الفصل الثاني عشر
أخذت الفتاتان يتحدثن فى أمور عدة حتى تذكرت لميس أمر الهدية فوقفت و جلبتها على قدم يارا و فتحتها مبعدة القماش البيضاء التى تغطي الهدية الثقيلة. على اليسار يوجد علبة حذاء فى المنتصف فستان أخرجته لميس و ظلت الفتاتان تنظر له بدهشة.
فستان مسلم أعلاه رصاصي فاتح منقوش عليه رسومات عربية عشوائية و بعد الوسط تُرسم فى خط واحد يحاوطها من الجانبين قماش ستان بنفسجي
"الله بجد!" قالت يارا و الدموع من فرط السعادة تتكون فى عينها.
"يا سلام على الدلع يا عم. طرحة و جزمة و فستان و سلسلة" قالت لميس و هي تتفقد ما بقي فى العلبة الكبيرة. تاليا تفقدوا الحذاء صاحب الكعب المنخفض و لونه الأسود لكن به بعض اللمسات من الفضة المصنعة و لكن العقد كان شديد الرقة و قصير ذهبي اللون و جميل. ظلت يارا تنظر لتلك الهدايا بصدمة، من هي لتستحق كل ذلك؟ من هو حتى ليهتم بشخص من الطبقة الوسطى مثلها و مخطوب!
"لا والنبي أبدا" نظرت يارا للميس بصدمة فوجدتها غاضبة "حقلع الي فى رجلى و أديكي بالجزمة، واحدة جايلها كل ده و تعيط!"
"ما هو عشان جابلي كل ده هعيط. أنا ملك لحازم فى نهاية المطاف يا لميس، و كل ده بيزود تعلقي بيه أكتر على الفاضي"
"نانانانا" سخرت لميس قبل إعادة الفستان مكانه "بقولك إيه عيشي اللحظة. يا عالم، مش يمكن عربية تشيل حازم و ميرجعش"
"لا حرام عليكي" قالت يارا بسرعة "ده حتى ولو إنسان مامته و أخته ملهمش ذنب"
"ياباي!" ظلت لميس معها قليلاً بعد ثم عادت لمنزلها حتى تتمكن من النوم بجانب عاصي التي كانت نائمة فى يدها سلسال مُنذر. أخذته لميس و وضعته على الطاولة ثم انضمت لها و ما أن بدأت تغط فى النوم حتى سمعت صوت عاصي
"نمتي؟"
"لأ" ظلت عاصي صامتة للحظات ثم سألت
"بتحبي مالك؟" صمتت لميس لا تعرف ما مغزى السؤال المفتوح فأجابت بالموافقة لتجد عاصي تسأل
"عرفتي منين؟"
"عرفت أزاى... عرفت لما الدورة خلصت و قعدنا شهرين مش بنتكلم، حسيت أن فيه حاجة ناقصة و كانت بتزن عليا دائماً بس بصراحه وقتها مفهمتش الإحساس و لا أن هو السبب. فى يوم بالصدفة كنت فى عيد ميلاد بنت من الجامعة و إذ بها بنت خاله و هو هناك و لسبب ما كل حاجة رجعت فى مكانها تاني. لما كنا بنتكلم فى الأول كنت بكلم ولاد تانيين غيره، بس ولا حد فيهم كان بياخد مكانه، ولا واحد كنت أزعل لما ميكلمنيش، فيه حاجة بتميزه عنهم مخلياني حاسة بإكتفاء"
"أوه..."
"ليه السؤال الغريب ده بقى؟"
"حاسة أني فى دوامة مش بتخلص، الرجالة... مُنذر... هارون... بابا... عمو، كل دول... مش فاهمة... مش فاهمة ليه لما أنا بكره الرجالة أنا متعلقة أوى كدة بمُنذر، هل ده حب ولا لعب عيال بس طول شوية. هما إيه أصلاً!" أعتدلت لميس من إستلقائها و قد تأكدت أن كل كلمة سوف تقال فى هذه الليلة الطويلة قد تغير مجرى حياة عاصي بأكملها. لحظة ثم قفزت عابرة عاصي خارج السرير و أشعلت الأبچورة ثم أخرجت ورقة عشوائية فارغة تحت أنظار عاصي، قبل رسم عليها رجل بشكل عشوائي. عادت السرير ثم بدأت
"ده إيه؟"
"ولد؟"
"لأ... ده كائن فضائي نزل الأرض و أنا و أنتي هنستكشفه سوا هنا. يبقى ده إيه؟" ظلت عاصي تنظر للميس ببلاهه تحاول إستيعاب ما إذا كان الأمر مزحة أم واقع لكنها وجدت الجدية فى وجه لميس فقررت التعايش معها
"فضائي..."
