١٨
وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ
وَقُلِ الحَمدُ لِلَّهِ
رَبَّنا وَلا تُحَمِّلنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ
رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا
***
تصويت
***
بعد ان ابتعد مسافةً طويلة ، اخيرًا التفت خلفه ، كان يدرك جيدًا ان ظل الشك الذي خرج من جوفه بدا يتوسع و يجتاح كل شيءٍ في ذاكرته ، الحقيقة و الكذِّب ، شذرات صغيرة لا تبدوا واضحةً بما فيه الكفاية ، لكنها تعطيه فكرةً الشيطان نفسه لا يجرؤ على ان يوسوسها في اذنه ، تحت وقع هذه الفكرة الدخيلة التي لم تخطوا في باله يومًا وقف بتصلبٍ في مكانه ، عينيه الحادتين السوداوين تنظران في أثرِّه ، وكأن جسد ستيفان ما يزال واقفًا في البقعة التي تركه فيها و عينيه تستطيعان الرؤية من خلال الاشياء لتصل اليه ، بالتفكير بالامر .. بجون الذي اشار له في أخر مرةٍ وقف أمامه
"انت لا تعلم أي شيء وأنا متأكدٌ من أنك لم تحاول معرفة اي شيءٍ حتى ، كان دائمًا ما تراه هو ما يحدث ولا شيء عكس ذلك"
ضل الكلام يطن في رأسه ، وراحتا راحتي يديه تتعرقان من الدوار الذي اصابه فجأةً بالتفكير بجملة ابنه التي تحمل شيئًا من الواقعية و احتمالٌ كبير وخطير في ان يكون مصيبًا ، و لكن ماذا لو كان حقًا مصيبًا فيما يقول؟ انه هو من خان ثقة زوجته -السابقة- بعدم تصديقها ولا بسؤالها ، ماذا لو كان جون ... مصيبًا؟
شعر برأسه ثقيلًا و توقف تمامًا عن الحركة يستجمع شتات نفسه ، عوضًا عن هذا غضبٌ صافٍ و مظلم تفجر داخله ، غضب من كل شيء ... هذا الغضب جعل من رؤيته واضحةً تمامًا ، هو في تلك المنطقة الرمادية من الحيرة حيث لا يعرِّف من كان محقًا ، و يصعب عليه التشفي بعد كل هذه السنوات المنقضية ، ولا التحقيق بما ان حبيبـ .. جوليا ، ماتت ، لا وجود لها بعد اليوم
آلم هادئ ضغط بخفةٍ على قلبه ، و شعر بنفسه اكثر عنفوانًا ، ورغبته بالتدخين تفاقمت ، لكن ما يفوقها حقًا رغبته بخنق اخيه ضد الجدار و أخذ إفادته ، و لا يدري لماذا خطر له ان اللكمة التي لكمها له اول مرةٍ قبل سنواتٍ لم تكن كافيةً ولا مرضية ، حركات ستيفان ، توجسه و خيفته ، التي كانت من جهةٍ لاحظها فيه عندما يكون هو وجون في مكانٍ واحد (والذي كان يظنها شعورًا بالذنب ينتابه لأن جون يعامله بسوء في احيانٍ كثيرة و بجفاء) و من جهةٍ اخرى ، شاهدها واضحةً صافية ، بل اشد وضوحًا من اي وقتٍ مضى ، وكان هذا اول مرةٍ اتت فيها ايلا الى هنا ، بل تحديدًا عندما رأها ستيفان اول مرةٍ في الحفل ، لا يزال يتذكر جيدًا انه تعمّد ، لسبب الحادثة نفسه ، ان يثبت عينيه على ستيفان الذي اثارة ردة فعله حفيظته و اشعلة شرارة شكِّه ، شحوب وجهه وارتجاف اطرافه و انسحابه بسرعةٍ عن عين الناظر قبل ان يلحظه احد
لكن اخوه لا يدري ان بلايك رأه بالفعل واصبح يحمل داخله شكوكًا كثيرة من كل ما يعرِّف او ما يظن انه يعرِّف ، ولسببٍ ما ، عندما رأى حالته اليوم ايضًا ، اصبحت هذه الشوك اكثر قوةً من اي وقتٍ مضى.
مشى بهدوءٍ ، يخمد ثورة غضبه و يكتم افكاره ، بحكمة ، سيعرف ما يريد ان يعرف ، سيحصل على اجابته كانت ما كانت بطريقةٍ او بأخرى ، في عمق الغابة ، اندفع جسده راكضًا
***
جف حلق آيلا وهي تنظر لعيني ايفان الأطول منها قامةً ولذي فكر في انه ارتكب حماقةً في اخبرها عن وعكة جون الصحية من شحوب وجهها
"هل انتِ بخير؟" سألها ، و بدا له ولها ان سؤاله ساذجًا ، بالطبع هي ليست بخير ، ليست كذلك اطلاقًا ، ضغطت على راحتي يديها و جزت على اسنانِها ، ثم نظرت الى اخيها من خلال الزجاج الذي لم يتحرك في مكانه ، يبدوا جسده مسترخيًا وهو يحتظن ذاته و يضمها اليه ، ينعم بالسلام و لا يعرف ما يدور حوله او بالنيران التي تحترق داخلها لأجله ، عينيها الممتلأتين بالدموع ، اصبحتا اكثر حدةً وقسوة ، و سألت "انا اعرف هذا المرض جيدًا ، جون شاب يافع ، انظر اليه ، لا يبدوا كشخصٍ يجهد جسده في الرياضة و لا كشخصٍ آكيلٍ يملأ معدته فوق طاقتها ، و لا يبدوا ايضًا بالطبع كشخصٍ يتعاطى المخدرات ، ما الذي اوصله الى هذه الحالة؟."
