-نصت المادة الثالثة من نظام حماية الطفل، أنّ مما يعد إيذاءً أو إهمالًا للطفل: عدم استخراج وثائقه الثبوتية، والحط من كرامته بالكلمات المسيئة المؤدية لتحقيره.'¹'

معلم القانون، أصغر سنًا من الأساتذة الآخرين، متفتّحٌ مَرِن، سهل المعاشرة، وما أعجبَ صالح فيه كثيرًا هو صوته الواثق، ثابتٌ عالٍ كقائدٍ حربيّ.

-إذًا يجب على مارد أن يُسجَن!
هتفَ الألمعيُّ فورّطَ المدرّس، حدّقَ به لثوانٍ يتواصل معه بصريًا مما أضحكَ التكدّس السُكاني في الفصل.

-تعلمون يا رفاق؟ فلنكتفِ بهذا القدر، نحن متقدمون كثيرًا في المنهج أصلًا...
مهّدَ للفقرة المفضلة لدى طلابه، وقتُ الثرثرة وقصصه المثيرة عن طفولته، وربما عن مواقفه المدهشة خلال يومه المزدحم، ابتداءً من دوام التعليم صباحًا انتهاءً بدراسته هو الماجستير، عائدًا للبيت قُبَيل غروب الشمس.

صمتَ تشويقًا يرتب كلماته متأنّيًا، ليُعرِب: تذكرون العوامل المؤثرة في القانون؟ سبقَ طرحها في دروسكم...

جلسَ على منضدةٍ في المقدمة تخص طالبًا متغيبًا.

-في مناقشةٍ أجراها البروفيسور في محاضرتي أمس، أخبرتهُ بهذه العوامل ربطًا مع مادة النقاش، ختمتُ مشاركتي بتنويهي لكوني قد تعلمتُ هذا مما أدرسه لكم، فانبهر!

لمعت عيونهم، شقّ تهلُّلٌ طريقهُ على مَباسمِهم، وما فتئَ يشرح صدورهم: انبهرَ من أن فتيانَ الثانوية صاروا يتعلمون ذلك، ما تعلمهُ البروفيسور في ابتعاثه إلى أمريكا. أتدرون أنكم بعد سنوات قليلة، عندما يعرف الملأ بأنكم أنتم خرّيجو إدارة الأعمال، تخطيتم العقبات بلا كتب، وبمقرراتكم هذه، سيرون أنهم رهنوا المستقبل في الأيدي الصحيحة؟ الأيدي التي جُبِلَت على الكفاح، التعايش مع الشدائد.

هذا التحفيز الذي يحتاجه الطلبة، لمَ لا يقول الجميع ذلك بدلًا من التحقير المتكرر؟
أفصحَ عبد الحكيم عما يجولُ في خُلد الشعب كالمعتاد: لكن من يفهم، أستاذ مَرهَم؟ إنهم يكرهوننا.

ثم روى له ما جرى بينه وصالح وبين النائب، ظلمًا استقصدهما لقراءته لفظةَ إدارة الأعمال وحسب، متغافلًا عن مخالفات البقية.

اتّخذَ الأستاذ مَرهَم وضعًا يبشّر بحلٍّ يبثُّه: إن أردنا أن نكون سعداء، علينا التوقف عن استكشاف نظريات المؤامرة، بغض النظر عن وجودها من عدمه، التفكير بها لن يقدم ولن يؤخر.

وبنبرة قائد الجيش أزجى: كُن مَن يخلقُ المؤامرة، التي تهدف لدحض مؤامرات الأعداء.

رنّ الجرسُ قاتلًا متعةَ الحصة البهيجة، صفّقَ الشبابُ وصفّروا، قبل أن يودّعهم معلم القانون بتحيّةٍ عسكريّة.

دلفَ مجعّد الشعر التُرابيّ مُنبَسِطَ الأسارير، وهذا فخٌ لم يعد الفتيان يقعون به، حيّاهم بإنجليزيّة جبّارة دون بلع حرف واحد، وترقّبَ هدوءَ الفصل بالتدريج ليهيّئهم نفسيًا لما سينبّئ به، جيدٌ أنه هيّأ.

فتحَ جهاز الحاسوب ليشبكَه بالبروجكتر، ثمّ واجههم بالعربية، التي لا يستخدمها إلا ليُسمعهم العذلَ بوضوح يفهمهُ أصحاب اللغة الضعيفة والقوية على حدٍ سواء، يُسارع في السيئات، يهوى التثبيط. ليتهُ كان تثبيطًا: قمنا بدراسةٍ أنا ومعلموكم، فاتفقنا على قرارٍ يساهم في تحسين مستواكم، رتبناكم على المقاعد وفقًا للمنفعة الشاملة، وستلتزمون بالترتيب في جميع الحصص الدراسية.

تبادلوا النظرات المُستَهجِنة وما تجرّأوا على نَبسة، استعرضَ الأستاذ عصير رسمًا للترتيب الجديد في اللوح، فتعالت الشهقات، خلطَ الفصلَ خلطًا، كغوريلا يجلس حذاءَ سمك التونة، كأدنى وصفٍ للمهزلة.
صكَّ حكيم أسنانه واسودّت الدنيا في مرأى صالح، لم يفرّقهما واكتفى، بل قذفَ كل واحدٍ منهما في أبعد الزوايا عن بعضها.

مقارنةً بما سلف، ما المؤامرةُ إلا هذه.

_______
'¹' مقرر مبادئ القانون ٣-١ طبعة ١٤٤٦ صفحة ٥٢.