• chapter 3 •
~ كل من في الغرفة لاحظ وقوع الكأس..
لكن لم يلحظ أحد رجفة يدي..~
_______________________
مذكرات الينور غراي
تبا لحظي العثر، كل هذه الغرابة و الغموض بسبب مذكرات ، لكن لا ضرر في القاء نظرة، ففي النهاية لا أملك شيء أقوم به الآن و أشعر بالملل ، كما أنه من الغريب أيضا أن يكتب شخص ما مذكراته في مكان كهذا ، و أمر اللغة أيضا يجعل مخي يحترق من التفكير ، ركزت مع الكتاب و شرعت في القراءة ، لم تكن الصفحات تحوي كتابة كثيرة ، بل مجرد فقرات صغيرة متفرقة .
∆∆∆
أنا الينور غراي ، في العشرين من العمر ، قبل أن أدخل الدوامة التي أنا بها الآن .
لم أتخيل يوما أن أعيش هته الأحداث ، التي كرهتها بشدة ، و شعرت برغبة عارمة في كتابة ما حدث لي منذ وصولي الى هذا المكان ، فالكتب و الأقلام هي رفيقي الوحيد هنا .
أنا لا أدري حتى كيف وصلت الى هنا ، فكل ما أتذكره سقوطي من مكان عالي و يدان قويتان أمسكتا بي ، كأنني ولدت في تلك اللحظة، و لا ذكرى لي من قبل ، عدى اسمي و لقبي فقد نسيت كل شيء عن حياتي سابقا .
منذ اللحظة الأولى التي وطئت قدمي فيها هته الأرض و أنا أسمع أصوات غريبة ، كرياح تهمس في أذني ، و الأغرب أني لم أقابل ولا بشرا كأنها مهجورة ، رغم أن شكلها لا يوحي بذلك أبدا ، على العكس ، الطبيعة هنا خلابة ، و المنازل و القصور جميلة جدا، أنا حقا لا أعلم السر وراءها ، و قد أثارت فضولي نوعا ما ..
كل شيء هنا طرازه غريب جدا ، تقريبا كطراز اليونان في الأفلام القديمة ، لكن جميل رغم ذلك ، لا أشعر بالوقت يمضي ، الشمس لا تتحرك ، دائما مكانها في منتصف السماء ، و لا يوجد ليل ، بل فقط نهار ، لذلك فقدت الاحساس بالوقت ، لم أعد أعرف كم أمضيت هنا ..
أحيانا تجول في بالي تلك الذكرى عندما تم امساكي من قبل تلك اليدين ، لا أدري من صاحبها، لكني أود لقاءه بشكل ما ، فقد كان قربه مطمئنا .
أنا حقا أريد أن أعلم ما الذي يحدث، لقد أصبحت على الحافة، كل شيء مجهول هنا و هذا يقودني الى الجنون ، أريد على الأقل طرف خيط يقودني الى الحقيقة ، ما سبب وجودي هنا ، و لماذا !
يبدو أن القدر استجاب لأمنياتي أخيرا ، فعندما استيقظت ، وجدت ظرفا يحمل على الأغلب رسالة ، و كان موضوعا على الطاولة بجانب سريري ، على الأرجح أن أحد ما زارني في نومي الليلة الماضية ، الفكرة فقط جعلتني أقشعر، ماذا لو قتلني و أنا نائمة أو اغتصبني ، حسنا، يبدو أني سأصاب بالأرق أيضا، هذا ما ينقصني ، فعلى الأقل كان النوم ينسيني قليلا من همومي، دفعت أفكاري و فتحت الرسالة بتصرف من فضولي الذي ما زال يدفعني الى الحافة و شرعت أقرأها .
∆∆∆
نظرت الى الساعة و كانت تقارب منتصف الليل، لقد إستغرقت في القراءة و لم أنتبه للوقت، الأرجح أن أنام الآن فلدي مدرسة صباحا، لكن للأمانة، تبدو هذه المذكرات شيقة قليلا، لقد إشتعلت فضولا لأعلم ما هي مدينة الملائكة، و أين تقع ، و من الينور غراي، لماذا فقدت ذاكرتها ، و أيضا من أنقذها!
شعرت بالجوع ، لكنني كنت أكسل من أن اذهب للمطبخ ، لذا رميت نفسي على السرير و استغرقت في نوم عميق ، و قد حلمت حلما غريبا حقا هته المرة .
كنت في مكان أشبه باللامكان ، لا يوجد شيء ، فقط سواد يحيط بي ، و في تلك الأثناء ، وصلني صوت شخص ما ، بل شخصان ، و قد بدا أنهما يتجادلان حول شيء ما ، و قد استطعت فهم جملتان فقط ، فقد قال أحدهما :
-ستنقذنا ، أنا أعلم ذلك ، أعلم أنها ليست كإلينور .
