٧
لم أستيقظ اليوم على الهدوء المعتاد، بل كان صوت صراخ، صراخ شخص مقهور وغاضب للغاية كأنه سيمزق حنجرته لأجل الإفراج عما في جوفه من غضب
نهضت بفزع واتجهت للنافذة سريعاً فالصوت قادم من الحديقة، رأيت فلاد ذو الأعين الرمادية هائج وثلاثة رجال ممسكين به بقوة كي لا يقوم بالهجوم على كارل الواقف أمامه ببرود واضعاً كلتا يديه في جيباه
"أعلم أنك فعلت هذا عمداً!! أقسم أنني سأردها لك بجثتين من عائلتك يا كارنيليوس!!"
وفورما أنهى جملته اِنقض كارل عليه وأمسكه من ياقته جاذباً إياه بقوة ليصيح "أخبرتك لسنا من فعلنا هذا! أنت حر بالتصديق لكن إذا حاولت يوماً المساس بعائلتي سأحرق منطقتك بمن فيها ابتداءاً من منزلك ولن أرحم أحد!"
ثم تركه بعنف واستدار مع أولائك الثلاثة وعادوا للداخل، تقهقر فلاد بينما يلهث لينظر مباشرة إلى نافذتي ثم استدار واتجه إلى الغابة بمشيه السريع، لكن الأمور غريبة هنا، لقد كانا يتحدثان عن الجثث، هل هناك جرائم أو ثأر بينهما؟ هذه أمور بربرية بالنسبة لعائلة محترمة كهذه
ارتديت قميص أبيض لأنه الشيء الوحيد الذي يدعو للتفاؤل وقمت بالمعتاد، لكن بعدها مضى الوقت سريعاً إلى ما بعد موعد الغداء، كنت أكبح نفسي بشدة عن سؤال روزلي عن سبب كل تلك الجلبة في الصباح
وبعدما بقيت معها لوحدنا في غرفة المعيشة اندفع الكلام من فمي لوحده "هذا الصباح رأيت فلاد، كان في قمة الغضب والحزن، لكني شعرت أيضاً أنه يخطط لشيء ما… لأنه رحل دون أن يضيف تهديد آخر… والبعض يفعلون هذا كي لا يُحذّروا ضحاياهم لأنهم يريدون إيذائهم على حين غرة"
عقدت روزلي حاجبيها باستغراب وانبهار، التفتت إلى باِهتمام لتتلفظ "كيف تعرفين كل هذا؟"
رمشت باستغراب لأجيب "لا أعلم… أنا فقط أقول ما رأيت"
هزت رأسها قائلة "لا أقصد هذا، المهم هو ألا تقلقي حيال شيء… هذا الرجل غاضب وعندما يهدأ سيجد أن ما قام به اليوم أكبر حماقة" ربتت على كتفي بتبسم لتنهض وتصعد غرفتها
تركتني وحدي ولم يكن لدي شيء لأفعله فخلعت قلادتي وتأملها بين يدي، سمعت صوت عدة أشخاص يضحكون ويغنون داخل رأسي "عيد ميلاد سعيد! عيد ميلاد سعيد يا بيرل" ورأيت الكثير من الأجساد كالأطياف أمامي لكن لم تكن لديهم ملامح إلى أن استفقت فجأة من ذاكرتي التي أخذتني في رحلتها على لمس هيوغو الصغير لكتفي وكان واقفاً بجانب الأريكة ويده الأخرى خلف ظهره
تبسمت بخفة لأعيد ارتداء القلادة، وهو كان ينظر إلي ببراءة، تبسم ثم قدم لي وردة بيضاء في يده التي كان يخبئها فاتسعت عيناي لأسأل "أهذه لي يا هيوغو"
أومأ بشدة ووضعها في يدي فتبسمت بعُرضة لأبعثر شعره كثيراً وأقبل جبهته قائلة "شكراً لك… أنت أول من يعطيني وردة حتى الآن"
تأملت الوردة خاصته قليلاً فشعرت به يسحب يدي، هززت رأسي بتساؤل فأشار بيديه لأن آتي معه
عقدت حاجبي قائلة "إلى أين"
وضع إصبعه على فمه وصدر منه "صه" ثم سحبني مجدداً لأقف وأجاريه لعله يريد اللعب معي
لكنه اتجه بي إلى غرفة لم تطئها قدماي من قبل، غرفة بآخر زاوية من القصر وفيها الكثير من الخردوات والغبار، حركت شفاهي "هيوغو أين تأخذ_" قاطعني مجدداً واضعاً إصبعه على فمه "صه"
