Chào các bạn! Vì nhiều lý do từ nay Truyen2U chính thức đổi tên là Truyen247.Pro. Mong các bạn tiếp tục ủng hộ truy cập tên miền mới này nhé! Mãi yêu... ♥

١٧

(فوت + تعليقات بين الفقرات ، ولا سحبت عليكم ثلاثة اسابيع ثانية ، لول امزح ... هيهي لا بجدية ما امزح)
***

استيقظت في ساعة متأخرةً من الصباح ، ادركت هذا عندما نظرت الى جانبها لتجد الشمس تتسرب من الشرفة بهيجةً و حية يتخللها شيء من البرودة و الرطوبة التي تشي بأن السماء القت بحملها ليلة أمس  ، فالتفتت الى الساعة فإذا هي تشير إلى التاسعة صباحًا ، كان الصداع يفتك برأسها من كتمها لبكائها ليلة البارحة في لحظة ضعفٍ غير معهودة ، تلمست وجنتيها ووجدت اثر الدموع يشق طريقه في بشرتها ، فدعكت وجهها بعنفٍ تمحو البقايا المتيبسة ضد بشرته و نهضت إلى الحمام متأوهةً بخفة من الصداع الذي جعل مزاجها عكرًا ، دلفت الى الحمام و اغلقت الباب خلفها ثم استندت على المغسلة تنظر إلى انعكاس صورتها بوجوم ،انفها و وجنتيها محمرين ، شعرُها اشعث و ملامحها عبسة حتى مع محاولتها لتصنُعِ الابتسام و التي لم تلبث سوى ثوانٍ قلال ، حتى ابتسامتها كانت كاذبة و مغتصبة حتى بالنسبة لها هي نفسها و لم يكن هناك اي بهجة ولا مرح فيها ، رأت هذا جيدًا دون ان تكلف نفسها بالتعمق بالادعاء ، لأنها فقط سئمت

اخبرت نفسها ان كوب قهوة كفيل بان يبدد كآبات الصبح و بقايا النعاس الملتصقة ، عند هذه الفكرة أدخلت يدها في المياه الباردة التي جعلت جلدها يقشعر و جمعتها في راحة يديها لتصفع وجهها بالكتلة المائية الثلجية ، لهثت وهي تعيد المحاولة مرة تلو الأخرى ثم سحبت منشفةً تدعك وجهها بعنفٍ ، البرودة المفاجئة جعلت بشرتها تحمر وتعود لها الحياة من جديد، أكسبتها من الحيوية ما يكفي لتبدل ملابسها و تمشط شعرها ، لم ترغب في أن تكون متأنقة أكثر من اللازم ، سروال الجينز الباهت ، والقميص القطني ذي الأكمام الطويلة كانا كفيلين لردع برود نهايات الخريف من اختراقها ، بالإضافة إلى انهما مناسبان للطريق سفرٍ بالسيارة ، كما اخبرتها تجاربها ، و مع ذلك المظهر البسيط بدت جميلة بالطريقة التي هي عليها ، و هذا ذكرها بآيلا الأخرى التي تركتها في باريس قبل بضعة اشهر ، ايلا السعيدة و الراضية في حياتها قبل ان تتعود سعادتها لرماد في الفم عند معرفتها للحقيقة الكذبة التي تعيشها ، حملت هاتفها مفروغ البطارية المرمي بإهمالٍ على الارض و حشرته في جيبها ، ليست لديها ادنى رغبةٍ في تفقده على ايةِ حال ، الرواق كان هادئًا تمامًا لدرجة انه خيل لها انها هي التي استيقظت مبكرًا ، لكن الأصوات مع اقترابها لغرفة الطعام بدت تظهر خافتةً حتى صارت أكثر وضوحًا

'لجدها' ادوارد ذلك الصوت العميق ، العميق جدًا والذي يخيل للمرء انه صادر من أعمق نقطةٍ في روحه ، سمعته يلقي بإمرٍ ما بوضوح و صرامه ثم شاهدت ظهر نايت يوليها لحظة دخولها مبتعدًا بلا انتباه يلبي امر جده ، وقالت بصوت هامس خرج متحشرجًا رغمًا عنها "صباح الخير."

لم يكن هنالك لحظتها سوى ادوارد يحتسي شايِّه و الذي نظر لها بطرف عينه بعد ان اشاح الصحيفة من على وجهه "صباح الخير ، متأخرةٌ اليوم على غير عادتك."

سحبت كرسيها تشعر بالصداع يقضم رأسها و جلست عليه بإنهاك لا ترغب في مبادلة الحديث مع أي احد "لم استطع النوم جيدًا يا جدي."

كان ما يزال يحدق فيها بعينيه الذكيتين ، الصحيفة تغطي نصف وجهه ، فور شربها للقهوة نظرت له بدورِّها عندما استوعبت انه ما يزال يحدق في وجهها لسببٍ ما ، وسألت "ما الخطب؟."

يدها بشكل تلقائي ارتفعت لتتلمس وجهها ، وعيها طمئنها أنها لم تضع أي مكياج بطريقة خرقاء بينما هي في نعاس الصباح جذبت الأنظار اليها ، لكنه اخبرها أيضًا انه لعلها بدت كخرقةٍ بالية بلا مكياج

"ا كنتِ تبكين؟."

"...لا." كذبت ، وكان من البين له انها تكذب ومع معرفتها لذلك شعرت بالاحراج اكثر و الخجل ، حمرة خفيفة صبغت وجنتيها ، اشاحت عينيها بعيدًا عنه بتوتر ، تقضم شفتيها وتنظر إلى طبقها الفارغ أمامها ،لا تدري ما تقوله ، وهو من جهةٍ اخرى لم يبدوا وكأنه مستعدٌ للتراجع لأي سببٍ كان ، 'سيحصل على اجابته' ، اخبرها عقلها

"تعرفين انك تستطعين ان تخبري جدكِ ، اليس كذلك؟ ما الخطب معك .. اخبريني." صوته كان هادئًا و عميقًا ، نظرته ما تزال نفسها تحدق فيها ، تذكرت كيف شعرت في اول لقاءٍ بينهما ، كم ان نظرةً واحدةً منه كفيلة لأن تصل لأعمق نقطةٍ في الروح ، كان الكذب عليه امرًا صعبًا و لم يكن لديها خيارٌ سوى قول الحقيقة او على الأقل جزءً منها ، يدها ضغطت على الشوكة بشدِّة و اغمضت عينيها هامسةً "افتقدُ جداي .. و منزلي."

حلت لحظة صمتٍ قصيرة ، فتحت عينيها حين استوعبت انها تضغط على الشوكة بقوةٍ اكثر من اللازم ، وببطءٍ افلتتها ، قال ادوارد مقاطعًا لحظة الصمت بذات النبرة العميقة "هنا بيتك." لأن الاجابة بطريقة ما تركته في حيرة من امره ، وهو لا يستصيغ هذه الحيرة ، تذكر كلام اليزابيث التي ذكرت له ان ايلا تريد العودة لمنزل جدها ذاك ، لم يلقي للأمر بالاً لأنه اعتقده قرار لحظة ، شيء غير محسوب و لا تفكر في تنفيذه حقًا ،  و لم يبدوا انه يرغب بقول شيءٍ اخر ، فقط هذه الجملة الباردة و الواضحة والتي لا تقبل اي تنازلاتٍ ولا اعتراضات ، هذا اجفل ايلا للحظة ، لكن في خضم هذه اللحظة بدا كأنه قد درس الفكرة وغير رأيه ، لأنه ايضًا اراد ان يضع النقاط على الحروف
"لكن ليكن ، يمكننا ان ندبر لك زيارة قصيرة عند جدك إن شئتِ طبعًا.."

