(22)
بقلم : نهال عبدالواحد
وصل الثلاثة إلى البيت وكلٌ منهم في حال؛ فرقية أسرعت نحو حجرتها تتحدث مع يحيى خطيبها عبر مواقع التواصل الإجتماعي، يحيى ذهب إلى حجرته ليبدل ملابسه وها هو قد صار أكثر أناقة، وسامة و روحه تهفهف نحو لقاء ما يتمناه و رؤية شخص بعينه يتمنى رؤيته بل يشتاق إليه كثيرًا.
أما سليم فدخل حجرته، تمدد على فراشه قبل أن يبدل ملابسه، لازال حديث أبيه يرن في أذنه، هل يحب رقية أم هي مجرد زيجة تقليدية؟!
فكر ما إن كان يمكن أن يستغنى عنها، يتزوج من غيرها، جلس يتخيل حياته مع غيرها، تخيل الكثير من المواقف التي جمعته برقية لو كانت مع أخرى!
فانتفض فجأة!
نفض كل ذلك من رأسه، أسرع يفتح هاتفه بلهفة لخطيبته وحبيبته وكأنه قد أيقن فجأة أنه يحبها!
اتصل بها، بالطبع لم تجيب...
فاتصل ثانيًا، رابعًا،... لازالت لا تجيب...
فكتب لها رسالة وانتظر، ظل يفكر ويفكر هل فعلًا قد زهدت فيه؟
هل فعلًا قد اعتادت على عدم وجوده باكرًا؟
هل انتهى كل شيء بتلك السهولة؟
لا بل قل بتلك الحماقة!
ظلت أفكاره المزدحمة تلك تغزوه حتى غط في نومه دون حتى أن يبدل ملابسه...
أما يحيى فقد مر عليه أدهم، اتصل به فهبط إليه وذهبا معًا إلى بيت اللواء سيف، في طريقهما توقفا لإحدى محلات الحلوى المتميزة لشراء بعض الحلوى.
بالطبع عندما يجتمع إثنان مثل يحيى وأدهم بهيبتهما، أناقتهما، وسامتهما غير رائحة عطرهما التي احتلت المكان بأكمله، فخطفا بذلك أنظار ذوات نون النسوة الموجودات بالمحل... لكن مثل تلك الأشياء لا تلفت إنتباههما فبداخل رأس وقلب كلٍ منهما ما يشغله.
اشتريا ما يريداه ثم غادرا ولازال تتبعهما عيونهن، وصلا الإثنان بعد ذلك إلى بيت سيف.
عندما دخلا وجدا بالداخل وليد، شفق، عز، ندى و والدها حسن؛ حيث أن حسن و سيف و وليد كانوا أصدقاء منذ زمن.
قد تحققت أمنية يحيى في رؤية شفق التي ترتدي كنزة طويلة مزيجٌ بين اللون الوردي و الأسود، بنطال واسع أسود اللون ويزيّن رأسها حجابًا باللون الوردي، عيناها مكتحلتان رائعتان، طلاء شفاه من اللون الوردي نفس درجة شفتيها... كم كانت وردة بديعة!
هذه الوردة قد جذبت برحيقها عينا يحيى، جعلته في حالة لم يعهدها من قبل، فكان مركّزًا طوال الوقت مراقبًا لها لدرجة أنه كان لا ينتبه للكثير من الأحاديث المتبادلة أمامه.
لا بل جذبت روحه إليها، تمنى لو ينهض الآن و يتوسل لوليد أبيها أن يزوجه لها فورًا، لكن دائمًا تلك الأفكار الجريئة التي تتطفل بعقولنا بدون استئذان تظل في حيز التخيل.
أما عن ندى فكانت ترتدي بنطال من الجينز، كنزة من اللون الأبيض بأرضيتها المزركشة ببعض الزهور الرقيقة، لها فتحة رقبة ( سبرين) و ذات أكمام حتى قرابة الكوعين، ترفع شعرها لأعلى على هيئة كعكة، كم بدت رائعة هذه الوردة الأخرى أيضًا!
لكن أدهم كان أكثر هدوءًا فكان يجلس بصورته العادية دون أن يظهر أي شيء نحو ندى و ربما ذلك أكثر ما يزعج ندى؛ هذا البرود، اللامبالاة و الثقة الزائدة .
