(26)
بقلم : نهال عبدالواحد
فتحت زرقاويتيها وهي تطلع، تحاول أن تستكشف المكان من حولها.
كانت حجرة فارغة من الأثاث إلا من عدة صناديق خشبية ونافذة في إحدى الجدران، كانت تبدو كحجرة في شقة عادية.
ثبتت مكانها بضع لحظات تتسمع إن كان هناك أحد، ثم نهضت تحاول الوقوف، كانت مقيّدة يديها للخلف.
نظرت حولها فلمحت مسمار سميك يخرج من أحد الصناديق، اتجهت نحوه واستدارت بظهرها لتقطع القيد بسرعة.
لكنها في لحظة أدخلت المسمار في ساعدها فجُرحت لكنها لم تأبه، فكت قيدها ثم فكت وشاح كان مربوط حول عنقها، ربطت به ساعدها لتوقف الدم النازف.
ثم أمسكت بأحد أزرار كنزتها، اقتربت من النافذة المغلقة ونظرت عبرها، همست بصوتٍ منخفض: الدور التاني.
ثم اتجهت ناحية الصناديق الخشبية و حاولت فتح أحدهم بهدوء، نظرت بداخله وكان فيها أسلحة، همست بصوت منخفض: أربجيه.
ثم اتجهت بسرعة نحو صديقتها، بدأت تخبطها خبطات خفيفة على وجهها لتنهض، وبدأت تفتح عينيها ببطء.
فهمست إليها: شفق، فوقي كده واسمعيني، إحنا مخطوفين وعايزاكِ...
فبكت شفق وهي تنهض وتتلفت بعينها في زعرٍ و فزع وصاحت بهلع: إحنا فين؟ أنا خايفة أوي يا ندى!
- بالظبط، هو ده اللي انا عايزاه.
- أنا مش فاهمة حاجة.
- شششششششش!
وكان هناك أصوات لأشخاص قادمة، أسرعت ندى لمكانها و هي تلف الحبل على يديها للخلف كأنه كما كان.
فُتح الباب، دخل رجلان متقاربان في الحجم و طول القامة أحدهما أسمر البشرة، شعره قصير، و الآخر شعره طويل، مربوط من الخلف على هيئة ذيل حصان، يأكل علكة بطريقة مستفزة، نهضت ندى وهي تتصنّع البكاء و شفق لازالت تبكي أساسًا.
صاحت ندى ببكاء متصنع: إنتو مين وعايزين منا إيه؟ على فكرة أنا بابي ممكن يدفعلكم اللي انتو عايزينه.
تابعت شفق بصياح: وبابي والله!
فقال ذا الشعر القصير ( ينظر نحو ندا) : بصراحة انت يا قطة جاية هنا غلط، الكلام كان عل الحلوة دي .
قالت ندى: طب خلاص هديك الرقم بتاع بابي عشان تطلب الفدية.
تابعت شفق: و رقم بابي كمان، بس أنا عملتلكم إيه بس!
فنظر الشابان لبعضهما البعض ثم قال نفس الشاب: ما تستعجليش يا حلوة.
لكن كانت عيناه تتفحص ندى بطريقة وقحة قد لاحظتها و أغضبتها كثيرًا، لكنها تصنّعت البلاهة كأنها لم تلاحظ شيء.
بينما هذا الشاب يطيل النظر بها إذ نادى صوتٌ من الخارج ففزعا فجأة، أسرعا له و سحبا الباب خلفهما ونسيا أن يوصداه؛ فقد اعتمدا أنهما مقيدتان.
وبعد أن خرجا، همست شفق: هو في إيه؟ أنا مش فاهمة حاجة، شكلك وطريقتك كده...
- شششششششش! صوتك.
ثم نهضت واقفة، لازالت يداها خلف ظهرها، اتجهت ناحية الباب ثم استدارت، فتحته بهدوء ويديها للخلف، وشفق لازالت لا تفهم أي شيء فلم تفعل أي شيء سوى البكاء.
