• chapter 24 •
" أغلق النافذة التي تؤذيك ، مهما كان المنظر جميلا "
______________________
" إن الأعمدة التي أمامك هي في الواقع أجزاء من أبعاد مختلفة ، وضعها على الشكل المناسب يخلق فجوة في الزمكان ، هذه الفجوة هي بوابة مدينة الملائكة "
واصلت آنا قراءة الرسالة بتركيز تام وسط السكون المحيط بها .
" يجب عليك وضع الأعمدة في شكل مثلث ، تقفين أنت عند أحد رؤوسه "
أضافت ، قبل أن تشير برأسها الى آليا ، و التي قامت بحركة من يدها بترتيب الأعمدة وفق الشكل المطلوب ، ثم وقفت في المكان الذي طلب منها في الرسالة .
" اقلبي الورقة و قومي بتلاوة التعويذة ، احرصي على نطقها بشكل صحيح "
لم تتردد آنا في فعلها و أخذت تقرأ التعويذة ببطئ ، بدأت تسرع شيئا فشيئا تزامنا مع ارتفاع صوتها ، حتى أصبح صداه يسمع على بعد مسافات.
لم تطل مدة انتظارهم ، حتى بدأت نباتات كثيرة تخرج من الأرض القاحلة ، متسلقة الأعمدة ، ثم ربطت بينهم لتشكل ما يشبه هرما نباتيا غريب الشكل ، لكن منظم بنفس الوقت ، أنذاك انطلق الجميع لتفحصه ، لكن لم يستطع أحد لمسه بسبب القوة الغريبة ، و الصاعقة المنبعثة من النباتات ، و التي أخذت تزهر بجميع الألوان ، بعدما كانت مجرد نبات أخضر متسلق .
- رفاق ، أنظروا هنا !
هتفت روز قائلة ، ليلتف الجميع حولها محاولين تبين ما تشير إليه ، و قد كانت فجوة دائرية الشكل ، مطابقة تماما لحجر البوابة ، لم تكن آنا بحاجة لاكمال قراءة الرسالة ، لأن الأمور باتت واضحة الآن .
- دانيال سلمني الحجر و الكرة الغريبة التي في الصندوق .
صرحت قائلة ، لينفذ دانيال دون نقاش ، وضعت أولا الحجر في مكانه ، و كما توقعت تماما ، الفجوة داخله مطابقة تماما للكرة من الصندوق ، فلم يكن لها الا أن وضعتها هي الأخرى في مكانها المفروض .
- أظن أن هذا سيفي بالغرض..
أضافت قائلة ، ثم ابتعدت كما فعل الموجودون هناك عندما بدأ الحجر و الكرة يختفيان داخل الجدار الأخضر المزهر ، و بعدها ، توقف الزمن ! حرفيا..
أو على الأقل أصبح الوقت يمضي بسرعة شبه معدومة ، كل شيء حولها أصبح ساكنا ، عداها هي ، ابتلعت صدمتها بسرعة ثم تقدمت مرة أخرى نحو الهرم العملاق ، وضعت يدها ببطئ مكان الحجر سابقا ، ثم حدث شيء..شيء أشبه بانفجار ذكريات !
منذ اللحظة التي ولدت بها ، رأت صورة والديها يداعبانها ، أوقاتها السعيدة مع جميع أفراد عائلتها الكبيرة ، جاسمين ، و كم كانت تشبه جوانا..
حتى اللحظة التي حدث فيها الهجوم المشؤوم ، ذهاب والدها..لقائها مع ليندة لأول مرة ، بداية حياتها الجديدة مع سام و سيندي...
الى غاية اللحظة التي اكتشفت بها كل شيء حول ماضيها .
دمعة وحيدة سقطت ، قبل أن تسقط هي كذلك على الرمل الناعم ، ثم عاد الزمن يسير مرة أخرى..
- آنا ! آناستازيا ! أنت بخير ؟
أصوات قلقة لعدة أشخاص وصلت مسامع أذنيها ، لم تستطع سماعهم بوضوح بسبب طنين شديد في رأسها .
- ماذا..ماذا حدث ؟
تسائلت بتشتت ، بينما ساعدتها آليا على الوقوف و استعادة توازنها .
- لقد فُتِحَت فجوة زمنية ،لا أملك تفسيرا لهذا لكن..
توقفت آليا عن الحديث بعدما رأت البوابة ، و أخيرا ، تُفْتَح !
