• chapter 4 •
~ فقط من القلب، يمكنك لمس السماء ~
____________
اتسعت عيناه بصدمة و هو يناظر الكتاب، لا أدري فعلا ما حدث له ، لوحت له بيدي عله يفيق من صدمته تلك و كان ذلك ، في الواقع ، ليس كليا فعيناه مازالتا مفتوحتين على مصرعهما ، و سرعان ما راح يتمتم ب :
- هذا لا يجب أن يحدث..لا يجب أن يحدث بتاتا..
لم أعد أستبعد احتمال كونه قد جن ، فزفرت بهدوء و قلت :
- ماذا يحدث معك يا أحمق ، و ما الذي يجب ان لا يحدث ؟ ما الصادم لهذه الدرجة في كتاب !
أغلق فمي بكلتا يديه ثم نظر حوله بشيء من الهلع لثواني و بعدها أدخلني ذلك المكان الصغير مرة أخرى ، ثم قال بعد أن جلس على الأرض و قد هدئ قليلا :
- أنت هي الحمقاء ! ما بيدك هو أحد أهم الأشياء في العالم ، العالمين ! ما تحملينه هو كنز لا يوجد من اثنان من أين جئت به ؟
الآن ، أصبح الجنون هو الاحتمال الوحيد ، ابتسمت بسخرية و قلت بنبرة متفاجئة مزيفة :
-حقا ! يا إلهي أنا أحمل أحد أعظم أسرار الكون ؟ أكاد أبكي من الفرح !
لا أظن اني على استعداد لأجابه شخص يقول عن كتاب وجدته في مكتبة عمومية و يروي مذكرات فتاة أظن أنها بدورها جنت أو قتلها الملل لتألف أشياء كتلك ، فارسة، مستذئب..حقا هي أكبر من هته الخرافات ، أرجح خيار أنها جنت ، مع أن تلك المذكرات ممتعة نوعا ما ، لن أكذب .
- بالطبع أنت لا تعلمين ، البشر يجهلون الكثير حقا ، أعذريني.
هل أنا فعلا مضطرة لاجراء هته المحادثة السخيفة ؟
لولا أني في مزاج جيد هذا اليوم ، لتصرفت معه بطريقة مختلفة ، و أيضا ما بال " البشر يجهلون الكثير " تلك، على أساس أنه حيوان أو شيء آخر ، رغم أني أفضل لو كان حيوانا ، أستطيع تشبيهه بالكلاب ، أو الذئاب اذا كنت كريمة جدا .
أجلت تفكيري في الحيوان المناسب له ، و تسائلت بعدما خرجت من مكاني الصغير :
-حقا ! نعم معك حق أنا أجهل كل شيء ، أخبرني أنت أيها الذكي ، لما أنت مهتم بهذا الكتاب، لقد وجدته مرميا في أحد أركان مكتبة عمومية ، عدى كونه أيضا مذكرات لفتاة حتما أصيبت بالملل أو الجنون .
عقد حاجبيه بخفة قبل أن يتمتم محدثا نفسه :
- مذكرات ؟
لكنه سرعان ما أضاف :
- ذلك هو أساس الكتاب المقدس، فهو و بطريقة ما يظهر كل ما يحتاجه الشخص الذي يمسك به، لذا فوقوعه في يد الشخص الخطأ يؤدي حتما الى كارثة ، أتدركين أن هذا كنز عظيم، كل ساحر يبحث عنه ، من المفترض أن يكون محميا في آستريانا، لا أعلم ما الذي جلبه لك ، أنت أخطر مما تصورنا .
تنفست بعمق محاولة قمع غضبي ، ثم قلت بابتسامة مزيفة و نبرة غاضبة :
- دانيال ، يا صديقي العزيز ، هلا توقفت عن اللعنة اللتي تقوم بها الآن ؟ هل أخبرتك من قبل أن لا تتدخل فيما لا يعنيك ؟ نعم فعلت ! لكن يبدو أنها هوايتك المفضلة ، لذا سأحذرك مرة أخيرة ، لا تقترب مني مجددا ، من أجل سلامتك .
