١٩
لم يكن عقلي مستعد لمقتحم كهذا وفجأة ظهرت في رأسي صورة كارل لأبدأ بالصراخ بإسمه، لكنه توقف عن سحبي فجأة عندما سمع من خلفه صوت خرطشة بندقية
أمسك بذراعي بعنف واستدار بي لأتمكن من رؤية منقذي وكانت تلك ناتالي تقف بثبات ممسكة ببندقية صيد ومن عينيها الغاضبتين تسيل الدموع، صرخت بقوة "أتركها!… الآن!!"
لم أتوقع أنها ستفعل هذا، لكنها لم تجعلني أغض تفكيري عن أنها حاولت قتلي، لن أتخطى الصدمة التي تعتريني بمجرد أنها حاولت الدفاع عني، لكني لا أريدها أن تتأذى بسببي فصرخت بضعف "أهربي! أنتِ لا تعرفين مع من تتعاملين"
صَرَخَت ولم تحرك عينيها عن فلاد "لا تتدخلي! أنا أفعل هذا لنفسي… لأجل الذنوب التي ارتكبتها والتي مازالت ملتصقة في رقبتي كحبل المشنقة"
لم يكن لدي ما أقوله، لكن فلاد لا يريد تضييع وقته، كانت أعينه تتوهج بخفّة ولم تلحظ ناتالي ذلك بسبب دموعها وفي وجهه حزن ممزوج بالغضب، صاح بها بحدة "ابتعدي عن طريقي! لا تحسبي نفسكِ قوية ومُحصّنة ببندقيتك هذه أنتِ لا تعرفين من أكون"
رفعت حاجبيها كأنها تتفاجأ بسخرية، لتسقط بعض الدموع فصرحت "حقاً! لا يهمني من تكون! دع صديقتي وشأنها… لقد أقدمت على القتل من قبل ولن يصعب علي قتلك"
صرخت بها "ناتالي إرحلي أتوسل إليكِ!! هذا الرجل متوحش أرجوكِ ابتعدي!!"
"لا يهمني!" صرخت وأطلقت رصاصة فوق رأسه لأجفل وتندفع صرخة مني، إلا أنه لم يتحرك وأحكم إمساكه لذراعي وتحدث "خذي بنصيحتها وابتعدي! لا تثيري سخريتي أكثر بعد" وسحبني متخطياً إياها بخطوات سريعة فسمعت صوت رصاصة أخرى تنطلق من بندقيتها ليصيح فلاد "أيتها اللعينة!"
كانت قد أطلقت على ظهره لكنه لم يتأثر وهذا ما أصابها بالذعر، رمى بي أرضاً وبدأ يسير نحوها مشتعلاً بالغضب فلم يكن لديها خيار سوى أن تطلق المزيد من الرصاص لكنها بالكاد تُظهِر بقع دماء صغيرة على قميصه فهي لا تخترق جسده الصلب وهذه طبيعة المستذئبين، نفدت كل ذخيرتها لترمي بالبندقية على الأرض وتتقهقر بجسدها المرتجف
وقبل أن يصل فلاد إليها قفز عليه إمبروز من العدم ليسقطه أرضاً ويبدأ بلكمه لأركض نحو ناتالي المتصنمة وأمسك بيدها وأسحبها وأنا أُسرع بقدر المستطاع بخط مستقيم آملة أن أجد الطريق نحو القصر فنحن في وسط الغابة وكل الأماكن متاشبهة
لكن بضعة رجال مع ذئبين اعترضوا طريقنا فتوقفنا نراقبهم بذعر، نظرت لعيني ناتالي الخائفة لأتفوه "لم يعد هناك مهرب… لا تحاولي فعل شيء… إنهم متوحشون"
وأمسك بي أحدهم وبعدها ظهر فلاد خلفنا يلهث وكدمات طفيفة تتلاشى على وجهه وبرفقته المزيد من المستذئبين فسحب ناتالي من ذراعها لأنه يعلم أنها تموت خوفاً ويريد إخافتها أكثر خصوصاً بعد رؤيتها للذئاب الضخمة لأصرخ به بانهيار "ماذا فعلت لإمبروز!!"
