الفصل العاشر - الجولة الخامسة.
《سُمٌ لا مَرئي؟!》
•••
وسط شوشراتٍ مجهولةِ كأصحابها، فتحت فيكتوريا عينيها ذوات الجفون القرمزية أرهاقاً، وكل ما أدركته انظارها سقفٌ مُظلِم تُضيئُه ثغرة ومنظرٌ صغير سماوي اللون تَمثل بالسماء.
صُداعٌ غَلَّف رأسها عندما قَرَرت تدويره مُتفقِدة لما حولها، التقطت أذنيها تلك الهمسات، تعبث بجسدها.. لم تكُن تقوى على التركيز في محلامحهم أو حتى تفريق جفنيها.
شعرت بمن يحاول تعريتها مما يستر جزئها العلوي وجُل ما تمكنت منه هو إمساك ما وصلت له يدها ذات الجلد المليء بحروقٍ من الدرجة الأولى تورمت إثرها، كابتةً ألم حروقها التي استشعرتها كالوخزات تؤرق خافقها فور ما لامست ملمساً دبقا غلف تلك اليد التي تجاهلتها مُكملة هَتك حُرمةِ جسدها.
فيكتوريا وقتها استسلمت عندما بدأت تدرك ما كان سبباً بما هي فيه، تذكرت تلك الشفرات التي ما تزال تشعر بهزاتها تحفر دواخلها بِعُمق..
الهيئة الجلدية السوداء التي تموضعت أمامها مُطالبة إيقاف ما يخترق جسدها، تذكرت الهواء الساخن الذي هب نحوها محركاً إياها كورقة في خضم عاصفة، مثل عاصفةٍ ترابية كان خانقاً وكالمطرقة صوت الانفجار السالف ثقب طبلة أذنيها..
هي كعلبة معدنية فارغة ركلت كادت تَطيّر روحها!
"توقف".
بحلقٍ جاف ورأس ملأه الطنين تمتمت بعدما شدت على تلك اليد التي عَرّتها من قميصها وثوانٍ تلاها سائل حط على جلدها مُرسلاً وخزات ألم ولسعات أرهقت روحها قبل جسدها، هي تألمت لدرجة اللا شعور!!
"اهدئي فيكي، إنه فقط يقوم بمُداواتكِ".
تَخبطت فيكتوريا مُحاولةً التحرر من تلك القبضتين اللتين تثبتان يديها جانباً عندما اشتدت مقاومتها له، داميون ربتت على خصلاتها الذهبية التي بهت لونها إثر الغبار الذي حط فوقها.
داميون منذ وقتٍ ليس بطويل تحاول أن تفهم وتربط ما رأته من أمور مهولة دفعة واحِدة، خيانة وضُعف ومشاعرٍ مُخبئة كُشِفت جميعها في الآن ذاته!!
هل ربما تلك لعبة لجعلهم يدركون الشباك التي تتم حياكتها خلف ظهورهم؟! كيف يُمكن أن جميعهم مترابطون ببعضهم بتلك الرابطة اللامرئية ذات قوة وثبات الجبال؟!
لا يمكن لأن يكون هذا محض صدفة!
عنوةً فكرت بأن كل شيء شارف على الإنتهاء لكن ماذا الآن؟! هي وبسبب أنها وعت أولاً اكتشفت ما لم يرُق لها، لم يرقها لدرجة أنها تَمنت لو أنها لم تستيقظ من الأساس!!
حبال التخاذل والخيانة يقيدانها، ليس كما لو أن البقية أحرار!! لكن أن تعرف ما لم يجب عليك معرفته أو على الأقل ليس بوقته المناسب ليس بالأمر الجيد!
على الأقل ليس بوقتٍ لا يمكن أن تُطالب بمُبررات لتُقنع ذاتك بها مكذباً حدقتيك التي أبصرت ما لا يجب عليها إبصاره!!
أبصرت أُم المُحرمات والآثام الذين هم يواجهون نوبات غضبها على شَكل جولاتٍ تنتشلهم من بر الحياة تتابعاً!! تواجه روحاً أغرتهم وهي داخل سجنها.. خلف قُضبان الجحيم ليحرروها مع علمهم أن ثمن حريتهم قيود بِحلقات تقيد حلمهم وكيانهم جُله دون أطرافهم!!
