بَائِسٌ مَقْرُوءٌ، يَنْقَلِبُ.
°°°
«مرحبا سيدتي.»
تمتمت وعيناي كانتا تحدقان في اللوح الرقمي بين يداي بينما هي كانت مرتجفة اليدين ومن اللمحات القصيرة التي أخذتها عن وجهها فهي شاحبة وحزينة.
«مرحبا.. شعرت بالقلق عندما اتصلت، هل من مشكلة مع مارك.»
نفيت وركزت ببصري على أماكن في الفراغ حتى أفكر في أهم الأسئلة التي أود طرحها.
«أبدا، لكنك زوجة أبيه منذ ثلاثة سنوات، أردت أن أطرح بضعة أسئلة عليك تخصه.»
هزت رأسها وزفرت الصعداء لينفك تشابك يديها وتمسح كفيها براحة.
يوجد قطع من الأحجية لا أعرفها.
«إذا، كيف كانت طبيعة مارك في البيت؟»
لم تفكر كثيرا، ولأنني تعاملت مع كثير الاستجوابات سابقا فأعرف أنها صادقة الآن، لكنها خائفة أيضا.
«إنه مرح جدا، يعيقه الربو أحيانا على اللعب كما يريد، لكنه يبقى مرحا وكثير الكلام.»
دوّنتُ ذلك وهي انتظرت سؤالي التالي بصبر.
«ماذا عن خياراته في الأكل؟ هل هناك طعام لم يكن يحبه؟»
«بصفة عامة هو لا يحب الخضروات، ماعدا الخيار والشمر الأخضر، والغلال بما أنها موسمية جدا وحامضة عامة فهو لا يأكل منها غير البطيخ.»
لا تُوَزّعُ هذه الخضر والفاكهة في المستشفيات، تُعدّ باهضةً وغير نافعة بما أنها معدلة جدا وراثيا.
«ألم تلاحظي عليه أية أعراض غريبة قبل الحادثة؟»
نفت ولم تتحدث، وبعد ثوانٍ وقفت تحمل حقيبتها تكاد تعتذر مغادرة.
«مهلا، حالة مارك ليست عادية، أجريت فحوصات البارحة وهو ليس بخير إطلاقًا، من الممكن أن يتألم كثيرا قبل أن يُتوَفّيَ بعد أشهر قليلة.»
كانت تقابلني بظهرها فيما تفصل بيننا طاولة الاجتماعات الخاصة بالأطباء في أحد غرف المستشفى.
قبضت على يديها بشدة وكان من الواضح أنها متوترة.
«ما الذي علي فعله؟ أنت طبيبه.»
«وأنت بمثابة أمه، ماذا إن مات وبضعة معلومات لها أن تُنقذها أنت أخفيتها، هل ستتمكنين من العيش براحة حينها؟»
طرحت النتائج مباشرة في رغبة عارمة أن يعطي ذلك نتائج حسنة.
«لا أخفي شيئا.»
«لِمَ لا تزورينه؟»
التفتت وقد كانت تبكي، بحثت في تاريخ هذه المرأة ولو لم أكن واثقا أنها ليست ناشِطةً جيدة في المجتمع المدني لما تجرأت لأحادث أحد أفراد عائلة مارك التي من الممكن أن تكون كلها شريكة في الجرم.
«لأنني أم سيئة جدا.»
تمتمت تسقط على الأرض بِخَيبَةٍ وانكِسَارٍ.
«كيف؟»
استدرتُ حول الطاولة وسحبت أحد الكراسي حتى أقعد أمامها هي التي على الأرض.
«إنه وحش..»
وحش؟ تقصد زوجها بوضوح صرامة وضعها الحالي.
«لقد تخلى عنه حتى نعيش نحن، لقد بايع القتلة على حياته وهم جادوا عليه بثلاث حيواتٍ في مقابل مارك!»
مهلا لحظة.. لِمَ هي تُخبرني الآن؟
هل أدعي أن هذا أهم من هول صدمة أن علمي بذهذا بهذه السهولة سخيف؟
«أظن أنك تعرضين حياتك وحياة زوجك وأخا مارك إلى الخطر بما تقولين يا سيدة.»