ليجيب الشخص الثاني بنبرة غاضبة :
-هي لن تفعل ، ستتخلى و تذهب في أول فرصة ، أنا متأكد ، كل البشر يشبهون الينور ، لا أعلم حتى لما يتم اختيارهم ، انهم لا يفيدون في شيء .
استيقظت بعدها مباشرة ، و قد كانت الساعة تشير الى الخامسة صباحا تقريبا ، كان حلما غريبا حقا ! لكن جذب انتباهي الاسم ، الينور، هل يقصدون صاحبة المذكرات ، لكن لما تم تشبيهي بها ، هل يعقل أني تأثرت لدرجة أني حلمت باسمها ، غير معقول ..
لم أستطع العودة للنوم ، لذا ارتديت ملابسي الرياضية ثم نزلت للمطبخ أسكت جوعي ، و بعدها خرجت الى الجري الذي امتنعت عنه لفترة، لقد اشتقت حقا لهذا الشعور، الحرية و التحرر من أغلال الحياة التي تقيد الروح ، لم أنسى زيارة البحيرة الصغيرة المميزة ثم عدت للمنزل ، و بعد أن قرعت جرس الباب فتح سام، ما إن رآني حتى هرع الى غرفته و أقفل الباب بقوة ، استغربت تصرفه في البداية ، لكن سرعان ما لاحت في بالي ذكرى أمس، ضحكة بخفة و قد كانت سيندي تناظرني من بعيد ، و ما لبثت أن تسائلت رافعة حاجبها ، إشارة الى أنه لا مكان للكذب :
-أناستازيا، أخبريني الآن و حالا، لما ذلك الأحمق مرتعب من البارحة بعد أن زار غرفتك ؟
لم أجد مانعا باخبارها ، لذا بدأت قائلة بينما أستقر على الكرسي لتناول الافطار :
حسنا لقد بدأ الأمر عندما ..
و رويت لها ما حدث مع بعض التعديلات ، امتنعت عن ذكر أمر المذكرات و كوني استطعت فهم اللغة ، آخر ما أريده الآن أن تظن أختي أنني جننت، أخبرتها فقط أن الكتاب باللغة الاغريقية، و قد استعرته من أجل بحث لمادة التاريخ ..
ما ان أتممت حديثي حتى انفجرت ضاحكة بقوة هي الأخرى ، فواحد من أكثر الأشياء التي تحبها سيندي في هذه الحياة ، هو ازعاج سام و القيام بالمقالب عليه ، فطالما تبادلت هي و سام المقالب ، لدرجة أنه ذات مرة احرق أخي الغبي المطبخ بسبب مقلب سخيف ..
- يا الاهي ! أنت رائعة !
قالتها بتقطع و هي تمسح الدموع الناتجة عن نوبة الضحك خاصتها ، ثم أضافت :
-كنت أعلم أنك أنت الوحيدة التي ستطيحين بذلك الغبي أنا أهنئك .
- أعلم أعلم، لا داعي لمدحي كثيرا ، لولاي لما استطعتما العيش، يجب عليكما شكر الله ليل نهار على النعمة التي هي أنا .
قلت بغرور مصطنع و أنا أنفض الغبار الوهمي عن كتفاي بينما دحرجت سيندي عيناها بملل ، ثم أضافت:
-أتعلمين ماذا ، أنا أسحب كلامي أنت حقا حمقاء !
لقد اشتقت حقا للمناوشات التافهة معهما بعيدا عن كل تلك شيء آخر يشغل عقلي .
استحممت بسرعة و غيرت ملابسي الى سروال أسود ممزق قليلا ، و قميص أبيض واسع ، وضعت الكتاب في حقيبة ظهري لأكمل قراءته في الثانوية ، أظن أن لدي العديد من أوقات الفراغ اليوم .
بعد أن وصلت و ركنت دراجتي ، لاحظت أنهم بصدد تزيين المدرسة ، بزينة من المفترض أن تكون مرعبة ، لكن شخصيا أجدها مضحكة، أقصد من الأحمق الذي سيرتعب من هيكل عضمي يرتدي تنورة، أو عناكب مبتسمة !
أظنها زينة الهالوين ، فهو على الأبواب، تذكرت هالوين العام الماضي حين طلبوا مني الدخول الى منزل مهجور، اختبارا لشجاعتي على حد قولهم، لكني رفضت، لم أخبرهم طبعا أني أعاني فوبيا من الظلام و الأماكن المغلقة، ذلك سيكون سخيفا، من المجنون الذي يخبر أحدا لا يطيقه نقطة ضعفه .
في الواقع ، لا أحبذ تسميتها نقطة ضعف، فأنا أحاول بكل جهدي أن أواجه مخاوفي، حتى أني ذات مرة طلبت من سام أن يحبسني في صندوق لأرى كم يمكنني التحمل، و قد رأيت أن قدرة تحملي قد تحسنت قليلا عن المرة التي قبلها ، اذا كان هناك شيء تعلمته من ليندة و عملت به طوال حياتي ، هو أن لا أتجاهل مخاوفي ، بل أواجهها بكل قوتي ، صحيح أني قد أنهار مرة ، مرتان ، عشر مرات، لكني في الأخير، سأرى نتيجة ترضيني ، مهما طال الوقت.