"لقد استيقظ".
تمتمة أدركتها مسامع داميون الشاردة بينما تربت على رأس فيكتوريا التي استسلمت مُرتخية، خاضعةً لتربيتات داميون وسماع شهقاتها التي كانت اللحن الوحيد الذي يضفي تفاصيلاً لتلك الشوشرات المرعبة التي حاوطت فيكتوريا ضعيفة السمع، بينما دموعها غسلت ذلك الغبار مُحرقةً جلد وجنتيها المتألمتين أثر حرارة الانفجار مزيدةً حرقتهن بحرارتها.
التفت نحو مصدر الصوت الذي داعب مسامعها مرتين وقد قابلتها نظرات لشخصٍ باتت تعرف هويته الحَقيقية وكل من التخاذل والقهر وحرارة غضب تنافس ما انفجر منذ مُدةٍ مضت كانت تخرج من نظراتها نحوه.
"أنتِ لا يجب عليكِ الحُكم عليّ هكذا".
مثل ثنائي أكسيد الكربون نظراتها تلك حطت في مركز رئتيه مُحرقةً إياها حروقاً مُضاعفة على حروق خَشَّنت سطحها سببها دُخانٍ حاوطهم وحرارة لفحت داخلهم، هو برر بصوتٍ ضعيف، فاقداً صلته لكل ما يمد للقوة والأمل.
"جميعنا مُخطئون.. أنتَ آخر من توقعت منه هذا على أي حال".
سخرت بداية قولها لتتوقف لثوانٍ رفعت رأسها بغيةٍ إعادة مياه مالحة ظهرت بغزارة غاسلةً خيبةِ أملها التي طغت على دواخلها فور رؤيته.. داميون قهقهت بقهر قائلةً ما سَلف.
ما الفائِدة من مُعاتبة أحدٍ الآن؟ البُكاء والعَويل؟
لن يتغير شيءٍ على كل حال، لن يعود جِسر الثقةٍ المَتين الذي تَطَّلب سنواتٍ ليست بالقليلة لبنائه، والذي سيتطلب مدى الحياةٍ لبِناء جِسرٍ بمثله!!
..
ساعتان مَرَّت استيقظ الجميع خلالها ونظراتٍ حَملت الكثير تبادلوها، ليس وكأن بإمكانهم تغيير ما هم تائهون في خَضمه، ما من تعويذةٍ سحرية تُزيل جِراحهم وتُعيد حماستهِم للخوض في عِراكٍ دامٍ مع الموت.
عراكٍ شرط رِبحه هو إشباع شقوق ارضٍ لا تشبع بِدماهم!!
"كريستوفر".
بيكهيون الذي حاوط رأسه شاش أبيض وحروقٍ خفيفة أدركت وجنته، تسائل عن الذي نطق اسمه وقد تمت مُقاطعته بِحركة يد داميون ليتتبع ببصره كما الجميع ذراعها التي أشارت نحو غطاءٍ أبيض غطى كيانٌ ما..
نهض مُلثمٌ قد أدركت الرضوض ساقه، ليمشي بِخُطى عرجاء مُزيلاً ذلك الغطاء مُظهِراً الهيئة المُتفحِمة.. التي كانت يوماً ما تعود لطويلٍ قليل الحديث جميل المظهر..
تعود لرفيق حياةٍ لبعضهم وصديقٍ لم يدُم تواجُده طويلاً للبعض الآخر.
"لقد كان قريباً منها.. هي قامت بسحبه معها.. نحو الجحيم".
مارسلين خائِرة القوى تحدثت مُخفضةٍ رأسها بغية إخفاء دموعها، هي سئمت التظاهر بالقوة، السيطرة وارتداء قناع اللامبالاة والسخرية!!
على من تكذب؟! أن تشاهد الآخرين يفقدون حياتهم بأكثر الطُرِق هُزئةً وتفاهة يدفعك لكُره ذاتك الضعيفة، يُشعرك كما لو أنك إثمٌ حقير رَخيص في خضم أفخر الآثام!! أجل.. يعاملك كما لو أنكَ إثمٌ رخيص عارٌ على الحياةِ احتوائُه!!
