(9)
بقلم :نهال عبد الواحد
إتجه سليم بصحبة عمر أخيه نحو غرفة العمليات بينما ظلت سلمى في السرير بعض الوقت ثم نهضت واقفة فالتف حولها أبناءها.
قال سليم الإبن: يا ماما مش هينفع تقومي، خليكِ مكانك إنتِ تعبانة.
تابعت سلمى بتعب: شششششششش! أنا رايحة أستنى عند باب أوضة العمليات.
أهدرت رقية: يا حبيبتي لازم يتعلقلك محاليل.
تابعت سلمى: علقوا اللي تعلقوه، هروح أستناه هناك.
قالت سلمى الإبنة: يامامي إزاي بس؟!
صاحت سلمى بعصبية: خدوا الهباب ده وعلقوه وأنا قاعدة مستنياه.
تشير إلى المحلول.
فقال يحيى وهو يقترب ليسند أمه: خلاص خلاص، سيبوها براحتها، يلا يا ماما حبيبتي أنا هوديكِ.
ونظر لأخوته أن يصمتوا، خرج بأمه ورقية تدفع بحامل المحلول خلفهما فاضطر سليم وسلمى للخروج خلفهم فقابلوا من بالخارج، وليد، شادي، أحمد أخيها ومحمد يحيي.
تحدث محمد: على فين يا سلمى؟!
أجاب يحيى: هتستنى عند أوضة العمليات.
تابع أحمد: بس انتِ دايخة يا سلمى.
صاحت سلمى بعصبية دون أن تلتفت: يووووووه!
أومأ يحيى: خلاص يا خالو، إحنا هنحط كراسي ونستني هناك للي يحب.
نبس سليم الإبن بضيق: دي مش مستشفى كده!
نظرت سلمى لإبنتها سلمى وزوجها ميدو (محمد عمر) وقالت: خليكِ انتِ هنا، انتِ حامل وبلاش تجهدي نفسك، وانت خليك مع مراتك يا ميدو.
فدخلت سلمى بالفعل لداخل الغرفة وخلفها زوجها، اتجهت سلمى والآخرون نحو غرفة العمليات، قد وُضع بالفعل كراسي وجلس عليها الآخرون بينما وُضع كرسي سلمى ملاصقًا لباب غرفة العمليات، جوارها حامل المحلول وتقوم رقية من حينٍ لآخر بتغيير المحلول بآخر فأمها حقًا تبدو منهكة بشكل مقلق.
وجاء محمود يحيى مسرعًا وقد وصل توًا من المطار فدخل، أسرع نحو سلمى فسلم عليها أولًا وقبل رأسها.
وقال محمود: اطمني هيقوم بالسلامة والله!
أومأت سلمى: ما كنتش تعبت نفسك ونزلت، كانوا هيطمنوك والله.
- ليه أنا عندي أعز منكم!
فاتجه إليه أخيه محمد يحيى فاتحًا ذراعيه له قائلًا: طب ما تسلم يا واطي.
فضحك ودخل في حضن أخيه يعانقه ، ثم سلم محمود على باقي الموجودين و وقف مثلهم.
ظل الوضع هكذا لعدة ساعات، الجميع يذهبون ويعودون من حينٍ لآخر إلا سلمى جالسة كما هي كانت تقف حينًا وتجلس حينًا أخرى وفمها يتمتم غالبًا بأدعية وإبتهالات.
وبعد مضي وقتٍ طويل فجأة جحظت سلمى وفرغت فاها كأنها تحاول التنفس وتضع يدها على صدرها ناحية قلبها وعيناها تزرف دمعًا.
فاتجه نحوها يحيى ورقية فقد ظنا أن أصابها مكروه أو تعبت من جديد لكنها وقفت فجأة دون أن تبالي بهما ولا بغيرهما مما يستفسرون عما هي فيه وصرخت وهي تنادي بكل ما أوتيت من قوة: لا يا سليم! يا سليييييييم! يا سلييييييييييم!
فنظر يحيى ورقية إلى بعضهما البعض وابتلعا ريقهما ببطء فهما يعلمان مدى تعلق أمهما بأبيهما ومدى إحساسها به، مؤكد أن هناك خطب ٌ ما.
فجاء إليها إبنها الأكبر سليم يمسك بأمه ويربت عليها لتهدأ: لا يا ماما ماينفعش كده والله! كفاية إني سايبكم تقعدوا هنا.
فخرج من داخل غرفة العمليات عمر وكان مرتديًا زي العمليات رغم عدم مشاركته في تلك الجراحة فهو ليس طبيب قلب، لكن هيئته لا تبشر بأي خير فسكتت سلمى وهي تحاول قراءة ما في عيني عمر فأنزل الكمامة من على وجهها، فرك وجهه ثم قال جاذبًا سلمى من يدها لتدخل: تعالي يا سلمى!
سارت سلمى معه دون حراك وكأنها حتى امتنعت عن التنفس لكن عيناها معلقة بعمر تنتظر ما سيقوله.
فأعطاها زيًا معقمًا وهو يقول: إلبسي ده فوق هدومك، هتخشي جوة ما تحاوليش تبصي حواليكِ، هو الجرح اتخيط خلاص بس ما تبصيش حواليكِ، هتخشي تكلمي سليم وهو هيسمعك، سلمى دقات قلبه بتضعف وأنا عندي أمل إن اللي عمله معاكِ زمان تقدري تعمليه إنتِ دلوقتي.
