(17)
بقلم : نهال عبدالواحد
أجاب يحيى على هاتفه وكان أدهم هو المتصل.
فقال: آلو... أيوة يا أدهم ! إيييييييه! وانتو فين دلوقتي؟! طب انا جاي فورًا بس ابعتلي المكان!
واغلق الهاتف، وجم للحظات ثم أتى صوت رسالة من هاتفه ففتحه ليرى رسالة تشير بوجود المكان.
فقالت شفق بقلق: هو في حاجة حصلت!
أجابها ولازال واجمًا: أدهم بيقول إن بابا و ماما اتخانقوا خناقة كبيرة وهو فضها وخد ماما وهي معاه دلوقتي.
- اطمن إن شاء الله خير.
تابع بقلق: دي عمرها ما حصلت عمري ما شفت ماما وبابا بيتخانقوا، مش يتخاتقوا برة البيت وأدام الناس! يادوب كنت أشوفها تكلمه من غير ما تبصله ولا تناديه بجفاء يا دكتور وهو لما يجي من برة يسلم عليها بإيده ولما يبوسها ف راسها بيبقى سلامهم جاف كده و هو كتيره يوم وعمرنا ما عرفنا هم إمتى ولا ليه زعلوا!
- طب يلا بينا عشان تلحق مامتك، أكيد الظروف اللي هم فيها تعبالهم أعصابهم.
قال يحيى بشك: أتمنى.
ثم قال: أنا آسف كان نفسي نكمل كلامنا.
أومأت شفق بتفهم: الأيام جاية كتير والأولى تروح تطمن على مامتك، وبعدين أكتر من كده هتأخر كتير.
أدار يحيى السيارة، انطلق بها وظل يقود حتى أقلّها لبيتها، ترجلت، أشارت له أن سلام بوجهٍ مبتسم فأشار لها هو الآخر ثم انطلق بعد أن اطمأن من دخولها للفيلا.
دخلت شفق وجلست على أول كرسي قابلته وشردت كثيرًا لدرجة أن الوقت مر عليها دون أن تشعر إلا فجأة بوجود أبيها أمامها فانتفضت واقفة.
أهدرت شفق بفجأة: بابي!
فابتسم وليد وسلم عليها وقبلها بين عينيها ثم قال : هه! روحتوا فين؟!
- ما روحناش ف حتة، يا دوب مشينا م الشركة و أدهم اتصل بيحيى فاعتذر و وصّلني على طول.
وإذا بصوت شفق الكبيرة بانزعاج: ويحيى يوصلك ليه؟! ما كنتي جيتي مع بابي!
ثم سلمت على زوجها، فقالت شفق الإبنة : هو صحيح يا بابي طنط سلمى و أونكل سليم اتخانقوا!
شهقت شفق بفجأة: اتخانقوا! دي حتى شكلها ست لطيفة وعاقلة!
أجاب وليد بمكر: هم العاقلين يعني ما بيتخانقوش!
ولا حاجة يا ستي، واحدة روسية جاية من شركة أجنبية عايزة تستثمر هنا ف مصر وعايزانا ننفذ المشروع، وسلمى شافتها من هنا و ركبها ميت عفريت وعلى صوت واحد مفيش شغل مع الناس دي.
تسآلت شفق: ليه يعني؟!
أجاب وليد بلامبالاة: غيرة حريم بعيد عنك.
- هي حلوة!
- باقولك روسية، يعني حاجة قشطة على مهلبية كده.
فصاحت شفق بغضب: إده يا وليد! إنت كنت بتبص عليها!
تابع وليد ولازال يزيد في إغضابها بلامبالاة: مش كانت قاعدة أدامي!
- يعني كنت بتتفرج عليها!
- وبعدين!
- خلاص وأنا كمان مش موافقة تشتغل مع الست دي، هو الشغل خلص!
- أنا مرهق انهاردة ومحتاج أرتاح.
تركها وانصرف وهو يكتم ضحكاته من استفزازه لها و من هيئتها الغاضبة.