كان بالفعل خلفها الآن بعد ان طوى الصحيفة و تركها جانبًا ، وضع يده على كتفها يضغط عليه برفقٍ و خرج من الغرفة ، رمشت بغير استيعابٍ و مسحت الدموع التي خرجت من عينيها بسهولة بالغة ، ضعفها الغير معهود تركها مرتبكة ، وتساءلت بحنق تمسح الدموع العالقة بجفونها : "ما خطبي؟" غير واعية بشبح الشخص الذي ظهر من العدم يتابع في صمتٍ المشهد من الأعلى

كان ما قالته لإدوارد نصف الحقيقة متشحة بغطاءٍ شفيف من المبالغة خرج من فمها بسلاسة جعلها تفكر بسخرية عن ردة فعل فايَّ لو تعرِّف بما حدث ، كيف انها تسخر آلامها تحت الكذبات المختلقة في ظرف اللحظة ، لا تدري اذا ما كانت عيون ادوارد العميقة التي تخترق الروح كمسمار اونست أيًا من هذا ، لكن لسببٍ ما ، سبب تجهله تمامًا ، بدا واضحًا لها انه يدرس فكرة ذهابها من عدمه وكأنه لا يريده ، و ردة فعله هذه كانت نفسها غريبةً مثيرةً للتساؤل ، لكنها فكرت في المقابل ان يومًا او اثنين تحت أشعة الشمس الفرنسية الدافئة و قضاء الوقت من جدتها و فايَّ جيد بما فيه الكفاية لإراحة رأسها ، ارادت ان تنظر في عيني جدتها وتخبرها عن اخويها
تنهدت بعد رشفةٍ كبيرةٍ من القهوة ارتشفتها على معدتها الخاوية ، و سمعت صوت اقدامٍ تضرب الدرجات ، اجاثا التي رأت ايفان يحدق من الاعلى تابعت نزول السلالم وكأن شيئًا لم يكن ، لكنها ايضًا شاهدت ظله ينزوي بعد ان ظهرت ، و فمها رسم ابتسامةً مرِّحة ومتسلية ، كل من تعرف إلى اجاثا منذ زمن طويل كان شاهدًا على براعتها في جمع القلوب و تزويج الأحبة ، ألم تدبر امر التقرب بين ابن اخيها جايمس و زوجته الجميلة؟ و قبلهم كان هنالك اخوّها و زوجته ايضًا ، الاخت الصغرى لأحدى صديقاتها من اسكوتلندا ، ومنذ ذلك الحين ، استساغت امر تدبير الزيجات الى حدٍ كبير ، وما زالت ضالعةً فيه ، وهي الآن تفكر ان تزويج الأبن الشقي بهذه الفتاة الفرنسية خير خاتمةً لمشوارِّها في ربط المصائر بعضها ببعض ، هي تفكر بزيجاتٍ اخرى بالطبع ، كزيجةٍ محتملة لكلوديا مثلًا و حبيبها الشقي الأخر الذي يبدوا كما لو انه يقترب من الموت كل يوم ، لكن زيجةُ هذين الاثنين 'ايفان و ايلا' اخذتا الأولوية على عاتقها

"ايتها الفتاة الحلوة ، صباح الخير." ما تزال تضحك وهي تقول ، تسحب الكرسي الأقرب لآيلا التي تنظر لها بعجب "صباح الخير." الفتاة ردت بتهذيب ، مستغربةً هذه السعادة الغامرة

***

استيقظ من نومه قبل موعد استيقاظه المفترض بكثير ، بل حتى نظرة واحدة من النافذة اخبرته انه استيقظ قبل الجميع ، كان الظلام ما يزال يخيم بالخارج مع بداية انفاس الفجر الأولى ، البرودة اجتاحته و ادرك انه نسي باب الشرفة مواربًا ليلة امسٍ بينما كان يكتب فيها اثر لحظةِ الهامٍ خاطفةٍ و غير مسبوقة ، اخذ نفسًا عميقًا و بقي ساكنًا في مكانه للحظة يلعن نفسه لأنه سهر الليل حتى وقتٍ متأخر يراقب قطرات المطر تضرب زجاجه بخفوت  ، وبقي دون حراكٍ يتأمل السقف الأبيض الذي يبدوا تحت تأثير إنارة الغرفة قريبًا للغاية ، لدرجة انه خيل له انه لو رفع اصبعه سيلمسه ، أغمض عينيه مقررًا انه سيأخذ غفوةً قصيرة ، ساعة او اثنتين حتى شروق الشمس و استيقاظ البقية ، بل حتى يجرَّه جده من السرير بنفسه ، ذكر نفسه ان امامه طريق طويل حتى يصل الى اسكوتلندا ، سبع ساعاتٍ في السيارة ليست بالشيء القليل ، عليه ان يأخذ قسطًا من الراحة او سيكون الصداع شديدًا ، ومع ذلك ، بدأت الأفكار تداهمه من الجديد عشوائية و شديدة كموجة تتكسر فيها الصخور ، هذه الأفكار تخبره بصراحةً انه لن ينام اطلاقًا.

تنهد و رفع جسده من السرير ، للحظة اجتاح الألم عضلات ظهره و شعر بالدوار لتغيير وضعيته فجأة ، لكن كل ذلك تلاشى سريعًا و حل محله كسلٌ حلو المذاق ، نهض واقفًا من السرير و سار بإتجاه الشرفة المفتوحة يوصِّد بابها ، قدميه العاريتين داستا على بقعةٍ رطبة تركها مطر الأمس على ارضية شرفته ، و اقشعر جسده بالكامل من البرودة المفاجئة ، لكن عوضًا عن اغلاق الباب وجد نفسه واقفًا يتكئ على الدرابزين و يحدق بالبعيد ، يأخذ نفسًا عميقًا من الهواء الرطب البارد ، و يستمتع بملمس النفحات الناعمة على وجنتيّه المحمرتين

غدا الضغط الخفيف على قلبه المًا خفيفًا لا يكاد يتساوى و وخز الابرة ، توقف في النهاية، وغدا جسده خفيفًا كزورقٍ ينساب بلطفٍ ونعومة في نهرٍ اجتاحه الضباب ، الشعور الذي ينتابه في الفجر كان شيئًا غامضًا دائمًا ، حزن لذيذ ومريح ، وكأن الفجر لم يوجد الا للأحاسيس القوية ، المقيتة او المحبببة 

ذكرى مبهمةً طفت في عقله من زمن يبدوا بعيدًا جدًا ، حيث المشهد يصور الغيوم تنقشع بعد ليلةٍ مظلمةٍ مطِّرة ، و اجتاح الشارع الغافٍ سيل صغيرٌ يصل الى كعبيّ الرجل البالغ تبتلعه فتحات الصرف ، الجمرات الصغيرات خابياتٌ في الموقد بعد احتفاليةٍ شرسة لنيران و الحطب في قلبه . و كان هو هناك ، النسخة الاصغر منه والاقل همًا ، لا يعرِّف كيف يصف احساسه بالضبط ، لكنه كان خفيفًا يصعد بروحه عاليًا ، جايك معه على ذات الاريكة المقابلة للنافذة ، شعره الاسود كالغربان يلمع من ضوء الجمرات و يحدقان في صمتٍ الى ذلك الشارع الباريسي الغافٍ وهو يستقبل الفجر ، معاندين ، بل بشكلٍ أصح جايك من كان يعاند ، أمر ابويهما بأن يناما ، وهو الذي حاول النوم طِوال الليل انتهى به الامر بشكلٍ غير مقصود بالسهر مع أخيه الأكبر ، عاصيًا أمه... و أبيه ، لأول مرة

خيم الحزن من جديدٍ على قلبه المثقل ، لكنه لوهلة كان يبتسم عندما فكر بالكلمة 'عصيان' و بوقعها في عقله ، يالهذه الكلمة الشريرة المناضلة في آن و المشاغبة في آنٍ اخر ، الخارجة عن القانون ، التي لا تعطي اي اعتبارٍ ولا امتياز لأيٍ من كان ، التي تكون هي القانون لنفسها ، قانون فضفاض لكن واضح