لكنه لما سنحت له فرصة الجلوس جوارها، مال إليها هامسًا: رجعتي للجينز تاني يعني!
أجابته بغيظ و تحدي كالعادة: براحتي.
ابتسم لها بطريقة استفزتها فنهضت من جواره وجلست في مكان آخر، بالضبط بين أبيها و سيادة اللواء، ثم نظرت له بلامبالاة وتحدي.
مر الوقت والأحاديث تتبادل بينهم جميعًا في مختلف الموضوعات، ثم نهضت ندى و شفق، قامتا بإعداد المائدة، وضعتا حلوى العيد ميلاد عليها و قامتا بترتيبها.
وبعد الإحتفال بعيد الميلاد و تناول الحلوى، نهضتا الفتاتان من جديد لتعيد كل شيء مكانه وترتبا الأطباق وتغسلاها.
ثم جلستا الفتاتان متقاربتان تتحدثان معًا بصوتٍ هامس، كان أدهم و يحيى يتابعانهما بعينيهما، كانت ندى حريصة ألا تجعل أدهم يعرف ما يقولاه من خلال قراءة الشفاه عن بعد، فكانت ترشد شفق للتحدث بطريقة معينة لا تمكّن أدهم تحديدًا من معرفة ما يقولاه، وقد أغضبه ذلك إلى حدٍ ما.
ثم اتفقت الفتاتان على الاستئذان والخروج معًا لأحد المولات القريبة بدلًا من الجلوس وسط أحاديث الرجال المملة وأيضًا من أجل التسوق.
استأذنت كل فتاة من أبيها لتذهب فوافقا وذلك قد زاد من غضب أدهم نحو ندى، أما يحيى فبدأ يشعر بالملل بعد ذهاب شفق فظل ساكتًا لا يتحدث.
شغل أدهم نفسه بعز وجلسته المتوترة، عيناه الزائغتين منذ عدة أيام وليس اليوم فقط، بالطبع أدهم يعرف سبب ما ألم به وإن كان يظهر غير ذلك.
حتى طلب عز منه التحدث منفردين فابتعد يحيى و خرج يقف في الشرفة يستنشق ذلك النسيم الهادئ.
وعند عز وأدهم...
تسآل أدهم: خير يا عز!
أجاب عز بإرتباك: بصراحة في موضوع كده، ومش عارف أبدأ منين!
- اتفضل سامعك.
- أميرة أختك.
أجابه أدهم يتصنع عدم الفهم: إيه رزّلت عليك ولا حاجة! قوللي وأنا أظبطها.
- لا لا، الموضوع مش كده خالص.
- أمال!
- ف الحقيقة كنت عايز أطمن على صحتها هي كويسة!
- الحمد لله، وزي الفل.
- أمال ما بتردش عليّ ليه؟!
قصدي... كويس إنها بخير، بسأل عادي.
- إمممممممممم!
طب باقولك إيه! ما تقول كده إنت عايز إيه من غير لف ولا دوران!
- هعوز إيه يعني!
قصدي... قصدي... كنت عايز أكلمها.
- وده عادي بوضو!
- بصراحة أنا معجب بيها.
فتنفس أدهم بهدوء ثم قال: بص يا عز، مش هعلق على كلامك لأني عارفك و عارف أخلاقك.
- لا والله ما انت فاهم غلط! بصراحة من ساعة ما بطلت تيجي الشركة وأنا حسيت إن في حاجة نقصاني، ولما ماما بتحكي عنها بتعمل إيه ف المدرسة عندها بفضل مركز معاها و ببقى عايز أعرف كل حاجة عنها، وبحب أتكلم معاها و بحب قفشاتها دي.
- يعني انت كنت بتتكلم معاها.
- هه! والله في حدود الأدب و اللائق والله! وعمري ما تجاوزت حدودي، بس أنا نفسي أقرب وآخد خطوة إيجابية وكنت عايز أعرف رأيها، بس من ساعتها وهي ما بتعبرنيش ولا بترد علىّ نهائيًا.
- طب وبعد ما تعرف رأيها!
- هكلم بابا وماما ونيجي عندكم نخطبها.
- طب ورأى اخوها! ولا كيس جوافة قاعد أدامك!
- لا العفو، رأيك ضروري طبعًا، طب ما تقول رأيك دلوقتي.