"انتهينا، لكم خَمس ساعاتٍ وستبدأ الجُولة الخامسة.. حظاً موفق".
أعلن رئيس الهيئة الطبية البكماء تقنياً، مُنذ أن وعَت داميون هم كانوا يحومون حولهم ويداوون جراحهم بفم مُغلق ورسائل مُشفرة تتناقلها حدقاتهم.
"جولة خامسة؟! ألا يجب أن تكون سادسة كما ذكرت كاميليا؟!".
استفهم سيهون الذي حاوطت طول ساقه ضِمادةٍ مُعقمة حفاظاً على الحرق شديد العمق أعلاها.
"لكن كاميليا ماتت ولا أحد يُصدق الموتى الذين لم يكملوا أعمالهم".
سخر ذلك الرجل بهيئةِ طبيب ورأس مُقنع بأكثر الأقنعة إشراقاً، اليونيكورن.. هو كان مُشرقا كفاية ليُخفي ما هيته القذرة خلف قناع حصانٍ خُرافي ذا قرن.
"أليست أحد أعوانكم؟ تخليتم عنها؟!".
فيكتوريا المُتكئة على كتف داميون تحدثت بسخرية وانفعال، هم كالآفة اللعينة يأكلون أرواح بعضهم دون اهتمام ولا حتى حسابات لمن بقي خلفهم!! من سيحزن على فقدانهم!!
"عذراً يا آنستي الجميلة، لسنا نُمثل أحد أفلام الصداقة المقرفة التي تظنينا نفعلها، الخاسر يُقتل، عليه تحمل وزر أخطائه.. كما تفعلون أنتم!".
أنزل حقيبته لِتحُط على الأرضية أسفلها وقد تقدم عدة خطوات ليجثوا أمام فيكتوريا التي لو كانت النظرات تقتل لكان قد لقي مصرعه إثرها، عبث بخصلاتها بابتسامة وهو يبصق سُمهُ المُتشكل بهيئةِ كلمات ملأت القاذورات معانيها.
ثوانٍ حتى توسطت جُثته حُضن داميون المجاورة لفيكتوريا مجلساً، بدورها أزالتها بقرف.
"ما كان عليك التحدث كثيراً بتلك التُرهات".
صوتٍ أنثوي خرج من خلف قناع مُهرِج كانت صاحبته من إحدى شاكلته بعدما أعادت سلاحاً رفيع الطراز إلى حزامها أسفل الرداء الطبي.. وقد تقدمت نحو جُثته مُخرجةً سلاحاً كالذي تملكه وبِطاقة جَهِلت محتواها لتتقدم خارجةً ورفاقها تكفلوا بجَر جُثته وكأنها قُمامة بلا أية نفع وأهمية.
عارٌ آخر بصقته الحياة نحو الجحيم الذي أعدته لمن هم بمثله.
"لِماذا؟".
لم يرضَ سيهون بِتلك الردود المُبطنة بما يجهله، استفهم مطالباً بِجواب واضحٍ دون تلميحات لم تعد تنفع.. هو مُدرك أنه كالجميع هنا.. مُجرد لعبة لا أكثر!
"هناك فائض في الأرواح لذا وجِب الحد منها، تجهزوا الجولة الخامسة قادمة بعد أقل من خَمس ساعات".
بصقت كلماتها قبل أن تخرج صافقةً الباب الفولاذي خلفها بعدما عبره رفاقها حاملين جثتين مُتفحمتين، أحداهما تعود لمن رافقهم وقد حَلَّت ساعته.. وأخرى لِمن تفاخرت بكونها الموت لكنه كان يقبع خلفها مُترصداً حتى أدركها متخلصاً من أداة لم تكن ذات إنتاجية مُربِحة، سِلعة بالية بلا أهمية.
..
"سيهون.. نائم؟!".
بعد ساعتين من الهدوء خلالها سَكَن الجميع في أماكنهم وقد غفى البعض نتيجةِ الألم الذي لا يُطاق، تحدثت داميون بِهَمسٍ متحشرج ولم تُفارق عيناها بُقعٍ زينتها بقايا رماد جُثةٍ قد تفحَمت.
"وهل أستطيع؟!".