راقب بعينيه الزرقاوين اللتين كانت ظلالًا داكنةً اسفلهما شكلهما السُّهاد و التعب ضياء الفجر ينتشر رويدًا رويدًا بالأفق ، بزغت الشمس بطيئًا جدًا ، وراقب كل لحظةٍ من اشراقها بإهتمام ، يقارن بين الشارع الباريسي في ذكراه و بين الحي اللندنيّ الفاخر الذي هو واقعه ، تكاسل في مكانه ، حتى شعر ان نشوته الخفيفة تلاشت ايضًا كما تلاشى وخز قلبه ، و عاد الى غرفته المظلمة يستلقي مجددًا ، يلتف ببطانيته و يسحب من فوق كومة الكتب بجوار منضدته كتابًا عشوائيًا ، بقي للحظة متفاجئًا عندما وجد نفسه ينظر الى الغلاف . ابتسم بروية ، كان ديوانًا لشاعرةٍ إيرانية اسمها فروخ فرخزاد ، شاعرة نصحه احدهم بأقتناء كتبها ، هذا الشخص كان مهمًا له ، لدرجة انه فور أن ألِّف حروف اسمها اشتراه دون تفكير ، و لم يفتحه من وقتها ، ضل مهملاً لوقتٍ طويل . منذ سنته الثالثة في الجامعة ، او اقرب من ذلك بقليل لأنه حصل عليه في نهايتها

التف في بطانيته اكثر و وضع الكتاب في حظنه ، الغلاف كان مهترئًا لأنه كان مستخدمًا ، لكن بداخله كانت الاوراق بيضاء نظيفة ، شائبتها الوحيدة الخطوط اسفل بعض الأبيات او الكلمات بالرصاص لكن جون لم يمانع ، لأنه احب ان يرى اثار اشخاصٍ اخرين  في الكتب التي يقرأونها ، وهو ايضًا وجد نفسه يرغب بتضليل نفس الأبيات و كتابتها من جديدٍ في دفتر

عندما اطبق الصفحة لينهي القصيدة الذي كان عالقًا في مدى شبهها فيه منذ خمسة عشر دقيقةٍ أو أقل وجد نفسه انه قد انهى ثلاثة ارباعه ، بقي القليل فقط وينهي الديوان كله ، طوى الصفحة بلطفٍ

و وضع الكتاب جانبًا بنيةِ انهاءه في اسكوتلندا ومعاودة قرائته مرةً اخرى إن شعر برغبةٍ لذلك ، او حتى ليقتل الوقت بالسيارة من خلاله ، عندما نظر الى الساعة تفاجئ من مضي الوقت بسرعة ، فقام و جر نفسه الى الحمام ليستحم ، بعد ثلاثين دقيقة ، نزل الدرجات متجهم الوجه ، يرتدي ملابسه الرياضية و يدس يديه في جيوب الهودي الاكبر من حجمه ، دائمًا ما تكون حالات الاستنفار التي يحدثنها عمته وجدته و التي تسبق الاحداث او الرحلات تثير تسليته خاصةً حين يكونن مضطراتٍ للتعامل مع برودة عمته اجاثا من جهةٍ اخرى ، لكنه اليوم كان عكر المزاج متجهم الوجه - ليس لأنه مرهقٌ فقط ولم ينم الليل من الآم الشقيقة المزمنة و التي زادت حدتها من فرط تفكيره ولا حتى من الذكرى التي خرجت من العدم تنغص يومه ، طوال الليل كانت الافكار تهمس في اذنه ، و التصق السُّهاد بعينيه حتى الفجر ثم فارقه ، فلم ينم سوى اربعة ساعات قبل ان يستيقظ من جديد بصداعٍ متجدد ، انما و لأنه بعد شهرٍ و يزيد عليه — سيرى . بل بالأحرى .. سيكون مجبرًا على ان يقابل بلايك ، ان يجلس معه على الطاولة نفسها وان يبيتاء تحت سقف منزلٍ واحد ، وان يدعيا الا شيء حدث بينهما ، او على الاقل .. اذا كان الإله رحيمًا به سيتجاهلان بعضهما طوال الوقت ، و لن يلقي بلايك له اي لعنة ، يتمنى ذلك ، بل يصلي لذلك ، لا يريد اي انتباه ولا اي شيءٍ منه ، ولو كان الامر بيده لأصبح غير مرئيٍّ حتى ، لكنه يعرِّف والده. او على الاقل يتمنى لو تكون معرفته به خاطئة وان سيتركه وشأنه ، هذا ليس مع بلايك الذي يعرِّفه

لا يلقي بالًا بكاميلا و لا بأختها بقدر مقته للحقيقة انه سيكون مضطرًا ، لا ليس حتى مضطرًا ، هذه الكلمة لا تصف ما يمر به ، المرارة التي يحس بطعمها لاذعًا و كريهًا في فمه ، الشعور المزعج بأن يكون المرء عاجز ، بلا خيارٍ و لا فرار ، ان يكون مقيدًا ، و قيده الوهمي صار بقبضتهم حقًا ، ما يزال يتمنى لو ان اخته لم تأتي الى هنا في المقام الاول ، يفكر فكيف سيكون الحال لو انه استطاع الهرب في تلك المرة وكان هو من عثر عليها قبل الجميع  ، ان يكونا امنين ، بعيدين عن هنا ، عن هذه العنهجية ، عن الارغام على تقبل الاهانة و الاقناع بنسيانها . عن كسر الكبرياء ، الذي لم يعد يهمه اصلًا

تجهم وجهه اكثر ، واصبح قاتمًا ، لكن ضحكةً ناعمةً صدرت من غرفة الطعام كانت كفيلةً بمحو الالم صدره و نسيانه لها للحظة ، الاحاديث الخافتة القادمة من غرفة الطعام لم تجذبه ، حتى ضحكة اخته ، رغبته بان يكون وحيدًا و يدفن نفسه في غرفته و بين كتبه كانت اقوى ، لكنه تابع الخطو مع ذلك الى الاسفل ، يفضل ان ينزل بنفسه على ان يرسل احدهم ليناديه ، لم يشعر بالجوع حتى ، ولا برغبةٍ لشرب القهوة ..

حاول ان يرسم تعابير حيةً على وجهه ، اي شيءٍ الا تعابيره الميتة ، لكن احس بنفسه يفشل و لا يدري كيف يبدوا وجهه لذا عبس من جديد مقطبًا جبينه من فرط الصداع ، هذا الصداع الذي اجبره على ثني رأيه و الالتفاف الى غرفة الطعام للحصول على القهوة

"صباح الخير." قال بصوتٍ منخفض ، عم الصمت للحظة مع انقطاع ضحكة نايت وايلا على تعليقات عمتهم آجاثا ، الأعين تعلقة بوجهه ، وتذكر تمامًا لماذا لا يحب ان ينقطع عنهم ، لانهم حينها سينظرون اليه هذه النظرة ، وكأنه شخص مجنون في اللحظة الذي يشيحون باعينهم عنه سيفعل حماقة لا تغتفر . اضحكه سرًا ان ايلا صارت هي الاخرى تنظر له هكذا ، او ان هذا ما يخيل له ، بكل حال من الاحوال ابتسامته لا تستطيع ان تظهر في وجهه ، يبدوا انه اصبح حقًا مجنونًا بعد كل شيء
فكر ، "نعم هذه النظرة بالذات تأخذ مكانها على رأس قائمة الاشياء التي أكرهها"

اخذ مكانه المعتاد امام نايت ، نظر الى وجوههم التي تنظر اليه الآن ، بادرت ايلا "صباح الخير لك ايضًا." تحاول ان تقطع الصمت المريب الذي حط مع دخوله ، كظلٍ ثقيل غشي كل شيء ، كان نايت يعرف كيف يشعر جون بخصوص هذه الرحلة برمتها ، ما اثار عجبه و قلقه انه يجاريهم ولا يبدي اي رد فعلٍ واضحٍ تجاه ذلك
ابتلعت اجاثا لقمتها ، و يدها المجعدة امتدت من فوق الطاولة لتمسك بيد جون الباردة بارزة العظام "مر وقتٌ طويل منذ ان رايتك فيها ايها الشاب السيء ، اللهي ، من الجيد رؤيتك من جديدٍ."
نظر جون الى وجهها الطيب و الى يديها التين تمسكا بيديه الميتتين ، و وضع يده الحُرة فوق يدها "من الجيد رؤيتك ايضًا يا عمتي."

"ماذا تريد ان تأكل يا فتاي؟. ا ادهن لك الخبز بالزبد؟ ا تريد مربىً؟."