"لا فكرة لدي ، لكن حسبك ، هو بخير الآن كما ترين ، ما اعرفه انه تجاوز مرحلة الخطر بالفعل ، وجون قوي."
"انت لا تفهم ، ألست كذلك؟ لا يصل المرء الى هذه الحالة الا بالاكتئاب ، او بالجهد النفسي .. ما الذي كان ينهك اخي عاطفيًا؟ ثم بالطبع لم يتجاوز مرحلة الخطر ، تقول ان هذا حدث قبل شهر ، بالطبع لم يتجاوز اي شيءٍ لعين ، هناك احتمال ان يصاب بذبحةٍ صدرية بحق الرب."
لأول مرةٍ فكر ايفان بهذا ، بماذا كان السبب في المقام الاول عن مرض جون ، و معرفة ايلا بهذا المرض ، التي اشارت لها بدورِّها عن اسبابه ، ابقى يديه داخل جيوبه وهو ينظر امامه الى واجهة المحل الذي خرجت منه قبل عشرِ دقائق ، متسخةٌ من الضباب والمطر، و مشيحًا النظر عن دموعها العالقة برموشها ، بدت له لحظتها عينيها حقًا كمستنقع ازرق عميق فاضت به الدموع ، اخرج هاتفه من جيبه ونقر بضع نقرات يتأكد من ويكيبيديا مرجعه الاول و الوحيد بما انه لا يستطيع ان يسأل ويليام او خاله عن المرض ، لان هذا سيثير التساؤل بدورِّه ، ظهرت له الصفحة الاولى تخبرِه بما قالته له ايلا ، و فكر بهذه الكلمة التي أستخدمها 'الإنهاك العاطفي' والتي صادفته في المقال عدّة مرات، اصبعه نزل الى اخر الصفحة حيث تأكد مطمئنًا الا خطر على المصاب اذا ما حسَّن من حياته و تجاوز فترة النقاهة بسلام ، اعاد بالهاتف الى جيب معطفه ونظر لآيلا الهادئة الآن وكأنها لتوِّ لم تنفجر
"أنى لكِ ان تعرفي هذا؟."
نظرت له مستفهمةً ورفعت حاجبها "ماذا؟."
"عن كل هذا ، المرض وما شابه."
"لنقل انني مررت بتجربة كانت نهايتها سيئة مع احدهم."
"اتمنى ان يكون بخيرٍ اذن."
نظرت له متعجبةً ، لم تتوقع انه قد يبدي ادنى قدرٍ من اللباقة تجاهها حتى مع هدنتهما المؤقته ، وهو بالتالي لم يكن ينظر اليها من الأساس ، كان يفكر بما تقوله ، وفتح المحادثة بينهما ليشتتها للحظة
"هو كذلك." اخبرته ودست يديها في جيبها ، اخيرًا ظهر نايت يحمل اربعة اكوابٍ من القهوة و كيسًا يبقيه بين سبابته و وسطاه
"تأخرت يا احمق."
"اسف يا اخي ، احضرت لك القهوة كما تحبها."
"ستقود." اخذ القهوة منه و فتح باب السيارة ، نظر نايت الى ايلا مبتسمًا لكنه عبس عندما وجدها لا تنظر حتى لوجهه وتبدوا رغبتها بالا يتحدث اليها جليةً ، كانت عابسة، حاجبيها مقطبين في غضب ، و ظهرت اكثر قتامةً مما رأها يومًا ، بشكلٍ تلقائيٍ عقله الباطني اطلق إنذارا ، وللحظة طفيفة خطر له ان غضبها المجهولة أسبابه ، يشابه غضب خاله الذي لا يحب ان يكون في مداره هو الاخر عندما يكون مستاءً ، افسح لها لتتجاوزه وكلاهما ركبا السيارة بينما وقف هو بالخارج يتذمر "ما الذي اوقعني بين هذين؟" وتعجل يذهب الى مقعده ، حط الصمت ثقيلًا في السيارة مع وقع هادئ لصوت المغني المبحوح المنبثق من مسجل السيارة ، و قطرات المطر التي راحت تسيل ثخينةً على الزجاج الأمامي و النوافذ
نايت يردد بصوتٍ خفيض معه ، ايفان أفكاره بدأت تسحبه في دوامةٍ سوداء ، العديد من الأفكار تدفقت في عقله ولم يعد يستطيع حتى ان يقرأ الكلام المكتوب على الشاشة او ان يفهمه ، حتى انه ضل يراجع فقرة واحدة عدة مرات بلا فائدة ، و بقي عقله خاويًا يعجز لأول مرةً على التركيز ، ليس وهو تحت وقع ثقل الإنتظار المقيت و تحت ثقل الأسئلة التي تبدوا اجوبتها قريبة بقدر ما هي بعيدة.