بدأت الحشائش تبتعد شيئا فشيئا عن المنتصف مشكلة بوابة عجزت الألسنة عن وصفها..
كانت مستديرة الشكل وهاجة ، ذات ألوان زاهية متداخلة ، يحيطها ضباب أبيض كثيف ، لقد كانت جميلة لدرجة خاطفة للأنفس ، كأنها..بوابة للجنة .
- هذا..ساحر !
أعربت روز عن دهشتها بما رأت بينما أومئت آنا التي اخذت تقترب ببطئ شديد ناحيتها ، غير مصدقة لواقع أنها ، و أخيرا تقف أمام ما كان لها في يوم من الأيام ، حلم بعيد المنال .
- مدينة أنقياء القلوب ، لا يدخلها من يحمل ذرة شر في قلبه..
صوت مألوف صدح داخل رأسها ، و قد كانت ذئبتها فلوغا هي المتحدثة .
- أين كنتي ؟
تسائلت آنا بسبب غيبتها مؤخرا .
- لقد أثرت علي الفجوة الزمنية لا أعلم لماذا ، المهم ، هل أنت متأكدة من جلبهم معك ؟ مدينة الملائكة مكان مقدس !
قوتها عظيمة و قد لا يتحملونها .
اردفت فلوغا بشيء من القلق ، استادرت آنا ناحيتهم ، كريس ، آليا ، دانيال ، جوردن و روز يستطيعون الانتقال دون مشكلة ، لكنها قد تحتاج مساعدتهم ، فهي على وشك دخول مكان تعرف عليه القليل جدا لأن الينور لم تذكر تفاصيل كثيرة في مذكراتها .
- اذا ، هل سندخل ؟
تسائل جوردن بتردد .
- حسنا ، عدا جوانا و آنا ، كلنا نستطيع الانتقال بشكل عادي .
أجاب كريس ، ثم أضافت آليا بعد دقائق من التفكير .
- لن يكون من الصائب ذهابنا كلنا ، نحن لسنا متأكدين اذا كنا نستطيع الانتقال من مدينة الملائكة الى عالمنا ، و أيضا قد تحتاج آناستازيا دعما هناك ، لذا أرجح أن ننقسم .
- وجهة نظر صائبة ، قد يحتاجنا عالمنا أيضا في هته الأثناء ، سأذهب أنا معها .
قالت روز موافقة آليا رأيها .
- سأرافقكم أنا أيضا .
أضاف جوردن ، سرعان ما لاحظوا أن البوابة بدأت بالانغلاق شيئا فشيئا .
- رفاق يجب أن نسرع ! سأذهب أنا ، روز ، جوردن و جوانا أما كريس ، دانيال و آليا من الأفضل أن تبقوا هنا في حالة حدوث شيء في عالمكم .
هتفت آنا بسبب الزوبعة الرملية التي بدأت بالتشكل حاجبة ضوء الشمس عنهم .
- حسنا ! نراك هناك !
أجاب دانيال بالمقابل ، بدأوا بالتقدم نحو البوابة ، عبر كل من روز و جوردن بسلام ، لكن ما ان حاولت جوانا العبور ، حتى دُفِعَت بشدة و قوة جعلتها تطير مسافات للخلف .
- اذهبي آنا ! اذهبي و انتقمي لنا ! اذهبي لنستطيع انقاذ الجميع ..
اختفى صوت صراخها تزامنا مع عبور آنا البوابة التي كانت على وشك الانغلاق ، كما اختفت جميع الأصوات ..
أخيرا..
- مدينة الملائكة..
همست غير مصدقة اذا كان المكان الذي هي به الآن حقيقة أو خيال من شدة جماله .
لقد قَصَّرَت الينور في وصفه حقا ، هذا المكان جنة ، حرفيا ، لكن الصمت الغريب كان جاذبا للانتباه حقا .
انتبهت الى كون روز و جوردن ليسا هنا ، فأخذت تلتفت يمينا و يسارا لعلها تلمح أحدهما .
- أين يمكن أن يكونا قد ذهبا في رأيك فلوغا ؟
تسائلت بحيرة ، فقد عبرا قبلها مباشرة لا يعقل أن يكونا ابتعدا كثير..
