(28)
( بقلم : نهال عبدالواحد)
استعدت سلمى بعد إلحاح منها لسليم، أسندها و سارا معًا من غرفتها إلى غرفة شفق زوجة وليد، كان سليم يخبئها بين ذراعيه يخشى أن تصطدم بأي شيء أو يزداد تعبها فتسقط فيراجعها من حينٍ لآخر، حتى وصل سليم، سلمى و يحيى لباب غرفة شفق زوجة وليد وطرقوا الباب.
فتح عز الباب وأفسح الطريق ليدخل سليم المحاوط ذراعيه بسلمى وخلفهما يحيى، وسارا قليلًا حتى وصلا بالقرب من شفق فمدت سلمى يدها لتصافحها و هي تمسك بيدها الأخرى بطنها مكان الجرح لكنها لا تقوى على الإنحناء لسلم عليها بحرارة.
وأيضًا شفق تمد يدها وتحاول النهوض لكن سرعان ما تمسك ببطنها هي الأخرى مكان الجرح، فأسند سليم سلمى و أضجعها على السرير المجاور لسرير شفق.
كان سليم مجاور لزوجته، أيضًا وليد بينما يحيى وعز و شفق الإبنة يجلسون على أريكة مقابلة.
قال سليم: ألف سلامة على المدام وحمد الله على سلامة شفق!
أجاب وليد ممتنًا: الله يسلمك، ربنا لطف بينا والله! حمد الله على سلامة سلمى!
تابعت سلمى: الله يسلمك يا بشمهندس، معلش يا شفق مش قادرة أقرب ولا أوطي.
أجابت شفق: ولا يهمك يا حبيبتي، كان الله في عونك، أنا بآيت أحسن بفضل الله، وبعدين هعوز إيه تاني طول ما وليد و الولاد بخير.
ضحك سليم قائلًا: لا إحنا كده نقوم نمشي يا وليد باشا.
قال وليد: الحمد لله، ربنا يديمها نعمة والله! الكام ساعة اللي فاتوا ربنا وحده كان عالم بي، الحمد لله.
أومأ سليم: الحمد لله، أخبارك يا شفق! عاملة إيه يا حبيبتي؟
أجابت شفق الابنة على استحياء: أنا الحمد لله يا أونكل، ربنا يبارك لحضرتك في يحيى! بصراحة هو عمل الواجب وزيادة.
تابع سليم: ربنا يباركلنا كلنا في يحيى!
فضحكوا جميعًا، بينما كلًا من سلمى وشفق تمسك ببطنها فالضحك يؤلمهما، فقال سليم ممازحًا: اتفضل اتفرج يا سيدي عل حموات الفاتنات.
فضحكوا ثانيًا ثم نظر سليم نحو إبنه الذي يختطف النظرات نحو شفق، وهي أيضًا تنظر إليه على استحياء بطرف عينها، وكان وليد يتابعهما ثم ينظر لشفق زوجته فيجدها تنظر نحوهما كذلك سلمى.
تحدث سليم: أنا عارف إنه لا وقته و لا مكانه، بس هرمي كلمة كده ونكمل كلامنا لما مراتتنا يقوموا بالسلامة إن شاء الله.
تابع وليد: اتفضل يا بشمهندس.
أكمل سليم: طبعًا شفق بنتي و هي عارفة غلاوتها عندي من غلاوة ولادي كلهم، و بصراحة شايف ميل كده من الولاد لبعض، وعشان كده اسمحلي آخد شفق ليحيى، ده طبعًا كلام مبدئي لكن طبعًا هنجيلكم البيت ونتفق حسب الأصول.
أجاب وليد: يحيى غلاوته من غلاوة ولادي مفيش كلام وده طبعًا يسعدني جدًا، بس رأيي لوحدي مش كفاية.
شفق: أنا بصراحة مرحبة جدًا، يحيى ولد أخلاق و إحنا نعرفكم من زمن، وغير ده هطمن على بنتي معاه و هطمن إنه هيحافظ عليها و يشيلها جوة عينيه.
فقال يحيى بسعادة: وجوة قلبي والله!
ثم نظر ناحية شفق العروس، والتي نظرت له ثم نظرت أرضًا و سكتت.
سليم: هه يا عروستنا! نقول تمام ولا إيه!
فابتسمت وهزت برأسها أن نعم فضحك الجميع مستبشرًا وباركوا بعضهم لبعض.
فهمس يحيى لشفق : مبروك عليّ.
فأجابت هامسة: وعليّ.
وكان الآباء يلاحظون ذلك الهمس المتبادل فيبتسمون بسعادة .
ثم طرق باب الغرفة...
ففتح عز فوجد شادي و ياسمين وخلفهما أميرة، فسلم على شادي و ياسمين لكن عينيه ظلت متابعة أميرة حتى دخلت الغرفة فتصافحا مصافحة طويلة، لقاء طويل للعيون وقد لفت أنظار الجميع إليهما.