كانت رائحة القهوةِ عذبةً في السيارة تبث الدفء مناقضة الطقس الخريفي المتقلب الذي بدأ بالفعل بلفظ أخر أنفاسه ، بقيت ايلا في صمت تحدق في الكوب البلاستيكي بين يديها ، لا تشعر بشيء ، و لا حتى بالدفء المتدفق في يديها بسببه ، كان كل شيٍ لها لحظتها يبدوا باردًا و معتمًا ، حتى ذكرياتها المشوشة في السابق لأمها التعيسة أصبحت واضحةً الآن وصافية ، وكأن جون تجسيد حي لها ، تعيس وهادئ ، منكسر في عالم مقفر لا توجد روح واحدة لتطمئنه و تزرع السكينة في روحه ، الوحيد حتى وسط عالم مزدحم ،صاحب الابتسامات الكاذبة و الضحكات الواهية ، كأُمها تمامًا ، على المرء ان ينظر بأمعان لهذين الأثنين ليعرف بأنهما ليس بخير ، لأنهما كان جيدين جدًا ، بل عظيمين في ادعاء حالٍ ليس حالهما ، في ابتداع الأكاذيب ولو مؤقتًا و عيشها أمام عين الناظر ، عندما اخذت نفسًا عميقًا شعرت بالآلم يضغط على صدرها ، و بشعور العجز المقيت يقيدها ، يجعلها عاجزة ضعيفة ، هي التي لا تحب ان تكون في موضع ضعف ولو في اصغر الأشياء و اشدها تفاهةً ، لكن هذا أيضا جعل ذهنه يحتدم ، واخذت تفكر بالأشياء الصغيرة التي تجعلها تشعر بالهدوء لأن الهدوء هو اكثر ما تحتاجه لحظتها كي لا تقتل أحدا ، قالت لنفسها "فكري يا آيلا : لنرى .. هناك ، رؤية النرجس يتفتح في الربيع ، مساعدة عروس في تنسيق باقتها ، الشوكولا الساخنة في الليالي الشتوية ، بدايات العطل الحلوة ، الشمس ضد بشرتي العارية في الشاطئ ، انتصاراتي في النقاشات لصغيرة مع فاي و أخوها ،عندما عرفت اول مرة ان ماثيو مغرم بي .. عندما كدت اقبل شفتيه عند ناصية الشارع قبل ان ينبح كلب عمي الذي كان ينزهه ورأنا فلعننا معًا ، انا تجمدت .. وهو هرب ، ضحك جدتي تلك الليلة، والساعات الطوال التي قضيتها اسمع عمي فيه يخبرني ان الأولاد سيئون كائنًا من كانوا حتى يثبتوا حبهم بخاتمٍ و عرس.." هذه الذكريات جعلتها تسترخي و تقطيبة حاجبيها تحلُ قليلًا ، اخبرت نفسها بشبح ابتسامة كاد يرتسم على محياها العذب "و ماذا ايضًا؟ طبقة الكعك الهشة تتكسر اسفل الشوكة، رؤية النرجس يتفتح في الربيع ، كانت أمي تحب الربيع...لكن أمي لم يعد بمقدورها رؤيته من جديد ... ولكن ..كم ربيعًا مضى لم تشهد فيه أمي تفتح الأزهار؟" واحتضنت جسدها ، لا ترغب بفعل أي شيء سوى التحديق المطر و منع نفسها من البكاء ، يدها الناعمة امتدت الى صدرها بشكل تلقائي ولمست قلادة أمها الباردة ، عندما رفعت عينها من جديد ، كانت عينين سوداوين عميقتين تنظران لهما من انعكاس المرآة وكسر الاثنين تواصلهما البصري معًا
عندما عاودت ايلا قرأت ديوان فروخ من جديد ، بدت لها القصائد كئيبة مرّة ، وشعرت بالمقت من هذه المرأة العاشقة العاجزة و الراغبة بأن تحِّب و تُّحب ، فأغلقت الديوان من جديد و وضعت رأسها على النافذة ، وقبل ان تدرك ، كانت قد وقعة في فخ النعاس ، و اخذتها الأحلام بعيدًا ...
****
بينما النيران تأكل نفسها في الموقِّد ، تأملها ادوارد للحظة ، و اطفق يفكر. بات يشعر بشعور سيء مؤخرًا ، احساسه بالخطر بقي يقرع ناقوسًا في رأسه لسببٍ ما ، امام النافذة بقي ينظر الى الغابة المظلمة التي ابتلعت جسد بلايك و لم تبصقه بعد ، و يديه احكمتا الامساك على مقبض مقعده وكأنه في اي لحظةٍ سيُسحب من أسفله ، شعر بالضيق يشتدد في صدره شيئًا فشيئًا ، و استفاق من سرحانه على ضوضاء البنات يتشاجرن على الغرف ككل مرة ، تنهد ، مفكرًا بأن هذه هي الهموم التي يرغب بها دائمًا ، مع ذلك لم يفعل شيئًا لينهي الشِّجار ، مستمتعًا بالضجيج اللحظي ، الذي يخبره ان كل شيءٍ بخير و سيكون بخير ، ليس وكأن شخصًا متعنتًا و صلبًا كإدوارد ينتظر ذلك ، لكن في حالته النفسية الغريبة التي لم تراوده يومًا كان هذا استثناءً
دلفت اليزابيث بصينية القهوة التي اعدتها للتو ، تبطء في سيرِها للحظة تنظر الى السقف حيث مصدر الضجة في الأعلى "هل يجدر بك فعل شيءٍ لهم؟."
"لا ، دعيهم هكذا حتى يعود اباءهم من أين الله يعلم أين."
"دعك منهم اذن ، صنعت لك القهوة كما تحب ، اعلم انك بحاجتها انت وامي."
"فعلتِ خيرًا بي ، شكرًا يا ابنتي ، هذا بالضبط ما كنت احتاجه ، و اين امك؟"
"غرفتها ، تعرفها لا ترتاح حتى توضب الوسط ، لكنني اقول انها بعد خمسة دقائق ستخرج لتفض النزاع ، أو أقل"
"وابناءك اين ذهبوا؟ ها هم ذهبوا قبلنا و سيصلون بعدنا ، كعادتهم." اخذ رشفةً من القهوة السوداء متوسطة السكر كما يحبها ان تكون ، و مستمتعًا بالطعم الطيب الذي تركته في فمه ، وهكذا جلسته المستقيمة استرخت اكثر ، مطمئن البال رغم كل شيء ، لأنه يعرف بقرارتِ نفسه ان كل شيءٍ سيسير على خير ما يرم بطريقة او بأخرى ، إن لم يسر ، سيفعل ما يلزم ليحدث ذلك ، اخبر نفسه ، الا شيء او الا شخص سيفسد طمأنينة بيته ، لن يسمح بذلك لكائنًا من كان ،ولقد أوضح هذا بما فيه الكفاية لأبنة أخيه التي لوت وجهها بطريقة لم تعجبه
قالت ابنته ، تنظر الى النافذة بشرود حيث كان ينظر
"المهم أنهم آتون ، لا اهتم متى .. لكن نايت راسلني يقول انهم قريبون ، ربما ساعة أو اقل."