أستطيع رؤية قليل من الخوف في عيناه ، لكنه قال بنبرة لا مبالية قبل أن يغادر :
-لا يهم ، إذا كان ما أفكر فيه صحيح ، قولي وداعا للحياة العادية .
- معتوه..!
همست بها في غضب، هل هو جاد حتى ، لما و اللعنة أستمر في احاطة نفسي بالمجانين ! سأكون واحدة منهم قريبا .
أعدت الكتاب لحقيبتي، فقدت المزاج في القراءة على كل حال، أو حتى الدراسة و مقابلة وجهه مرة أخرى ، لذا عدت للمنزل مباشرة ، لكن كان الوقت لا يزال مبكرا فقررت التجول قليلا في المدينة القديمة..و هي مكان مليء بالآثار و المناظر الجميلة، لم تكن بعيدة كثيرا على أي حال ، لذا لا ضرر في الذهاب..
و بينما كنت أتجول مستمتعة بالمناظر الأثرية و الجو الخريفي البديع ، لمحت فجأة شيء جميلا يلمع ، جذبني فذهبت لالتقاطه ، و ما ان لمسته حتى سرت في كامل جسمي قشعريرة خفيفة ، لقد كان الجسم عبارة عن قلادة ، جميلة جدا، لا أستطيع وصف جمالها حتى ، كأنها بلورة صغيرة مملوءة بالسحر ، ألوانها خرافية ! لا أدري من يقدر على اضاعة تحفة كهذه، لم أستطع مقاومتها لذا حملتها واضعة إياها في جيبي ، فأنا أشعر و بطريقة ما أنها تنتمي الي..
لاحظت أن الوقت بدأ يتأخر ، لذا قررت العودة للمنزل ، فركبت دراجتي و انطلقت .
ما ان اقتربت منه ، حتى بدأت القلادة تطلق وهجا مشعا، ساحر الجمال ، تجدمت مكاني من الصدمة بينما أراقب تلك الألوان الزاهية تلمع ، و كلما اقتربت من المنزل كلما ازداد الوهج، و الأغرب من ذلك ، أن شيء ما كان يجذبني للذهاب الى القبو .
فبدأت بالسير نحوه كأنني منومة مغناطيسيا، حتى أني لم أشعر بأي خوف أو هلع عند دخوله ، و لا حتى انقباضة بسيطة في قلبي كالمعتاد كل شيء يحدث بسلاسة تامة .
بقيت على تلك الحال أتبع المجهول، و ضوء القلادة يتزايد باستمرار الى أن وصلت الى ركن من أركان القبو ، أشعر أن أحد ما يتحكم بجسدي ، حرفيا ، فها أنا الآن لدي رغبة ملحة في نزع خشبة معينة من الأرضية ، و كان ذلك ، لم يكن نزعها صعبا على كل حال ، نظرا لكونها مهترئة ، و بعد أن نزعتها وجدت شيئا غريبا آخر، الأشياء الغريبة أصبحت كثيرة حقا هته الأيام !
لقد كانت بنيته حجرية، لكنه بلون أزرق قاتم ، يشبه سماء الليل نوع ما، بحجم كف اليد أو أكبر بقليل ، و به عدد من التشققات، رغم أنها و بشكل غريب كانت تتوهج قليلا ! أنا لا أدري فعلا ، لكني أظن أن هذا الحجر هو جزء من واحد أكبر، فحوافه تتخذ أشكال معينة و ليست عشوائية ، ما الذي يفعله شيء كهذا في قبو منزلنا على أي حال، مكانه من المفترض أن يكون المتحف ، سأضيفه هو و القلادة الى قائمة الأشياء الغريبة التي أنا بصدد جمعها، أو بالأحرى، الأشياء الغريبة التي تستمر بالظهور أمامي .
