، من هذه؟"
"لا اعرف.."
تمالكت نفسها و سبقته إلى السيارة تفتح الباب الخلفي و تدخل ، مد ديريك بجسم آيلا و ساعدته ابريل تضع رأسها المتضرر بحظنها "برفق.. برفق."
اغلق الباب بقوةٍ و اخذ مكانه على مقعد السائق يدير المحرك ، اضاءة ابريل الضوء بالقرب من رأسها لترى وجهًا مألوفًا أمامها لطالما اثار فضولها منذ اول مرةٍ رأته فيها ، عضت على شفتيها بتردد بعدما تعرفت عليها ، وقالت تسحب قارورة ماء و مناديل "ديريك.. اعتقد انها اختك."
"ماذا؟."
"انظر امامك، ولكن ما الذي اتى بها الى هنا؟."
"المنزل قريب .. لاشك بأنها اضاعت الطريق ووقعت، كيف هو رأسها؟."
"لا فكرة لدي.." بللت منديلًا بالماء ومررته على وجهها ، فتحت ايلا عينيها بمجرد ان لمسها البلل ، تنظر بتشوش للشعر الأشقر الذي يحجب عنها ضوء السيارة ، و اغمضت عينيها مجددًا ، شاعرةً بالدفء الحلو يغمرها من المعطف ذي الرائحة الرجولية الذي غطاها
قالت ابريل تبعد الشعر عن وجهها "هل تسمعينني؟."
فغمغمت ايلا كردٍ لها
"نبعد نصف ساعةٍ عن المستشفى تقريبًا ، لنأمل انها مجرد رضةٍ صغيرة.." قال ديريك يلعن بصوتٍ خافت، و يراقب الطريق و اعصابه مشدودة، بعد ان عاد لطريق العام ، بالغ في تجاوز السيارات ، حتى انهم وصلوا قبل الموعد المقدر بعشر دقائق، وتوقفوا أمام المستشفى ، بعد نصف ساعةٍ كانت ايلا في غرفةٍ بالمستشفى الستارة مسدلةٌ عليها، لا شيء عليها سوى ملابسها الداخلية، فتحت عينيها ، وتساءلت "اين أنا؟." كان الضوء المزعج الذي كان مألوفًا بقدر غرابته جعلها تدرك أنها بالمستشفى، حلقها كان جافًا، لكنها استطاعت النطق ببحتةٍ "هل هناك أحد؟."
سمعت صوت الباب يفتح، ثم بالستارةِ تسحب ليظهر لها وجهٌ ومض في ذاكرتها انها قد رأته من قبل، ولا تدري أين ، قالت المرأة الجميلة مبتسمةً "آه، لقد استيقظتِ اخيرًا، ظننت ان الأمر جدي، كيف تشعرين؟."
"اريد ماءً." بتلعثمٍ قالت ايلا، واضافت "هل يوجد أحد هنا؟ أين جون؟ و ..أبي؟."
سكبت ابريل الماء لآيلا بإشفاق "هذه مشكلةٌ صغيرة، انهما ليس هنا.. عثرنا عليكِ في الغابة." و ساعدتها بشرب الماء حتى روت ، نظرت ايلا ليديها الاثنتين ، جروح راحتي يديها الخفيفة قد ضمِدت ، وسحبت الغطاء لتكشف عن قدمها وترى ضمادةً اخرى بساقها ، فتذكرت انها كانت تعرج في وقتٍ لاحق، اعادة بسحب الغطاء الى صدرها بعدمت استوعبت انها لا ترتدي شيئًا سوى ملابسها الداخلية
"لا تجهدي نفسك، كل شيءٍ سيكون بخير."
دخل الطبيب اخيرًا بالغرفة يتبعه ديريك الذي بقي خارجًا لأن الممرضة أخبرته ان يفعل سابقًا، منتظرًا بصبرٍ ان ينتهي الطبيب من فحصه
"مرحبًا، اتمنى انك بخيرٍ الآن؟." قال ينظر الى الأوراق بيده "كيف تشعرين؟."
"اعتقد انني بخير."
"ما أسمك الكامل؟."
"آيلا آلبير.." سكتت ثم استوعبت انه لم تعد كذلك "أعني آيلا سالفاتور."
"لستِ متأكدةً من إسمك؟." تبادل الطبيب و الممرضةُ نظرةً خاطفة
"لا، الأمر ليس كذلك.. انها قصةٌ طويلة اؤكد لك، لكن اسمي الآن ايلا سالفاتور."