ابتسم وهو يضغط على يدها برقةٍ "استطيع ان اخدم نفسي." و اجاب يشير للخادمة التي اتت لتسكب شايًا لعمتهم "اريد قهوة."

"على الفور."

بعينيها الحكيمتين نظرت اجاثا الى الشاب امامها بنظراتٍ ثقيلة تغوص في النفس . ناهيك عن روحٍ شفيفةٍ وغامضةٍ في الآن ذاته كروح جون
".يبدوا انك تغازل الموت، يا جون، لكني لن أسلم حياتك ، حتى ولا لملاك الموت، قبل أن يأخذ حياتي أنا يا بني العزيز ، والآن اطع هذه العجوز العنيدة وادخل شيئًا ذي قيمةٍ لمعدتك ، والا انا وانت سيسوءُ الامر بيننا"

لم يستطع تجاهل امرها بعد ان قالت ما قالته ، و لم يستطع احدٌ ايضًا تجاهل شبح النكد الذي حط على رؤوسهم ، و اومئ برأسه راضيًا . كان كل شيءٍ يوضع في فمه بلا طعم ، لكنه اجبر نفسه على مواصلة المضغ و البلع بوتيرةٍ متواصلة ، حتى انه عندما انتهى ، شعر انه لم يعد يرغب بأن يأكل اي شيء.

وارتسم على فم ايلا شبح ابتسامةٍ حزين ، كانت يدفئُها شعور ان تعرف ان هناك احدًا من اجله ، ليس هي ، بل هو ، لكن احزنتها كلمة عمتها الناقمة 'تغازل الموت' ، نعم ، من البين أنه يغازل الموت حقًا بلا حياء امامهم لسببٍ ما  ، واقسمت باليمين وامام ذكرى روح امهما الحبيبة ، انها ستغير ذلك ، ستسحب كل حزنه وآلمه وكآبته بعيدًا

في ذات اللحظة دلف ايفان الى غرفة الطعام متجهم الوجه كشخصٍ شرب طوال الليل و يعاني من اثار السَّكر ، لكنهم يعرفون ان هذا وجه ايفان الطبيعي في كل صباح عندما يسهر على اوراقه او امام جهازه اللوحي الذي كان الان يحمله بخفةٍ مع هاتفه ، سحب كرسيه ابعد قليلًا عن ثلاثتهم و جلس يخرج تنهيدةً ثقيلة متعبة ، وقال بصوت ثقيل "اين قهوتي؟"
لم تنظر ايلا لوجهه منذ دخوله ، خاصةً بعد ان خطر لها المشهد الخاطف الذي ظهر فيه وجهه الغاضب في احلامها ، و لم يبدوا ان احد اهتم او لاحظ ذلك من الاساس . كانت اجاثا تهز رأسها وهي تنظر اليه ، كما تفعل في كل صباحٍ تقريبًا عندما يكون موجودًا. لكنها نظرت للفتاة الوحيدة الجالسة في الطاولة ، وابتسمت خفيةً تخفي ابتسامتها اسفل كوب الشاي الذي رفعته لشفتيها

قُدِّمت القهوة لايفان سريعًا ، وبعد بضع رشفات بدا وكأن مزاجه السيء غادره اخيرًا ، واختفت تقويسة شفتيه وانعقادةُ حاجبيه الأسودين ، و استحال وجهه اقل عنفوانًا -إن كانت هذه هي الكلمة المناسبة لوصفه-

اتت الخادمة من جديد تتحدث مع اجاثا ، كانت الاخيرة تخبرها عن شيءٍ ما تريدها ان تحزمه مع حقائبها ولم تعثر عليه الخادمة بعد . و استغل نايت هذه اللحظة

"الان بما ان اربعتنا هُنا" نظر ايفان بطرف عينه الى اخوه ، وجهازة اللوحي امام وجهه دون اي اهتمام حقيقي ، الذي تابع بجدية "سنتفق في اي سيارةٍ سنذهب."

"انا سأنام." هتف جون بسرعةٍ و تجهم وجه نايت متمتمًا "متوقع ، اذن ستذهب مع جدي.. لكنني اريد سيارتك. سنذهب انا وايلا فيها، ما رأيك؟"

غمز لها ، و تحمست ايلا لأنه وعدها بالتجوال في وقتٍ لاحقٍ بالانحاء "بكل تأكيد ، انا معك."

عبس جون ، الذهاب مع جده ليس بشيءٍ يستصيغه كثيرًا ، ليس للحالة التي هم فيها خاصةً ، اضافةً لأن الاحاديث هناك تبدوا كالصراخ وانه سيكون تحت مجهر اهتمامهم طوال الوقت ، ودودين بتسلط "غيرتُ رأيي ، سأذهب معكم."

"مرةً اخرى ، متوقع جدًا ، حسنًا اذن .. في سيارتك وانا سأقود نصف الطريق."

ذكره جون متململًا ، يستمتع خفيةً في تبيين الأمور لنايت الذي يكره ان يكون مجبرًا على عمل اي شيءٍ لفترةٍ طويلة "لن استطيع القيادة ، هناك ادوية اتعاطاها كما تعلم."

فتح نايت فمه ثم اغلقه ، يفكر عابسًا انه سيكون مضطرًا للقيادة سبع ساعات او اكثر ، لكن عندها نظر لآيلا "ماذا عنكِ؟ هل تتعاطين شيئًا مثل شقيقك؟."

"لا، لكنني لا اجيد القيادة ولا املك رخصة."

نظر مجددًا الى جون ومط جسده من فوق الطاولة مستغلًا انشغال اجاثا بتمرير اوامرها للخادمة بأن تعد الشاي كما تحب "هل تظن انه سيكون لا بأس لو انك مثلًا - جربت ان تقود السيارة بضع ساعات ، يمكننا ان نأخذ طريقًا بعيدًا عن اعين ويليام." اقترح ببراءة ، يفكر في غضب ويليام اذا ما عرف انه جعل جون يقود السيارة ، ويبدوا انه تراجع بالتفكير بالعواقب ، اصبحت نظرات التسلية واضحةً الآن على وجه جون بشكلٍ فاضح "اوه ، لما لا؟."

"انسى الامر ، غيرت رأيي."

اقتبس جون منه طريقة بالاستخفاف به يهز سبابته ووسطاه "متوقع جدًا."

نظر نايت لأخوه الصامت المنشغل بتركيز في الشاشة اكثر مما هو مركزٌ فيما يدور حوله ، وقال متملقًا "بالطبع لن تأخذ سيارتك وتقود طوال الطريق وحيدًا، تعال معي يا اخي وليذهب الاخوين السالفاتور الى مؤخرة السيارة"

كان يبدوا ان لديه خطط اخرى ، وجهه ما يزال جامدًا للحظة ، لكنه فكر متذمرًا ان القيادة سبعة ساعات ، خاصةً في الطريق الذي يؤدي للمزرعة من اكثر الاشياء التي يبغضها "انا سأقود اولًا . حين نقترب انت ستكمل."

"كنت اعرف انك ستقول هذا، لكن من انا لأتذمر .. انفقنا اذن..نتقابل بعد نصف ساعة."