"حلو أوى. عيشي معايا بقى الدور و هنخلص الحوار ده الليلة. الليلة عاصي حتاخد قرارها بخصوص نفي الكائن ده خارج الكوكب. أوكاى؟"
"انتي سخنة؟" ضحكت لميس و هي تهز رأسها بالنفي ثم بدأت برسم خط فى ظهر الورقة يقسمها بالنصف
"يلا بينا... إيه صفاته فى رأيك؟" كانت ساعتين لاحقا قبل إنهاء الحوار و إجابة أغلب ما سألت عاصي، من سبب أختلافهم، من أخلاقهم و تفكيرهم، من تركيبة عقلهم، من صفاتهم التى تثير جنانها. كلما مر الوقت كانت لميس تقترب من عقل عاصي أكثر فالتمست فيه تقارب شديد بعقل يارا إلا أن عاصي أكثر فوضى، أكثر عنفاً، لا تترك شيئا يمر مرور الكرام. تأكدت لميس أيضا أنه حين ستكون عاصي بعمر يارا سوف تتغلب عليها، سوف تكون أقوى و من يعلم ربما تدافع عن يارا ضد من يفكر بأذيتها. أخذت نفس عميق بعدما أنهت كلماتها و نظرت لعاصي مطولاً تنتظر ردة فعل من التي كانت تتشرب كم المعلومات الهائل و تتخذ قرار الإنصياع للواقع بإرادتها أخيراً.
"أنا بردو مش فاهمة... هو مُنذر بيحبني و أنا بحبه؟" ابتسمت لميس
"ده بقى محتاج تحكيلي عنه، من يوم ما اتعرفتم لحد دلوقتي. بس حجيب حاجة نشربها" عشر دقائق وعادت لميس بكاكاو ساخن لكلاهن و جلست القرفصاء بجانب عاصي فوجدتها تسند رأسها على كتفها ضامة ذراعها قبل غرز أصابعها فى قماش البيچامة. هذه الحركة التى تقوم بها يارا حين تحتاج إلى آمان أو طمأنينة.
"كنت أولى ثانوي وقت ما كلمني بسبب هارون، كان تحدي أنه يوقعني. الفكرة أنه وقعني و في مرة فعلاً قالي الحقيقة فنِزل أوى فى نظرى و عملتله بلوك، بعدها بشهر وصلي خبر وفاة أخته الكبيرة فدخلت أعزيه و نسيت أرجع البلوك. أسبوعين و دخل بتلقائية يكتبلي كلام عمري فى حياتي ما كنت توقعت ولد هيقوله، عمري ما توقعت أنهم ممكن يتوجعوا أوى كدة. و ليه هو بالذات بعد ما هزءته و لعب بيا يحكيلي"
"كان إيه الكلام؟"
"كان ماضيه مع أخته، ماليكه. كانت مثله الأعلى فى كل حاجة حتى الرياضة. كان مقرر أنه هيروح ألمانيا بمنحة عشان يعيش معاها بس هو عمره ما كان شاطر دراسياً فكان عارف أن مصيره فى مصر لا محالة. من كتر ما هو متعلق بيها صحابه كانوا سعات ينادوا عليه بأسمها غلاسه. حكالي ذكرياتهم و بجد كانت جميلة أوى بس... ماتت. قالي الحقيقة الى محدش يعرفها، مليكه انتحرت. منحتها و رياضتها راحت منها بسبب أنهم اكتشفوا أنها بتشرب مخدرات، فأخدت جرعة زيادة و ماتت."
"عشان كدة دخل سكة المخدرات و هارون دخل معاه"
"بالظبط، الصدمة كانت ضخمة عليه و المخدرات كانت حل ينسى. يوم ما حكالي كل ده قالي أن رغم أننا سبنا بعض أنا لسه فى حياته و ملقاش حد pure زيي عشان يحكيله، و قالي أنه حبني بجد و أعتذر، مُنذر الجندي بيعتذر. الولد ده شخصيته قوية و عمره ما أعتذر لحد غير والديه و أخته، صحابه كانوا بيحترموه و كلهم وقفوا جنبه بس سابوه وقت ما بدأ يسكر. من سنتين مع مشكلة هارون و نور، مُنذر كان رايح ألمانيا. عمو قاله هيدفعله الكلية و هو يشيل السكن و احتياجاته، أخد وقت عقبال ما الدنيا ظبطت بس وصل و بقى دلوقتي بيصرف على نفسه بالكامل حتى لما بينزل هنا. هناك فى أول كام شهر كان مفلس فعاش مع شاب تاني مُسلم فى ستوديو و الولد ده غيرله مجرى حياته، مُنذر بقى بيحاول يصلي و حاول كذا مرة يحفظ قرآن كل ده و كان بيكلمني و أنا جنبه بتابع. كل ده خلاه يكسب احترام و ثقة صحابه أكتر بعد ما كل الكبار سابوه. أنا مهمة فى حياته ده إلى بيقوله عمو و بيقولي لو أخته ماتت فربنا بعتله حاجة تانية يحارب عشانها."
