(15)
بقلم : نهال عبد الواحد
بالفعل خرج سليم أخيرًا من المشفى، عاد إلى البيت هو وسلمى وبصحبتهم رقية ويحيى.
وصلوا جميعًا إلى بيتهم، دخلت سلمى إلى غرفتها تُفرغ الحقيبة وترتب ملابسهما، بينما ذهب سليم مع إبنه يحيى لغرفته فهو يريد التحدث إليه في أمرٍ ما.
وبعد أن جلس سليم أمام إبنه ساد الصمت بعض الوقت، وقد لاحظ يحيى توتر أبيه فقرر كسر ذلك الصمت.
وقال : إيه يا حبيبي تعبان ولا إيه؟
- لا أنا كويس الحمد لله.
- مش عايزك تقلق على حاجة، شغل الشركة ماشي تمام وعز فهم الشغل كويس وأدهم موجود معانا كمان وطبعًا ميدو، أما رسالتي فخلصتها واستأذنت من الدكتور إنه يأجلها لحد ما حضرتك تقوم بالسلامة، ماانا مش هناقشها غير في وجودك.
- أنا اتحسنت كتير الحمد لله، حدد انت مع الدكتور وأنا يا سيدي جاهز ربنا يوفقك يا حبيبي!
وشرد سليم مجددًا فأكمل يحيى: أنا عارف إن حضرتك زعلان من تصرفات سليم وسلمى، بس حضرتك رافض تدخل أي حد منا و.....
فقاطعه سليم: سبق وقولت إن دول ولادي وتربية إيدي وهياخدوا وقتهم ويرجعولي وساعتها بس.... لينا كلام تاني.
ثم قال سليم: في الحقيقة أنا كنت عايزك في حاجة تانية........ ومش عارف أبدأ منين.
- في إيه يا بابا! هو حضرتك محتاج لمقدمات عشان تتكلم معايا أو تطلب مني حاجة!
- بس ده مش مجرد طلب يا بني.
وتنهد ثم قال: يحيى!
عارف إني اللي هطلبه منك صعب أوي، ومش ذنبك تتحمل المسئولية دي، لكن.......
موضوع حمل أمك اللي لا كان على البال ولا عل الخاطر لكنه إرادة ربنا مش هنعترض ومش ذنبها ولا ينفع نحمّلها فوق طاقتها بسبب حاجة خارجة عن إرادتها، أنا تقبّلت الموضوع واحتويته واحتويتها عشان ما ينفعش كلنا نبقى ضدها، وهي مالهاش غيري ف الآخر، لكن تصرف اخواتك قلقني حاسسني إن أمك هتبقى بطولها من بعدي.
- بعد الشر عنك العمر الطويل ليك يا حبيبي، بلاش الكلام ده الله يكرمك.
- دي الحقيقة، المشكلة مش مع أمكم بالتحديد، لكن كمان مع اللي جاي ف السكة ده سواء أخوك أو أختك، الله أعلم هشوفه ولا لأ، وحتى لو شوفته هفضل معاه أد إيه، وحتى لو ربنا طوّل في عمري السن هيكون كبر ومش حمل مناهدة ولا حمل المسئولية دي.....
فعشان كده اسمحلي أحملك المسئولية دي من بعدي، اللي جاي ده انت اللي هتربيه مع ولادك وعشان كده برضو لازم اللي تختارها تبقى متأكد إنها هترحّب بيه وبتربيته زيه زي ولادها، عارف إن الشيلة بتزيد عليك بس ما أداميش غيرك يا بني.
فانحني يحيى وقبّل يد أبيه ثم قال بإبتسامة وعينين مترغرغتين بالدمع: يا حبيبي إنت طلباتك أوامر، وبعدين أنا مش محتاج إنك توصيني أنا نويت كده مع نفسي، وربنا يديك الصحة وطولة العمر يا بابا يا حبيبي! إيه يا حاجوج! عيني عليك باردة، ده أنت ماشاء الله ف سنك ده وجايلك بيبي.
فخبطه سليم في كتفه وضحك معه وقال: آه ياض يا ابن ال.....
ثم عانقه و تركه سليم واتجه لغرفته بعد أن أخبره يحيى أنه سيعد العشاء له ولأمه.
في غرفة النوم وبعد أن انتهت سلمى من ترتيب الملابس دخلت لتأخذ حمامًا دافئًا، جلست في المغطس بعد أن ملأته بالماء الدافيء لتسترخي فيه.