وقفت تنظر حولها في غيظٍ شديد ثم قالت لشفق الإبنة: هي حلوة بجد!
فقالت: والله يا مامي ما شوفتها!
صاحت شفق في غضب: لا مش هسكت على كده.
ثم أسرعت تصعد إلى غرفة نومها خلف زوجها بينما وقفت شفق الإبنة تضحك من هيئتها هي الأخرى ثم نظرت لهاتفها تريد أن تطمئن على سلمي و تتردد في الإتصال.
أما يحيى فانطلق بسيارته لحيث أشار له أدهم حتى وصل وكان على البحر مباشرةً فهبط من سيارته فوجد أدهم يقف جوار سيارته يعبث بهاتفه.
فأسرع يحيى نحوه وقال بلهفة وهو ينظر بداخل السيارة : أمي فين يا أدهم؟!
فأشار أدهم بإتجاه البحر وكانت جالسة بالداخل على إحدي الصخور، إنه نفس المكان المفضل لها وله منذ سنوات وسنوات وحيث كان لقاءهما.
تسآل يحيى بقلق: وإيه اللي مقعدها كده!
دي لو رجلها اتزحلقت هتحصل كارثة!
- والله هي اللي طلبت تيجي هنا بالتحديد ومن ساعتها وهي قاعدة ساكتة وباصة للبحر وكل ما أروح أكلمها ما تردش عليّ.
- هم اتخانقوا فعلًا!
فهز أدهم رأسه أن نعم ثم قص له كل ما حدث بالتفصيل، فسار يحيى متجهًا نحو أمه حتى وصل بجانبها فانحنى مقبلًا رأسها وجلس جوارها.
وقال: إيه يا ست الحبايب مين اللي زعلك؟!
فلن تجيب، فتابع: طب فضفضي ده انا يحيى حبيبك.
لم تجيب، فأكمل بقلق: يا ماما ردي عليّ الله يكرمك ما تسيبنيش كده ده انا سيبت كل حاجة وجيت حتى كنسلت محاضراتي عشانك.
همست بقهر: سيبني لوحدي!
فنهض واقفًا ببطء وهو يشعر أن الخطب جلل، أن الأمر ليس مجرد خلافًا؛ فكلماتها مغلفة بقهرة شديدة، لازال لا يفهم سر غضبها من تلك المرأة فهو يعلم مدى ثقتها بأبيه، مدى رزانتها، مهما بلغت غيرتها لم تصل أبدًا لحد الرعونة.
لكنه اضطر وعاد يقف بجوار أدهم ضامًّا يديه إلى صدره وعينيه على أمه.
كانت سلمى جالسة، شريط عمرها يمر من أمامها منذ أول يومٍ رأته و دق قلبها إليه، طوال العشرة أعوام الأولي التي سافر فيها وتركها وكم تألمت فيها، ثم جاء وأمضيا وقتًا رائعًا معًا، ثم استوقفها يوم تطليق أبيها لأمها، طردها من البيت، ظلت وحدها حتى بلا طعام لولا إكتشاف سلمى للأمر بالصدفة وأخذتها في بيتها لتعيش معها حتى تزوجت.
وهاهو الآن يتكرر الموقف، تُرى هل سيتركها سليم من أجل هذه؟!
تُرى هل سيرميها و يطردها؟!
لكن إبنتها تخاصمها فلأين تذهب؟!
تُرى أين ذهب مفتاح شقة أبيها لتذهب إليه؟!
لكن حبها لسليم ليس كعلاقة أمها بأبيها، هي لا تطيق بعاده، لن تتحمل فراقه ستموت بمعنى الكلمة، يوم أن يخرج حبه من قلبها ستخرج روحها من جسدها، إذن هذا أفضل فلا معنى لحياتها بلاه، لكن ماذا عن طفلتها التي بداخل أحشائي؟!
ما ذنبها أن تُحرم من أبيها؟
مرت ساعات وساعات على هذا الوضع والأفكار تتزاحم في رأسها، تتراكم الأسئلة بداخلها، كلما وجدت إجابة لإحداها عجزت عن إيجاد حلول لغيرها، حتى دخل الليل، كلما ذهب إليها يحيى تطلب منه أن يتركها.