وعندها ابتسم الإثنان لأن الضجة بالأعلى انتهت كأن احدهم اخرسها بضغطة زر
***
"لكنني اريد هذه الغرفة.." ليلي قالت بعناد ، بينما جولييت استلقت على السرير بالفعل تراقب الصراع باستمتاع وشيء من الحذر ، و لا نية حقيقية لها بالخروج وترك الغرفة لكائنًا من كان ، ليتشاجر من يتشاجر ،المهم ان تبقى على سريرها هذا
بقلة صبر ، قالت كاترينا وهي تبعد حقيبة اختها و تقدم حقيبتها "ماذا عساك تريدين منها؟ انا سبقتك."
"انت كنت هنا اخر مرة، ثم لماذا أنا؟ تنازعي مع جولييت."
"انتما كلتاكما ستخرجان ، انا أقول لكما هذا الآن ، لتفعلا ذلك حبًا بالله قبل أن يأتي جدي."
"انا لن احرك ساكنًا."
فتح الباب المقابل لتطل كلوديا منه بفستانها الصوفي ، تستند على حافة الباب و تهز رأسها "هل سنضطر لعيش هذا ككل مرة؟"
"الشبكة هنا جيدة ، الأمر يستحق."
"لا ، لا يستحق ، نحن هنا في إجازة ، الفترة جيدة لتبقوا بعيدًا قليلًا عن هواتفكم وتجربة أشياء جديدة..ثم ان جدي قادم لا محالة ، او أسوأ ...جدتي ، حلوا الأمر سريعًا فيما بينكم."
تنهدت جولييت ، و قالت "هل نقترع؟"
"ليكن .. اللعنة عليكم ، لنقترع." راقبتهم كلوديا ثلاثتهم يتجادلون مجددًا وعادة لغرفتها تاركةً الباب مفتوح ، اليانور على غير العادة لم تكن مهتمةً بالغرفة ، بقيت تحدق بالسقف وتستمع الى الموسيقى المنبثقة بشكلٍ خفيضٍ من سماعة هاتفها ، وعلى الأريكة الملتصقة بالنافذة جلست هايلي تتصفح هاتفها للحظة قبل ان تتركه وتنظر لها "وأنتِ؟ هل ستبيتين معي أم تفضلين هذه المرة رفقةً جديدة."
نظرت له بغير فهمٍ و مشت ناحيتها لتجلس بجوارها وتنظر الى النافذة ، يعجبها منظر دوران الأوراق البرتقالية قبل ان تقع على الأرض المزدنة بالمئات مثلها واخذت تتأمله وهي تقول بشرود "لم أفهم..ماذا تعنين.؟"
الحديث شد انتباه اليانور التي اطفئت الموسيقى والتفتت ناحيتهم تتابعه في صمت
"تزداد فرص الوقوع في الحب عندما يرى المحبوبان بعضهما لسبب او بدون سبب ، حتى عند أصغر المصادفات المتكررة، هكذا تقول عمتنا الحلوة اجاثا."
ابتسمت اليانور ، كانت تسليها فكرة انها و هايلي يتبعن خطى عمتهم اجاثا في جمع الأحبة معًا ، وقالت بسخرية "عمتنا ستكون مطمئنة عندما تعرف اننا وراءها نكمل المسيرة."
و حدقت كلوديا فيها بغير فهم ، قبل ان يشحب وجهها بطريقة مثيرة للريبة لأنها عرفت مقصدهما ، كان رؤية جون من اخر الأشياء التي تريدها الآن ، والدها ، و والدته ، حيث ماضي هذين الاثنين المجهول كحاجز غير مرئي ظهر بينهما و ترك مئات الكيلومترات تفصلهما ، وكأن المئات السابقة لم تكن كافيةً أصلًا ، حبها العقيم كان مؤلمًا جدًا ، يعتصر التفكير فيه صدرها ، ولو أنها حتى لم تستطع بعد حذف الصورة التي تحتفظ بها لوجهه وهو يبتسم من هاتفها ، لأنها تعرف انها ستبكي اكثر ، مؤقتًا ، أخبرت نفسها ، هو ليس أخوها ، أكدت لها عمتها أجاثا ذلك ، إنه أبن عمها بلايك ، عاش سنواته الأولى في أحضان فرنسا مع والديه وأخوه ، قبل أن يأتي الى هنا لأول مرةٍ على الإطلاق ، اي شيءٍ عدا ذلك ليس صحيحًا ، هذا ما يبقيها ثابتةً الى الآن.
"كفي عن الهذيان .. لن يحدث ذلك."
بجفاءٍ قالت ، مما جعل الفتاتين تنظران بعجب الى بعضهما ، حتى ان اليانور عدلت من جلستها والقت بهاتفها بعيداً
"ولكن .. لماذا؟."
"لحظة .. لم اسمع جيدًا ، ماذا قلتِ؟"
"قلت ، كُفا عن أحلام اليقظة للحظة ، لا اريد أي من ذلك ، اريد ان ابقى بغرفتي معك.." ونظرت الى اليانور وقالت بتوضيح "ليس وكأنني امانع مشاركة اختك الغرفة ، لكنني افضل ان أكون بعيدةً عن جون .. ابعد مما يسمح به حتى."