هزّت رأسها بعنفٍ مؤيدةً ذلك، حاولت لاحقا أن تمسك يدي إلا أنني انسحبت بعنف قبل أن تفعل، حدقت في لثوانٍ ثم تداركت الوضع راجية.
«أنقذ مارك، أنا أرجوك أن تفعل!»
لقد بدأ النذل يلعب معي ويظن أنني ما زلت بيدقا على أرضه، لكنه يأمل وحسب.
القصة مُضاغةٌ على أكمل وجه، والهم الأكبر أنني أحد الشخصيات الفرعية في هذه القصة التراجيدية، أي أنهم أدق عملا في أماكن أخرى من هذه الأرض.
«هذا صعب، لكنني أبذل جهدي.»
تمتمت بذلك في حزن جاهدت أن يبدو حقيقيا، أنا أيضا سأخرج عن مألوفك يا آليكس، وإلى صفي أهم من يلعب تحت الطاولة، الطفل الذي يجب أن يموت حتى يتبين لهم أنهم ناجحون في تدمير البشرية.
خرجت أولا وكتفاي بخذلان لا أدري أهو مصطنع أو أنني أعيشه إثر الحقائق المُبطة التي تأتيني.
وقفت عند الباب وهي أخذت شهقاتها تخف ثم فجأة صمتت وبعد دقائق أصبح تتحدث عبر هاتفه إلى زوجها.
«أخيرا شك ذلك الأحمق، أخبرته بتلك الحقيقة التي لن تفيده ليُفطَرَ قلب المسكين.»
سخرت وصوتها ما زال مبحوحًا إثر بكائها الزائف سابقا.
سأعترف أنني أحمق، لكن ليس الآن، أولا سأنقذ مارك، ثم إني سأجعل ذلك الكاذب يندم أيما ندم عمّا فعل معي.
لم أشأ أن أسمعها تسخر مني أكثر لذا حثصت خطاي إلى الطفل الغافل بين أحضان سرير سيكون آخر مكان يراه تبعا لخطة أبيه المَصونِ.
«ريكو..»
كان يقف أمام النافذة، ينظر إلى حركة المارة على الطريقة مع دراجاتهم الهوائية.
«سيدي الطبيب!»
التفت إلي مبتسما وركض إلي لنزل بسرعة إلى مستواه حتى أحظى بعناقٍ يخطر له أحيانا أن يُؤتيني إياه.
«ألم نتعدى تلك المرحلة أيها الصغير، اسمي عمر، احفظه وحسب.»
تذمرت أمسح على رأسه بلطفٍ ليبتعد هو ويبدأ حرب التحديق المشكك في عيني الغير سعيدتين.
«ماذا حصل مع مهمتنا السرية جدا؟»
ادعيت التذكر لأشهق بخفة أومئ له بسرعة وما أزال أقف وقفة الضفادع أمامه لأساويه طولا.
«لقد كنت كتوما ورائعا، أحسنت!»
رفعت قبضتي إليه ليضحك بمرح وتتلألأ عينيه بحرارة دموع كتمها وألقى سؤاله التالي بخوفٍ.
«إذا.. هل سأُشفى؟»
«هل تطلب من الله ذلك دائما كما اتفقنا؟»
هز رأسه بقوة لأبتسم مربتا على رأسه وبثقة تظاهي رغبتي بشفائه أجبت.
«الله سيداري آلامك إذا يا ريك، وسيجعلك راضٍ تماما لأنك فتى جيد ومتفائل!»
لم يقدر ألا يبكي، كان يشعر بأن عائلته ليست مهتمة به، ويشعر أن مرضه صعب وأن لا أحد جواره يسعى لمساعدته لذاته الطفلة، كان يعلم ويفهم، أنا فقط لم أفعل.
«أشعر بذلك.»
وضع يده فوق تلابيبه مكان قلبه ثم راح يقعد على سريره ليدعوَ مجددا، لا أدري إن كان هو البائس أو أنا.
ضيق صدري يقتل كل مشاعر جيدة قد تراودني، مارك ليس وحده المريض، الفكرة تجلد محاولاتي لإنقاذ واحد فقط.
°°°
؛-؛
كونوا بخير!
واستغفروا 💛
Bạn đang đọc truyện trên: Truyen247.Pro