٨
وبينما كنت أحاول النوم سمعت صوت شيء نقر نافذتي بقوة ما جعلني أفتح عيني بتفاجؤ، تنهدت باِستياء لأتمتم "لمَ يحدث كل شيء مخيف في الليل؟"
رُميت حصاة أخرى على نافذتي وعندما عرفت أنها مجرد حصاة نهضت لألقي نظرة عمن يقوم بفعلها، لأجد إمبروز الأشقر الذي ساعدني واقف في الأسفل يلوح لي ويشير لي بأن أنزل
هززت رأسي بتساؤل ليحرك يده بإلحاح أكثر فأومأت لأغلق النافذة مجدداً وأرتدي معطف وأخرج بهدوء قدر المستطاع، لا أعلم ماذا يريد في وقت كهذا لكن لو لم يكن أمر مهم لكان انتظر حتى صباح الغد
إلى أن لاقيته وقد كان ينتظرني عند سياج الحديقة وقد أزعجتني حقيقة أنه أرغمني على السير إلى هناك، وفورما وصلت إليه هَمَس "آسف لأني أزعجتك… لكني لا أستطيع المجيء إلى هنا إلا سراً"
عقدت حاجبي لأتلفظ "في الحقيقة لم أنم ولكن لمَ سراً؟"
"إنها قصة طويلة ولكن… أتسدين لي خدمة؟"
"بالطبع!"
تبسم بجانبية وقام برفع سُترته عن بطنه فرأيت وشم ذئب هناك فارتسم الإستغراب على وجهي لأسأله "ما هذا؟… حتى هيوغو لديه وشم على يده!"
تحدث بنبرة ما بين الجدية والخشية "إحفظي شكل هذه الرسمة جيداً في عقلك… ليس على أحد أن يعرف ما أطلبه منكِ… إن أمكنكِ… تَحَققي من وجود علامة مثل هذه بنفس المكان عند أي فتاة في القصر وعندما تجدينها أخبريني باسمها لكن أرجوكِ… لا تخبري أي أحد"
"مهلاً لقد فهمت مطلبك الغريب ولكن لماذا؟ لدي الكثير من الأسئلة الآن!"
أنزل سترته ليضع يده على كتفي قائلاً "دعي أسئلتكِ لوقت لاحق… لكن رجاءاً لا تخذليني، أنتِ فتاة وستتمكنين من إيجادها لكن أنا لا أستطيع، حسناً؟"
أومأت لأجيب "لن أخذلك"
تبسم ليتلفظ "عرفت أنه من الصواب الوثوق بكِ… هيا الآن إرجعي قبل أن يشعر أحد بغيابك… طابت ليلتك"
أومأت لأعود أدراجي وأسير مسرعة للداخل، كنت قد تركت الباب مفتوح كي لا أعلق في الخارج، دخلت لأغلق الباب بكل هدوء وعندما استدرت قابلني وجه كارل المكفهر الذي كان يقف أمامي مباشرة بدون حراك
لم أجرب غضب هذا الرجل من قبل لكني رأيت غضبه على الآخرين وأنا لا أريد ذلك لنفسي فابتلعت ريقي بخوف وحاولت إخفاء توتري وهو استمر بالتحديق بعيني ليحرك شفاهه "ماذا كنتِ تفعلين في الخارج؟"
أجبته بهدوء مدعية اللا مبالاة "ماذا يفعل الناس في الخارج عادةً؟"
ضم ذراعيه لصدره ليصرح "يلتقون ببعضهم ويخططون عن أمور كثيرة"
قررت إنهاء الحديث بأسرع طريقة لهذا استطردت "لا تضخم الأمور كنت استنشق بعض الهواء وحسب" وتخطيته مستعدة لصعود غرفتي لكنه أمسك بمعصمي وسحبني لأقابله وتحدث من بين أسنانة "إعترفي يا بيرل ماذا كنتِ تفعلين"
عقدت حاجبي بغضب لأحرك معصمي قائلة "لماذا تستجوبني بهذه الطريقة! أستطيع الخروج متى ما شئت وأين ما شئت!"
شد على معصمي أكثر قائلاً "أنتِ مخطئة بيرل… لا تغيري الموضوع وأخبريني مع من كنتِ؟"
لم أعلم لمَ هو غاضب لهذه الدرجة على أمر لا يستحق، ولمَ يختلق الأسباب من رأسه، ليس من المستحب عندي أبداً أن يتسلط علي أو يتحكم بي فصحت به "ما خطبك ستكسر يدي! ولا تستخدم هذا الأسلوب معي!"
اِقترب إلي أكثر كأنه يحاول اشتمامي فتمتم "إمبروز…" ليترك معصمي ويخرج سريعاً فصحت بغضب "في المرة المقبلة سأقوم بلكمك!"