حملت الحجر و خرجت من القبو ، أتسائل فعلا لما لم يصبني ضيق التنفس المعهود، هل اختفت الفوبيا أم ماذا ؟ وضعت الأشياء في غرفتي الى جانب الصندوق و الكتاب ، أشعر أنه و بشكل ما ، لهته الأشياء علاقة مع بعضها البعض، لكني مهما فكرت ، فشلت في تحديدها ، هل حقا للأمر علاقة بالسحر و الخرافات و ما الى ذلك ؟
كان جزء صغير مني ، صغير جدا ، يطرح هذا السؤال باستمرار ، لكني أتجاهل دائما هذا الاحتمال،في النهاية ، صحيح أني أحب الماورائيات ، لكني أميل أكثر الى التصديق بالعلوم و الأشياء الملموسة .
كنت أفكر بينما أغير ملابسي لأخرى أدفئ، فقد بدأ الجو يشتد برودة ، و بعدها أخدت كتبي و أدواتي ثم شرعت أدرس ، مر الوقت و لم أشعر به حتى دق أحدهم باب غرفتي .
- آنا، كنت أظنك نائمة و لم أشئ ازعاجك ، لكن العشاء جاهز اذا كنت جائعة.
قالت سيندي بعدما سمحت لها بالدخول ، حسنا أنا فعلا جائعة، لقد أهملت الأكل تماما مؤخرا ، لذا أجبتها قائلة :
-لا ، لقد كنت أدرس فقط ، و نعم أنا حقا جائعة ، اذهبي و سألحق بك بعد قليل .
أومئت بخفة ثم ذهبت ، و كذلك فعلت أنا ، أظن أني نلت كفايتي من الدراسة ليوم واحد .
وصلتني رائحة اللازانيا الشهية على بعد أمتار، سيندي حقا طباخة ماهرة ، على عكسي تماما ، لا أجيد الا صنع ساندويتشات .
جلست على الكرسي و قد لاحظت غياب سام عن الطاولة ، ذلك الأحمق هل مازال يظن اني سألعنه، سأخبره بالحقيقة لاحقا، لقد استمتعت حقا باغاضته ، لكني لم أمنع نفسي من السؤال عنه ، فقلت :
-أين سام بالمناسبة ؟
-لا أعلم ، ربما عند أحد أصدقائه ، أو في موعد .
اوه ، هذا يعني أنه ليس في المنزل حتى ، ظننته مازال خائفا .
أومئت بفهم ثم تسائلت مجددا ، ربما لأني أكره الجو الهادئ بيني و سيندي ، أو لأن المطبخ يجعلني أفكر بأشياء تزعجني :
- بالمناسبة ، ما أخبار جاك ؟
جاك هو حبيبها و صديقها المقرب من أيام الثانوية ، و هما يحبان بعضهما لدرجة كبيرة حقا ، طالت مدة صمتها فرفعت رأسي تجاهها ، لأجد ابتسامة عاشقة كبيرة تشكلت على محياها ، تأملتها للحظات أفكر في كيف أنها حقا نقيضتي من جوانب عديدة ، من ناحية الشكل مثلا ، رغم كونها جميلة جدا ، أو العلاقات الاجتماعية ، فهي نموذج للفتاة الرائعة "خارج المنزل" طبعا، سواء في الثانوية أو الجامعة ، بطيبة أخلاقها، أو مشاكساتها اللطيفة كما يقولون ، بعيدا عن مقالبها المجنونة في المنزل ، جميع من في الجامعة يريد مصادقتها أو التقرب منها ، نحن كالماء و النار .
-أوه ، انه بخير ، مازال على عهده ، رومانسي جدا ! هل تعلمين أنه ذات مرة ...
ندمت على سؤالي ، ستبدأ الآن بذكر حكاياتها الغبية الرومانسية مع جاك و مفاجآته ، و سأضطر لسماعها كلها و الا ستنقلب علي !
لكن و بعد بضعة دقائق ، وصلني صوت سام المبتهج قائلا !
-مرحبا يا أجمل و أرق و أفضل أختين في العالم !