"ولكن لماذا؟"
الطريقة التي نظرن بها فيها كأنها مجنونةٌ ازعجتها و قالت بدفاع ، تعلم جيدًا انها لا تستطيع ان تفسد طمأنينة ابنتي عمها بإخبارهما ما عرفته ، خاصةً اليانور ، المتعلقة كثيرًا بأخوها
"احتاج لمساحة .. اريد ان افكر ببعض الأشياء .. بمشاعري وكل شيء ، و سأكون أكثر امتناناً إذ لم يتدخل أيُ أحدٍ على الإطلاق." ثم نهضت بحزم من غير ان تنظر خلفها للحظة ، و خرجت من الغرفة ، انزوت في الرواق و الصقت ظهرها بالجدار في اللحظة الأخيرة قبل ان تنهار جدرانها ، اخبرت نفسها "جيد ما تفعلين ، لا تبكي ، لن تبكي ، ليس الآن ، لأجل نفسك ، ولأجله."
تبادلن النظرات ، و قالت اليانور بغير اقتناع من كلام كلوديا التي تركتهم في صدمتهن وخرجت "ا تعلمين ما كانت لتقوله عمتنا اجاثا؟ في التردد.."
"تزيد فرصة الاقناع..ولكن .. هل تعني من إكتئابٍ ربما؟"
بجدية قالت اليانور بعد لحظة تفكير "ربما ، هل اسأل جاسبر؟"
"هل تنوين فضحنا؟ حبًا بالله هذا ما كان ينقصنا."
من العدم ظهرت ميرديث ، نظرت لهاتين الاثنتين اللتين شحب وجههما من فرط المفاجئة بذعر ، ثم الى الباب المقابل حيث مصدر الضجة ما يزال مستمرًا لأن احدًا لم يرضى بالنتائج "كفى."
تبادل تبادل كلٌ من اليانور وهايلي النظرات المذعورة ، وهمست هايلي بصوتٍ خفيض "يا ويلتنا، هل سمعت.؟"
هزت اليانور كتفيها وهبت واقفة تسير ببطءٍ خلف جدتها المكتفتيّ بيديها الاثنتين توبخ من بالغرفة المجاورة "منذ نصف ساعةٍ وانتن على هذه الحالة ، وانتِ! اليس من المفترض ان تكوني الكبيرة هنا؟ لماذا لا تفضين النزاع."
"جدتي..لا يسمحن لي ، بالطبع كنت لأفعل ، لكنهن لا يسمحن لي." قالت كاترينا ، و نظرت ميرديث بغضبٍ الى جولييت و ليلي قبل ان يفتحن افواههن بإعتراضٍ رفعت يدها "كاترينا ستبقى هنا." ونظرت خلفها الى الغرفة الاخرى حطث اليانور وهايلي مضيفةً "اليانور معها ، انتما الاثنتين معاقبتين .. ، جِدا لنفسيكما غرفةً اخرى."
ضحكت اليانور بغير تصديق على انتصارها الصغير الغير متوقع ، وتابعت جدتهم وسط اعراضات ليلي و جولييت "جولييت انتِ مع هايلي ، يجب ان نفرق بينكن لننعم بالهدوء ، وانتِ يا ليلي اختاري أين ستبقين."
"اه ياللهي يا جدتي."
"لا اريد اعتراضًا."
"شكرًا جدتي." ابتسمت كاترينا برضىً ، والقت بجسدها فوق السرير الذي كانت تحتله جولييت في وقتٍ لاحقٍ بسعادة ، تلوح بيدها بسخريةٍ للأخرتين اللتين خرجتا يجران اذيال الهزيمة بأمرٍ من جدتهم
***
السماء بدأت تظلم ، عندما توقف الهتّان اللطيف بالفعل ، كانت كلوديا بفستانها الشتوي تقف أسفل شجرةٍ استحالت اوراقها برتقاليةً ، تلف الشال حول كتفيها وتحدق في السماء العابسة ، يجتاحها القليل من البلل الذي لم يخترق فستانها ليصل الى جلدها ، شعرت بالبرودة لطيفة ومحببة ، للحظات ، قبل ان يقشعر جلدها من جديد اثر نسمةٍ غادرةٍ هبت لتحرك شعرها وتخرج الخصلة من خلف أذنها
"ابنتي.. ماذا تفعلين عندك؟." جايمس قال ، بجواره زوجته التي تدس يديها في جيب معطفها تمشي ببطءٍ خلف حفيدهم المتدثر بالكنزات الصوفية التي جعلت من خطواته بلهاء
"اردت ان اخرج قليلًا يا عمي."
"ستصابين بنزلةٍ برد هكذا."
انحنت كلوديا للطفل المتعثر الذي اتكئ على ساقها ، و قبلته بخفةٍ على خده المحمر "لا اعتقد، لقد ارتديت جيدًا..ماذا عن هذا الحلو؟"
"هو من سيصيبنا بالمرض اولًا." سخر جايمس ، و نظرت له زوجته بعبوس "لا تقل هذا."'
"نحن نمشي وراءه منذ ثلاثة ساعات ولم يتعب بعد ، اي طفلٍ هو هذا؟."
ضحكت كلوديا وحملته في حضنها "يمكنني ان اعتني به انا..اعدكم انني سأهتم بأمره واعيده لكما منهكًا."
"خيرًا تفعلين ، لقد تشنجت ساقي." باستسلام من زوجها سألت اليزابيث الشابة "هل انتِ متأكدة؟ ليس عليك ذلك ، يمكنه ان يكون مشاغبًا جدًا ، وجده هنا لسبب كما تعلمين." ونظرت لزوجها الذي هز رأسه بالنفي
ضحكت كلوديا وأكدت لها "بالعكس ، اكثر ما احتاجه هو الرفقة الطيبة الآن ، بالطبع اريده."