أجاب ليقهقه لثوانٍ قبل أن يزيح ثقلاً بدا كما لو أنه عبء العالم أجمع عن كتفيه بتنهيدةٍ عبرت ثغره مُختنقة.
"تبقت ثلاث جولاتٍ فقط.. لا أريدك أن تموت قبلي".
بهمس مُرتجف قالت بداية كلماتها مُحدقةً بما يسترهم عن سماءٍ أصدرت صوتِ رَعدٍ قوي سببهُ غيومٌ مُبشرةً بتساقط الغيث وما من مُغيث يُنجيهم.
أخفضت ناظريها مُحدقة نحوه وبعينين لامعتين هي قالت آخر كلماتها، وكأنها تَحرُص على نَفسِه من نَفسِها.
"لن نفعل.. تعالي".
مُبتسماً لدِفء كلماتها أجاب ليمُد لها كفه مُطالباً بِقُربها.. تمسكت بكفه بعدما أراحت رأس فيكتوريا الغافية على حقيبتها وأخرجت منها ما هو صُلب قد يُزعج غفوتها التي بدت مرتاحة خلالها.
"تؤلمك؟".
خرج صوتها مُحتقناً إثر مُعانقته لها مريحاً رأسها حيث صدره الذي رحب بها بتفانٍ، سألته بينما تمسح على فخذه حيث تقبع أسفله ضمادة غلفت حروق ساقه المُتضررة.
"ليس كثيراً.. لا أشعر بها".
هو نفى مبتسماً وقد أعاد ضمها نحوه بعدما ابتعدت مُتفقدة له بحثاً عن إصابات أُخرى شَكَرت الرب لعدم تواجدها.
احتضنته ذراعه التي تحاوطها وقد أراحت رأسها على صدره الذي يرتفع وينخفض بوتيرةٍ مُنتظمة تمرد هدوءها وصولاً لأنامله التي تُعَبد طُرقاً وسط غابة خُصلاتها البنية الناعمة.
"نامي قليلاً".
أمر شاداً اياها نحوه أكثر عندما لاحظ أناملها التي دَلَّكت جانب رأسها خلسة ليستبدلها بخاصته داعياً إياها لأخذ قسط من راحة افتقده هو.
"لا أستطيع، نَم أنت وتحملني فقط".
رفضت بينما ارتفعت ذراعيها محاوطةً رقبته، بخفة وحذر عبرت ساقه المُضمَدة ضامة إياه بوضعيةً أكثر راحة متوسطةً ساقيه معتليةً جذعه وقد أسندت رأسه برأسها، هو أراح رأسه مُغمِضاً عينيه مُطالبا براحةٍ لا متناهية كما الآن.
"الهي تغيرتِ كثيراً داميون.. كُنت تنامين فوق الخزانة حتى، هل ذَهَبت عنكِ لعنة النوم؟!".
استغرب رفضها النوم ليسخر مُتذكراً أياماً مَضت وهو يبسِمٌ للذِكرى.
"وأنتَ تغيرتَ كثيراً.. أصبحت اكثر لطفاً ولباقة تُعجبني هكذا بالمناسبة.. أحمق!!".
هي أيضاً قهقهت لتذكرها سيهون الذي كان يتذمر من فوضويتها وشكلها والألقاب التي يطلقها عليها لشدة فوضويتها.
"لمَ تشتمينني؟!".
تذمر وقد صفع رأسها بخفة وكأنه يربت على معدة قطةٍ مداعباً إياها.
"أحمق لأنك لم تكن جيداً هكذا قبل أن ندخل إلى هذا الجحيم.. صدقني لكنت طلبت يدك!".
صفعات عِدة حطت على صدره خفيفة كملامسة الريش لجلده زامنت كلماتها المتذمرة تلك، هي قد تكون بالغت في كلماتها، لكن من يهتم على أي حال؟ هي تكاد تخسر حبها الأول خلال سويعاتٍ قادمة أو ربما ترحل قبله!!
لذا حَسَمت أمرها ولن ترحل بِفؤاد مُحب دون الإعتراف!!
"ألا يجب علي أن أفعل هذا أنا.. طلبُ يدكِ؟!".