وكان قد اختفى في احد الاروقة ، نظرت ايلا الى جون الذي هز كتفيه بلا مبالاة و وجد نفسه يمضغ برفق اللقمة الخالية من الطعم ، يخبر نفسه انها الأخيرة ، توجه انتباه ايفان للحظة اليه ثم لطبقه بدون اي تعابير ، لكن في داخله كان مرتاحًا انه راءهُ يأكل ، رغب بسؤاله كيف يشعر الآن بعد ما حدث اخر مرة ، لكنه اثر الصمت لأن الحديث امام عمتهم اجاثا فكرة سيئة

و حملت ايلا كوب قهوتها الذي ما يزال ممتلئًا متمتمةً بأنه ما يزال عليها ان تحزم بعض حاجياتِّها ، لم ينظر لها ايفان ولو لحظة ، كان اليوم مطمئن البال ، لأنه وجد حلًا لمشكلتها الصغيرة بما انه يصعب التفاهم معها او مبادلتها الحديث دون ان يذم احدهما الأخر . شفتيه افرجتا عن شبح ابتسامةٍ خفيٍّ و انشغل بأن يأكل بضع لقماتٍ من البيض المخفوق ، تأكد من شحن جهازه اللوحي و نهض بعدها الى غرفته هو الآخر

كان الخريف عكر المزاج صبيحة هذا اليوم ، لكن البرودة تلاشت سريعًا بعد ان توسطت الشمس السماء ، اختارت ايلا ملابسها بعنايةٍ شديدة ، كانت حقيبتها بالفعل محزومة لكنها ارادت بعض الحاجيات الاخرى التي تذكرتها ، كمعطفٍ رماديٍّ اكثر عملية ، و زوج من الجوارب و الأهم من كل شيء مغلف اثار البلل كانت قد شوهت سطحه بسبب ذلك اللعين

لكن بداخله كانت الصور التي ارسلتها جدتها مع بيير سليمةً ، اخرجتها ايلا و امعنت النظر إليها ، حطت عينها على صورةٍ لبلايك و اخذت تفكر في تركها ، لكنها ايضًا لم ترد ذلك . ظنت انها فعلةٌ مجحِّفة ، بل بشكلٍ اصح فعله لا تشبهها . ارادت ايضًا منح جون الصورة كاملة بلا اي نقصان ، و بلايك كان جزئًا منها ، بل كان معظمها في الواقع ، جزءٌ لا يمكن استئصاله كما لو كان كعضوٍ مصاب مثلًا ، في النهاية حسمت أمرها و دفعت بالمغلف داخل حقيبة يدها ، اخذت وقتها في ارتداء ملابسها . سروالًا اسود و قميص قطنيٍّ ابيض ذي اكمامٍ طويلة ليقيها البرودة المحتملة . كان معطفها على السرير قد القت به بفوضاويّةٍ ، ريثما تضع الماكياج بعناية ، وضعت بعض الماسكارا حين طرق باب غرفتها "تفضل." قالت دون ان تزيح عينيها عن المرآة ، تتأكد من انها شملت كامل رموشها بالمادة السوداء

كان الطارق الخادمة التي ببساطةً القت التحية و حملت حقيبتها ، جمعت ايلا شعرها في مشبكٍ ذهبي ، تأكدت من القلادة على صدرِّها ، ثم اخذت حقيبتها حيث ذلك المغلف يقبع و حملت معطفها بذراعِها ، تتفقد الرسائل ريثما تمشي ، ناصت جون الذي كان هو الآخر خارجًا للتو من جناحه و يحشر كتابًا تحت ذراعه ريثما يعدل ياقة معطفه

"ماذا تقرأ؟."

"الأعمال الكاملة لفروخ فرخزاد ، شاعرة ايرانية."

حمل الآن الكتاب في يده و قاد الطريق يريها الغلاف ذي الخلفية الزرقاء الهادئة ، حيث كان وجهها ينظر بطريقةٍ شاعرية نعِّسة ، رمشت ايلا بعينيها للحظات "ايرانية؟. يبدوا رائعًا ،لم افكر يومًا في قراءة الأدب الايراني."

"ولا أنا . هذه مرتي الأولى في الواقع ، لكنني استطيع أن أؤكد لكِ أن الأدب الشرقي عامةً مثيرٌ للإهتمام، استطيع القول حتى انه اكثر روعةً من الانجليزي."

"سأخذ هذا بعين الإعتبار في المرة القادمة التي اذهب فيها للمكتبة. ولكن كيف خطر لك الآن ان تقرأ لها؟

"كان من المفترض ان اقرأ لها منذ وقت طويل لكنني انشغلت لسوء الحظ ، احدهم اصرّ علي ان اقتني لهذه الشاعرة دون غيرها و صادف انني بطريقة ما عثرت على هذا الكتاب الذي يحمل اعمالها الشعرية الكاملة ، ثمانمئة صفحة مرفق معها حواشٍ و شروحات. استطيع القول انني استمتعت."

"عن ماذا تتحدث قصائدها؟."

"اشياء تقليدية ، تعرفين ، الحب الفاشل ، خيبات الأمل ، و الوقوع في الحب مع الشخص الخطأ واشياء كهذه."

كان الجو في الخارج صحوًا عكس ما توقعاه ، الشمس تحط مسترسلةً بلطف ، رطوبة لطيفة وناعمة تخيم على الحديقة ، بقي للحظةٍ واقفًا في مكانه تحت نظرات ايلا الفاحصة ، و التي لا يتردد شيءٌ في اذنها سوى جملة "يغازل الموت." جعل من مزاجها يتكدر ، نظرت له ، كان يأخذ نفسًا عميقًا مشبعًا برائحة النباتات الحية و البرد مغمضًا لعينيه وغير منتبهٍ لتحديقها ، بدا كما لو انه يتحسس اللحظة الصامتة و يستمتع بها ، فكر انه بطريقةٍ غريبةٍ يشتاق للإحساس بالمطر يتساقط على وجهه و بشرته و ان يلحق البلل ملابسه ، بل انه حتى يشتاق للمشي تحت المزاريب حتى يقطر الماء منه قطرًا ، سلّاه التفكير بأن الطقس بطريقة ما يصوِّر حالته المزاجية ، عكرًا لكن هادئ وصافٍّ ، ضغط على الكتاب برفقٍّ بأصابعه ، يستحضر بيتًا عن حزنٍ أثيرٍ ينتاب الشاعرة العاشقة وقت المطر

سارا متجاورين الى السيارة التي اشار لها جون ، كان نايت هناك في المقعد الأمامي ، يعبث بهاتفه ، و يظهر كما لو انه سارح ، فتح جون لها الباب ، عندها تنبه نايت وترك هاتفه متمتمًا بشيءٍ ما ، و سار جون الى الباب الأخر ليجلس بجانبها ، لم يكن يرغب بالقراءة الآن بطبيعة الحال ، لأنه سهر طوال الليل يشغل نفسه بها ، لذا اطبق كتابه و تركه بجانبه ثم اغمض عينيه و اتكئ ، قال نايت الذي ينظر اليه الان الى انعكاس وجهه في المرآةِ الأمامية

"لا تقل لي انك ستنام حقًا."

"لم اكن امزح ، لم استطع النوم طوال الليل." غمغم جون ، ما تزال عينيه مغمضتين و يحتضن جسده بمعطفه ، في ذات اللحظة اخذ ايفان مكانه في مقعد السائق ، و سأل : "اين تضع المفاتيح يا جون؟."

فكر جون للحظة ، ينتابه الكدّر لفكرة ان احدهم اخذ مفتاح سيارته ايضًا كما أُخذ جواز سفرِّه منه منذ تلك الليلة ، اخرج همهمةً ناعسةً "أليس في مكانه؟."

"لا ، فتشت السيارة كلُّها ، لم يكن فيها."

اغمض جون عينيه ، لهوينةٍ ، لم تفهم ايلا ما يحدث ولا إيفان نفسه ، لكن تعابير نايت المنعكسة من المرآة الأمامية أعطاها فكرةً لم تحبها ، تنبه ايفان لذلك و قال بحذرٍ مجددًا "لحظة ، ربما يكون مع أحد السائقين."

فتح الباب و خرج منه و حط صمتٌ مقيتٌ في السيارة لم تفهمه ايلا بعد ، بدا وكأن نايت مترددٌ في قطعه من عدمه لوجودها ، لكنه تفوه اخيرًا "حسبُك، نحن ذاهبون الى هناك لتريح رأسك و الا تفكر بأي شيءٍ ينغص صفوك ، لا بأس."

"كيف عساي ان أهدأ اخبرني؟." قضم شفته بعنفٍ حتى كاد يدميها ، رغبته في لكم اي شيءٍ او اذية اي شيءّ إزدادت ، ابقى ذراعيه في حضنه يحكم قبضتي يديه بشدّةً ، غير واعٍ لوجود أخته تنظر له متوسعة العينين

"جون، ماذا يحدث؟."