- لا أستطيع جزم مكانهما ،حقا
قالت فلوغا بينما أخذت تتأمل من جديد كل ما حولها ، تقف على تلة عالية نسبيا بينما تحيط بها المباني و القصور ذات الطراز اليواناني من كل جانب ، الأبيض لون طغى على المكان ، هو و الأزرق بمختلف درجاته ، مياه عذبة تتدفق من عدة نافورات توضعت منتصف الساحة الكبيرة ، التي تقع مباشرة أمام أحد أضخم القصور التي رأتها في حياتها..
- حسنا اذا ، ما التالي ؟
تسائلت فلوغا بحيرة و قد أثار المكان بها عاطفة مستحبة جميلة ، لتجيب آنا بينما أخذت تنزل التلة الصغيرة بحذر ، متوجهة ناحية القصر الكبير الذي جذبها .
- يجب علينا أن نجد روز و جوردن أولا ، ثم نبحث عن البوابة التالية ، لقد ذكرت الينور في مذكراتها أمر مكتبة عثرت بها على العديد من الأجوبة ، و منهم البوابة لعالم الخيال .
- آنا ، هذا المكان آمن ، غريزتي مطمئنة تجاهه ، من الأفضل لك التدرب على استعمال قوتك هنا ، فالقادم لن يكون بسهولة ما مضى .
أردفت فلوغا بعد دقائق صمت كانت آنا قد شارفت فيها على الوصول الى القصر الكبير الذي ابتغت دخوله .
- بالطبع ، لقد راودتني نفس الفكرة ، اذا لم أتقن استخدامها الآن ، سأواجه مصاعب كثيرة جدا .
- لا تنسي أن الكتب ستكون رفيقك الوحيد هته الأيام اذا لم نجد روز و جوردن .
أضافت ذئبتها لتومئ آنا تزامنا مع وقوفها أمام البوابة العملاقة بيضاء اللون ، و التي فتحت ما ان وقفت آنا أمامها .
ولجت مستكشفة المكان ، متمتعة بعبير أزهار النرجس ، و الورود البيضاء التي زرعت بكثرة في الحديقة تحديدا ، على يمينها ، اصطفت أشجار مثمرة غريبة الشكل ، جمعت جميع ألوان قوس المطر ، فزادت المكان جمالا ، لكن الأغرب ، أن الثمار كانت تطفو بالقرب من الأغصان و كأن هناك خيط مخفي يربطهم .
أزالت عينيها بصعوبة عن الأشجار الساحرة ، بعدما وصلها صوت خرير مياه خافت ، اقترب من المصدر و قد كان جدولا صغيرا يمر بمنتصف الحديقة ، ألقت نظرة فقابلها انعكاسها المرهق على المياه اللازوردية ، فتنهدت بخفة و هي ترى كيف فقدت عيناها شبيهتا الشمس في لونهما ، بريقهما المعتاد ..
لم تمنع نفسها من روي الضمئ الذي أصابها ، و قد فوجئت حقا من طعم الماء و كذا جرعة السعادة التي أصابتها أنذاك ، فأردفت بتعجب :
- واو ، هناك شيء مميز في هته المياه ، يجعلني سعيدة !
- أظن أن السبب يكمن في مصدره ، هيا لنتفقد ، قد يكون سما أو شيء من هذا القبيل .
أجابت فلوغا في شيء من الشك .
أخذت آنا تتبع مسرى الجدول الى أن وصلت الى منبعه ، و قد كان عبارة عن تمثال منحوت بإتقان، متوسط الحجم ، لامراة تجلت الحكمة على تقاسيم وجهها ، بينما كانت بصدد العزف على الكمان ، و أسفل التمثال مباشرة وُجِدَت زهور بنفسجية ، ذات شكل غريب أشبه بالقلب ، و قد كانت تطلق عطرا نفاذا أصابها بنفس السعادة التي خالجتها أثناء شربها من ماء الجدول .
استمرت آنا في الاقتراب من الزهور اللطيفة شيئا فشيئا ، و قد بدأ الخدر يمشي في أطرافها ، لكنها أصبحت تقريبا مغيبة عن الواقع ، و كذا فلوغا التي لم تستطع مقاومة ذلك الشعور الجميل .
- آنا !!
صوت روز الهلع وصل مسامعها و أيقظها قليلا ، لتنتبه الآن فقط الى التحول الذي طرأ على الأزهار المميزة ، فقد كبرت و امتدت حتى غطت التمثال ، فأصبحت تقريبا ضعف طول آنا ، كما نمت لها أشواك سوداء حادة ، جدا..