بينما ندى انحنت رأسها للأمام قليلًا تتسمع إن كان هناك أحدهم، فلم تشعر بوجود أيٍ منهم فتحت الباب بقدرٍ يخرجها، وكان أمام الباب ممر (طرقة) طوله بضع مترات، بدأت تتحرك بهدوء وعلى أطراف أناملها حتى اقتربت من نهاية الممر وكان عندها أصوات المتحدثين مسموع بوضوح.
كان هناك أصوات لعدة رجال و كأنهم يتحدثون عبر محادثة إلكترونية مع شخص ما، لكنه يحدثهم بالروسية.
كانوا يتحدثون جميعهم بشأن تنفيذ عملية إرهابية في مكان حيوي، ظلوا يتحدثون ويتحدثون وندى لا تزال واقفة تتسمع لكلامهم، كما يتسمع غيرها أيضًا.
لم يعود للبيت كلًا من يحيى وأدهم بعد أن تركا وليد، شفق وعز في المشفى، ظل يحيى معه لا يتركه يود لو يعرف أي شيء عن الفتاتين، ترك أي شيء آخر حتى عمله بالشركة أو الكلية وهذا في حد ذاته شيء لم يحدث من قبل.
فلم يعد لعشق يحيى ولا أدهم مكان للإختباء فقد زاد وفاض و ظهر للجميع من قلقهما و خوفهما الشديد على شفق و ندى.
كان أدهم يجلس عند سيف في غرفة العمليات الملحقة بالإدارة و كان معه يحيى.
تحدث أدهم: طب يافندم إحنا مستنيين إيه؟
أجاب سيف: ندى معاها جهاز ( GPS ) أول ما تشغله هيحدد مكانها و..... إده إده! أهو اشتغل .
(حين ضغطت ندى على أحد أزرار كنزتها)
ثم رفع سماعة الهاتف وقال سيف: حدد المكان بسرعة.
كان أحد رجالهم جالسًا، ضغط على أزرار الجهاز وبعد قليل سُمع صوت ندى وهي تقول: الدور التاني، ثم بعدها قالت: أربجيه.
ثم سُمع صوت كلامها و صوت شفق المفزوعة والتي ما أن سمعها يحيى حتى توتر وزاغ بصره، قبض بيديه على بعضهما حتى ابيضت أطراف أصابعه.
وبعده سُمع ذلك الحديث الذي تحدّثه الشابان، قد لاحظ أدهم نبرة صوت أحدهما، طريقته وهو يتحدث إلى ندى، تخيل نظرة عيناه فجز على أسنانه وصارت عيناه تطلقان شررًا.
جاء أحد الرجال لسيف بمكان ندى المحدد بالضبط ثم سُمع ذلك الحوار بين أفراد العصابة وتفاصيل ذلك العمل الإرهابي وفي نهاية الحديث أخبر المتحدث إلكترونيًا أنه قادم في خلال ساعة بالضبط ليتحركوا إلى مكان تنفيذ العمل الإرهابي.
تابع أدهم بغيظ: وإيه اللي خلي سي زفت ده يسيب اللي جاي مصر عشانه و يروح على أخته و يخطف البنات! أوووووووف!
بس سيادتك اتوقعت كده إزاي؟
أجابه سيف: انت بتسألني أنا السؤال ده!
فسكت أدهم قليلًا ثم قال: آسف يا فندم.
ما أن انتهى الحوار حتى أسرعت ندى إلى الحجرة مسرعة، دخلت، أغلقت الباب بهدوء، عادت جالسة مكانها جوار شفق.
فمالت إليها شفق و همست: مش ناوية تقوليلي في إيه! أنا حاسة إني ف فيلم أكشن.
- مخطوفين زي ما انتِ شايفة.
- ندى!
عادت ندى بظهرها إلى الحائط ولازالت يديها للخلف كأنها لا تزال مقيدة، أسندت برأسها و أغمضت عينيها كأنها تفكر في أمرٍ ما.
جلس سيف، أدهم و آخرين يتحدثون جميعًا في إجتماع بشأن كيفية حصارهم والقبض عليهم في ذلك المكان لإحباط تلك المحاولة، بينما يحيى انتظرهم بمكتب أدهم في حالة من التوتر الشديد.