نظر لها ، لعينيها الواسعتين الخضراوين ، التين كان النظر وحده لهما كفيلٍ بجعله خانعًا و خاضعًا ، اخرج تنهيدةً مثقلة بالكآبة سحبت معها كل غضبه المكبوت وكبتت ما تبقى منه ، و اصبح وجهه اكثر راحةً مما كان عليه ، الناظِّر اليه لم يكن ليشك ولو للحظة انه كان موشكًا على قتل احدهم ، سرعة انقلاب حاله كانت شيءٍ يثير الاعجاب و العجب في الآن ذاته ، وهذا جعل ايلا لا تثق بكلماته اطلاقًا

"اعتقد انني ببلاهة ، نسيت انني اعطيت مفاتيحي للسائق لينظفها..لوهلة ظننت انني أضعته." ثم ابتسم ابتسامته المتعبة المعهودة

و كل ما ادركته ايلا ان شقيقها يقدم تنازلاته مرغمًا لسببٍ ما ، ان ذلك الحزن العظيم الذي تستشفيه منه في ساعاتٍ كثيرة مذ قابلها كان سببه عظيمًا ، وحدةٌ لا نهاية لها و انعزال اتخذ قراره بإرادة تامّة وحرّة ليحمي نفسه

بقوةٍ بالغة ، اجبرت نفسها الا تبقي عينيها عليه ونظرت امامها ، الكتاب كان ما يزال في حظنها بعد ان التقطته ، و شاهدت بطرف عينها دون ان تلتفت جسد ايفان عائدًا ، دفع بسجده الى داخل السيارة و دخلت معه رائحة الرطوبة الحلوة ، و كشكش بعلاقة المفاتيح امام وجوههم المترقبة بحذر "ماذا قلت لكم؟"

ارتخى كتفيّ نايت براحة في مكانه ، و لم ينظر مجددًا الى جون مدعيًا الا شيء مهمًا حدث

وادار ايفان المحرِّك معدلاً المرآة الأمامية ، عينيهما التقتا ، عرف طيف النظرة التي اعتلت محياها تمام المعرفة ، و اشاح عينه عنّها متجاهلًا دعوتها الصريحة له بالحديث ، فرفعت حاجبها الأيسر بقلةِ صبرٍ منه ، وهذا لسببٍ ما جعله يتسلّى بفكرةِ تجاهلِّها عندما تريده ، تمامًا كما تتجاهله هي عندما يحاول ازعاجها

لم ينبس جون بنبت شفه ، وهو الذي كان قانطًا في وقتٍ سابق ، يعرف تمامًا ان الامر لم يكن كذلك ، لم يكن جرد مفتاحٍ اخذه احد الحراس ليركن السيارة مثلًا ، بل انهم كانوا محتفظين بمفتاحه حتى معهم ، و غالبًا (كما ادرك) لم يعد هنالك ما يخشوّه من فكرة هربه ، فآيلا هنا

و يدرك ايضًا ان ايفان فعل ما عليه فعله لألا يجرحه او يحرِّجه امامهم ، لكن جون اعتاد لدرجة تجعله يعرف الأشياء ويعرف ردات فعل الاشخاص من حوله وكيف يتصرفون معه او بماذا يفكرون او يشعرون ناحيته حين يكتشفون بطريقة ما ، ما يمر فيه او يواجههُ ، فلم يعد يحس بالمهانة في الواقع ، لأن اعتزازه بنفسه قد وطأته الأقدام وانكسر وحلّت محله مشاعر جديدة ، بالاضافة الى انه كان في اوجّ ضعفه و قمة تردده بما هو قادم ، و ظهرت هذه المشاعر الجديدة لتتركه محتارًا

يشعر بغضبٍ صرف و لا شيء الا هذا الغضب الصرف العارم الذي يغشي تفكيره كله و يجعله اما يرغب بلكم الأشياء او الصراخ و وجهه مدفونٌ في وسادة ، لكن هذه المرة ، لم يرغب بلعن تسلط بلايك عليه في اصغر الاشياء و محاولته لحبسه و ابقاءه في قبضته

ولا حتى لجده الذي يفعل الامر بقصد او بدون قصد ، سرًا حين لا يظن ان احدًا ينتبه و علانية تحت غطاءٍ شفاف من الاهتمام

جميعهم ينظرون اليه كسجين يستعد لتنفيذ خطة هربه في اي لحظة ، وعليهم هم -أي السجانون الشرفاء- ان يبقوه امام ناظريهم على الدوام وان يحبطوا محاولاته قبل ان يفكر حتى فيها.

الان هو و بطريقة مفاجئة و جديدة لم يعد يشعر بأي شيءٍ تجاه ذلك ، حتى غضبه لم يبدوا له حقيقيًا ، بل ان الاحساس نفسه يبدوا حملًا ثقيلًا هو لا يقوى على حمله في احيانٍ كثيرة ، لكن في احيان اخرى يقوم بحمل هذا الاحساس وعندها تحدث انفجاراته او رداة فعله الغاضبة التي يظنها من حوله انه مبالغٌ فيها ، لأنهم لا يفهمون بالطبع اي حربٍ هو فيها

غضبه تلاشى وكأنه لم يكن ، وحل محله احساس مقيت بالعجز و الانقياد ، فالتف مجددًا في معطفه الشتوي الثقيل و اتكئ على النافذة يغمض عينيه ، تحت انظار ايلا و نايت الذين يسترقان النظر اليه بطرفِ اعينهما

كان الطريق صامتًا ، الشمس في كبد السماء ، نايت يتحدث بالهاتف بصوتٍ خافت فبدا وكأن صوته العميق المريح قادمٌ من البعيد ، جون لا يزال نائمًا ، بين فينةٍ واخرى تتأكد منه ، ديوانه في حظنها تلتهم قصائده الواحدة تلو الأخرى ، حتى وصلت للورقة التي طواها ليجعلها علامة للجزئية التي وصل اليها ، لم تبعد عينها عن نص القصيدة ، و بدت الكلمات لها وكأنها تتراقص على الوراق ، اغمضت عينها و فتحتها مرةً اخرى ، و اطبقت الكتاب بسرعة بسأم ، ثم وضعته بجانبها متأففةً ، كانوا الان خارج لندن ، الطريق المعبد و الأشجار التي حط ضبابٍ شفيفٌ خفيف على قممها جعلاها ترتخي اكثر بجلسة و تستمتع بالمشاهدة ، تستخدم مخيلتها لتخيّل اي روايةٍ قد صوّر فيها هذا المشهد امامها

***

استيقظت ليلي من نومها بعد ان ندهت امهم عليهم من المقعد الأمامي "يا فتيات ، ها نحن هنا." كان رأس كلوديا ما يزال على كتفها ، فلم تتحرك للحظة ، و نظرت من النافذة لتجد انهم بالفعل بالمزرعة . تستطيع رؤية سيارة عمها جايمس من حيث هي . لذا خمنت انهم ربما يكونون اخر من وصل انتظرت لحين ابتعدت كلوديا عن كتفها ، ثم فتحت الباب و قفز جسدها الرشيق الى الارض الرطبة من المطر ،  كلوديا دعكت عينيها بكسلٍ ثم نظرت امامها ، كانت امها واختيّها بالفعل قد خرجن من السيارة ، بيما ابوها يتقاعس في محله ، لم يبدوا انه يريد الخروج من السيارة ويدعي انه مشغول لسبب ما ، سبب غامض يخيم ثقيلًا على صدرها ، قلبها اخبرها ان ما لا تحبه قد حدث ، ان شيئًا من الحقيقة المؤذية كانت تعرفه في قرارة نفسها لكن لا تصدقه لأنه يضعِّف فرصة سعادتها . فتمسكت بخيط الامل الواهي و الضعيف عوضًا عن ذلك ، لم تكن يومًا شخصًا قويًا حين يكون الامر متعلقٌ بالحب ولا حين يكون متعلقًا بحبيبها بشكلٍ اخص ، و لا تريد ان تكره والدها ، بل انها تحاول الا تفعل وتتمنى ان ما حدث ما هو الا تخيلاتٍ داهمتها ، اخذت نفسًا عميقًا وهمست "ابي .. الن تنزل؟." رفع رأسه و حطت عينه على انعكاس عينها من المرآة الأمامية ، اغلق هاتفه وحشره في جيبه

"بالطبع ، هيا."