"لا تخافي عليه… الجبان لم يمُت بعد" ثم حدق بناتالي ليتابع بحدة "أنظري بما ورطتِ نفسكِ ولأجل مَن؟ كان عليكِ إطلاق النار عليها!… قطيعها يريد الحرب وأنا سأنتقم لقطيعي"
لم تكن ناتالي مؤهلة لأن تواجه خطر كهذا فوق كل مشاكلها، كانت توشك على الإختناق بشهقاتها وساقيها المرتجفتان بالكاد تحملانها فصرختُ به "دعها تذهب!! مشكلتك معنا هي ليس لها شأن بما يحصل"
رمقني بحدة قائلاً "والآن أصبح لديها شأن" ثم دفعها نحو رجل آخر ليقيد يديها بإحكام وتابع "كارل وقطيعه قادمون"
"ناتالي!… لا تهلعي سيأتي من ينقذنا"
ولت دقيقتين فقط، وأحسست بأن كارل قريب، انتابتني بعض الراحة عندما رأيته قادم بمشية ثابتة وهو ينظر إلي لكنه كان وحده
ثم حدّق بفلاد وتلفظ "قبل أن تفعل أي شيء… دع رفيقتي وصديقتها… فلتواجه شخص بقوتك"
هز فلاد رأسه وصاح "لمَ لم تواجهوني إذاً عندما قتلتم أفضل أصدقائي وعندما اختطفتم الآخر!!؟"
كنت أشعر بغضبه وخوفه علي كأننا نتشارك روح واحدة لكنه كان يحاول السيطرة على نفسه واستعمال شيء أقل خطورة فقط كي لا يلحقوا بي الأذى فتلفظ "سأهرم وأنا أقول لك أننا لم نلمسه، أنا لا أعرف شيء عما تقول… لكن يبدو أنك تريد الموت لنفسك، دع رفيقتي ترحل من هنا ولن أخبرك ماذا سأفعل بك إن خُدِشَت"
أجابه فلاد "ليس وكأنك تخيفني بكلامك لكن لن أُقحم الضعفاء بيننا" ثم نظر إلينا وأشار برأسه ليتم إفلاتنا أخيراً فسقطت ناتالي أرضاً لأهرع إليها وأحاول رفعها ومساعدتها بالسير لكنها منعتني وهمست بضعف "أنا لا أستحق مساعدتك"
وقبل أن أجيبها صاح فلاد "إقضوا عليهم!" ليتحول كارل لذئب على الفور ويبدأ بمحاولة إطاحتهم لكنه كان وحده فتجمعوا عليه إلا أن ذئب أشقر جاء من بعيد ودفع بعضهم ليقف مع كارل ويسانده، كان ذلك إمبروز، كانا مسيطران على الوضع مع بعضهما، بوجود ألفا وأحد الذئاب القوية سيتمكنا من النجاة على الأقل
خلال ذلك كنت أحاول رفع ناتالي بكل جهدي لكنها ترفض النهوض وهي تصرخ "أهربي أنتِ ودعيني أموت بعُلّتي وذنبي" كان ذئب آخر يركض إلينا وعينيه علي، يعلمون أن نقطة ضعف كارنيليوس هي أنا
تركت يد ناتالي وأخذت أرمي بكل حجر أستطيع حمله عليه لكنه كان سريع وتفاداها جميعاً وبدأ بالسير ببطء مستعد للهجوم علي، صرخت بذعر وغضب "أتوسل إليكِ أهربي!!"