"اذن يا آنسة آيلا، ماذا يعني لك هذا الرجل؟. وهذه المرأة؟"
رفعت عينيها بتشويش الى المرأة التي مانت برفقتها طوال اليوم ثم بالرجل الأخر الصامت بالغرفة، الشبيه بصور بلايك عندما كان يافعًا الى حدٍ كبيرٍ جدًا جعلها تنظر له بتفاجئ ، و قالت تقطب حاجبيها "لا اعرفه حقيقةً."
قال ديريك"انها تقول الحقيقة، لا نعرف بعضنا يا حضرة الطبيب..بعد، أنا ديريك يا آيلا، وهذه ابريل زوجتي، من المؤسف ان نتقابل هكذا لكنني تشرفت بمعرفتك."
"ديريك؟." قالت بتفاجئُ بحاجبين مقطبين ، حتى ان الغطاء افلت من يدها قليلًا
"مثير للإهتمام ما لديكم هنا يارفاق ،حسنًا يا سيد سالفاتور ، لحسن الحظ أن رأسها لم يصب بأي شيءٍ خطير كما تظهر الأشعة، مجرد رضةٍ صغيرة، فقر دمك كان سببًا في اعيائك.. لكن قدمك، تأكدي ان تسترحي والا تضغطي عليها، انه التوائٌ بسيط...لكن ستبقين هنا حتى الصباح، احتياطًا ويمكنك الخروج على مسؤوليتك."
"شكرًا لك يا سيدي." قال ديريك
"واجبي." و بعدما غادر الطبيب تتبعه الممرضة التي ثبتت المغذية ، ذهب الى الكرسي الأقرب لآيلا التي حاولت ان تعتدل بجلستها "على رسلك، استلقي حالًا ..لا نريد ان تؤذي نفسك في مكانٍ اخر.. ماذا كنتِ تفعلين في الغابة؟."
قطبت ايلا حاجبيها، تفكر بنفس الشيء، و ومض في رأسها ايفان الغاضب وشجارهما، احتمالية خسارة جون وخسارتها ما لديها الآن، كادت لتبكي ، ولا تعرف ان ظهر هذا على وجهها ، لكنها قالت بعينين مغمضتين "كنتُ امشي، اضعت الطريق ووقعت بسبب الطمي الزلق..حتى فتحت عيني اخيرًا عندما خيم الظلام."
وضع يده الدافئة الكبيرةُ على يدها الناحلة المستقرةِ فوق الغطاء، يضغط بحنانٍ أخوي "لا عليك، سؤالٌ غبي مني، لا ترهقي نفسك بالتفكير الآن...المهم هو انكِ بخيرٍ الآن."
*****
ما صحتت اغلاطي، اذا فيه، رجاءً اعينوني
هيييلووو ، كل عام وانتم بألف صحة وسلامة يا حلويني
٥٦٠٠ ك ، انجاز جيد على ما اعتقد، البارت كان بالدرافت لأسابيع طويلة، وصدقوني.. بعض اجزاءه كان بالفعل مكتوبين من وقت ما كتبت البارت الأول حول ٢٠١٨، لأن تعرفون طريقتي اكتب حي الله كلام واذا حسيته ينفع استخدمته واذا ما حسيته وفرته لبارت ثاني لول
المهم
* ايييييه ، نفذت امنية معظمكم الي ما يبون خشة ايفان ياخذ دور البطولة وينقذ ايلا ، ان شاء الله مستانين يا تيم كريستيان وايلا
* تقييم البارت؟
* الغلاف الجديد 🥰 ؟ نشكر المصممة الجميلة Mai_Magic على مجهودها الطيب، احسه منعش ومريح
*جوني؟
*بلايكي؟
* اجاثا وبلايكي😂؟
* تتوقعون ايش ماضي ادوارد وبلايك بالضبط؟ وكيف غفر بلايك لادورد؟
*!اليزابيث؟
* ايفان؟
* اي احد ثاني؟
* توقعاتكم للمستقبل؟
* كلمة اخيرة لي
* ارحب بالنقد البناء .... امزح لا تفلونها، لا ارحب الا بالمديح والتبجيل
اتمنى لكن صيامًا مقبولًا وإفطارًا شهيًا بأذن الله.
Bạn đang đọc truyện trên: Truyen247.Pro