لم يكن ابتعاد سليم وسلمى أبناءها عنها بالشيء الهين بل كانت تتألم من داخلها من أثر بعدهما عنها، مهما أخفت وجعها ذلك الذي لم يخفي عن سليم كالعادة فهما كتابًا مفتوحًا كلًا منهما للآخر.
كانت جالسة مسترخية في الماء و شاردة في كل ما يحدث.
اتجه سليم إلى غرفة النوم، طرق الباب، دخل فلم يجدها فطرق على باب الحمام فلم تجيب فقلق و فتح الباب فوجدها نائمة، رأسها تكاد تنزلق بداخل الماء فاقترب بهدوء حتى لا تفزع وتحدث رد فعل خاطيء.
سحب منشفة حمام كبيرة واقترب بهدوء، انحنى، مد يده خلف رأسها وبيده الأخرى يربت على خدها بهدوء.
ففتحت عيناها فجأة، كادت بالفعل رأسها تنزلق في الماء لولا أسندها سليم بيده التي خلف رأسها، لكنها فزعت وأجهشت بالبكاء فربت عليها، أمسك بيدها لتنهض معه.
نهضت واقفة بالفعل، لفها بتلك المنشفة وأخذ أخرى وأجلسها على حافة المغطس، جلس جوارها وضع المنشفة الأخرى على شعرها وهو يجففه بهدوء.
كانت لا تزال تبكي من أثر الفجأة فضمها إليه حتى هدأت ثم نهضا معًا، خرجا من الحمام، جلست على حافة السرير وجلس سليم جوارها.
وقال: لو سمحتي ما تعمليش العملة دي تاني.
فهزت برأسها أن نعم، ثم قالت: عديني خليني أقوم أجهز العشا.
فأمسك بيدها لألا تنهض وقال: يحيى هيجهزه ارتاحي انتِ.
ثم نظر إليها نظرة طويلة وشرد فقالت: روحت لحد فين؟!
- رجعت سنين كتير، مش عارف كنت إزاي هعيش حياتي من غيرك! ولا إزاي كان في أي حاجة هيبقى لها طعم! إنتِ مش مجرد زوجة وست و خلاص لا، إنتِ كل حاجة ف حياتي يا سلمى، أنا من غيرِك ولا حاجة.
فأمسكت بيده وقبلتها ثم قالت: وأنا كمان من غيرك ولا حاجة، وبدل ما افضل جنبك أخلي بالي منك وأراعيك رايحة أجبلك عيل زيادة تشيل همه من أول وجديد.
- تاني يا سلمى بتقولي نفس الكلام! أنا راضي يا ستي انت زعلانة ليه؟! وبعدين هتفرغلكم رسمي لا كلية ولا شركة ولا حاجة في أحسن من كده!
فضمها إليه وربت عليها لتهدأ ثم أبعدها قليلًا ونظر إليه ببعض المكر: بقول إيه!
وحشتيني يا بيضة وكنت عايزك في كلمة سر.
ثم غمز لها فضحكت وقالت: سليم! وبعدين معاك انت لسه خارج من المستشفى!
- عيون سليم وقلب سليم واللي واخد الحتة الشمال كلها..
فضحكت وقالت: إفتكرتك زمان لما كنت بتحتاج لمترجم عشان الناس تفهمك وانت بترطن بالروسي.
- آه! واتعلمت العربي وبقوله كويس وبعمل كل حاجة تفرحك وتخليكِ تفضلي مبسوطة، يا شيخة ده أنا حتى أكلت فسيخ عايزة إيه تاني!
فضحكت بشدة وقالت: فكرتني باليوم ده وماما بتتحايل عليك عشان تدوق وانت قرفان ومش عايز تدوق.
- آااااااااااه!
و دوقت من هنا واتسرعت وكل ما أشوف الفسيخ أنسفه......إيه يا سومة بتتوحم يا قمر ولا إيه!
فابتسمت بحزن وكأنها شردت قليلًا لكن سرعان ما لحقها سليم بمزحاته و مداعباته حتى عاودها الضحك و...........
مرت الأيام و شهر بعد شهر وسلمى بطنها تكبر وتنتفخ أكثر وقد ظهرت عليها مخايل الحمل مهما حاولت إخفاءها تحرجًا من سنها.