كان الجو الخريفي بأسكوتلندا متشحًا بمزيج من البرودة و الرطوبة ، سارا متجاورين في صمت ، الطريق الى الباب كما لو انه يمتدّ مبتعدًا عنّهما ، وكآبتها تصاعدت مع كل خطوة

"الان ، بما اننا هنا كما أتفقنا في وقت سابق،" ذكرّها بعينين مهتمتين "الن تخبري والدك عما يحزنك؟ واياك و الكذب هذه المرة ، لم اعد استطيع احتماله من أي احد، خاصةً منكِ انتِ."

شحب وجهها تحت نظرات عينيه الفاحصة التي تهربت منها ، عينيها الغائمتين بقيتا مثبتتين امامها بحاجبين مرتخين ، لا تدري ما تقوله ، بطبيعة الحال اخبار ابوها بمشكلتها كان شيئًا مستحيلًا ، ليس منها على الاقل ، و ليس وهي قد ادخلت نفسها في علاقةِ حبٍ من طرفٍ واحد ، لا تريد ان تجعله ينظر اليها بشفقةٍ كما يفعل البقية

"لا اعرف." اخبرته

كان ما يزال صامتًا ، يفكر بكلمتها لهوينة ، و قال بصوتٍ خفيض هادئ جعلها تخجل من نفسها "اخبرتك انني اكره الكذب منك انتِ بالذات ، لماذا تفعلين هذا؟"

"لانني حقًا لا اعرف ماذا اقول ، ارجوك .. ابي ، لا تضغط علي"

"كما تشائين ، لهذه الليلة فقط ، لكننا لم ننتهي ، ليس وهنالك ما ينكد صفو عيش طفلتي." ترقرقت الدموع في عينها ، وكرهت نفسها لأنها تتعامل معه هكذا ، توقفت عن السير مما جعله ينظر لها بعجب و القت بنفسها بين ذراعيه تحتضنه و تدفن وجهها في صدره

"رويدك ، اهدئي يا حبيبتي." شدّها اليه يحتضن رأسها ضد صدره ويربت عليها مبقيًا لها هناك لدقائق ، وهي كانت ممتنة لذلك، جفل في مكانه وهو يرى بلايك بحاجبيه المقطبين الغاضبين ، الذين جعلا رعشة تنتاب اوصاله ، ينظر اليهما ، و يبدوا انه كان خارجًا من سيارته للتو ، رفعت كلوديا رأسها عن حضن أبيها بعد ان هدأت من روعها و لاحظت رعشته "أبي ما الأمر؟."
بتشتت نظر لها غير مستوعبٍ ما تفوهت به "هاه؟" ثم اندفع الادراك الى ذهنه ، وقال بسرعةٍ "لا شيء."

قطبت حاجبيها بغيرٍ فهمٍ و بتعجب ، و مسحت بقايا دموعها بكمها ، بقيت للحظاتٍ مخفضةً رأسها تحاول ان تلملم شتاتها و ان تجعل نفسها تبدوا في مظهرٍ اكثر طبيعية ، ثم رفعت رأسها مجددًا قائلة بتردد "اعتقد انني سأدخل."

"حسنًا." لم يكن يوليها انتباهه حقًا ، و يبدوا انه رد عليها بلا فهم حقيقي لما تقوله ، فاستدارت كلوديا مستغربةً انقلاب حاله المفاجئ ، و حطت عينها على عمِّها بلايك ، واقفًا بالقرب من سيارته و يحمل شيئًا في يده لا تدرك ما هيئته ، ولا تدري لكم من الوقت كان واقفًا و هل شاهد الأمر برمته ام لا ، كان ينظر الى وجهها بعينين مهتمتين ، اخفضت رأسها هربًا من اهتمامه و سارعت بخطواتِها الى داخل المنزل دون ان تلقي كلمةٍ او تحادثه

فسار بلايك ناحية أخيّه الذي كان ما يزال تحت وقع اللحظة ، حاجبيه المعقودين على دوام خيل لستيفان انهما اكثر انعقادًا من اي وقتٍ مضى ، وهذا شتت كامل انتباهه ، سأل بلايك بإهتمام "هل كانت تبكي؟."

نظر ستيفان الى المنزل حيث دخلت ابنته ، هربًا من نظرات بلايك من جهة ، و باهتمام لها من جهةٍ اخرى "تربية البنات.. اراهن انك لم تواجه شيئًا كهذا مع ابنائك."

لسببٍ ما ، وجد بلايك في ذلك سخريةً لم ينتبه لها اخوه الذي ادركها ستيفان متأخرًا ، لكنه لم يعقب عليها ، بل اخفض رأسه مبتسمًا بسخرية و يدس يديه في جيبه

قال ستيفان بحرج "معذرةً."

"لا ،فمعك حق في النهاية."

"اوه." لم يدرك انه سيسمع هذا من بلايك نفسه ، و سأل ليقطع لحظة الحرج "الى اين انت ذاهب؟."

"سأمشي."

"كنت لأنضم اليك ، لكن لا يزال لدي ابنة احاول مراضاتها."

و شاهد ظهر اخوه يبتعد ، اخرج زفرةً لم يكن يدرك انه كان يحتبسها ، وهمس لنفسه "تمالك نفسك عليك اللعنة."

بغمٍ التفت الى مدخل القصر الريفي، لا يدري ماذا يفعل بنفسه المذعورة الفاقدة على السيطرة ، والتي راح شبح الذنب الذي يأخذ قناع امرأةٍ جميلة صهباء الشعر لم تفارق كوابيسه يخنقه ، اغمض عينيه و شد قبضتيها ، عليه ان يبتلع احساسه المقيت مهما كان الثمن .. وهمس مجددًا "تمالك نفسك ، عليك اللعنة."

***

فتحت عينيها لتجد انهم لا يتحركون ، لا تدري منذ متى ، ببطءٍ عدلت رقبتها و رفعت رأسها لتحس بآلمٍ خفيف ينتابها من البقاء طويلًا بسكون بهذه الوضعية ، التفتت الى جانبها لتجد ان جون ما يزال يحتضن جسده بمعطفه و يغط في النوم بنفس الوضعية منذ تحركوا ، همست بصوت مثقل من النعاس "هل وصلنا؟."

تنبهت الى انهما وحدها بالسيارة ، كانا المقعدين الأماميين خاليين ، فتلفتت حولها لتدرك بأن الجو اللندني تلاشى ليحل محلّه خضار مغشى بالرطوبة الشديدة و الاشجار في الشارع برتقالية اللون و مصفرّة تسحبها النسائم في دوائر

ادركت انهم متوقفون في محطةٍ ما ، وغالبًا وصلوا الى اسكوتلندا بالفعل ، المحال الصغيرة بالجوار واجهاتها مغشية بالضباب الخريفي البارد ، فلم تستطع ان تستشفي ااذا ما كانت مفتوحةً او مغلقة ، و طالبتاها قدميها المتصلبتين بالنهوض لسير بضعة خطوات ، نظرت الى اخيها النائم بسكينةٍ يحسد عليها ، فلم يبدوا لحظتها كشخصٍ مستعدٍ لأن يستيقظ من نومه لأي سببٍ كان ، لهذا فتحت الباب و خرجت من السيارة

النسائم حركت شعرها و داعبت بشرتها بنعومةٍ و برودةٍ محببة اشتاقت لها ، صداع النوم السيارة خفّ قليلًا و استرخت بوقتها ترفع وجهها الى الشمس المختبيئة ترسل اشعتها بخفةٍ من اسفل كومةِ الضباب الازرق الرطب و تغلق عينيها ، عندما فتحت عينيها مجددًا تبحث عن الاخوين ، وجدت انه لا يوجد لهما أثر على مدّ البصر

فزمت شفتيها وهي تدس يديها في جيوب معطفها وتتكئُ على السيارة "اين ذهبا هذين الاثنين؟."