بدأ الطقس يزداد برودة، إنها ستمطر لقد بدأت تنزل غيثًا، اتجه يحيى نحو أمه يحاول إقناعها بالتحرك من هنا فإن زاد المطر والرياح لن تكون بمأمنٍ على الإطلاق.
همس يحيى لها بتوسل: ماما أرجوكِ! دي هترُخ دلوقتي والجو اتقلب، يا ريت تتفضلي معايا، أرجوكِ حبيبتي يلا بينا كفاية كده.
وبعد فترة اضطرت سلمى لتنهض مع إبنها وسارت معه وهي تترنح، تكاد تنزلق من حينٍ لآخر فذلك الجلوس الطويل قد أرهقها بشدة وتلك الأرض المبتلة تسبب إنزلاق سريع.
أمسك يحيى بأمه، سار بها باحتراس حتى أخيرًا خرج بها وركب بها السيارة، وركب أدهم سيارته مشيرًا لهما أن سلام و سيتصل به في وقتٍ لاحق.
ما أن ركب يحيى السيارة حتى شعر وكأن شيئًا ما تحت قدمه فنظر فوجده هاتفه الذي سقط منه بداخل السيارة دون أن يشعر فنظر فيه ثم صاح: يا خبر اسود! مية وخمسين ( missed call )من بابا ده زمانه هيموت م القلق و بيلف حوالين نفسه.
فلم ترد سلمى فانطفأ الهاتف قد فصل شحنه ثم التفت يحيى أمامه وأدار السيارة وانطلق بها.
وصل أدهم لبيته فوجد والديه وأخته يجلسون جميعًا أمام التلفاز فألقى السلام وجلس متنهدًا.
تحدث شادي: إيه يا أدهم كنت فين طول اليوم؟! اتصلنا بيك كتير.
أجاب أدهم: آه كنت لاغي إستقبال المكالمات.
صاحت ياسمين بعتاب: و احنا نرن ونلف حوالين نفسنا! صح!
فقص أدهم ما حدث بين سليم وسلمى فصاحت ياسمين: وكمان بيزعقلها و يهزءها أدامكم!
تابع شادي: ما هو بيقولك رفعت صوتها عليه.
- أيوة وطبعاً عرق الكرامة نضح عليه.
- أي راجل مراته هتزعقله أدام الناس مش هيسكت وهي عارفة طبعه.
- طبعًا! هو مين هيدافع عنه غيرك؟!
- انتِ لسه حطاه ف دماغك؟!
- مش الحكاية بس انت عارف الظروف اللي بتمر بيها، يا عيني عليكِ يا سلمى يا حبيبتي.
و أمسكت بالهاتف لتتصل بها، فاستوقفها أدهم: لا يا ماما ما تتعبيش نفسك مش هترد عليكِ.
أهدرت ياسمين بقلق: ربنا يستر وتعدي على خير دي حساسة وما بتستحملش.
فنهضت ودخلت لغرفتها فضحك شادي وهو ينهض ثم قال: أمك أعلنت الحرب على سليم الحسيني.
فضحك أدهم وانصرف شادي، فنظر أدهم ناحية أخته التي تشاهد التلفاز دون أن تنطق بأي حرف.
فابتسم واقترب منها و وضع يده على كتفها مربتًا وقال برفق: الجميل ماله؟!
أجابت أميرة: عادي، من امتى يعني بتعبرني؟!
- ده انت قلبك اسود بأه.
- أديني ما عتبتش الشركة من يومها وبشتغل ف المدرسة عند طنت شفق مع شفق.
- اممممممممم! بمناسبة شفق و طنط شفق، أخبار ابن طنط شفق وأخو شفق إيه!
فانتفضت أميرة وقالت بلعثمة: إنت قصدك إيه!