هو قهقه إثر تذمرها ذاك ليردف بما سَلف، هو الآخر قد يبدو الأقل قلقاً ومُبالاة هنا.. لكن هل جربتم يوماً شعور الكَبت وتحمل ما لا طاقة لكم على حمله؟!
كَبت حُبٍ أدركتموه في أكثر الأوقات يأساً وشِدة؟ خُذلان وقلة حيلة؟!
"هل كنت لتفعل؟!".
هي تساءلت وقد رفعت رأسها محدقةً به، ربما نجحت في كَبح جماح الحب الذي يكاد يفيض خارج حدقيتها عند رؤيته لكن حواجزها أخفضت دفاعاتها، هي تَفَطرت لِشدةٍ هَول ثقل جلمود الخيبة الذي سقط من أعلى قمم قلبها المُرتجف!!
"سأفعل، سأفعل دوماً إن استطعت.. أنا حقاً سأفعل".
هو صَرَّح و كأنه يَعِدُ ذاتها مُلزماً إياها بتطبيق ما طالبت به سريرته وأعلنته مشاعره، قبل أن يدفع بجبينها نحو شفتيه مُقبلاً إياها هناك بدفء انصاعت له بكل جوارحها وقد تقاسما دفء تلك اللحظات معاً..
قد يكون الزمان والمكان غير متوافقين مع ما صَرَّحا به لبعضهما، لكن في كثيرٍ من الأحيان يكون الضغط سبباً في نجاح أمور عِدة، لو لم يكونا تحت ضاغطٍ يدعى الموت قد ينخفض ساحقاً إياهما لَمَا فضلا الإعتراف قبل أن يباغت أحدهما اولاً صحيح؟!
"أنت ستفعل، صحيح؟".
هي أكدت قوله بعد ثوانٍ أطربت مسامع كُلاً منهما ألحان أنفاس الآخر، ليس كما لو أنه يكذب لكن أن تكون في خضم معادلة نجاتك بينما تعد الوعود خلال حلها أمرٌ ليس بالسهل صحيح؟! كما وأن بعض الكلمات المُهدئه التي تضمر ثناياها بذور الأمل ليست بالصعبة ايضاً!!
"لن أتوقف عن المحاولة قبل أن ينتهي كل هذا.. أعدك".
بذات النظرات المتوعِدة والمُحِبة أجاب تساؤلها المُرتجف وفي سريرته يخشى قطع وعدٍ لا يقوى على وفائِه، اليأس وخيبة الأمل؛ هو لن يسمح لهما بابتلاع خافقها المُتألم بحضوره، لن يسمح لنفسه أن يكون سبباً.. حتى لو أُلزِم أن يكون خيبة، هو لن يفتعلها قصداً، الفناء تاركاً ذكرى جميلة تُدفئ قلبها هو ما سيسعى له ولن يوقفه غير توقف نبض قلبه وجفاف أوصاله!
بابتسامة عادت متوسدةً صدره راضيةً عما فعلت وتَجزم أن الموت لم يعد يخيفها، لم تُرِد الذهاب دون كَشف سِرها الصغير بما يخص سيهون.. هي تحبه على أي حال ولا ضرر من الرفض، الأهم أن تُخبره وها قد فعلت
هي أيضاً كانت ستخبره بشأن ذلك المُلثم الذي رَفض مداواةِ وجههِ خوفاً من انقشاع غشاء أهلكه كشفه، خوفاً من أن يتم فَهمهُ خطأً، لكنها فقط قررت انتظار ظرفاً أفضل يمكنه تبرير موقفه خلاله.. هي والجميع ليسوا بقادرين على فقدان المزيد..
ذلك الملثم حصل على فرصةٍ ثانية كي يكشف ذاته بنفسه ويزيل لثامه مظهراً هيئته التي ليست بغريبة عنهم!
..
إثر تحركات وأصوات ندهت لهما وُعَّت داميونتري التي غَفَت عنوةٍ كما سيهون الذي تبعها بالاستيقاظ، لم تخفَ عنهما العيون المُرتابة لوضعيتهما؛ فهما لم يبدوا بذلك القرب ليغفيان في أحضان بعضهما.
"لقد فاتكم مشهد درامي يتقاتل من أجله مُخرجي هوليوود يا رفاق!!".