رغم وعي آنا الداخلي ، الا أنها لم تستطع التوقف عن السير تجاه تلك الزهور القاتلة ، فما كان من جوردن الا أن يستل سيفه الحاد ، قاطعا اياها الى نصفين ، فاختفت بعد جزء من الثانية ، و عادت الى طبيعتها المسالمة ..
- لا أصدق أني كنت على وشك أن اقتل على يد..زهرة !!
أردفت آنا للمرة العاشرة بعد ابتعادهم عن التمثال ، بينما ذهب جوردن في جولة ليتفقد المكان حولهم .
- حسنا ، لم أتوقع أن تأتي الضربة من نبات ، يبدو أن غريزتي أخطئت هته المرة .
أجابت فلوغا في شيء من السخرية ، لترد آنا قائلة :
- في النهاية ، انها مدينة الملائكة ..
- إذا روز ، أين كنتم ؟ لم نقع بنفس المكان على الأرجح.
أضافت بعد دقيقة مخاطبة روز التي كانت مشغولة بتفحص سوارها الفضي .
- هاه ؟
تسائلت في حيرة ، لتعقد آنا حاجبيها بتعجب ، لم تعجبها حالة روز الهادئة هته ، انها جالبة للشك .
- لا عليك ، لكن ماذا يحدث معك ؟ من الأفضل أن تخبريني دون مراوغة .
أضافت بجدية ، فابتسمت روز بهدوء و شيء من الراحة ، قائلة :
- لا أعلم آنا..لا أعلم ، المكان هنا غريب يجعلني أتذكر مشاعر عفى عنها الزمن .. لكنها جميلة ، و ذكريات سيئة بنفس الوقت ، أشعر بتضارب أفكار عجيب لكن مسالم بنفس الوقت .
لم تستطع آنا تبين عما تتحدث عنه روز ، فأومأت بخفة و قبل أن تنبس ببنت شفة ، قاطع جوردن خلوتهم مهرولا ، قبل أن يقول :
- رفاق ، أظنكم ستودون رؤية هذا !
لم تضيع الفتاتان ثانية أخرى و أسرعتا بلحاقه ، حتى توقفا أمام أحد الحدائق الكثيرة هناك ، و التي حملت تقريبا نفس نباتات القصر الكبير .
- اتبعوني لكن بحذر ، هناك نباتات أخرى لا نعرف عنها شيئا و قد تكون سامة هي الأخرى .
أضاف بعد عبورهم البوابة الحجرية الكبيرة .
- هاي ، جوردن ماذا تريد أن ترينا ؟
تسائلت روز هته المرة بعد أن أخذوا يتعمقون أكثر في تلك الحديقة الخلابة .
- يبدو عاديا ، لكن من شكله و الطاقة المنبعثة منه ، أرجح أنه مهم جدا .
أجابها بسرعة ، و في تلك الأثناء بدأت النباتات تقل حولهم الى أن أصبحت الأرض عشبا فقط ، و ظهر أخيرا ما جلبهم جوردن لرؤيته .
شيء يشبه عش العصافير لكنه أكبر بقليل ، ذو لون بنفسجي ، و فوقه تماما تربعت بيضة غريبة الشكل و اللون ، لوهلة ظن الجميع أن أحدا صبغها ، و قد كانت مخيفة نوعا ما ، حاولت آنا الاقتراب و لمسها لكن ما ان اقتربت قليلا ، حتى بدأت قلادة الروح - التي غادرتها الحياة لمدة ليست بقصيرة - تتوهج ، ثم تبعها صوت خفيف ، كان ذلك صوت تشقق البيضة العجيبة ، أخذوا يراقبون البيضة مستعدين لأي خطر قد يصدر منها ، ففي النهاية ، الحادثة الأخيرة علمتهم أن لا يثقوا في أي شيء ، و لو كان شجرة .
- غا..غو..غا..غو !
من البيضة المخيفة ، خرج ما فاق توقعاتهم هته المرة ، مخلوق صغير بحجم كف اليد تقريبا ، ذو لون أخضر عشبي و بقع صغيرة صفراء ، الشيء الجاذب فيه هو عيناه حيث أنهما كبيرتان جدا ، و بنفس درجة لون عينا آناستازيا .
- ما..ما هذا !
تسائلت محملقة فيه بدهشة ، بينما كان يحاول الخروج من بيضته الكبيرة نسبيا..