درست حصتين ، لم يتحدث معي دانيال خلالهما أبدا ، لا أعلم لما بدأ شعور صغير بتأنيب الضمير يتسلل الى داخلي ، ليس كأني بلا مشاعر أو شيء كهذا ، لكنه هو المخطئ ، و من تدخل فيما لا يعنيه، سمع ما لا يرضيه، إضافة الى أنه بدا غير مهتم بما قلت المرة السابقة ، لذا ،لست أنا من يجب أن تشعر بتأنيب الضمير .
دقت الساعة معلنة نهاية الحصة الثالثة ، لدي وقت فراغ الآن..حملت أشيائي و ذهبت الى مكاني السري الثاني ، يقع خلف الثانوية، من يراه يظن أنه مجرد تكتل من الأغصان و أوراق الأشجار ، لكن في الحقيقة هو أشبه بمغارة صغيرة، الضوء النابع من التشققات التي بين الأوراق يضيئها و يزيدها جمالا، لقد اشتقت حقا لهذا المكان اللطيف، لم أزره من مدة طويلة، أخرجت الكتاب و اتخذت الأرض مجلسا ثم تابعت أين توقفت آخر مرة .
∆∆∆
كانت الرسالة كالتالي :
" الى الفارسة المختارة الثامنة ، نعلم أنك أتيتي لكنك تجهلين مكانك ، لم يكن فقدانك لذاكرتك واردا من قبل ، لذا اضطررنا لكتابة هذه الرسالة حتى نحيطك علما بمكانك ، و بالواجب العظيم الذي أنت بصدد تأديته ..
مدينة الملائكة هي الواجهة ، الواجهة لعالم غير عالمك البشري الصغير ، و لكي أكون أدق، هي الفاصل بين المنطق و الخيال، بين الحقائق و الخرافات على حد قولكم ، الفاصل بين عالمنا و عالمكم، عالم قد لا يتقبله عقلك الذي لا يتخطى حدود المنطق التافه، كل من قبلك من فرسان و محاربين أشداء فشلوا في تأدية واجبتهم ، لا نعلم لما تم اختيار بشرية للقيام بهذه المهمة الصعبة ، لكننا نثق باختيار آلهتنا رغم كل شيء .
أنت يا أيتها الفارسة بصدد تحرير عالمنا من أيدي الظالمين، تحريرنا من الحكم التعسفي ، و استرجاع حقوقنا التي تسلب منا يوما بعد يوم ، مهمتك هي القضاء على نورثن ، ملك هذا العالم الحروب و النزاعات بين الكائنات الأسطورية باتت شبه دائمةبسبب الفتنة التي ينشرها و حاشيته ، كما أن العديد من الملوك يفكرون بالانظمام اليه ، كونه الجانب الأقوى .
لقد مضى تقريبا ثلاثة قرون منذ آخر فارس، الذي كان مستذئبا ، لكن و كما أخبرتك سابقا، هو فشل قبل أن يبدأ حتى ، فسحرة نورثن الأقوياء ، عرفوا من هو الفارس الجديد ، و قضوا عليه دون أن يدري .
لهذا نحن و رغم كل شيء، رغم كونك بشرية ، رغم أن عالمك منفصل تماما عن خاصتنا ، الا أننا نناجدك لتخرجينا من هذا الدمار ، فنهايتنا قد اقتربت .
و أخيرا، يجب أن تجمعي أكبر عدد من المعلومات، ستساعدك في شق طريقك ، نحن ننتظرك .
و تذكري ، الحقيقة دائما أمامك ، فقط أحسني الابصار و ستجدينها "
عقلي الآن بعد أن قرأت هذه الرسالة الغريبة ، على وشك الانفجار ، أنا لا أدري أي لعنة رمتني هنا ، أو كيف أصبحت فارسة و كل هذه الخزعبلات المكتوبة هنا .. كل ما أريد هو العودة الى حيث أنتمي.
∆∆∆
و بينما كنت منغمسة في القراءة ، سمعت خرخشة قادمة من الخارج ، لذا أغلقت الكتاب قبل أن أخرج من ذلك المكان ، ليقابلني دانيال ، لا أنكر اني تفاجئت برؤيته ، أظنه كذلك هو أيضا نظرا لتعابير وجهه ، حملق بي لثواني و سرعان مانتقلت عيناه لتستقر على الكتاب بحضني ، لكني أبدا لم أتوقع ردة فعله اللتي أبداها أنذاك .
_______________
• الصور فوق تقريبا كيف تبدو مدينة الملائكة..
💜💜💜
Bạn đang đọc truyện trên: Truyen247.Pro