صوت اعتادوا أن يَزف لهم بشائر السوء اخترق مسامعهم فورما كان الجميع مُستيقظاً..
كالهواء هو متواجد بين ثنايا منطقتهم وشائبة لا تَشوب ما يصله من تقارير تُفيد بكل ما يخصهم، عالمٌ هو بما يسُرهم ويُبكيهم، يغضبهم ويبث السكينةٍ داخلهم، هو أخطر من أن يُنادى بخطير!
"شكراً للرب أنني لا أسمع سوى طنين ذُبابٍ في الأرجاء".
فيكتوريا التي التقطت أذنيها ضعيفتا السمع كلماته التي شابهت فحيح الأفاعي، سخرت بنبرتها عند رؤيتها رفاقها يحدقون بالكاميرات اللاتي تحاوط الغرفة رمادية الهيئة التي توسطوها.
" كلا كلا فيك، أنتِ ستفوتين مُعجبكِ الوسيم إن لم تستمعي لي بحذر.. ثنائيات لطيفة تشكلت هنا أنا سعيد لأنني اُكافئ نفسي بكم يا رفاق!!".
تحدث بسُرعة مُتذمراً من فيكتوريا التي لم تكد تعره اهتماماً يذكر، لم تعد تُبالي، هي ستتوقف المقاومة مذ إنها مُدرِكه أن الجميع في خطر والجميع لن يرضى أن يكون هو الخطر.
"لِمَ لا تهتم بشؤونك فقط يا رجل، لا تبدو طائشاً ولا مُسناً فقط أخرج لنحظى بمحادثة ودية ما رأيك؟".
بسخرية فيكتوريا فردت ذراعيها مُحركةً إياهن وقد تحدثت بما سَلف بأريحية وكأنها لا تُعاني من تلك الضمادات التي تقطع نَفَسها لشِدة ضيقها على جروح حاوطت نصف جسدها العلوي.
"فيكتوريا يائسة لهذا الحد؟! أشعر بالفخر لكوني اخترتكُم كي تكونوا في هذا المكان معاً!!".
هو جارى سخريتها بأخرى أكثر غيظاً وتضمر الكثير من التلميحات التي بسببها تشكلت عقدة بين حاجبي بيكهيون الذي لم يتردد في طرح سؤاله.
"ماذا تقصد؟! هل لبقائنا بهذا العدد غاية؟!".
وسط أنظار الجميع تساءل مُطالباً بِتوضيح، هو أيضاً ليس بذلك الغباء لدرجة أن لا يلاحظ كُثرتهم وسط مرحلة شبه نهائية.. أعني سياسة اللعبة كما اطلعوا عليها مُسبقاً تتضمن أن أكثر عدد قد يتبقى خلال الجولات الثلاثة الاخيرة إثنان إن لم يكُن واحداً..
عدد فردي لا يزيد عن ثلاثة وقد ينقص وصولاً لواحدٍ يستمر مُصارعاً الموت الذي يخرج كاشفاً هيئته الحقيقية بعدما تمكن الناجي من قتل نسخ الموت التي قد تشكلت على هيئة اللاعبين معه في الجولات السالفة.
"بالطبع!، لكل شيء حولكم فائدة.. حتى حياتكم هي ذات فائدة سيتم التخلص منها إن لم تدركوا فائدتها وتجعلوها كما يجب عليها أن تكون!!".
بعد تصفيقات قليلة بكفيه تحدث وقد بدأ يشعر بالإثارة كونه وصل إلى رغبته، هو لن يفوت على نفسه قتل الثنائيات لبعضهم؛ لذا وببساطة خفف وقع الجولات السالفة التي كانت كفيلة بقتل أغلبهم ليصنع دراما خلال قيادته مملكة الموت لهذا العام..
أجل هم يحضرون اللاعبين ليكونوا عبيداً في مملكة الموت خاصتهم ويتناوبون على حُكمهم.. وأن صح التعبير يتناوبون في تحديد طُرِق فنائهم.
"في الحقيقة لم أفهم القصد مما تقوله".
مارسلين قهقهت بشدة بعد نظرات جاهلة تبادلتها من داميون التي تبسمت هي الأخرى ويبدو عليها الجهل بمقصده أيضاً.