ويا للعجب بعدها تناسيت كل شيء لشدة النعاس وعدت لسريري
الراوية:
بيرل لم تعد تهتم لأمر كارل ونامت بعمق لكنه لم يكن سعيداً بمقابلتها مع إمبروز، ربما يخططان لأمر ما، ربما يحاول أن يجعلها في صفه
وبينما كان يركض في طريقه لمنزل الأشقر شاهده يسير لوحده ببطء فأسرع كارل إليه وأداره نحوه ليتحدث بحدة "لماذا نكثت بوعدك؟"
أجابه إمبروز بلا مبالاة "أنت طلبت مني ألا أقترب من عائلتك، هل تنتمي بيرل لعائلتك أم أنك تخطط لذلك" أنهى كلامه بابتسامة ساخرة ثم غمز بخفة
"أتعتقد نفسك ذكياً؟ هل كنت تحاول استفزازي أتظن أنني لم أشتم رائحة دخيل قرب بيتي؟ أصغي جيداً لأنه سيكون آخر حوار بيني وبينك لأنك تعلم كيف سأعاملك بالمرة القادمة… لا تقترب من عائلتي ولا بيتي ولا حتى بيرل!"
أومأ بتعابير ما بين السخرية واللا مبالاة قائلاً "حسناً ماذا لو… ماذا لو قامت هي بالإقتراب مني؟ بالتأكيد لن أكون المذنب لأنني لن أكون من طلبت منها ذلك حينها"
ربت كارل على كتف إمبروز ليتحدث بابتسامة مستفزة "في كل الأحوال أريد التخلص منك… فقط آمل أن تفعل ذلك بنفسها"
تخطاه ليصيح بينما يلوح "إلى اللقاء كارل إذهب إلى بيتك الدافئ مع عائلتك ومع الفتاة التي تحرص عليها كثيراً"
***★****★***
استيقظت والإستياء واضح علي، قمت بما يفعله كل الناس العاديين خلال النهار وارتديت بنطال ممزق الركبتين، وبعدها أزلت تلك اللفافة ليتضح أن الجرح قد تقلص بشكل كبير ما جعلني أتفاجأ بشدة، لكن يبدو أن الأدوية المنزلية كانت قوية المفعول
بعدها لم أكن أنوي تناول الفطور معهم لكن روزلي جَرّتني معها وجَلَستُ مكان هيوغو المسكين كالعادة
ذلك الكارنيليوس لم ينظر إلى ولم يرحب بي حتى، روزلي شعرت بالجو الغريب فتحدثت "لمَ لا تأكلين بيرل؟"
نظرت باِزدراء نحو كارل لأجيب "لأن معصمي يؤلمني… لا أعلم لأي سبب لعين يؤلمني"
ضرب كارل قبضته بالنضد ليستطرد بحدة "صوني لسانكِ واحترمي من تجلسين معهم"
همهمت بموافقة لأتناول البعض وأتلفظ "أجل بالنهاية أنا ضيفة هنا وعلينا تبادل الإحترام، وألا نؤذي بعضنا كالحيوانات"
حدقوا بي جميعهم بصدمة متوقفين عن الأكل فتلفظ كارل بصوت صاخب "بيرل! ما خطبكِ اليوم؟ التزمي الهدوء رجاءاً!"
تناولت المزيد لأتلفظ بلا مبالاة "أنا هادئة… أنت من تصدر الضوضاء هنا"
للحظة رأيت وهج في عينيه لكن روزلي أمسكت بوجهه وأدارته نحوها هامسة بقلق ممزوج باللوم "كارل!" أغمض عينيه بقوة ليمسك أعصابه ويتجاهل كلامي ويكمل طبقه لكني متأكدة من أنني رأيت وهج في عينيه
جميع من على المائدة كانوا ينظرون لنا باِستغراب لكن لم يعد يهمني هذا وأصبحت تواقة للعودة لحياتي السابقة أكثر من ذي قبل
رأيت بعضهم ينهون طعامهم بسرعة ومنهم الشابان الذان عبثا بأحلامي ذلك النهار، سُدت شهيتي أيضاً وأعترف أن كارل هو السبب لذا لم أتناول الكثير
بعد أن أنهينا فطورنا كانوا جميعهم يتحادثون بصخب في غرفة المعيشة الضخمة والبعض منهم كانوا جاهزين للخروج وأنا كنت كالدخيلة الحمقاء بينهم لا أفهم شيء، لذا لم أجد سوا الشابان المزعجان لأسألهما "أين ستذهبون!"