فارتدت مسرعة ودخلت مع عمر يمسك يدها يوجه إتجاهها وهي تنظر أرضًا، فوجيء علي وفريق عمله بمن يأتي بها عمر بينما يقوم الطبيب بإنعاش القلب بصدمات كهربائية وعمر يشير له أن انتظر وسترى.
وصلت سلمى جوار رأس سليم وتلك الأنابيب الموّصلة بأنفه وفمه وهو مغمض العينين منهكًا فأغمضت عينيها بقوة، ابتلعت ريقها، نزعت تلك الكمامة من على فمها، اقتربت من أذنه وهي تسند على كتفه برفق وبدأت تتحدث معه.
همست: سليم! حبيبي! أنا سلمى أنا شعنونتك أنا حب عمرك، أنا البنوتة الصغيرة اللي كعبلتها بإستبن عربيتك بس انت كعبلت قلبها و وقعتها فيك من غير حتى ولا كلمة، إنت سامعني مش كده! بس إحنا ما اتفقناش على كده، إنت قولت هتدخل تعمل توسعات و تجديدات في قلبك عشان يكفيني ليه بترجع في كلامك؟!
سليم فاكر يوم مارجعت من سفرك من سنين طويلة بعد ما قعدت عشر سنين من غير مااعرف عنك أي حاجة! يومها إنت فضلت تكلمني كده لحد قلبي مارجع يدق طبيعي.
فاكر يا حبيبي أول مرة أقابلك في الكلية! يوم ما شوفت الدبلة في إيدك وزعلت، على فكرة يا روحي الدبلتين بتوعك معايا شبكتهم في السلسلة بتاعتي كنت عايزة ألبسهم بس صوابعك كبيرة أوي.
فاكر يوم ماقولتلي بحبك لما كنت في الدفليه فاكر ربنا يخليك لقلبي وتعيش العمر جنبي!
طب فاكر يوم خطوبتنا ما كناش مصدقين وفضل كل واحد يبحلق في صوباعه مكان دبلته مش مصدق الحلم بيتحقق أهو.
طب يوم كتب كتابنا لما فضلت تعيط أدام كل الناس وخبيت وشك في حضني ما كنتش مصدق ساعتها وأنا كنت كل ساعة بحال كنت بتحسبني هسيبك وأقوم أجري.
طب فاكر يوم عرفت إني حامل في سليم وسلمى فاكر كنت عامل إزاي! فاكر دلعتني أد إيه! طب فاكر يوم ماولدت وفضلت أصرخ وأضرب فيك وأعض فيك وانت برضو ما سبتنيش ودخلت معايا وأنا بولد.
سليم فاكر فرح سلمى بنتنا والهني مول اللي عملناه من جديد! سلمى عندها بيبي هتبقى جدو وأنا ننا ولسه باقي الفريق يا سليم قوم عشان تجوزهم فرح سليم وفرح رقية وإن شاء الله ربنا يكرم يحيى ونخلص منهم وتفضالي، مش انت قولت كده! أنا مستنياك أهو، أنا مش هعرف أعمل حاجة لوحدي.
كانت سلمى تهمس بهدوء لكن دموعها تسيل... وبدأت ضربات القلب تنتظم بشكل أفضل تدريجيًا فجذبها عمر من يدها برفق لتخرج.
وقال: خلاص يا سلمى كده تمام.
وما كادت سلمى تتحرك حتي لمحت عدد من المناشف الممتلئة بالدماء من أثر الجراحة فسقطت مغشيًا عليها فلحقها عمر، حملها وخرج بها فوقف أمامه يحيى يحمل عنه أمه فهو يعلم غيرة أبيه جيدًا ولو علم سيقيم الدنيا ولا يجلسها ففهم عمر مقصده وتركها ليحيى يحملها، اتجه بها للغرفة ومعه سليم الإبن و رقية.
بينما وقف شادي و وليد ليطمئنا على حالة سليم وما حدث فطمأنهما عمر وأخبرهما بما حدث.
اتجه يحيى بأمه مسرعًا ومعه سليم الإبن ورقية يركضان خلفه، فدخل الغرفة فوجد سلمى أخته متكئة على السرير فنظر لها بحدة لتنهض فنهضت وهي مفزوعة من هيئة أمها.
صاح سليم وهو يفحص أمه: كده كتير، كده في حاجة غلط، أنا لازم أعملها تحاليل شاملة عشان أعرف فيها إيه!
تابعت رقية: ده إرهاق يا سليم، إنت عارف مامي من يوم ما بابي تعب وهي قلقانة عليه إزاي!
بالفعل سحب سليم عينة كبيرة من الدم وأرسلها للعمل ليحللها مختلف التحليلات وعُلّق محاليل من جديد لكنها تركت لتنام فقد أنهكت حقًا.
أما سليم فقد خرج من غرفة العمليات إلى غرفة العناية المركزة، وُضع تحت الملاحظة حتى يُطمأن عليه أن كل الأمور على مايرام.
عاد الجميع إلى بيته فقد كان يومًا طويلًا حقًا!
.......................................
NoonaAbdElWahed
Bạn đang đọc truyện trên: Truyen247.Pro