ثم ترك يدي واتجه إلى المدفأة الحجرية لينزل رأسه ويدخل إلى هناك مختفياً بظلامها، عقدت حاجبي واقتربت بعض الشيء وأنا أحاول إيجاده بعيني ليخرج مجدداً من هناك ويشير لي بيديه بالمجيئ
همست "حسناً سآتي معك… ولكن لن نقضي الكثير من الوقت هنا" اختفى هيوغو داخل المدفأة ثم اتجهت نحوها وأحنيت ظهري حتى تمكنت من الدخول، حيث كان داخلها ممر مظلم وضيق يتسع لطول قامتي ورأيت هيوغو واقف هناك ينتظرني
"هيوغو أعتقد أنه ليس من المفترض بنا أن نكون هنا؟"
هز رأسه نفياً ليركض إلي ويسحبني من يدي، لقد كان قوي بشكل لا يناسب عمره وأخذ ينزل بي سلالم مظلمة وضيقة وأنا أجاريه بفضول لأرى أين سنصل بالنهاية، في الحقيقة لم أشعر بساقي أبداً وكأنها تحسنت تماماً، أعتقد أني سأتفقد الجرح لاحقاً وآمل أن أتخلص من هذه اللفافة والضمادات المزعجة
إلى أن توقفنا أخيراً في ساحة فارغة شبه مستديرة وتحتوي على الكثير من الأبواب لممرات أو ربما أنفاق حجرية مظلمة وعميقة لا أحد يعلم مافي داخلها أو أين تنتهي
نظرت له بتساؤل ممزوج بقلق فتبسم لي واتجه للنفق الثالث من يمين الدرج ودخل بهدوء ولم يفلت يدي أبداً، لم يكن هناك شيء مختلف فكل المكان من بدايته كان مظلم وفارغ
وهكذا استمر بالسير متخطياً ثلاثة أنفاق إلى أن وجدت نفسي في غرفة ضخمة تحت قصر كارنيليوس، مضاءة جيداً وباردة للغاية وممتلئة بالخزائن والرفوف الموضوع عليها الكثير من المواد والسوائل والجرعات والأدوات الطبية
لكن جميع تلك السوائل كانت شفافة أو حمراء، "كل ذلك التعمق والسير والطرقات نهايتها غرفة طبية؟ ولكن لمَ كل هذا" تحدثت وأنا أنظر للصغير
حرك شفاهه "دَم"
انحنيت إليه بعض الشيء لأستطرد "هيوغو… أنا لا أفهم، وجود مكان مُخبأ تحت القصر بهذا التعقيد هو أمر غير طبيعي أبداً لكنني لا أريد البقاء هنا أكثر"
أومأ إلي ليأخذ بيدي وعدنا من حيث أتينا، وقبل أن أخرج من الغرفة أمسك بيدي هامساً بإصرار "سِرّ؟"
أومأت قائلة "حسناً سيكون سر بيننا… أعدك بذلك"
هز رأسه إيجاباً لأخرج أخيراً وأنعم ببعض الضوء، وجودي تحت القصر في الظلمة أَشعرَني بأنني كنت في قبر
صعدت السلالم في طريقي لغرفتي وأنا أحاول إزالة الأتربة عن ملابسي فرأيت كارل يتجه إلي، أمسك بيدي وشعرت أنه تعمد ذلك وتلفظ "بيرل هناك شيء عليكِ رؤيته"
سحبني لغرفته قبل أن أنطق، ثم ترك يدي قائلاً "إجلسي" أومأت وفعلت، اتجه لسُترته السوداء المعلقة على الشماعة بجانب الخزانة وأخرج منها هاتف محمول ليسير إلي سريعاً ويمسك بيدي مجدداً ويضعه فيها قائلاً "هل يبدو هذا مألوف لكِ؟"
نظرت لوجهه الجاد مطولاً لألقي نظرة على الهاتف الذي في يدي، بالبداية استغربت تصرفاته لكني تناسيت ذلك بسبب الفضول، حركت الهاتف بين يدي وقد كان بنفسجي اللون، حاولت تشغيله لكن فورما أضاءت الشاشة انطفأ مجدداً
تنهدت لأتلفظ "إنه هاتفي… عندما كنت أوبخ شخص ما بمكالمة تركته بيدي قبل أن أسقط… لكنه الآن معطل… أرجوك أخبرني أنه يمكن إصلاحه!"