لم تمنع روز نفسها من مساعدته على الخروج و وضعه على العشب ، أين اختفى و بقيت فقط بقعه الصفراء هي ما تميزه بينما يحاول التحرك ، ناحية آنا ، ثم أخذ يحاول تسلق قدمها بيديه و قدميه الصغيرتين ، لكنه كان يفشل في كل مرة ، و يعيد المحاولة ، حتى وصل تقريبا الى ركبتها ، و قد كان على وشك السقوط لكنها أمسكت به في الحظة الأخيرة .
- لا أعلم تحديدا ، لكن من الواضح أنه يحبك !
أجاب جوردن محدقا في الكائن اللطيف بين يدي آنا.
- يا الاهي ! أريد أكله من شدة لطافته !
أضافت روز بعفوية ، لكن ما ان أنهت كلامها حتى أخذت نار ذات لون بنفسجي بالتشكل حوله ، مما دفع آنا لرميه بعيدا بسبب الحرارة الشديدة ، و يبدو من تعابير وجهه أن ردة فعلها لم تعجبه .
- واو ، يبدو أنه يفهم ما نقول أيضا !
أردف جوردن بتعجب .
- أنا حقا آسفة ! لم أكن أعني ما قلت حرفيا.
تقدمت روز منه في محاولة للاعتذار ، فظهر الرضا في عينيه أخيرا و انطفئت ناره التي أحرقت العشب حوله ، لكنه سرعان ما نمى و عاد لطبيعته .
- اذا ، أعلي الاعتذار أيضا أم ماذا ؟
تسائلت آنا هته المرة ، لينظر نحوها ببرود مومئا ، فابتسمت للطافته مردفة :
- حسنا حسنا سيدي ، آسفة لرميك هكذا .
ابتسم بعدها و اقترب من قدمها حاضنا اياها ، لقد كانت رؤية هذا الشيء اللطيف أجمل شيء حدث لها منذ أشهر تقريبا .
- آنا ، ان طاقته لا متناهية حقا ! أتستطيعين الشعور بها ؟
كانت المتحدثة هته المرة هي فلوغا ، نظرت آنا نحوه و قد كان بين يدي روز و جوردن يداعبه .
- أعلم ذلك ، أشعر كأننا متصلون روحيا أو شيء كهذا !
- إذا ، ماذا سنفعل بشأنه ؟
تسائل جوردن بحيرة ، فهم للآن لا يعلمون أي نوع هو ، فحتى في عالمهم المليئ بالغرائب لم يسبق له أن رأى مخلوقا كهذا .
- آنا ، أظن أنه تابع لك ، فالأشياء الغريبة تحدث عندما تقتربين أنت .
أجابت روز ، و قد وجدت آنا أن وجهة نظرها معقولة جدا .
- حسنا ، لا حل لدينا الا أخذه معنا .
أضافت آناستازيا ، فأصدر الصغير أصواتا تعبر عن فرحه ، قبل أن يطبع على خدها قبلة لطيفة ، لكنها لم تكن مجرد قبلة عادية ، فقد شعرت على اثرها بطاقة كبيرة داخلها بددت جميع التعب الذي شعرت به .
- يجب علينا تسميته أولا !
هتفت روز بحماس شديد ، ثم أخذت تطلق العديد من الأسماء العشوائية :
- كيكي ؟ لا هذا اسم فتاة ، أليكس ؟ لا هذا غير مناسب ، جوجو ؟ مبتذل جدا ، آخ ، لا أستطيع التفكير في اسم يناسب لطافته !
تذمرت ، بينما كان هو يراقبها ببرود ، ثم أغمض عينيه و هبت رياح خفيفة حملت معها بعض بتلات الورود ، التي شكلت على الأرض كتابة ما .
- تشيبي
- أوه ، اسمك تشيبي اذا ، جميل !
قالت روز بعد قراءتها الاسم .
- ما أنت بالضبط يا تشيبي ؟
تسائل جوردن هته المرة ، لكن لم يتلقى أي اجابة ، لأن تشيبي صعد فوق كتف آنا و نام ، دون أن يلقي بالا لأحد .
- أحب هذا الشيء !
صرحت آنا بابتسامة واسعة ، ثم التفتت عائدة للمكان الأول الذي ارادت دخوله منذ البداية ، القصر الكبير ذو الحديقة الواسعة .
