الفصل التاسع
صمت... هذا كل ما حل بمنزل مُنذر بعد ثلاثة ساعات من وصوله. الشقة تم إصلاح بابها بفضل معارف والده و بداخلها سبعة أفراد منهم فاقدة الوعي فى غرفته بجانبها على السرير هارون يحتضنها حتى تظل دافئة، على الأريكة بالغرفة تجد مُنذر يقرأ من المصحف و الدموع جفت من عينه أخيرا. فى الخارج عند طاولة الطعام جلس فِراس يحرس نجم و معه مالك الذى ترك عمله ما أن سمع بالأحداث، لكن الأهم أنه هنا لأجل خطيبته التى كانت فى مطبخ البيت تعد الطعام للذكور. ابتعد هارون و بدأ التحرك نحو خارج الغرفة
"أنا هروح الحمام" لم يبعد مُنذر عينه عن المصحف و أومأ له. خرج هارون و شعر مُنذر بأنين بسيط فانهى الآيه قبل رفع نظره لعاصي فيجدها تفتح عينها ببطئ شديد و تستعيد وعيها، قفز واقفا و ركض فى اتجاهها فيجلس مكان هارون و يمسك يدها ببسمة شاكرة
"عاصي... عاصي أنا هنا، أنتي كويسة؟" نظرت فى عينه لثواني لكنه أدرك أنها كانت مغيبة بعد و ما أن عاد وعيها حتى سحبت يدها منه و قالت
"أطلع برا"
"عاصي! أهدي بس..."
"ابعد عني! سيبني لوحدى ابعد عني أبعد!" أخذت تصرخ و تبتعد عنه للطرف الآخر من السرير. جاء هارون يركض و معه لميس. اتجه هارون نحوها و حاول الامساك بها لكنها دفعته و أكملت صراخها به هو الآخر
"أطلعوا برا مش عاوزة أشوفكم سيبوني لوحدي..." ابعدته لميس بروية ثم احتضنت عاصي و أشارت بعينها للشابين بالخروج، اصطحبهما مالك للخارج بعدما هب مفزوع من صوتها. أُغلق الباب على لميس و عاصي التى بدأت تبكي بشكل هستيري و لميس ظلت تحاول تهدأتها. دخل مُنذر و مع رؤية نجم أراد الهجوم عليه مرة أخرى إلا أن مالك أمسك به مرة أخرى و قام فِراس بسحب هارون هو الأخر.
"اتهدوا بقى!" صرخ بهما مالك و هو يسحب مُنذر خارج غرفة الطعام نحو غرفة المعيشة المجاورة. جلس كل منهم بعد لحظات من صراخ مُنذر و هارون فى نجم بلا رد. ما يقارب العشرة دقائق مرت حتى مرت عاصي من أمامهم و خلفها لميس تصرخ و تحاول تهدأتها.
"عاصي، أهدي بس و اعقلي!"
"أنا مش هقعد هنا" اندفع مُنذر و كان الأسرع وصولاً نحو باب الشقة ليقف أمامه عازل بين وصول عاصي له.
"اختفوا كلكم، مش عاوزة أشوفكم، كلكم واحد، كلكم عاوزين مننا نفس الحاجة، سيبني بقى!!" كان صوتها يفطر القلوب خصوصا الأقرب لها. شجن و غضب و ضعف، مشاعر كثيرة تتضارب فى صراخها و دموعها، فستان لميس نصف الإكمام و طوله ينتهى بعد الركبة مباشرة يخفى أثار الحادث الذى بذلت لميس مع وصولها كل الجهد فى إلباسه لعاصي.
"عاصي، بالله عليكي اسمعيلي"
"مش هسمع حاجة، انتوا كلكم ***، كلكم نفس التفكير ال***." نظرت له و حاولت الهدوء للحظات و فى عينها أكثر مشاعر تؤلمه، و هي الشعور بالخيانة "أنا أفتكرت أنك مختلف" حاول مُنذر الاقتراب خطوة لكنها ابتعدت عنه و وضعت يداها حول أذنها لتمنع وصول كلماته
"عاصي، أنا مختلف أنا بحبك"
"لأ أنت-" قاطعهم صوت فتح باب الشقة و ظهور والد مُنذر فى حله العقيد الخاصة به. دخل و أغلق الباب خلفه بالمفتاح
"فى إيه يا مُنذر"
"عاوزة تمشي يا بابا" أجاب مُنذر بخضوع بينما احتضنت عاصي لميس كأنها تستنجد بها. تنهد الأب و نظر حوله ليتسوعب الموقف، يعرف الجميع سوى لميس و الرجلان لكن أبنه أخبره بشخصياتهم فى الهاتف لذلك اطمأن.