"و أنتي؟"
"معرفش. بس هو مهم، و الصبح لما شفته مضايق أنا زعلت زيادة، بكون زعلانة لما بيكون هناك و أنا هنا بس...كل ده مش دليل"
"بالعكس تماماً. ده كله دليل أنك بتحبيه و العكس صحيح. عاصي مش دايما الحب أننا نحس أن فيه حاجة غلط بتحصل جوانا فى سعات بيكون احتياج و مشاعر جوانا بس احنا مش مستوعبينها لأن وجودها بقى عادي. فاهمة؟"
"أه..." ظلت صامتة تفكر فى كلمات لميس ثم بدأت تنزلق تحت الغطاء "يلا نكمل نوم، بكرا هروح أشوف يارا و ارجع البيت"
.
.
فتحت عينها ببطئ و هي تشعر بحركة حولها، إنه موعد الزيارة و لم تنتبه للوقت. لم تنم الليل إطلاقاً فكانت مشغولة فى الحديث مع فِراس و لميس ثم شاهدت فيلم ما حتى غلبها النوم بعد الفجر. نظرت نحو الأريكة بعد رؤية والدتها و إذا بها ترى عاصي فى ملبس شديد الأناقة كأنها لم تجرح قد، كالعادة شعرها فى ذيل الحصان المفضل لديها و وجهها به الكحل، لكن يارا أدركت أنها وضعت لمسات أخرى من صابغات البشرة لتخفف من مظهرها الشاحب.
"صحي النوم يا كسلانين" مازحت عاصي و هي تقف لتحتضن يارا بقوة فتعبر عن القليل مما بها من شوق و تمتمت "كدة تسيبيني وحدي"
"الرومانسيه الأوڤر دوز بتاعة البنات تبدأ بقى" التفت عاصي و أخرجت لهارون لسانها و قالت فى مرح
"أنت بس غيران أنها بتحبني أكتر"
"بلا أكتر بلا أقل يا شيخة" أشار لها بعدم مبالاة. كانت الأم تراقبهم بشئ من التعجب فهذه من مراتها شبه المنعدمة فى رؤية أولادها مندمجون سويا إلى هذا الحد. فتح باب الغرفة و ظهر من خلفه والد يارا بوجهه البشوش الذى اتجه و احتضن ابنته قبل تقبيل رأسها
"صباح الفل..الدكتور لسه قايلي حتخرجي كمان يومين تلاته" رفع نظره نحو عاصي و ابتسم "أخيراً ظهرتي، إلى يخاف على شخص يكون جنبه مش بعيد عنه"
"سيبها يا بابا، أنا الى قلتلها تيجي لما تحب" أنقذتها يارا من اتهام والدها فهي تعرف أن عاصي تكره نقد تصرفاتها.
"عاقلة من يومك" نظر لطليقته و ألقى عليها التحية و سألها عن حالها كما فعلت هي المثل ثم عاد نظره لأكبر بناته و اتسعت بسمته "عندي ليكي خبر حلو..."
"إيه؟"
"أخر الأسبوع ده إن شاءالله كتب كتابك على حازم" وقع الخبر على يارا كالصاعقة لا ترحم من تضربه، شعرت فجأة أن الهواء سُحب كله من الغرفة أو أنها ماتت بالفعل. بجانبها شد هارون قبضة يده فى غضب شديد و هو يراها و يحاول تخيل ما قد يفعل فى حازم إذا رأه الآن، بجانبه مباشرة عاصي تشعر بشعور أختها من إنشقاق الأرض و ابتلاعها شعرت بالشفقة على حال أختها. يارا كان قلبها يتألم لكنها و كالعادة أعادت بسمتها سريعاً لوجهها و حاولت بكل جهدها ضبط أحبال صوتها فلا تخدعها بالضعف
"بجد! ده خبر حلو أوى"
"أكيد يا روحي" أكدت الأم و هي تقف لتقبل خديها فى سعادة شديدة "هو ده الراجل إلى بجد هيسعدك"
"بس فيه نقطة" عادت الأم تنظر إلى الأب، فهو أخبرها بالأمر مساء أمس و وافقت متأكدة أن اسبوع هو الأنسب لتحضير كل شئ مطلوب لابنتها. "هو هيروح الإسماعيلية شغل لمدة سنه فحتسافري معاه و تأجلي دراستك سنه"
"ماهر... البنت فى نص السنه إزاى تأجلها. لأ طبعاً" اعترضت الأم فإذا بالأب يكمل
"متقلقيش أنا كلمت حد من تبعي عندها فى الجامعة حينقلها فى الإسماعيلية"
"أه تمام كدة... توكلنا على الله" قالت الأم و هي تعيد نظرها لفتاتها فتجدها شاردة حزينة لم تنتبه لما حدث توا لذلك نادت "يارا! توكلنا على الله صح؟"
"أكيد يا ماما، حازم شخص كويس أنا أستحقه" نعم تستحقه، تستحق ما يفعل بها لأنها تحملت خطأ أخيها منذ البداية. ظلت يارا متماسكة ما تبقى من ساعة الزيارة قبل رحيل الجميع فما لبثوا و أغلقوا الباب حتى احتضنت وسادتها و أنهارت باكية تتمنى لو ماتت
Bạn đang đọc truyện trên: Truyen247.Pro