(25)
بقلم : نهال عبدالواحد
عاد عز من شروده وكأنما تذكّر شيئا ما، نهض واقفًا، جلس أرضًا جوار والده الذي كان جالسًا فوق سجادة الصلاة يدعو ربه و يكمل باقي أذكاره.
التفت إليه وليد، ثم قال: لو خلصت أذكار الصباح اقعد ادعي لماما و لأختك.
- بابا، مين ده؟!
- ده اللي هو مين؟
- اللي ضرب ماما، يقربلها!
تنهد وليد قائلًا: المفروض يبقى أخوها.
أهدر عز بفجأة: أخوها!
- كان مستهتر و هي شالت همه خصوصًا بعد موت أبوها وأمها، رغم إن جدك الله يرحمه حذرها من كده، لكن انت عارف شفق و قلبها الطيب، لحد ما تعبت منه ومن عمايله...
وسكت وشرد قليلًا، ثم قال: فسابته و عاشت في الشقة اللي جدك كان جايبهالها، واتعرفت عليها وحبينا بعض و اتجوزنا، زي ما انت عارف كانت الميس بتاعة شفق أختك.
- في حاجة حضرتك خبيتها و ما قولتهاش، عشان تخليه يبقى عايز يقتلها.
- لأنها سابته من غير ما تقول، وبعدها اتجوزنا.
- وعشان ماما تاخد خطوة زي دي، ماما اللي حضرتك عارفها أكتر مني، لازم يبقى في شيء ضروري، حاجة كده كأنها حياة أو موت.
- ما هو اتلم على ناس مش كويسة، تلاقيه اتغاظ منها عشان إتجوزتني و عايشة عشيتها دي من غير ما تشركه معاها.
- بابا!
صاح وليد: خلاص يا عز ما تسألش!
وفجأة جاءه الرد بصوت ضعيف: سيبته عشان كان مدمن ومش بيشتغل، كمان جاب صحابه المساطيل على بيت أبويا...
فنهض وليد مسرعًا، خلفه عز مقتربان من سرير شفق التي قد استردت وعيها توًا، فأمسك عز بيد أمه يقبلها بينما ضمها وليد إليه و هو يقول: حمد الله على سلامتك يا عمري.
همست شفق: كنت قولتله يا وليد.
تابع وليد: ده موضوع ما يخصنيش يا شفق، وبعدين مش وقته.
قال عز: ارتاحي يا ماما دلوقتي، أنا ما كانش قصدي اتدخل أبدًا.
قالت: طول عمره قلبه اسود، لكن ما اتخيلتش سواده يوصل للدرجة دي.
تابع وليد: حبيبتي ما ترهقيش نفسك، إرتاحي، هه حاسة بإيه!
همست: الحمد لله، فيه وجع شوية و دماغي تقيلة، إحنا إمتى دلوقتي؟!
أجاب عز: الصبح يا حبيبتي الساعة عدت سابعة.
تابعت شفق بضيق: الفجر راح مني.
قال وليد: معلش حبيبتي معاكِ عذرك، فوقي كده الأول و بعدين صلي.
نظرت شفق بينهما وسألت بدهشة: إنتو بايتين هنا و سايبن شفق لوحدها!
أومأ عز نافيًا: لا يا ماما.
نظر وليد لعز ثم أكمل: لا يا شفق، هي باتت مع ندى.
سألته بعتاب: ومن إمتى بتبات برة؟!
أجاب وليد: معلش يا حبيبتي، آخر مرة تبات في أي حتة.
أطالت شفق النظر إليه وقالت: في حاجة مخبيها عليّ يا وليد!
- إرتاحي يا حبيبتي دلوقتي.
كانت شفق لا تزال غير مستعيدة لوعيها كاملًا فغمرت في سباتها من جديد، سحب وليد يده من عليها بهدوء و طبع قبلة على جبهتها ثم أومأ لإبنه أن يتبعه، ولما ابتعد عن السرير...
همس وليد محذرًا: لازم تمسك لسانك شوية، هه!
فهز عز برأسه أن نعم.
أما سليم فعقب عودته للغرفة، اتجه ناحية سلمى كما كان وتمدد جوارها ممسكًا بيدها ، حتى أذّن الفجر فنهض، توضأ هو الآخر، صلي وجلس يدعو لزوجته أن تُشفى وأن يصلح الله بينهما.
ظل سليم جالس لفترة على سجادة الصلاة فسمع فجأة صوت عطسة يعرفها جيدًا فابتسم وهو ينهض مسرعًا يتجه نحوها فأغمضت عينيها توًا.
اقترب منها حتى صار جانبها مباشرةً، ابتسم بشدة حتى ظهرت غمازتيه، ثم قال: وبعدين ف الحركات دي! ماانا عارف إنك صاحية، قومي كده وكلميني.
ففتحت عينها و قالت بجدية: خلص الكلام.
حاولت أن تنام على جانبها حتى لا تراه لكن الجرح قد آلمها فجأة فتأوهت فاتجه نحوها يساعدها لتعدّل من وضعية جسدها لتصير أكثر راحة.
همس سليم: هه! إزيك كده؟
- شكرًا.
فرفع حاجبيه ثم ابتسم لأنه يفهم أنها تريد مضايقته: مش ناوي ترضى عليّ يا جميل!
تابعت سلمى دون أن تنظر إليه: من فضلك أنا تعبانة ومش عايزة اتكلم.