دخلت ياسمين و سلمت على شفق وسلمى، جلست جوار سلمى وهي تقذف لسليم بنظرات الإتهام تكاد تحرقه.
حتى قال سليم: والله اتصالحنا وكله بأه تمام.
شادي: ياسمين، قلنا إيه! خلاص بأه.
سلمي: والله خلاص! ما انتِ عارفانا نزعل مع بعض ونرجع على طول.
وكان وليد يضحك بشدة عليهم ويتابع تلك الإيماءات بين إبنه عز و بين أميرة.
فابتسم وقال: اهدوا بأه وخلونا ف المفيد.
فضحك سليم فقد فهم مقصد وليد، فقال لياسمين: خلاص يا ياسمين الله يكرمك! عرفت إن الله حق! أنا برضو استغنى عن سلمتي حب عمري!
ياسمين: عشان كده بتزعلها و تحرق دمها! وبعد كده تضحك على عقلها بكلمتين.
صاح شادي بدعابة: بونبونايتي! وبعدين معاكِ خلاص بأه!
تابعت ياسمين بتذمر، توجه كلماتها نحو زوجها: برضو! ينفع كده!
شادي: كلنا عارفين بعض و عارفين الإسم الحركي اللي مسمينه ليكم.
فضحكوا جميعًا، فقال وليد: إسمحولي بكلمة من فضلكم!
سليم: اتفضل.
وليد: بصراحة يا شادي في طلب عندك بعد إذنك مع إنه لا وقته و لا مكانه.
فضحك سليم فنظر له وليد يسكته، فسكت.
فأكمل وليد: بصراحة يا شادي كنت عايز أخطب أميرة لعز إبني وأميرة طبعًا بنتي و هي عارفة كده كويس، وشفق كمان بتحبها جدًا.
شفق: بصراحة من يوم ما اشتغلت ف المدرسة وهي حبيبة قلبي لطيفة و خفيفة، وياسلام على أدبها و أخلاقها، حقيقي ما شاء الله عليها!
وجم شادي قليلًا و نظر حوله لكل الوجوه فوجدهم جميعًا ينتظرون إجابته بوجههم الباش، ولاحظ توتر أميرة وعز وهما ينتظران الإجابة، ثم نظر لياسمين التي تنظر هي الأخرى لوجه ابنتها و عيناها الزائغتين ثم تنظر لشادي.
فابتسم شادي وقال: هه! إيه رأيك يا ياسمين!
ياسمين بفجأة: مش عارفة، أنا اتفاجئت، بس أسمع إن عز ولد كويس من أدهم ومنك ومن أميرة كمان؟
شادي: يعني إيه رأيك؟
ياسمين: بالسرعة دي! طب شوف رأيها هي،و استنى رأي أدهم كمان، مش أخوها الكبير!
شادي: أنا عن نفسي مرحب، هه يا حبيبة بابي! قولتي إيه!
أجابت أميرة بتلعثم وخفوت: يا بابي... هو... أصل... هي مفاجأة...
فنظر نحوها الجميع فارتبكت أكثر، فقال يحيى: يلا إنجزي عشان الواد وأخته يتجوزوا مع بعض.
سألته أميرة ببلاهة: واد مين وأخته مين؟!
أجاب عز بعينين مشتاقة: أنا الواد، وأختي شفق، لو كنتوا قدمتوا دقايق كنتوا حضرتم عمو سليم وهو بيخطب شفق ليحيى.
أهدرت أميرة بسعادة: لا والله! ألف مبروك.
عز: الله يبارك فيكِ! طب وإحنا!
سكتت قليلًا ثم ابتسمت بخجل، فقال عز: إنتِ كده قصدك إنك موافقة!
أومأت أميرة بخفوت: إمممممممممم.
وعند أدهم، وقد كانت ندى تحتاج لخياطة لجرحها وقد تمت الخياطة، لكن لازالت فاقدة لوعيها فقد نزفت بغزارة، بينما لازال أدهم جوارها لم يفارقها بل لم تطرف عينيه، متلهّف بكل جوارحه، كان معه سيف يجلس في أحد جوانب الغرفة ينتظر الاطمئنان على ندى، كما ينتظر والديها حسن و جميلة الذي قام بإخبارهما بوجودها في المشفى.
كان سيف جالسًا ينظر نحو ندى النائمة و أدهم الملهوف، تكاد لهفته تلك أن تفتك به، لكن ذلك المشهد قد ذكره بمشهد ندى زوجته عندما كانت مصابة ذات مرة وفقدت وعيها لأسابيع وأسابيع وكيف كانت لهفته و أشواقه!