- تفتكر لو معترض عليك كنت سيبتك تكمل كلامك اللي قولته و لا حتى إديتك مساحة تفتح معايا ف الكلام!
- وده معناه إيه!
- معناه إني عارفك و قاريك من زمان وكنت مستنيك لما تيجي و تتكلم.
- يعني انت موافق يا حضرة الظابط!
- مش لما أعرف رأي صاحبة الشأن و رأي ماما وبابا كمان، ولا إيه!
أهدر عز بسعادة: طبعًا.
ثم التفتا بعينهما ناحية يحيى، فقال عز: هو يحيى ماله اتقلب فجأة كده ليه؟!
فقال أدهم وكأنه لا يفهم شيء: مش عارف، ممكن عشان موضوع مامته وإحنا سبناه لوحده بدل ما نخرجه من اللي هو فيه.
فاقتربا الإثنان نحو يحيى الذي كان شاردًا تمامًا.
قال عز: مالك يا يحيى!
تحدث أدهم: إنت اتصلت بالمستشفى بسيادة البشمهندس!
تفاجأ يحيى وأهدر: هه! بتقولوا حاجة!
تابع عز: بنسأل عن مامتك، اتصلت ولا حاجة!
أومأ يحيى: آه كلمت بابا، قاعد جنبها و هي نايمة من ساعة ما مشينا.
تابع أدهم: ما حستش بيه!
أجاب يحيى: دلوقتي هي واخدة منوم، لكن لما كنا عندها بابا يا حبيبي واقف على باب الأوضة، كنت لامح خياله و هو بيوارب الباب عشان يشوفها و هيموت ويدخلها، وأول ما يتعب يرجع يقعد شوية وبعد كده يرجعلها، بس غالبًا ماما كانت شايفاه و متبعاه بطرف عينها.
ضحك أدهم وقال: والله البنات دول العند والتحدي بيجري ف دمهم حتى لو كان عمرهم أد إيه! بتفضل تعاند معاك وتطلع روحك.
فضحك الثلاثة، ثم أكمل أدهم: كلام ف سرك، ماما هتنبسط جدًا بالحركة دي أول ما تعرف.
أومأ يحيى مبتسمًا: عارف، بس مش عارف ليه حاطة بابا ف راسها!
أجاب أدهم: يا بني مش كان بيدرسلهم هم الإتنين و بابا كمان وشكله كان مكفّر سيئاتهم .
تابع يحيى: آااااااااااه! دي مخزنة بأه!
قال أدهم: بابا كان مرة حكالي إنها يوم ما عرفت إن باباك هو خطيب مامتك وهو الحب الكبير اللي كانت دايمًا بتحكي عنه وشها جاب ألوان ومن يومها وهي أول ما تعرف إنه عملها حاجة...
قاطعه يحيى: عارف، بتقف ف صفوف المقاتلين الأولى.
فضحك الثلاثة مجددًا، لكن فجأة يحيى قد توقف عن الضحك، نظر إلى الشارع وهم بالشرفة، وقد كانوا في الطابق الثاني .
قال يحيى: عز، مش دي عربيتكم!
أومأ عز بتعجب: أيوة فعلًا، بس كأن محطوط على إزازها ورقة.
صاح أدهم بصدمة: إده!
تابع يحيى و عز معًا: في إيه!
قال أدهم: عربية ندى وباباها أهي.
تسآل عز: أمال راحوا بإيه لما العربيتين واقفين!
تابع أدهم: لا مش ده قصدي، عربية ندى إزازها مكسور.
أسرع أدهم لأسفل، خلفه يحيى و عز بلهفة و فزع، ففزع الثلاث رجال وليد، حسن وسيف من هيئة الثلاثة الشباب المسرعين لأسفل وكأن هناك مصيبة قد وقعت، فأسرعوا خلفهم.
ما أن وصل الجميع جانب السيارة حتى وجد بالفعل أن زجاج باب السيارة مكسور، متروك مفتوح والمفتاح داخل السيارة في مكانه الذي تدار منه السيارة ( الكونتاكت).
وجم الثلاثة شباب بفزعٍ واضح، في حين أن وليد أمسك بتلك الورقة الموجودة على الزجاج الأمامي لسيارته و قرأ ما فيها بصوته:
« الحساب لسه ما انتهاش... »
..............
NoonaAbdElWahed
Bạn đang đọc truyện trên: Truyen247.Pro