شد انتباهها مشهدٌ لمحل يبعد عدة خطواتٍ منها ، كان ذي انارةٍ خفيفة ، زجاجه الامامي متسخ ، والضباب يغشاه ، لكن مشهده ساحر لسببٍ ما ، فتحت باب السيارة و سحبت حقيبتها ثم توجهت اليه ، في اللحظة التي دفعت فيها الباب الخشبي ، رن جرسٌ فوق رأسها منبهًا اصحاب المكان بدخولها

"مرحبًا." قالت بصوتٍ واضح ، حركة من الداخل المعتم جعلها تتصلب في مكانها بذعر ، و اكدت لنفسها انها بقرب الباب ولا داعي لكل هذا الذعر

اخبرها صوت عميق "تفضلي." و في ذات اللحظة نقر صاحبه على ضوء انارةٍ خافت ، جعل المكان وحاجياته اكثر وضوحًا ، كان المحل المزدحم بالعديد من الأشياء العشوائية القديمة التي تفتقد الى التناسق فيما بينها ، فبدا وكأن اشياء المحل ادخلت اليه حشوًا لسد الفراغ فحسب ، شمعدانات فضيةٌ فقدت بريقها ، طقم اباريق صينية من البورسلين ، ساعات فيكتورية و طاولاتٌ من الخشب الماهاجوني اطرافها متقشرة بعض الشيء و تبدوا بائدة اكثر مما تكون منجدة ، و الكثير الكثير من البطاقات المزينة بورودٍ ميتة

ما جذبها اليه في المقام الاول انه يبدوا من المحلات التي ستقع امها بدون شكٍ في حبها ، نسيت ذعرها اللحظي السابق و تجولت فيه تنظر الى كل شيءٍ بعينين لامعتين ، ونصف ابتسامة حانية ، تحت نظرات البائع الضخم الذي يشبه الشعراء الايرلنديين ، و توقفت للحظةٍ حين لمحت شيئًا مثيرًا للإهتمام ، كان غلافٍ جلديٍّ ذي نقوشٍ بارزةٍ للتوليب الأسود ، ذو لونٍ ارجوانيًا باهتٍ يبدوا كما لو انه ظهر من لوحة رسمة منذ ازمانٍ قديمة ، حزين وهادئ ، و ظنت انه كتابٌ من نوعٍ ما او ربما مذكرات قديمة لشخصٍ ذو حياةٍ مثيرة و قيمة ، جذبته برفق . لتجد ان ذلك الغلاف المغطى بطبقةٍ رقيقةٍ من الغبار . كان محض البوم صور فارغ ، مسحت الغبار عنه برفق وكأنه تحفةٌ اثيرة ، و امتنت لأنه كان البومًا و لم يكن مذكراتٍ كما توقعت ، كان يبدوا انه قد وقع من السماء خصيصًا لها ، خاصةً وانها تحمل صورًا مهمةً في مغلفٍ بالٍ لأن البلل لحقه

"ياسيد ، بكم استطيع ان احصل عليه؟."

عيني الرجل حطتا على الألبوم للحظة ، و قال "سبعة جنيهات"
تقدمت ايلا اليه ، تضع الالبوم على طاولة الحساب و تفتش في حقيبتها عن محفظتها قائلةً "لديك متجر مثير للإهتمام يا سيدي ، كانت أُمي لتحبه."

"شكرًا لكِ ، لا شك من ان امك امرأة مثيرة للإهتمام ايضًا، اعرجا علينا يومًا."

ابتسمت بخفة وهي تخرج النقود من المحفظة وتدفعها على الطاولة "انها ميتة مع الأسف، طاب يومك."

اخذت الكيس الذي ناوله لها وهو يقول "آسف لخسارتك."

و ابتسمت له بهدوء ، لم يكن مزاجها متكدرًا لأنها كانت تتذكر أمها في مكانٍ تعرف يقينًا انها ستحبه ، عندما خرجت من المتجر شاهدت ايفان امام السيارة يتلفت فيما يبدوا كما لو انه يبحث عنها ، اذ عندما حطت عينه عليها ارتخى جسده ، وقال "جيد ، ظننا انكِ ضعتِ." ورفع الهاتف الذي كما يظهر ان احدهم ينتظر على الطرف الأخر "انها هنا الآن...لا تتأخر اذن ، انه دورك في القيادة"

"اين نحن؟."

"اسكوتلندا ، ما يزال امامنا ثلاثة ساعات حتى نصل الى المزرعة."

"يالهذا." و اتكئات بجانبه ، "اذن ، الن تخبرني ماذا حدث اليوم في السيارة؟."

"لا اعلم ماذا قد تظنين انه حدث في السيارة لأنني لا اعرف عماذا تتحدثين."

"هلا كففت عن هذا ارجوك؟ حبًا بالله ، انا اعرف انك تعرف ، لنكف عن اغاضة بعضنا بجدية ، لقد سئمت."

ابتسم في وجهها ، كان فرق الطول بينهما ليس كبيرًا ، لكنه يضل اطول منها ، و لسببٍ ما تذكرت ذلك الحلم العجيب الذي استخدمت فيه وصف استاذتها بأنه ملاكٌ ساقط ، وجنتيها احمرتا ، و ابعدت ناظريها عنه ، مما جعله يرفع حاجبه بتسليّةٍ حقيقية "هل فهمتُ كلامك بطريقةٍ خاطئة ، أم انك حقًا تعرضين علي هدنة؟"

"لما لا؟ شيء كهذا ، تعرف .. امي اخبرتني بين حينةٍ و اخرى ان اكون الشخص الكبير في علاقاتي بمن حولي."

"ليكن اذن .. اوافق على هذه الهدنة."

"يالهذا ، ام اتوقع ذلك حقيقةً ، والان لا اعرف ماذا اقول ، لكن شكرًا على ايةِ حال"

"اجل ، مهما يكن"

"لا زلت لم تخبرني عماذا حدث سابقًا؟."

"ان لم اخبرك لن تكفِ عن ازعاجي ، أليس كذلك؟"

"بكل تأكيد."

"لكم ان هذا مغرٍ جدًا ، لكنني حقًا لا اعرف ما اقوله."

"استطيع ان اسهل الأمر عليك لحدٍ ما ، لنبدأ بالسؤال الأهم : ما علّة أخي؟. لماذا هو يأخذ ادويةً وينام طوال الوقت؟ لماذا هو كئيبٌ وقانط؟"

نظر لها ، كانت في النهاية بطريقة ما ستعرِف على ايةِ حال ، لكنه مع ذلك ضل يفكر بجون و بوصفها له بالكئيب القانط ، ايفان لم يشهد انفعال جون السابق ولا الحادثة برمتها ولا يعرف تمامًا ما حدث ، لكنه واعٍ انه حين عاد من سفره ، كانت العلاقة اشد توترًا مما هي عليه عندما غادر ، ويدرك تمامًا انه ليس بسبب آيلا ، فقال الشيء الوحيد الذي يعرفه

"تشنج قلبه ، لكنه كما ترين بخيرٍ الان." وراقب ملامحها تذبل أمامه و فمها يفغر للحظة "تـ.. تشنج؟..لكن ، لماذا؟."

"هذه المرة حقًا لا اعرف ، وكيف عساي؟ اخوك الأحمق يعيش لنفسه و لا يخبر احدًا بأي شيء من تلقاء نفسه."


***
اخييرًا ، والله ما بغينا

مرحبًا ، يومكم/ليلتكم سعيد/ة ، ايًا كان الوقت اللي تقرأون فيه

وعدت اني انزل البارت اليوم لكن اعدادات الوقت عندي مضروبة ما ادري اذا تجاوز الوقت منتصف الليل او لا

اخيرًا خلصت امتحاناتي (:
بالمناسبة ، النوم في السيارة من اطعم الأشياء في الدنيا جربوه بين فينة وثانية

*تقييم البارت؟

*اجاثا؟😂 (فانزاتها اكثر من فانزات الابطال الفعليين لرواية)

* جوني بوي؟

*بلايك؟

*ايفان؟
تتوقعون ايش يخطط عليه؟ وليش صار مرتاح من ناحية ايلا؟ (اللي تقول حبها بأعطيها كف)

*ايلا؟

*رأيك الشخصي؟

*توقعاتك باتجاه نسق الرواية؟

*ستيفان؟

Bạn đang đọc truyện trên: Truyen247.Pro