كانت ناتالي تحدق بالذئب القادم بخوف فارتمت إلي وعانقتني وهمست "آسفة…_" لتقطع كلامها وتسقطني وتنطلق منها صرخة قوية لأرى ذلك الذئب غارساً أنيابه على كتفها الآخر، وأخذ يسحبها عني لتسقط أرضاً وأنيابه مثبتة فيها وصراخها يوشك على تمزيق حنجرتها
كنت أرتجف بشدة عندما رأيتها تحت أنياب ذئب يهدف إلي قتلها، كان علي أنا أن أكون مكانها الآن، لكنها فضلت أن تموت وهي تنقذني مجدداً، هي تشعر بالذنب لهذا الحد
كنت أصرخ بحرقة وقلبي مقبوض لأجلها ولأني لا أقوى على فعل شيء لإنجادها لكن رغم ذلك ركضت هناك لأتعثر وأسقط بجانبها فأخذت أركله بقدمي على عينيه بكل قوّتي لكنه اندفع للخلف فجأة بخوف كأن الرياح سحبته
ليترك خلفه ناتالي التي تنزف من كتفها الأيسر بشدة وبالكاد تستطيع أخذ أنفاسها وكل ما تصدره هو الشهقات والأنين، نهضت وأمسكت برأسها ببكاء صارخ ولم تهمني الآلام والمرارة في حلقي، وخفقات قلبي الموجعة كأنها تضخ السُّم في جسدي مع كل نبضة
وضعت كلتا يدي على كتفها لأصرخ "أبقي عينيكِ مفتوحتين!! سامحيني…" همست بالأخيرة مختنقة بشهقاتي
لكنها لم تجبني بل كانت تنظر إلي وأنفاسها المسموعة الثقيلة هي الشيء الوحيد الذي يثبت أنها حية، كل الأحياء الذين يتصارعون خلقي هدأت ضجتهم فجأة بعدما أمر فلاد قطيعه بالتوقف وكارل وإمبروز توقفا أيضاً فهما لا يهدفان لقتال أحد بل فقط الدفاع عنا
وكل منهم عاد لهيأته
ليركض كارل إلي ويجلس قربي وينظر في عيني بقلق ثم عانقني وسمعت زفرة مُتعبة ومرتجفة تخرج من جوفه، كانت لديه خدوش على وجهه ودماء كثير على ملابسه لكني لم ألحظها، لم ألحظ أي شيء لأن كل ما أفكر فيه هو كيف سأنقذ ناتالي
ففصلت العناق عندما رأيت من بين الدماء المتدفقة على نحرها شيء يتوهج بخفة لأقترب إليها وأمسح الدماء عنها ودموعي تسقط فوقها وكانت علامة وجه ذئب وعندها جثى فلاد بقربها والآخرون خلفنا بحالة من الذهول
وضع فلاد يده على نحره حيث علامته المميزة، والتي ظهرت الآن عند ناتالي ليمسك بوجهها وفي عينيه المتسعة بعض الدموع لأصرخ "أنظر ماذا فعلت!! أأنت سعيد الآن!!؟"
أمسكت بيدها لأهمس "لا بأس! ستكونين بخير أعدكِ… فقط أبقي عينيكِ مفتوحتين وتنفسي… نحن أفضل الأصدقاء صحيح!؟"
لكنها لم تجبني، يكفيني فقط أنني أسمع أنفاسها
نظر فلاد إلى كارل وعينيه متسعة ليتمتم "عِقاب!؟…" تحدث بصوت مسموع مرتجف "أنت تستطيع مساعدتها! أرجوك أنقذها!! سأفعل أي شيء_" قاطعته ممسكة بذراعه "كارل الدواء!! إفعل ذلك أرجوك!"
شابك فلاد كلتا يديه ليتلفظ بتوسل ووجهه خائف وأسنانه ماتزال بارزة "أرجوك… سأفعل أي شيء مقابل أن تنقذها!"
كارل كان يريد مساعدتها منذ البداية، لكن صفة سيئة فيه جعلته يماطل كي يذُلّ فلاد ويجعله يرجوه ويجبره على النظر إلى أخطاءه، لكنه قرر فعلها سريعاً لأجلي فنهض ليصيح "خذوها إلى القصر بسرعة!! إمبروز… إذهب معهم، هيا تحركوا"
رفع فلاد ناتالي على ذراعيه وكانت نظرته لها تشعرني بالأسى عليه، الذنب والغضب والحزن جميعها معاً، ليركض سريعاً متجهاً للقصر مع إمبروز وبعض من قطيعه سوياً
أمسك كارل بوجهي ومسح دموعي بإبهاميه ليحتضنني هامساً "لا بأس… كل شيء بخير الآن" قبّل رأسي ليتابع "ناتالي ستكون بخير… لم أكن لأساعده بعد كل ما فعل لولاكِ… إنه مدين لكِ"
"خذني إليها… أريد رؤيتها تتعافى" ……
Bạn đang đọc truyện trên: Truyen247.Pro