"لا تبتعدا كثيرًا لأن الظلام بدأ يحل ، احذري ان يخلع قبعته ، انه يحاول استغفالنا ورميها منذ نصف ساعة."
"انا له بالمرصاد."
وراقبت الزوجين يبتعِدان وهي تقهقه "انظر ماذا فعلت بجديك يا مشاغب ، انهما يقتنصان اي فرصةٍ لفرار منك ..اه ايها السنجاب الظريف ماذا افعل بك ، هل تريد المشي بعد؟.ام تريد الجلوس وتأمل المشهد معي؟."
نظر بفضولٍ الى الشجرة ومد يده مغمغمًا "سنجاب."
"ربما نستطيع ان نرى واحدًا اذا بحثنا جيدًا ، في النهاية انه سنجاب وليس جنية غابة." ابقته في حظنها و احاطته معها بشالها احتياطًا ، ولأنها يعجبها ان تبقى أقرب له ، كانت تشير الى اشياءٍ عشوائية وتسميها له ، حشرات ، نباتات ، اوراق .. وحتى انحنت لتسمح له ان يضع يده في مستقع ماء
"ارأيت؟ هذا ما يسمى بالطبيعة..هل تشم؟ الهواء نقي وعذب ،هذه رائحة الطبيعة عندما تمطر."
"نعم."
"اللهي ما الطفك ، هل نعود الآن؟. ما رأيك لو تمشي قليلًا بعد ، فلنسبق الظلام معًا."
وضعته على الأرض وأخذت بيده ، وسارا متجاورين وببطءٍ لتتماشى خطواتها مع خطواته ، كان يبعث داخلها بشعورٍ محبب كأي طفلٍ أخر ، خاصةً انها تستلطفه اكثر من غيره بسبب ما تحكيه هايلي عنه ، انه يفسد مكتب أبيها و ينجو بفعلته بمجرد ان يميل برأسه و يبرز شفتيه ، او يستيقظ ليلًا فيوقض المنزل كله حتى اضطروا لتغيير ساعات نومه
فزعت عندما شاهدت شبحًا عملاقًا يمشي بخطواتٍ ثابتةٍ من قلب الغابة على مد بصرِّها ، حتى ادركت انه عمها بلايك ، يدس يديه في جيوبه ، بعد جولة ركضٍ طويلة كما خمنت ، و يبدوا مشغول البال لم ينتبه لها
حتى قال ليام "احملني." وعنى بذلك بلايك ، نظر بانتباهٍ اليهما ، وقالت كلوديا بسرعة "مرحبًا عمي."
كان ينظر اليها بفضولٍ يبحث بأهتمام عن اي اثرٍ للدموع ، لأنه لطالما كان يقدرها اكثر من غيرها ، كانت مسالمة ورقيقة. وانزعج كثيرًا عندما رأها مستاءةً صباحًا ، رد بهدوء "مرحبًا بك .. ماذا تفعلان انتما الاثنين هنا بالظلام؟."
"اردت ان اسمح لعمي جايمس ان يستريح من ليام ، وتجولنا انا وهو قليلًا."
ابتسم بلايك الذي تسلية معاناة جايمس مع حفيده الأول ، وقال "تعال يا ولد." أخذ ليام منها يحمله ، وليام الذي كان لسبب غريب يثير دهشة الجميع يحب بلايك العابس على الدوام ، قهقه ، وجعل من كليهما يبتسمان ، كان طول بلايك يعجب ليام كثيرًا ، رغم ان بلايك ليس اطول من غيره بفارق يدعوا للاندهاش، وامال الطفل برأسه الى الاسفل قليلًا ليرى كلوديا ويقهقه بحماس من جديد
"هل تظن نفسك طويلًا هكذا يا ولد؟ الأمور لا تسير بهذه الطريقة..ما رأيك لو انزلك انت وأحملها هي؟."
"لا."
"اذن كف عن الازعاج ، خاصةً عن ازعاج جدك ، والا لن ارفعك عن الارض مرةً اخرى ابدًا."
ضحكت كلوديا بغير تصديق لطاعة ليام السريعة ، الذي اقفل فمه وكتف يديه ، حاجبيه الصغيرين قطبا كتقطيبة بلايك تمامًا وقال "ليام سيكون مهذبًا."
"لنرى ذلك."
"عمي جايمس مدين لك بالكثير."
"عليه ان يكون." قال بلايك ، وسارا متجاورين ، تنظر كلوديا الى عمها و الى الطفل الصغير بين ذراعيه ، احيانًا ان شاء .. يمكنه ان يكون الأكثر عطفًا من اي احدٍ اخر ، عطفه يكون ملموسًا ودافئًا
"حسنًا..لكنه لم يكن عطوفًا عليه على اية حال." قالت هذا لنفسها تقصد جون ، وجمد وجهها بعبوس ، جعل من بلايك يتعجب ، ولم يلبث بكلمة للحظة ، مستغرب من انقلاب حالها ، وربطه بسوء مزاجها صباحًا ، قال عندما لاح القصر الصيفي أمامهم "هل كل شيء يسير معك على خير ما يرام؟."
"ماذا؟ بكل تأكيد." استفاقت من شرودها واجابته
"متأكدة؟ ليس هذا ما يقوله أبوك .. وانت تعلمين انني هنا إن احتجتِ الي."
"بالطبع يا عمي ، شكرًا لك."