.......
- واو ! لم أكن أتوقع أقل من هذا على كل حال .
أردفت روز بتفاجئ ما ان ولجوا ، و الذي كان باهرا بكل ما تحمله الكلمة من معنى ، الأثاث اللامع و الذي يبدو كأنه شخصا نضفه للتو ، الأرضيات و الجدران المزخرفة بمهارة ، و كالعادة ، الأبيض و الأزرق يطغيان على المكان ، لكن هته المرة شارك الذهبي في الديكور بشدة ، فلم يزده الا فخامة .
- أوافقك الرأي بشدة ! حتى القصر الامبراطوري في عالمنا ليس بهذا الجمال و الاتقان !
قال جوردن ، و قد جذبت جملته الأخيرة انتباه آنا لسبب ما ، فتسائلت قائلة :
- القصر الامبارطوري ؟
- نعم ، تعلمين أن هناك لكل نوع منا مملكته الخاصة ، و يعتبر القصر الامبراطوري ، أو القصر الأسود كما أصبح يسمى الآن ، بمثابة حلقة الوصل بين الممالك ، و حاكمه هو الملك الأكبر الذي لا يعصى له أمر ، و هو من يجلب السلام و يفك الصراعات بين الشعوب ، عكس ما يحدث الآن..
أجابها شارحا باختصار ، و أضاف جملته الأخيرة و قد تغيرت نبرة صوته لحزن شديد .
- حسنا اذا ، لنفترق هنا ، جوردن أنت ابحث عن مكتبة هذا القصر ، روزي تفقدي الجانب الأيمن ، و أنا و تشيبي سنتكفل بالباقي .
أومئوا و انطلق كل واحد لأداء مهمته ، ارتقت آنا رفقة تشيبي الذي استيقظ توه من النوم ، السلام الكبيرة ، و المفروشة ببساط قرمزي فاخر ، الى أن وصلت الى الطابق الأول ، قابلها الشباك الواسع ذو الستائر المسدولة و تذكرت الآن شيئا كانت قد غفلت عنه ، ذكرت الينور في مذكراتها أن الشمس لا تتحرك و لا تغيب ، اذا هذا يعني أن الوقت هنا غير موجود ، أو يعمل بطريقة مختلفة لا تستطيع استيعابها .
نفضت الأفكار عن رأسها ، و وجلت أول غرفة قابلتها ، كانت غرفة نوم عادية جميلة الشكل ليس بها شيء مميز ، فخرجت مغلقة الباب خلفها ، كما وجدته .
- فلوغا ، أين أنت ؟
تسائلت آنا ، هي لا تعلم حقا لما ذئبتها قليلة الكلام بهذا الشكل ، فمثلا من الوقت الذي قضته مع كريس ، فقد كان ذئبه يتحدث معه كثيرا ، و ذلك واضح من عيناه و تعابير وجهه .
- أنا هنا ، أظنني فقط..اعتدت على الوحدة قليلا ، أتصدقين ، أحيانا أنسى حتى أني أستطيع محادثتك كما أشاء !
أجابت الذئبة بصوت شبه حزين ، و قد شعرت آنا بالأسى عليها حقا..
قفز تشيبي من فوق كتفها و أخذ يركض في الرواق الواسع ذي الغرف الكثيرة ، فما كان منها الا أن تتبعه منادية اياه حتى لا يضيع .
- هاي الى أين أنت ذاهب !
هتفت قبل أن يقف أمام أحد الغرف ، كان بابها عاديا كالتي دخلتها قبلا ، لكن على ما يبدو كان تشيبي مصرا على الدخول اليها ، حملته و أعادته الى مكانه فوق كتفها ، ثم فتحت باب الغرفة ببطئ في حالة اذا كان بها شيء مشبوه ، لكن ما رأته ، جعلها تعجز عن النطق ، حرفيا هته المرة ، فخلف الباب مباشرة ، كان هناك عالم آخر ! و قد شعرت لوهلة أنها عادت بالزمن الى ما قبل البشرية .
حيوانات كانت قد انقرضت منذ عصور مضت ، كالدينصورات بأنواعها ، برك كبيرة من مادة سوداء خمنت أنها بترول أو شيء كهذا ، أشجار ضخمة لم تر مثيلا لها في حياتها ، و كذلك براكين ثائرة .