فابتسم وربت عليها وقال بصوتٍ حانٍ: عز شاب محترم وابن ناس وأنا بثق فيه وبثق فيكِ طبعًا، وكنت عايز أعرف الدنيا خدتكم لحد فين؟
- مفيش حاجة والله! كل الحكاية إنه بيتصل يطمن عليّ من وقت للتاني و الله بطلت أهزر معاه!
- مصدقك من غير حلفان، بس أنا بسأل عن اللي جوة هنا.
مشيرًا إلى قلبها، فاحمر وجهها خجلًا، نظرت لأسفل ولم تستطع الإجابة فابتسم لها وقال: والله كان قلبي حاسس! وهو عيل لخمة ومحتاس ولو سبتيه كده عمره ما هينطق.
- يعني اعمل إيه!
- ما ترديش علي كل مكالماته، يعني كل عشر مكالمات ردي على واحدة و اقطمي ف الكلام.
- وبعدين!
- وبعدين ده هيبان، بس اسمعي كلامي، اتفقنا!
ومد يده ليصافحها فترددت قليلًا ثم مدت يدها هي الأخرى مصافحة وقالت على مضد: اتفقنا!
أما سليم وصل لبيته فوجد سليم ابنه يجلس أمامه فتجاهله، دخل يفتش عن سلمى وينادي عليها بداخل كل الغرف وهاتفه على أذنه يتصل بلا جدوى.
فخرجت رقية من غرفتها على أثر صوت أبيها فقالت بلهفة: في إيه يا بابي! مامي مالها وفين؟! حضرتك جاي لوحدك ليه؟!
جلس سليم وهو واجمًا لفترة، ينظر في نقطة فراغ، كل الإحتمالات السيئة تراوده وظل هكذا لساعات بين وجومه و إتصالاته لأدهم، سلمى، يحيى ولا إجابة من أيهم، يكاد يشعر أن رأسه ستنفجر.
كان سليم الإبن متابع لما يحدث حوله، يشعر من داخله بقلقٍ عظيم، يود لو تدخل لولا تلك المقاطعة التي قاطعها لوالديه.
وأخيرًا فُتح باب الشقة،دخل يحيى و خلفه دخلت سلمى.
تحرك سليم الإبن تلقائيًا ناحية أمه ورقية أيضًا بينما أخذ سليم نفسًا عميقًا، استجمع قواه ونهض واقفًا.
ثم صاح في يحيى: كنت فين يا حيوان ما بتردش ليه؟!
أجاب يحيى على استحياء: آسف والله يا بابا! التليفون وقع مني جوة العربية من غير ما احس وما شوفتوش غير لما ركبنا ويادوب مسكته فصل شحن.
صاح سليم: وكنتوا فين إن شاء الله لحد دلوقتي وف الشتا ده؟!
- بابا بعد إذنك ماما تعبت إنهاردة كتير سيبها ترتاح والصباح رباح.
- يا سلاااااام! كنتِ فين ياهانم؟! ما تردي! ولا بآتيش بتعرفي تتكلمي إلا بصوت عالي .
أجابت رقية وهي تمسك بيد أمها: بابي من فضلك مامي شكلها تعبان فعلًا.
تحدث سليم الإبن وهو يدلك يد أمه الأخرى ويناديها بلهفة: ماما مالك فيكِ إيه!
فصاح فيه سليم: تو ما افتكرت إن ليك أم وأب!
انت مش مقاطعنا عايز إيه!
تابع سليم الإبن وهو يقبل رأس أمه نادمًا: ماما حقك عليّ حبيبتي، أنا آسف عارف إني السبب أرجوكِ سامحيني.
قال يحيى: سيبها دلوقتي يا سليم ترتاح وبكرة إن شاء الله إبقى كلمها.
فتركتهم سلمى دون أن تنطق بحرف وسارت بضع خطوات فصاح فيها سليم: انتِ يا هانم ما تردي ولا مفيش رجالة هنا!
وقبل أن تلتفت نحوه فجأة........
NoonaAbdElWahed
Bạn đang đọc truyện trên: Truyen247.Pro