وسكتت وهي ترى ضوء سيارةٍ يغشي عينيها للحظة ، رأت ايفان اول من يخرج منها يتجادل بصوتٍ واضحٍ مع نايت الذي يحك مؤخرة رأسه ، لم يكونا الأخوين منتبهين لوجودهم لأنهم يقفان في ظلال شجرة تبعد القليل ، ثم بالباب الخلفي يفتح و بآيلا تخرج ، تمدد جسدها للحظة بكسل ، وتتابع الجدال ، على محياها الناعس و الواضح ابتسامة سخرية
"لم اعد استطيع التصديق ، كيف اضعت الطريق وانت تأتي لهنا كل سنة."
"لا ادري ، لقد شردت."
"اذن لماذا لم توقظني؟."
"لأنني شردت يا اخي." قال نايت بقلةِ صبرٍ ورفع يديه معًا يحاول ان يشرح له ان شروده يبرر كل شيء
واردفت آيلا ، صوتها يغشيه النعاس وهي تمنع تثائُبًا
"هل كنا سنصل للحدود حقًا؟."
"لا طبعًا ، ايفان يبالغ ليوبخني."
"كان الله في عون أمي ، انظر كم اتصالًا اتصلت ، و ايقظ الميت في المقعد الخلفي لا ننسى امره هو الأخر."
دق نايت على زجاج النافذة ، ثم فتح الباب "جوني استيقظ ، دعهم ينشغلون بك و يرحمونني."
تأفف جون الذي استيقظ بطريقةٍ فجة ، وخرج من السيارة أخيرًا ، يمط جسده هو الأخر للحظة "ماذا الآن؟." قبل ان يدرك انه نسي كتابه بالسيارة لينحني ويسحبه
"كنا سنخرج من البلد للمحيط."
"كفي عن قول ذلك ، لا لم نكن لنفعل." اكدّ نايت لجون ، الذي لا يدري ما خطبهم ، وهز رأسه يائسًا
"لا اريد حتى ان اعرف ما اللعنة التي فعلتها."
****
نظرتها الحلوة والنعاسة الداكنة .. دغدغة فاترة تدغدغ رئتيها .. وميض النقاط الرقيقة اللطيفة وتنتشر في ضباب عقلها .. إنها تتساءل إذا ذهبت أعمق هناك ، فستجد تلك الذكريات المراوغة بالألوان الكاملة... ذكريات أمها الحلوة وباريس الحيّة ، لكن عقلها اخبرها ان شيئًا ما يحدث عندما سمعت صوت الجدال الخافت للأخوين ميلر ، ففتحت عينيها بتيقظ ، وقالت بصوت ناعس اسكتهم "ماذا يحدث هنا؟.." ونظرت الى الزجاج ، كان السماء قد بدأت تظلم ، واخر شيءٍ تذكرته قبل ان تغط في النوم ان نايت اخبرها انها مجرد ساعةٍ حتى يصلوا ، لكن منظر الخارج يخبرها ان ساعةً لم تمر ، بل اكثر بكثير
ونظرت بعجب وغير فهمٍ الى الأمام "اين نحن؟."
"هذه المرة حقًا وصلنا." قال نايت ، يؤكد لها ويحاول ان يستحث اخوه الغاضب على الهدوء والرضى
"كنا لنفعل قبل ثلاث ساعات لو كان عقلك معك." اغلق ايفان المسجل وصاح له "اخرس انت الأخر."
"اننا هنا الآن ، انظر."
ونظرت ايلا من النافذة فلم تجد شيئًا سوى ظلال اشجارٍ مظلمةٍ و من النعاس خيل لها انها منحنيةٌ لهم حتى تتلفقهم بأغصانها الناحلة ، اعادة سؤال الأخوين بتشويش "اين نحن؟." فنظر كليهما للفتاة اخيرًا ، وقال نايت "وصلنا."
تلفتت ايلا حولها من جديد ، ونظرت امامها الى القصر الريفي الجاثي وسط الجنة السوداء و البرتقالية ، الخريف جعل المشهد اكثر شاعريةً بقدر ما هو مخيف ، و للحظة سحرها المنظر ، ما يزال ايفان يتجادل مع نايت ، وكان هو اول من خرج من السيارة ، تبعها اخوه ، واخذت هي وقتها لتلملم نفسها ثم تتبعهم ، تحاول طرد النعاس الذي غشيها ، وتشاهد فك ايفان منقبضًا في غضب وامتعاض جعلها تتسلى كثيرًا رغم انها في هدنةٍ معه ، وراقبت شجار الأخوين بكسلٍ ونعاس ، تستغل الموقف لسخرية وتذكية غضب الأكبر فيهما الذي نظر لها بإمتعاضٍ هو الأخر ، قبل ان يتنهد
عندما خرج جون من السيارة تململ للحظةٍ يتذمر من الازعاج ، قبل ان يتصلب وجهه عندما ادرك العينين السوداوين اللتين تنظران اليه بشكلٍ اثار القشعريرة داخله ، كان بلايك واقفًا على بعد مسافةٍ منهم ، ينظر لأبنه الذي يراه لأول مرةٍ منذ فترة ، لا يعجبه التغير الذي طرأ على محياه ، لا ظموره ولا شحوبه الغير طبيعي، و كل تلك الافكار التي واتته صباحًا طرقت في رأسه ، الطفل في حضنه تململ ، و اشاح الأب وابنه نظراتهما عن بعضهما
قال نايت ، يتقدم من خاله ليتلفق ليام منه "ليام يا فتاي الجيد."
اشاح الطفل بوجهه عن نايت الذي نظر له ببلاهة ثم تمتم "يا غر .. من تحسب نفسك."
"عمتي اليزابيث كانت تنظركم." قالت كلوديا ، التي حتى موقف ليام و نايت الطريف لاحظت انه لم يفلح بتخفيف من وقع غرابة الموقف ، ايلا تنظر بفضولٍ لأبيها وأخيها كما يفعل ايفان الذي لا نية عنده للتدخل
"نايت اضاعنا."