كانت قد انتهبت للتو أنها حابسة للأنفاسها ، و أطلقت زفيرا طويلا تلته ضحكة غير مصدقة .
حاولت عبور الباب لكن تشيبي منعها بعضة على رقبتها ، لم تكن تؤلم كثيرا لكنها كفيلة بأن تفهم أن فكرة عبورها الى الطرف الآخر ليست صائبة .
- لا أستطيع تفسير ما رأيته الآن !
قالت غير مصدقة بعد أن أغلقت الباب و واصلت رحلتها بين الغرف ، لكن قبل أن تفعل ، وصلها صدى صوت جوردن مناديا ، فما كان منها الى الذهاب اليه لعله وجد المكتبة التي تبحث عنها.
قابلتها روز في الطريق ، و قد كانت ملامح وجهها هي الأخرى تنم عن صدمة شديدة ، قررت آنا تأجيل سؤالها عما رأت ، بعد أن لمحت جوردن نازلا الدرج .
- اذا ، هل وجدت شيئا ؟
تسائلت روز .
- في الواقع نعم ، لكن لم أستطع الدخول للأسف ، فكرت أن آنا تستطيع ، لذا من الأفضل أن تأتي .
أجاب جوردن بحماس ، و ما ان أنهى كلامه حتى عاد و صعد الدرج مرة أخرى ، لتتبعه آنا و روز متشوقتين لرؤيتها ، و بعد فترة من صعود و نزول السلالم الكثيرة و الغريبة ، وصلوا أخيرا الى تلك البقعة الكبيرة التي غطاها الزجاج من كل جانب ، لذا فقد استطاعوا رؤية ذلك الكم الهائل من الكتب متفاوتة الأحجام و الأشكال ، و المنضمة كذلك .
- اليس هناك باب أو شيء كهذا ؟
تسائلت آنا ممررة يدها على الزجاج اللامع .
- لا أظن ذلك ، لقد حاولت الالتفاف حولها لكن لم أستطع ، كأن لا نهاية لهذا المكان .
قال جوردن ، زفرت بهدوء محاولة التفكير خارج الصندوق ، فمن الأفضل أن تتخلى عن التفكير المنطقي في هذا المكان .
- ما رأيك تشيبي ، هل تعرف طريقة تمكننا من الدخول ؟
وجهت السؤال هذه المرة الى رفيقها الصغير الذي كان الملل ظاهرا عليه .
و لكن يبدو من تعابير وجهه أنه لا يعلم هو الآخر ،
حاولت روز الدقدقة على الحائط الزجاجي ، لكن لم يحدث شيء ايضا .
- آنا ، لما لا تجربون المرور عبره فقط .
كان المتحدث هنا ، هي فلوغا ، و رغم غباء الفكرة الا أنا آناستازيا لم يكن منها الا أن قررت تطبيقها .
في البداية حاولت تخيل نفسها و هي تعبر الحائط بسلام ، ثم بدأت تقترب ببطء مغمضة عيناها ، و قد نجحت في العبور !
- هل..فعلتها !
تسائلت تحت أنظار روز و جوردن المندهشة ، لتجيبها فلوغا بسعادة :
- نعم ، على ما يبدو !
أشارت لروز و جوردن اللذان انقطع صوتهما عنها ، بفعل المثل للدخول ، في الواقع لم يستطيعا الولوج من المحاولة الأولى ، هما عانا من عدة ضربات على الرأس ، لكن في النهاية دخلا بسلاسة تامة ، كشبحان بلا جسد .
- رائع ! واو هذا المكان كبير جدا ! من أين سنبدأ ؟
أردفت روز ممررة بصرها بين أرفف المكتبة الكثيرة ، و لم يطل الصمت حتى جائها جواب أناستازيا بصوت ملؤه الحماس ، قائلة :
- من البداية ، بداية كل شيء..
_____________________________
مرحبا ! 😁
عدت بفصل جديد أخيرا ، أتمنى أن يكون عند حسن ظنكم ❤
أخيرا مدينة الملائكة 😍 في هذا المكان ستتوضح العديد من الأمور المبهمة 🤔
اذا ما رأيكم ؟ ما توقعاتكم ؟
و ماذا قصدت آنا ب " من البداية "
استمتعوا 💛
قد تكونون نسيتم كيف تبدو مدينة الملائكة تقريبا في خيالي ، لذا اليكم بعض الصور ...
Bạn đang đọc truyện trên: Truyen247.Pro