"آنسه لميس خدي عاصي أوضة الضيوف، مُنذر وريها المكان و أرجع هنا فوراً" نظر إلى هارون "هارون ادخل أقعد مع الراجلين دول و نجم، أنا حغير و طالع"
"حاضر" ثلاثة دقائق و كان الجميع مكانه عدى مُنذر الذى دخل على والده الغرفة و قال
"الواد ده لازم يتسجن" وضع الأب يده على كتف أبنه و حاول تعقيله
"هو حيدخل أحداث فعلاً"
"أحداث! ده كدة هيخرج كمان شهرين. أنا عاوزة يفضل حياته كلها فى سجن!" صرخ مُنذر بغضب لكن صوته لم يكن كافى ليسمعه من بخارج الغرفة. هز والده رأسه بالنفي ليؤكد لابنه أنه لن يمتلك خيار أخر. لحظات حتى أجاب الشاب بغضب
"حلو... أعذرني يا بابا بس أنا هتصرف بمعرفتي"
"براحتك يا مُنذر، بس بلاش تضيع مستقبلك أو مستقبلها"
"حلو أوى... خليه يمشي دلوقتي" خرج الإثنان و ما أن دخلا حتى نظر نجم لمُنذر باستفزاز رغم أنه كان خائف بداخله، لم يكن من المفترض أن يلحق به أحدهم.
"أمشي يا نجم" قال الأب و هو يتجه ليفك حزام فِراس "بس أنا بحذرك تقرب من أبني أو أي حاجة تخصه تاني. المرادي عشان الموضوع يتلم و نتجنب الفضايح حسيبك، المرة الي جاية اقرأ الفتحة على نفسك. مفهوم؟"
"يعنى حضرتك خايف على شرف بنت متستحقش يتخاف عليها" أمسك مالك بهارون بينما شد مُنذر على قبضته، لو لم يكن والده هنا...
"دي بنتي يا نجم، و أى راجل بيخاف على بنته حتى لو كانت شغالة فى بيت دعارة. أتفضل برا" أومأ نجم و بدأ يتحرك للخارج لكنه توقف أمام مُنذر و ببسمة فخر و استفزاز قال
"محظوظ من صغرك، معاك واحدة لو عليا كنت حاخدها لنفسي و بردو مش حيكفي" ظل مُنذر واقف شامخ قبضته جامدة و يمنع ذاته عن نجم. إذا انفجر لن يمنعه أحدهم و على أى حال سوف ينتقم بأسلوبه لكن ليس اليوم. رحل نجم مع وصول إتصال إلى والد مُنذر، أجابه و سمعوا صوت شئ زجاجي يرتطم بالأرض ثم صراخ لميس يتبعه. انتفض الرجال واقفين و اتجهوا نحو غرفة الضيوف ليقوم مُنذر بفتحها و التسمر من الموقف، أمامهم على الجانب الآخر من السرير عاصي فى يدها قطعة من الزجاج موجهة نحو عرقها باليد اليمنى و لميس بجانبها سريعة الأنفاس
"طلعوني من هنا، مش عاوزة أفضل هنا!" أخذت عاصي تصرخ. اقترب مُنذر فقربت عاصي الزجاجة من معصمها و ضدد الامساك به فجرح يدها الأخرى "والله هنتحر و أنا مش باقية على حد!"
"عاصي أرجوكي أعقلي، كله هيتحل بالهداوة" فى الخلف كان فِراس يتابع هارون الذى خرج من الغرفة و اختفى للحظات ثم عاد فى يده كرة مطاطية وقف بجانب مُنذر الذى امسك بها ثم قزف عاصي بها فتتفاداها بطابع الحال، لكن هذا كان ما طلبه هارون ليقفز عليها بسرعة فيقع فوقها و يثبتها.
"هات مخدر، اتصرف" صرخ بمُنذر. نظر هارون لأخته و ظل يصرخ بها لتكف عن الصراخ و التلوي تحته ليبتعد عنها، لكنه فشل و فشل مُنذر فى إيجاد مخدر لذلك ظل هارون يعتليها ما يقارب العشر دقائق حتى هدأت تماماً و فقدت الوعي مرة أخرى. ابتعد هارون و توقف الجميع ينظرون لهذه المأساة، لميس تجلس على السرير تبكي من مظهر أختها الصغرى و مُنذر وجهه شاحب من شدة الحزن و الحسرة على حالها. دخل الوالد و قال بصوت حاد
"يارا فى العمليات فى مستشفى الأندلس، مشروع خبطها"
"شو!"