"تملكان روح دُعابة جيد، على كُلٍ، ستفهمون كل شيء عندما يحين وقته والآن حان وقت اللعب أيها المتكاسلون".
هو قهقه ساخراً بينما يراقب نظرات الفتاتين لبعضهن، قد يعتقدن أنه ليس بقادر على فهم ما يجول داخل عقولهن، لكن ما هو مؤكد أنه شخصياً من يصنع ويحدد ما يفكرن به!!
انسدلت قِطعة قماش بيضاء كالتي رأوها في وقتٍ سالفٍ بعده بثوانٍ غادرتهم روح ميريل.
هل هذا يعني أن مؤقت الموت اقتربت نهايته؟!
أن إحدى النفوس هنا ستُسلَب في القريب العاجل، عارٌ آخر على الحياة لم تعد ترى فائدة من وجوده.
..
"بيكهيون.. مارسلين رمال الموت تبتلعكم، افعلوا ما شاهدتموه من أجل النجاة".
بنبرةٍ مُتحمسة قال كلماته تلك، ولم يغض النظر عن فك مارسلين التي لامس الأرض إثر تفاجئها، هو تقنياً يطلب منها الرقص في ساحة ملغومة!
"هل تطلب مني تناقل الماء من الفم للفم مع هذا الرجل!!".
بيكهيون بسخرية أشار نحو مارسلين التي أظهرت تعبيراً مشمئزاً وكأنها على حافة التقيؤ.
"أنا متحمس، بيكهيون أراهن أنك لم تقبل أحداً غير صورتك".
مُلثَمٌ قد اتكئ على الجدار خلفه وعيناه أظهرت الترقب وقد ضاقت حافتيها مشيرة لسِعة ابتسامته، تحدث مُكتفاً ذراعيه.
" لا تكونوا كسالى فقط دقيقة هي ما تملكون قبل أن تُفجر رأسيكما".
تحدث ذلك المجهول بملل وقد ضغط أحد الأزرار التي توسطت منضدة أمامه ليصدر ضوءاً وضح هيئة ما في زاوية الغرفة، قناص يتوسط ذراعيها بينما ليزر أحمر ظهر في وسط جبهة بيكهيون كما مارسلين.
"سوف تستمتعان حقاً، بيكهيون ألست تشتهي جسد فتاة في مثل هذا الوضع الصعب؟!".
بقهقة تحدث موجهاً كلماته إلى بيكهيون الذي شقت ثغره ابتسامة جانبية.
"لست ذو شَبق مُهتاج كوضعك يا رجُل".
رد ساخر نطق به وقد كان مُستعداً لنحر ذلك المُتحاذق إن ظهر أمامه في هذه اللحظة.
"ثلاثة، إثنان وواحد بدأ العد!".
أعلن بداية مهمتهم والتي كما وضح الفيديو القصير المقرف ذاك؛ منضدةٍ بكوبين يحتوي كلاهما على سائل شفاف مشابه للماء وربما هو ماء فعلياً، كلا اللاعبين يتناولانه ويبدآن بتبادله بواسطة فاهيهما بشكل أقرب لان يكون قبلة ..
لا يبدو أن هناك داعٍ لهذه الحركة ولكن رفاقنا لم يغضا النظر عن كلماته السابقة والتي تفيد بأن لكل شيء هنا غاية حتى حياتهم، بجانب ذلك من يفقد رونقه سيتم إقصاؤه من الحياة واللعبة معاً.
مؤقتٌ ظهر على تلك القطعة القماشية مُشيراً إلى بداية الوقت ليتوجه الاثنان نحو منضدة حملت ذات ما رأوه في ذلك الفيديو.
بادرت مارسلين بالتقاط الكوب الذي كان أمام بيكهيون وهو فعل المثل لتبدأ بتجرعه بسرعة ليتوقف المؤقت ومعه إيعاز صوتي من ذلك المجهول ارتجفت خلاياها بسببه وهي تحدق بهيئة بيكهيون الذي ما زال لم يتناول ما احتواه كوبه..