وبدأت ندى تفتح عينيها بضعف فقد كانت شديدة الإنهاك والإجهاد، وقد ذهب إشراق وجهها و حلّ محله الشحوب و الإصفرار.
اقترب أدهم أكثر، أمسك بيدها، قبل جبهتها بعمق، حتى فتحت عينيها قليلًا فرأته و ابتسمت.
همست ندى: أدهم.
- يا عيون أدهم وقلب أدهم، أخيرًا فوقتي، الحمد لله الحمد لله.
قال الأخيرة وهو يضمها إليه ويربت عليها فضغطت برأسها عليه وكأنها قد وجدت بغيتها، أخيرًا قد نطق.
ثم ابتعد قليلًا لكن لازال قريبًا، وجهه مقابل لوجهها يتأمل عينيها الزرقاوتين وقد اجتاحته أمواج بحر عينيها فتقاذفته أمواجها في كل إتجاه، فترك نفسه بلا مقاومة و ود لو غرق في أعماقها.
فقال أدهم وهو يعبث بخصلات شعرها البنية المتدلية على وجهها: حاسة بإيه!
- حاسة إني أسعد واحدة في الكون، لو كنت أعرف إنك هتتخض و تتلهف عليّ كده، كنت اتخطفت من زمان.
- شششششششش! بلاش تفكريني بالساعات دي، ربنا ما يعيدها أبدًا.
فابتسمت وضغطت بأصابعها على يده وهي بين يده، فقال: تتجوزيني يا ندى!
ندى بسعادة: إيه! قول تاني كده.
- تتجوزيني يا ندى!
وهنا طرق الباب فابتعد أدهم لكن لازالت أصابعهما متشابكة، ففتح الباب وكان حسن و في يده تسير جميلة ببعض العرجة، كانا قادمان في لهفة وخوفٍ على ابنتهما خاصةً عندما علما بإصابتها.
صاحت جميلة بلهفة: ندى حبيبتي! سلامتك يا عمري، لا يا حسن بزيادة الشغل ده اللي كل يوم و التاني ترجعلي فيه مخرشمة.
لكن حسن لم يجيب، بل كان ينظر لتلك اليدين المتشابكتين، فالتفتت جميلة لتنظر موضع نظر حسن، ثم ابتسمت وسكتت.
نهض أدهم من مكانه، مد يده ليصافح والديها وهو يقول: الرائد أدهم.
ثم قال لحسن: أنا بعتذر لحضرتك جدًا على طريقتي مع حضرتك وانفعالي، بس أنا إتفاجئت وما كنتش أعرف إنها كانت مهمة.
فنظر حسن نحو سيف الجالس وصاح بغضب: مهمة!
أجاب سيف بهدوء: أيوة كانت مهمة.
حسن: وسايبني من يومها باكل ف بعضي وبكلم نفسي و تقولي مهمة!
سيف: ما كانش ينفع أقول لحد، أنا حتى ما بلغتش أدهم اللي معاها ف نفس المهمة.
تابعت جميلة وهي جالسة بجوار ندى تحتضنها: لا معلش يا سيادة اللوا، كفاياها شغل لحد كده و تشتغل ف شركتنا، مش هنفضل عايشين طول عمرنا ف الهم والقلق ده.
قال أدهم: والله ياريت يا فندم، كلنا كنا هنموت م القلق.
فابتسمت جميلة وقالت: إنت بأه بتشتغل معاها!
أجاب أدهم بلطف: والقائد المباشر ليها.
همست جميلة لإبنتها: بس جان أوي و زي القمر.
فابتسمت ندى وهمست: وبعدين يا مامي!
فجلس حسن جوار ندى على الكرسي الذي كان يجلس عليه أدهم.
ثم قال يحدث أدهم: قولتلي بأه إنت القائد بتاعها!
- أيوة يا بابي، وتقدر تعتبره نسخة من أونكل سيف ف شبابه و مهذب و أخلاقه عالية، هو عصبي و حمبلي شويتين بس يتبلع.
تابع أدهم رافعًا أحد حاحبيه: بأه يتبلع!
تابعت جميلة ضاحكة: لا إن كان على الحمبلي و العصبي، فأبوكِ أهو ياما شوفت منه، بس بعد كده بأه حاجة تانية، ربنا ما يحرمني منه يا رب.
صاح حسن: جميلة! جري إيه!
تابعت جميلة: شوفتي لسه باقول.
أدهم: طب اسمحلي حضرتك، كنت عايز آجي زيارة ف البيت بعد ما ندى تقوم بالسلامة أنا و الأسرة، عشان كنت عايز أتقدم بعد إذنكم وأطلب إيديها.
فابتسمت ندى بسعادة وعيناها تنظر إلى أدهم بينما كانت عيون والديها تتفحصها...
Noonazad
Bạn đang đọc truyện trên: Truyen247.Pro