و لأول مرة في حياتي أسعد بهذا الشكل لرؤية هذا الأحمق ، و أيضا ما بال كل هذه السعادة ! لم يبدو بهذا الشكل منذ آخر مرة حصل فيها على الاصدار الجديد من لعبة الفيديو المفضلة له ، فأجبته قائلة :
- الرحمة لقد أنقذتني ! ثم لماذا أنت سعيد بهذا الشكل المخيف ؟
جلس على الكرسي قبل أن يضع صحنا كبيرا من اللازانيا ، ثم قال بفم مليء :
-ماذا ! أنت هي المخيفة و ليست سعادتي ، السبب هو أن جيسي أجمل و ألطف فتاة قابلتها في حياتي وافقت أن تخرج معي في موعد ، و قالت أنني أروق لها !
عقدت حاجبي على السبب السخيف ، لكن هذا لم يمنعني من الشعور بالفرح لسعادته ، فهذا كل ما أريد ، لكني لم أظهر ذلك طبعا ، فقلت بنبرة باردة مصطنعة بعد أن تنهدت :
-أنتما حقا ابتلاء .
تدخلت سيندي هذه المرة بينما قامت لغسل الصحون ، قائلة بنبرة حالمة ضامة يديها الى قلبها و تحدق في السقف كالبلهاء :
-معه حق أن يكون سعيدا هكذا ، فالحب شيء جميل و مميز ، يجعل صاحبه يشعر أنه يحلق في سابع سماء ..
لم أستطع كبح نفسي الشريرة بينما قلت قبل أن أصعد الى غرفتي :
-و ينزله الى سابع أرض أيضا ، تصبحان على خير.
دخلت غرفتي و ارتميت على السرير مباشرة ، قبل أن أغلق عيني و أسافر لمكان أفضل من الواقع ، عالم الأحلام.
شلال ينحدر بسلاسة من منحدر عملاق مغطى بالأشجار و الزهور الملونة ، يصب في بحيرة ، أقل ما يقال عنها ، خلابة ، بكل تفاصيلها ، و غابة تحيط بكل هذا الجمال ، لا تستطيع تقييم كبرها حتى !
أين أنا ؟ هل مت ؟ هل هته هي الجنة ؟ كانت هذه الأسئلة تدور في عقلي ، و ما لبثت أن سمعت خرخشة قادمة من ورائي ، فالتفت لا اراديا لأرى من القادم، و قد كان ذلك الشخص من أحلامي ، أنا أحلم اذا ، من المؤسف أن هذا المكان الساحر غير موجود على أرض الواقع .
لكن الإحساس كأنه حقيقة و ليس مجرد حلم ، و كذلك التفاصيل ، كالعادة لم أستطع رؤية وجهه، أو حتى جسده، فعباءته البيضاء المطرزة بخيوط سوداء و ذهبية، كانت تغطيه من رأسه لأخمص قدميه ، حائلة بيني و بين اكتشاف هويته .
أشار لي بأن أتبعه و فعلت ذلك دون تردد ، هذا حلم، و في النهاية سأستيقظ بلا شك .
مشينا مدة لم تكن بكبيرة ، و لم ينبس ببنت شفة الى الآن ، أنا حقا لدي فضول عملاق لأرى شكله ، أو حتى سماع صوته فقط .
وصلنا لكوخ منتصف الغابة، لا أزال أستطيع الشعور بالعشب الندي يدغدغ قدمي ، شعور رائع !
توقف لبرهة ثم همس بشيء ما لم أستطع سماعه، و رحل مباشرة ! حاولت أن أحفظ شكل و تفاصيل الكوخ، لا أدري حتى لماذا لكني شعرت أنني سأحتاجه لاحقا ، و سرعان ما شعرت بنفسي أسحب، كأنني أسافر عبر الزمن أو شيء كهذا ،ثم إستيقظت.
لقد كان هذا أغرب و أكثر حلم واقعي مررت به في حياتي ، خاصة طريقة استيقاظي ! لكن لما و اللعنة القلادة تتوهج ! أشعر أن الكثير من الأشياء التي لن تتروقني ، في طريقها لافساد حياتي.
________________
• الصورة فوق هي شكل القلادة 💛
أتمنى أن يكون هذا البارت قد نال اعجابكم 💙
Bạn đang đọc truyện trên: Truyen247.Pro