"لا لم افعل ، اردت ان اري ايلا المنطقة."
"اخبر امي بذلك."
تحاشى جون النظر لبلايك تمامًا ، وبدا ان الأب نفسه يبدي نفس الرغبة ، اعطى الطفل لنايت ، والذي من فورِّه تذمر "انا لا اريد نايت."
"نحن لا نسعى لإرضائك."
بصمتٍ حمل ايفان حقيبته على كتفه ، وسحب حقيبة جون ايضًا ، احداهما تركها معلقةً على كتفه والاخرى بيده ، وعندما رفع رأسه كان خاله بلايك قد دخل هو الأخر ، متجنبين بعضهما كما لو انهما موبوءين ، لا يعطيان بعضهما ادنى اهتمامٍ ولا كلمة ، تنهد ايفان ، ونظر لآيلا التي رفعت حاجبها له ، فهمس بصوت خفيض "لا علم لي بشيء."
رفعت حاجبها له مرةً أخرى تكذبه ، وهز كتفيه يظهر لها لا مبالاته وقال "هل احمل حقيبتك انتِ الأخرى؟."
"عندي يدين."
"جيد ، استعمليهما اذن." ثم ذهب دون ان يلتفت لها
كلوديا التي لم تكن منتبهةً لمغزى حديثهما تمامًا ، قالت تحاول تلطيف الجو "انه هكذا دائمًا ، نزق مع الجميع لكن شخص جيد."
"لا ارى شخصًا جيدًا فيه ، لكن ليكن." سحبت حقيبتها واغلقت صندوق السيارة بقوة ، مبتسمةً لكلوديا التي ابتسمت لها في المقابل
وسارا متجاورتين "ما الذي أخركم حقًا؟."
"اعتقد ان نايت تأثر بالأغنية وقرر اطالة الطريق قليلًا."
"اوه ، هذا شيءٌ مؤكدًا ان نايت سيفعله.. لأخذك لغرفتك ان لم تكوني جائعة ، ربما يكون المنزل فارغًا..كأنه خيل لي انني سمعت انهم ذاهبون لمكان ما..لن تجدي بالداخل الا عمي جايمس."
"منذ متى وانتم هنا؟."
"الصباح ، قبل الظهر غالبًا."
عندما دلفن الى الداخل ، كانت الاصوات خافتة قادمة من احد الغرف ، ضحكات نايت الصاخبة و احاديث جايمس الذي اخذ ليام منه لأنه تعجب من شكله "ما خطبك يا فتاي؟."
قالت كلوديا ، لأن ليام بشكل غريب لم يرد "عمي بلايك قال له ان يتهذب ، وها هو ذا ، فتىً مهذب ، أليس كذلك يا ليام؟."
هز ليام رأسه ، و تمتم جايمس "لماذا يغيب بلايك عن عقلي دائمًا .. ليتني جمعتهما معًا في غرفة منذ وقت طويل."
"جايمس كف عن هذا لرجوك." قالت زوجته ، تختطف الطفل منه وتقبله تهمس في اذنه بعض كلمات ، و خلعت عنه قبعته المبللة بالهتان الخفيف
وقالت ايلا التي حملت حقيبتها بكسلٍ "مساء الخير."
"ابنتي." الدفء الذي قالها بها جايمس جعل من مزاجها بتحسن ومعنوياتها ترتفع ، وعندما ادخلها في حضنه بعناقٍ أبوي بادلته العناق برضى
شاهدت ايزابيل ايلا أخيرًا في اهتمام ، تقارن بين المرأتين بسرِّها ، و تدرس تعابير الفتاة الناعسة
"هذه زوجتي ، ايزابيل ، حبيبتي .. هذه ايلا تعرفينها بالطبع."
"بالطبع اعرفها."
كان سلام زوجته دافئًا كزوجها تمامًا ، وشعرت ايلا بالاحراج من منظرها الناعس
قال ايفان "لماذا يبدوا المنزل خاويًا وهادئًا؟."
"جدك ذهب في زيارة لصديقه ، امك كادت تصاب بسكتة قلبية عندما تأخرتم ، انها بغرفتها تستريح .. و الفتيان ذهبوا في جولة بالخيول ، الظلام خيم لذا غالبًا هم آتون."
"وانت .. اين ابن خالك ذاك؟."
"جون صعد الى غرفته مباشرةً ، انه يمشي نائمًا ، لا تؤاخذه."
***
مفروض ازود ٥٠٠ كلمة زيادة عشان يصير البارت من خمسة الاف كلمة ، بس الواتباد عاصي وعلق علي ، يلعن شكله ، عمومًا ، هاي من قلب الجامعة و الملل ، استمتعوا بالبارت سهرت عليه وكملته لحد الآن
لا تنسى تصوت ، والآن مع فقرتي المفضلة ، فقررة الاسئلة
بلايك وشكوكه؟
جوني بوي؟
ردات فعل الأب والأبن تجاه بعضهم؟
مشاعر ادوارد؟
كلوديا-جون؟
ايفان - ايلا؟
نايت الفاهي😂؟
لحظتكم المفضلة بالبارت كله؟
متحمسين لظهور شخصيات الرواية الباقين؟ اذا ايوا، مين بالضبط متحمسين له بالأكثر؟
رأيكم بالوصف؟
توقعكم للأحداث المستقبلية؟
طريقة سير الأحداث؟
اشتقتوا لظهور مين؟
اخيرًا ، لا تنسى تصوت ، ارجع للبيت على خير وارد عليكم ا
Bạn đang đọc truyện trên: Truyen247.Pro