بينما كان يحيى منتظر في مكتب أدهم، لازال شديد القلق، وبعد فترة خرج الجميع وأدهم يضع سماعة على إحدى أذنيه ليسمع ويتابع ما يدور عند الفتاتين.
بعد فترة وصلوا للمكان بالفعل، انتشروا، توزعوا في كمينٍ خفي وانتظروا، وكان يحيى و أدهم يجلسان في سيارة للمياه الغازية عن بعد، وها هم قد وصلوا لكنه لمح تلك المرأة.
همس أدهم باستخفاف: هو انت!
سأله يحيى: هي مين؟ انت تعرفها!
- دي إيرينا، سبب الخناقة اللي بين أبوك وأمك.
- دي واحدة منهم! طب جت عندنا الشركة ليه؟!
كان أدهم يشير لرجاله عن بعد بإشارات متفق عليها ولم ينتبه ليحيى.
أما عند الفتاتين بينما كانتا جالستان إذ دخل عليهما الشابان الأولان، خلفهما مصطفي الذي يسير ببعض العرج بسبب إصابة رجله، ظل ينظر بين الفتاتين حتى استقر نظره إلى شفق التي كاد يحرقها بناظريه.
اقترب منها وجذبها بقوة فنهضت واقفة في خوفٍ وفزع شديدين، وقال وهو يهز فيها بقوة: لو أقدر أموتك بدل المرة ألف! إنت اللي دخلتي حياتها و دخّلتي أبوكِ و غوّتيها!
أجابت شفق بفزع: انت بتقول إيه! أنا مش فاهمة حاجة.
تابع مصطفى: مش هتصعبي عليّ، ما انتِ مش هتكوني أغلى منها، وأنا موتها خلاص.
فصرخت فيه: موت مين؟ تقصد مامي!
فهز برأسه أن نعم فصرخت بشدة فقهقه بهيستريا وقال: وهموتك وأموت أبوكِ، ولا أقولك أسيبه شوية عايش بقهرته هيتعذب أكتر.
وقهقه بقوة من جديد، فدخل شخص أشقر وصاح فيه: بذمتك ده وقته! إحنا فاضيين للهرتلة دي! يلا اتحرك مفيش وقت.
ثم دفعه في إتجاه الصناديق ليحملها بينما هو دفع شفق بقوة على الأرض فصرخت.
وقبل أن يخرج مصطفى حاملًا الصناديق نظر ذلك الآخر ناحية ندى، لمح خلفها و جانبها بركة من الدم، إنه جرح ساعدها ينزف بشدة دون أن تشعر.
ارتاب في أمرها فاتجه نحوها، جذبها فوقفت وجذب يدها ليراها فوقد القيد قد فُك وفي يدها جرح قطعي.
فهزها بعنف وهو يصيح فيها : انتِ مين يا بت انتِ؟! مش مستريحلك من بدري، اقتلوا الإتنين دول قبل ما تمشوا.
فقال ذلك الشاب صاحب النظرات الوقحة وهو يتفحص ندى بنظرات شهوانية أكثر وقاحة: طب خمسة كده مع القطة قبل ما أوصلها للآخرة.
فقال الأشقر: مش وقته خلينا نخلص.
فقال الوقح: وأنا مش هأخركم، مش شايف الموزة عاملة إزاي! والله خسارة ف الموت يا قطة! بس كده ميتة وكده ميتة، يا إما أموتك يا إما دمك هيتصفى.
فقال الأشقر: الله يخربيتك يا مصطفى ويا خربيت مجايبك! شايف بيحصل إيه من تحت راسك، عشان تمشي بدماغك تاني!
كان ذلك الوقح يتقدم نحو ندى وهاهو بدأ يتلمسها وهي تحاول دفعه لكن يبدو أنها متعبة من أثر ذلك النزف فلم تكن بحالتها المعتادة.
بينما شفق تتابع الموقف وتصرخ..................
NoonaAbdElWahed
Bạn đang đọc truyện trên: Truyen247.Pro