أومأ بجفاف وجلس بجانبي ليتلفظ "يمكن إصلاحه لكن ذلك سيأخذ وقت طويل للغاية… ولكن أخبريني لمَ أنتِ متحمسة للرحيل؟ ألا يعجبكِ المكان؟ أهناك ما يزعجك؟"
تبسمت بعفوية لأجيب "لا أبداً… إعتدت على هذا المكان ولن أنسى أحد… حتى لو عدت إلى عائلتي أو أصدقائي أو أياً يكن سأستمر بالمجيئ إلى هنا لأراكم… شخص ما في هذا القصر أنقذ حياتي وأنا مدينة له… أخبرني مَن منهم الذي وجدني؟"
ألقى نظرة على الشماعة ليجيب "أنا" رأيت ضيق حدقتيه فتابع "لقد وجدتكِ بالصدفة تحت الجرف مباشرة"
رفعت حاجبي الأيمن بتبسم لأصرح "…شكراً لك أيها المنقذ"
"والآن أخبريني أنتِ لمَ قميصكِ متسخ"
"أجل هذا بسبب هيوغو… كنت ألعب معه بشكل فوضوي"
علت السخرية ابتسامته، لكن اتسعت عيناي عندما سمعت صوت الرعد وتساقط المطر فنهضت متجاهلة كل شيء واِنطلقت سريعاً للخارج وصولاً للحديقة ووقفت في وسط المرج كي لا يحجب شيء المطر عني
ضحكت لأصيح "هذا رائع!" رفعت رأسي للسماء وأغمضت عيني وكانت رائحة التراب وصوت المطر يُغذيني بالكثير من المشاعر والذكريات الغير مفيدة وبقيت هناك لمدة ما
إلى أن سمعت صوت أحد يقترب، استدرت لأجده رجل ثلاثيني أصهب واضعاً كلتا يديه في جيباه بملابس متسخة بللها المطر قد خرج من القصر ولم يكن مألوف أبداً وتلفظ "ليس عليكِ البقاء هنا أكثر وإلا ستمرضين"
"أنت محق وأنا اكتفيت حتى الآن… ولكن أخبرني لمَ لم ألتقي بك من قبل؟ ألست تسكن هنا؟"
تبسم مجيباً "بالطبع أسكن هنا… لكني لا أخرج كثيراً… تبدين بصحة جيدة الآن" همس بجملته الأخيرة فتبسمت لأستطرد "حسناً سرّني لقاؤك"
أنهيت حديثنا باِبتسامة وتخطيته متجهة للقصر بينما هو بقي واقفاً مكانه يشاهدني وأنا أدخل، كأنه يريد التأكد من أني لا أخدعه أو ربما لا أستطيع تحليل سبب مراقبته الثاقبة لكني عدت لغرفتي، ارتديت ملابس جديدة وجففت نفسي لأنعم ببعض الدفئ، كانت قد توقفت الأمطار حينها
وبينما كنت أحاول النوم سمعت صوت شيء نقر نافذتي بقوة ما جعلني أفتح عيني بتفاجؤ…
Bạn đang đọc truyện trên: Truyen247.Pro