"ها قد بدأنا، بيكهيون خائن؟! لا عزيزتي أنتِ تجرعتي سُماً كان يفترض أن تحتويه أحشاء بيكهيون ولكن كما هو المتوقع دوماً يكون هناك ساذج مُتحمس لإنهاء هذا؛ لذا ولأنني بقلبٍ طيب أضع بين يديكم فرصة تقاسمه بقُبلة ليخف تأثيره ولا يقتل كلاكما، إنساني صحيح؟!".
معالم الصدمة اعتلت ملامح الجميع، كيف له أن يكون بهذا الدهاء؟! كيف تمكن من فرض سيطرته على الموت نفسه جاعلاً إياه بلا قوةٍ يخطف الأرواح بأمر منه؟!
"هيا قَوَّيا قلبيكما وتقاسماه، علماً أن كل قطرة تسقط منه سيتم حسابها وإن تجاوزت الثلاث قطرات ودعا حياتكما".
تحدث قبل أن يبدأ المؤقت الذي لم يَنقضي منه سوى أربع ثوانٍ، ثانيتان حدق خلالها بيكهيون بوجه مارسلين الخالي من التعابير مع فمٍ مُمتلئ بالسم الذي لا طعم له، كما لو أنه ماء وهذا بحق مُريب!!
هو قام بشد مارسلين نحوه بعد تفكر دام لثانيتان هي لم تبدُ مُكترثة أو مُنتظرة منه أن يقاسمها السم الذي بدأ يتهيء لها أنه يُحرق أطراف فاهها، قطرتان أسقطتهما مارسلين بعدما انزلق بعضاً من السائل الذي من المفترض أن يكون سُماً على ذقنها عندما أطبق بيكهيون شفتاه على شفتيها وقد احتوى ثغره نصفٌ مما كان يحتوي، وتجنباً للمزيد من القطرات المتساقطة والتي قد تنهي حياتهم بيكهيون حاوط وجهها وقد أزال بقايا السم عن فكها، إن كان بإمكانه الحفاظ على حياتهما ما المانع إذن؟!
"لطيف!!، يؤسفني أنه تبقى فقط ثلاث ثوانٍ وينتهي هذا المشهد".
تذمر بكلماته قبل أن يبدأ بالعد تنازلياً، ببطئ هو ينطق الأرقام ويتأمل الاثنان اللذان يحاولان باستماتة الحفاظ على أنفاسهما دون إسقاط أي قطرة من السائل الذي تقاسماه بملامح متضايقة.
" انتهينا!! "
هتف لتبتعد مارسلين مخرجة ما بفمها بسرعه عندما دخل مريئها بعضه لشهيقها القوي نتيجة الاختناق والضغط الذي جثم على صدرها كما بيكهيون الذي اتكأ على المنضدة وقد بدأ يسعل بقوة فهو ابتلع ما في فمه كاملاً عنوة!!
"بيكهيون!! هل أنت بخير؟!".
سألت مارسلين والاخرون تقدموا نحوه بفزع عندما ارتجفت أطرافه لثوانٍ قبل أن يجثوا على ركبتيه حينما خانته ذراعاه المرتجفتان عن إسناده على المنضدة اكثر.
"يبدو أن بيكهيون انغمس في مشهد روميو وجولييت وقد بالغ في شرب السم".
بوداعة نطق قبل أن يقهقه بشدة وهو يراقب بيكهيون الذي بدأ يسعل أكثر وفمه بدأ يخرج رغوة بيضاء اختلطت بدمائه ويبدو أن روحاً أخرى تم إقصاؤها من لعبة الحياة
هل حقاً بدأت دقائق حياتهم بالإنقضاء بهذه السرعة؟!
الأسرار كُشِفت، والأدوار اتضحت وما ضمره البعض من شر انقشع عنه غشاء الأمان.. كما أن الأحجية بدأت تَحُل نفسها، هو بدأ ينتشل حياتهم بهذه السهولة مُعلناً بدء النهاية.. لحياتهم ولهذه اللعبة، و ربما.. بداية أُخرى؟
•••
انتهى.
رأيكم؟
السرد، المصطلحات واللغة؟
أي نقدٍ او ملاحظة؟
قوموا بأجراء فوت للفصل إن اعجبكم فضلاً.
دمتم في حفظ الرب.
Bạn đang đọc truyện trên: Truyen247.Pro