- خلاص ما تتكلميش، كفاية تبصيلي بعنيكِ الحلوين دول وأنا هفهم.
فقالت وهي تحاول إخفاء بسمتها: من فضلك أنا مش فايقة وتعبانة.
فاقترب منها سليم وقال: وانا طول عمري الدوا.
- بلاش تتغر ف نفسك أوي كده يا بتاع إيرينا.
- يا شيخة حرام عليكِ، بأه بتاع إيرينا! لا إيرينا ولا أم إيرينا ولا اللي جاب إيرينا، أنا أصلًا ما كنتش فاكرها ولا لفتت إنتباهي من أساسه، ما انتِ فاهمة روسي و سمعتي الحوار، وبعدين أنا كنسلت كل حاجة مخصوص عشان عيونك بس انتِ قول سامحتك.
نظرت له بطرف عينها فوجدته ينظر لها فابتعدت بنظرها عنه فضحك مقهقهًا: والله عمرك ما هتكبري أبدًا! هتفضلي شعنونتي البنوتة الصغيرة اللي كعبلتني ف هواها من أول نظرة.
- إنت اللي كعبلتني علي فكرة بالاستبن بتاعك ده.
- اشتميه يلا أنا سامعك.
فنظرت نحوه ثانيًا ثم إبتعدت بنظرها عنه، فقال:
عندي إحساس إنك هتنافسي أحفادك، هلاقي نفسي بجيب حلويات ولعب ليكِ قبلهم.
فضحكت ممسكة ببطنها ثم قالت: من فضلك ما تضحكنيش عشان الخياطة.
- طب بتكشري تاني ليه دلوقت؟!
- ما لكش دعوة بيّ.
قال سليم وهو يمسك بيدها: طب يبقى ليّ دعوة بمين؟! خلاص بأه، بلاش يبقى قلبك اسود.
- انت عارف انت عملت فيّ إيه! فكرتني بماما لما بابا طلقها وتخيلتك و تخيلتني، بس الفرق إن بنتي كانت مقطعاني، يعني كنت اروح فين بسني ده وببنتي اللي كانت لسه ما شافتش النور، الله يرحمها بأه!
- معقول يا سلمى كل ده ولسه ثقتك فيّ بتتهز، اعتبريه سوء تفاهم وبس وأنا اتعصبت جامد، وانتِ برضو زودتيها ف ردودك وصوتك العالي أدام الناس.
- انت بتفكر ف شكلك أدام الناس، لكن أنا اتوجعت منك أوي، والوجع اللي بيجي م الحبيب بيبقى أقسى ما يكون.
- يعني أنا حبيب!
- احنا ف إيه ولا ف إيه!
- طب حقك عليّ بأه، سامحيني عشان ترتاحي وتخفي بسرعة عشان المواويل اللي وراكِ.
- مواويل إيه!
- خدي عندك، بنتك اللي هتولد دي يا تيتة.
- ما اسميش تيتة ، اسمي أنّا سومة.
فابتسم وقال: طب أحلى أنّا دي يا خواتي.
- سلييييييييييم! أنا لسه ما صالحتكش.
فضحك وقال: وبعد ولادة سلمى وراك فساتين البنات عشان فرح رقية و سليم، وفستان لأنّا القمر دي و فستان لبنتك، ويمكن يبقي فستان تالت لعروسة يحيى.
- إده بجد! هو كلّم شفق!
- ربنا يرجعّها بالسلامة بأه!
- هو في إيه!
- شفق اتخطفت هي وندى، و شفق الكبير اتضربت بسكين ف بطنها وعملت عملية و نايمة ف الأوضة اللي جنبك.
عقدت سلمى حاجبيها باستياء قائلة: إده إده! لا حول ولا قوة إلا بالله! طب ده حصل إزاي وفين؟!
- هبقى أعرف التفاصيل دي بعدين من وليد، زمانه قاعد قعدتي دي، و هيموت على مراته زيّ تمام.
- بتقلب المواضيع لصالحك إنت!
- وماله! المهم النتيجة.
- الواجب أروح أزورها.
- تزوري مين؟ إهدي كده انتِ كمان فاتحة بطنك، وبعدين الساعة سبعة دلوقتي يعني مش ميعاد زيارة أبدًا ولا إيه!
- طيب.
- خلينا ف موضوعنا إحنا بأه، سماح يا قمر، وحياة أغلى حاجة لترضي عني وتسامحيني.
فابتسمت، فقال: أيوة! أهي بدأت تندّع أهي.
فضحكت، فقال: طب والله ما تعرفي تستغني عني!
- عارف نقطة ضعفي إنت.
- ونقطة ضعفي انا كمان، أنا ولا حاجة من غيرك، افهمي بأه، معقول بعد العمر ده كله لسه ثقتك فيّ بتتهز!
- أنا كنت تعبانة جدًا وقتها، يمكن الموقف ده لو كان ف ظروف تانية كان رد فعلي هيبقى أهدى لكن...
- خلاص.
واقترب منها وقبل جبهتها بعمق ثم قال: صافي يا لبن.
تابعت سلمى بإبتسامة: صافي يا لبن.
فضمها إليه هامسًا: يا رب مااتحرم منك أبدًا! ويبارك فيكِ و ف ولادنا و أحفادنا يا أنّا شعنونة!
فضحكت من كلماته....................
NoonaAbdElWahed
Bạn đang đọc truyện trên: Truyen247.Pro