بينما سليم جوارها بإستمرار يخفف عنها ويهتم بها ويدللها كما اعتادت منه في السابق خاصةً أيام حملها في المرة الأولى والثانية بل وأكثر هذه المرة.
وقد ناقش يحيى رسالته، حصل على درجة الدكتوراه بتقدير امتياز ومع ذلك و رغم زيادة عمله في الجامعة والشركة إلا أنه لازال محافظًا على بره بوالديه وتدليله لهما وأيضًا رقية.
وكان ذلك بعكس سليم وسلمى اللذان لازالا مقاطعان لوالديهما، ومهما بيّنا لامبالاتهما وعدم إكتراثهما لهما لكن الأمر حتمًا يؤلمهما بشدة.
كان ميدو و عمر لا يزالا يحاولان مع سليم وسلمى محاولات خفية ليصالحا والديهما وينتهيا عن عقوقهما، لكن بلا فائدة....
فما أشد قسوة عقوق الأبناء!
وأشدها قسوة إحساس الآباء وتوجعهم من عقوق وهجر أبناءهم!
وكان سليم متفرغًا لسلمى بمعنى الكلمة وكثيرًا ما يصحبها للتنزه خارج البيت وأحيانًا يذهبان للشركة لمتابعة العمل عن بعد.
وذات يوم بينما كان سليم وسلمى في الشركة يحضران اجتماع مع وليد، شادي، يحيى، أدهم، عز وشفق التي جاءت من باب تغيير الجو فقدت تركت الشركة منذ زمن وذهبت هي وأميرة إبنة شادي للعمل مع شفق الكبرى في مدرستها.
وبينما كان الجميع يتحدث في أمور العمل إذ استفذتها رائحة العطر الخاص بشادي فاستأذنت وهي منزعجة من تلك الرائحة النفّاذة فخرج معها يحيى و شفق.
جلست سلمى خارج المكتب، تسند برأسها للخلف وكأنه قد أصابها الدوار، كان كلًا من يحيى وشفق يحرّكان ملفان نحوها.
كان الإثنان يختطفان بعض النظرات الخاطفة والتي بعد قليل تحوّلت لنظرات طويلة وثابتة توحي بكل ما بداخل كلٍ منهما من مشاعر فياضة.
انتبهت لهما سلمى ونظرت بينهما وهي تقرأ ذلك الحب الصادق بينهما فابتسمت براحة وأغمضت عينيها، عادت برأسها كما كانت.
بعد مرور بعض الوقت خرج شادي، سليم، وليد وعز وقد انتهوا من إجتماعهم.
انصرف شادي مسرعًا إلى الجامعة فلديه موعد محاضرة بينما عز ذهب لمكتبه.
خرج سليم متجهًا نحو سلمى فعانقها وربت عليها يريد الإطمئنان عليها فأشارت له أنها بخير، لكن وليد كان ينطر بعينيه بين يحيى و شفق إبنته وقد قرأ نفس ما قرأته سلمى فابتسم إبتسامة خفية.
نظر يحيى إلى ساعته ثم قال: أنا هستأذن عشان عندي محاضرة كمان ساعتين و ورايا بحث عايز أخلصه.
فنظرت سلمى بينه وبين أبوه فابتسمت وقالت: هو أبوك بعينه من بحث لبحث.
فوقف سليم وربت على كتفي ابنه بفخر، ثم قال وليد: طب يا يحيى معلش ماتاخد شفق على سكتك وصّلها البيت عشان في ضيفة جاية كمان شوية فهستني.
تسآل سليم: ضيفة إيه!
أجاب يحيى: ده إيميل يا بابا اتبعت وفي مندوب جاي من شركة أجنبية هيقابل مديرين الشركة.
قال سليم لسلمى: طب نستنى بأه يا سلمي مع وليد وخلي أدهم كمان معانا.
فهزت سلمى برأسها أن موافقة، بينما أشار وليد لإبنته لتذهب مع يحيى فنظر سليم نحو وليد وقد فهم ما يجري.
انصرف يحيى وشفق للخارج بينما أمسك سليم بيد سلمى لتدخل معه للمكتب ومعهما وليد .
جلس الثلاثة يتسامرون في أي حكايات بينما كان أدهم يجلس عن بعد يعبث بهاتفه، والجميع ينتظر الضيفة مندوبة الشركة الأجنبية......
؟؟؟؟؟؟؟؟؟
NoonaAbdElWahed
Bạn đang đọc truyện trên: Truyen247.Pro