"إيه!" صعقت لميس. نظرت لعاصي و لم تتمكن سوى من إكمال نحيبها بصوت أعلى بينما خرج والد مُنذر عائد من حيث آتى
"يا حول الله" رفع مالك نظره لأخيه الذى سيطر عليه القلق و الحزن، بينما ابتعد هارون عن عاصي و جلس القرفصاء بجانبها يداه فى رأسه. ظل الصمت لدقائق عديدة حتى قال مُنذر
"خلونا نرجع عاصي البيت و نروح نشوف يارا"
"لأ..." نظروا إلى هارون فى تساؤل
"الى حصل النهارده هيفضل بينا أحنا الثمانية و أول اتنين لازم ميعرفوش هما ماما و بابا، من تلات سنين أنا و اخواتي عملنا وعد أننا مش هنقول لماما أو بابا حاجة عن حياتنا غير لو كانت ضرورية-"
"ده شرف أختك يا هارون" ذكره فِراس من الخلف
"ده أدعى أن الموضوع يفضل سر. هي كدة كدة هتكون مرات مُنذر فمش فارقة معرفتهم من عدمها"
"الكلام ده غلط و مش منطقي" أعترض مالك فإذا بهارون يحذره متجاهل فرق العمر
"دي عيلتي، و بنات عيلتي و أنا أدرى بإيه إلى أصلح ليهم"
"أنا موافقك" جاء صوت مُنذر أخيراً و هو يكمل "عاصي محتاجة تبعد عن بيتكم عشان طنط مش هتستحمل صدمتين فى وقت واحد. الفكرة بقى عاصي تبات فين؟ أنا مش هأمن حد من البنات عليها، خصوصاً أن نجم هينخور وراها"
"ممكن عندي" تطوعت لميس و هي تسحب منديل من الجانب الأخر عند السرير لتمسح دموعها و تحاول امتلاك نفسها.
"حلو أوى، ماما هيتقلها كالآتي. عاصي بتخاف تنام لوحدها يبقى هي خافت تنام فى الأوضة منغير يارا لوحدها فقالت تروح عندك."
"و والدكم؟" سأل مالك
"كدة كدة بابا مش هنا، فحتى لو نزل من لبنان الكلمتين دول هيقنعوه."
"هارون فيه نقطة مهمة. طنط أكيد هتقول تخلوا عاصي تنام جنبها" نظر هارون لمُنذر و سخر
"عاوز تقنعني أنها هتسيب المستشفى جنب يارا و تروح لعاصي. أحنا حلينلها المشكلة فى أنها لازم تكون موجودة فى البيت علشانا، أن عاصي عن لميس و أنا عندك فى البيت" ظلوا صامتين يفكرون فى تلك الخطة المحكمة حتى ابتسم فِراس
"ما حدا خبرني بذكائك فى التخطيط، تنفع تكون بالجيش" حمل هارون أخته و نزل بها ليضعها فى سيارة مالك الذى كان بها فِراس و لميس و عاصي، فى الخلف سيارة مُنذر مع هارون و العقيد. السيارة الأولى أوصلت لميس أولاً و ظلت فى الأعلى مع عاصي قبل اتباع خطوات السيارة الأخرى نحو المشفى. بينما ينتظرون، أتصل هارون بوالدته يخبرها أن يارا اتصلت و قالت أنها مع لميس و هاتفها كادت بطريته تنفذ و هو مع عاصي فى النادي. جاء العقيد اتصال مهم فأجابه قبل مناداة ابنه إلى أحد الطرقات فى المشفى
"بص يا مُنذر أنا عارف أن الي عمله نجم مش هيين، و مس حاجة مهمة جداً ليك و حقك تنتقم، بس عشان خاطري و مامتك و مستقبلك خليك عاقل. انتقم منه بعقلانية متأثرش على مستقبلك فى ألمانيا، بعقلانية ترفع مكانتك" وضع يده على كتفه و أنصت
"أنا عارف انا حعمل إيه و متقلقش اسم العيلة مش هيترج و محدش هيعرف السبب"
"بلاش قتل يا مُنذر، اتفقنا؟" احتضنه ابنه بإبتسامة
"عيب يا حج، أنت مربتنيش على كدة، و أنا عقلت عن ما كنت زمان" ابتعد عنه الوالد و أومأ له بينما يرطب على ظهره.
"خليك جنبها، و أجازتك الاسبوعين دول حدفعهالك" أخرج هاتفه مع وصول له إتصال أخر "يلا أنا هرجع القاهرة بقى، بنتي أمانة فى رقبتك"
Bạn đang đọc truyện trên: Truyen247.Pro