أجابني أحدهم "إلى المدينة كي نجلب الحاجيات"
ثم تحدث الآخر "أخبرينا إن كنتِ تحتاجين لشيء"
لعقت شفاهي بإحراج لأتحدث بخفوت "لا… فقط حاولوا البحث عن أي أحد يعرفني هناك"
ربت على كتفي ليتفوه "لا بأس بيرل"
سمعت الطبيبة لورين تصيح "هيا فلنذهب!"
ثم خرجوا جميعهم واختلى القصر، لم يتبقَ فيه غير كارل وهيوغو وباقي الصغار وبعض من القاصرين الذين استغلوا غياب أهلهم وخرجوا للتسكع في الغابة
بعدها لم يكن لدي شيء لأفعله فجلست أمام التلفاز لوحدي في تلك الغرفة، كانت حلقة من مسلسل مألوف لي يُدعى المستذئبين المراهقين، هيوغو أيضاً كان يشعر بالملل لذا أجلسته بحضني وأكملت المشاهدة وهو لم يتحرك بعدها
وبعد وقت قصير رأيت كارل قادم فأمسك جهاز التحكم وأطفأ التلفاز قائلاً "ما هذه السخافة"
نظرت له منتظرة أن يلاحظني فالتقت أعيننا للحظات لكنه تحدث بوجهه الصارم المعتاد "أكنتِ تشاهدينه؟"
ألقيت نظرة على هيوغو فوجدته نائم لأقوم بحمله ووضع رأسه على كتفي وأنهض مجيبة ببرود "لا" وخطيت نحو الدرج
فاستطرد مقاطعاً سيري "بيرل انتظري!"
استدرت إليه لأهمس "صه إنه نائم"
اقترب إلي قائلاً "لا أريد أن يستمر هذا الخلاف بيننا"
فكرت مطولاً فنطقت بالنهاية "لا أريد منك اعتذار، أريد فقط ألا تعاملني بتسلّط"
تكتف وتجهم وجهه قليلاً ليتلفظ "لم أكن على علم أنكِ تحللين ذلك على أنه تسلط، أنا فقط قلق بشأنك"
تنهدت لأهمس "لا تدّعي ذلك لأنك لست محترف في الكذب… في الأمس تحدثت معي كأنني أخطط في الخارج… بربك أخبرني كيف لشكوكك أن تكون هكذا؟ ليس من الطبيعي أن أول ما يخطر في بالك مِن شك هو التخطيط مع أحد!"
"بيرل… هناك الكثير من الأشياء التي لا ينبغي عليكِ معرفتها لذلك لا تلوميني على أي شيء أفعله ولا تطيلي بهذا الخلاف المزعج"
"أنا أخبرتك بوضوح ما أريد… أحتاج للجلوس مع نفسي أيضاً، أُخبِرُكَ بهذا كي لا تمنعني" تخطيته ووضعت هيوغو في سريره
ثم خرجت للغابة وكارل كان ينظر من نافذته، كنت أخطط للعودة في وقت قصير لأنه سيكون كافي للحديث مع نفسي
لم أبتعد كثيراً وجلست على الأرض والحصى والأوراق اليابسة، استندت بظهري على الشجرة وكل ما كان يخطر ببالي هو أن أقوم بإقتحام ذلك القصر والتصرف كما يحلو لي فيه، أريد التخلص من شعور الوحدة الذي ينتابني
سئمت من التزام الهدوء والصمت وتجنب الناس، سئمت من المتسلطين وسئمت من الأسرار والخفايا وسئمت من تحديقهم
"لمَ اللؤلؤة البيضاء حزينة؟" صوت إمبروز انتشلني من أفكاري لأجده واقف بجانبي ضاماً ذراعيه مستنداً على الشجرة بكتفه
تبسمت بتكلف لأجيب "للعديد من الأسباب"
همهم ليتربع أمامي قائلاً "أتحتاجين لمستمع؟ جالس أمامكِ مباشرة؟"
زممت شفاهي لأجيب مطيلة أواخر الحروف "حسناً لكن… سيكون سر؟"
شهق ليتلفظ "أتقولين هذا الكلام لي؟ أنا إمبروز يا فتاة فقط جربيني لمرة"
همهمت وحكيت له كل شيء حرفياً، كل ما أشعر به من إنزعاج وكل الأسئلة التي لدي لأني كنت أحتاج لجلسة كهذه
***★****★***
في منطقة أخرى لقطيع آخر، وفي جناح كبير، حيث كان جالس مع قريبته التي لا يعجبها حاله
تحدثت بقلق وعتاب "فلاد هل ستظل على هذا الحال؟ أرجوك أنت تُجرِم بحق نفسك!"
أجابها بشرود "لن تقلقي عليّ مجدداً… أنا أعرف ماذا سأفعل… سأزرع بذور الموت في منطقته، ابتداءاً من بيته"……
Bạn đang đọc truyện trên: Truyen247.Pro